مسئولون: التوترات الجيوسياسية وضعف الجنيه يهبطان بمصر للمركز الرابع فى تمويلات الشركات الناشئة

Ad

قال عدد من مسئولى شركات رأسمال المخاطر إن تراجع حجم التمويلات الموجهة لكيانات التكنولوجيا الناشئة فى مصر خلال شهر أبريل الماضى يرجع إلى عدة أسباب،أبرزها التوترات الجيوسياسية بالمنطقة، والتى أثرت على مناخ الاستثمار فى السوق المحلية، فضلا عن ضعف قيمة الجنيه مقابل الدولار.

وأوضحوا أنالمستثمرين باتوا أكثر نضجًا وحرصًا فى توجيه رءوس أموالهم نحو قطاعات واعدة تواكب التطورات التكنولوجية العالمية.

وبحسب تقرير منصة “ومضة” لريادة الأعمال، احتلت مصر المركز الرابع فى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فى حجم التمويلات الموجهة للشركات الناشئة حيث جمعت 4 كيانات 1.5 مليون دولار فقط.

وتصدرت السعودية القائمة فى حجم التمويلات الموجهة لشركات التكنولوجيا الناشئة بـ158.5مليون دولار، تلتها الإمارات إذ تمكنت9 كيانات من جمع62 مليونا، وحلت المغرب فى المركز الثالث بـ4 ملايين، حيث نجحت شركتان فى جلب تمويلات من صناديق رأسمال مخاطر.

يأتى ذلك رغم حالة الزخم الذى تشهده السوق المصرية مؤخرا فى أعداد الشركات الناشئة والجولات الاستثمارية الضخمة التى تحصل عليها وآخرها “مانى فيللوز” لحلول التكنولوجيا المالية”، والتى جمعت منذ أيام تمويلات بقيمة 13  مليون دولار لتوسيع نطاق خدمات الشمول المالى فى أفريقيا، و”ناوي” لحلول التكنولوجيا العقارية بنحو 52 مليونا لتعزيز حضورها بالمنطقة.

الطنبولي: بعضها لم يعد يواكب تطلعات المستثمرين

وأرجعأيمن الطنبولى الشريك المؤسس والرئيس التنفيذى لشركة”ExitsMENA”للاستشارات، تراجع ترتيب مصر فى تقرير”ومضة” لأبريل الماضى للمركز الرابع إلى التوتراتالجيوسياسية بالمنطقة، ونقص أعداد الشركات الناشئة التى تقدم ابتكارات حقيقية فى التقنية المتقدمة، مثل التكنولوجيا العميقة والذكاء الاصطناعي.

وقال “الطنبولي” - فى تصريحات لـ “المال” إن المتغيرات السياسية والاقتصادية العالمية بما فى ذلك القرارات الأخيرة لإدارة دونالد ترامب بشأن فرض رسوم جمركية، فضلًا عن النزاعات الإقليمية فى الشرق الأوسط والتوترات على الحدود، ألقت بظلالها السلبية على مناخ الاستثمار فى مصر.

وتابع أن عددًا كبيرًا من الشركات الناشئة المصرية لم تعد تواكب متطلبات السوق الراهنة أو تطلعات المستثمرين الأجانب، الذين باتوا يفضلون ضخ استثمارات فى شركات تقدم حلولًا مبتكرة فى مجال التكنولوجيا العميقةوالذكاء الاصطناعي.

وأكد أن معظم الشركات المحلية تكتفى حاليا باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعى فى تحسين جودة منتجاتها أو خدماتها القائمة، دون تقديم ابتكارات نوعية أو غير تقليدية، وهو ما يحدّ من جاذبيتها للمستثمرين الدوليين.

وشدد على أن الشركات الناشئة فى مصر بحاجة إلى التركيز على الابتكار، ومواكبة الاتجاهات العالمية للأسواق، مؤكدا أن هناك مستثمرين لديهم استعداد حقيقى لضخ استثمارات فى شركات مصرية، ويبدون اهتمامًا واضحًا بدخول السوق المحلية، إلا أنهم غالبًا لا يجدون فرصًا استثمارية تتماشى مع معاييرهم وتطلعاتهم.

وأكد أن عدم استقرار سعر الصرف يعنى بالنسبة للمستثمر ضعف قدرته على التنبؤ بالعائد الحقيقي، وبالتالى يتوجهون إلى أسواق ناشئة أخرى أكثر استقرارًا فى العملة.

عبد الغفار : يجب التركيز على التوسع خارج البلاد

واتفق معه فى الرأى الدكتورهشام عبد الغفار،الشريك المؤسس لمسرعة الأعمال “ ميناجورس”MenaGurus، مؤكدًا أن عدم استقرار سعر الصرف يقلل من ثقة المستثمر الأجنبي، وخاصة فى قطاع حساس مثل الشركات الناشئة – على حد تعبيره.

ورأى “عبد الغفار” أن انخفاض قيمة الجنيه يزيد من صعوبة تخارج المستثمر الأجنبي، لأنه مع تحويل استثماراته إلى الدولار ستقل قيمتها ومن ثم صعوبة جذب مستثمرين جدد.

ونصح رواد الأعمال بالتركيز على التوسع فى الأسواق الخارجية وزيادة أنشطة التصدير، بما يتيح لهم تحقيق عوائد دولارية، وهو ما يعزز قدرتهم على جذب الاستثمارات، نظرا لسهولة تقييم الأداء والعوائد بالدولار بالنسبة للمستثمرين الأجانب.

رشاد : ضرورة مراجعة الأطر التشريعية والتنظيمية المنظمة

من جانبه، قالأحمد رشاد استشارى فى مجال الإدارة ووضع الاستراتيجيات ومؤسس منصة بيزنس بالعربي، إن بناء بيئة صحية ومستدامة لريادة الأعمال فى مصر يتطلب توافر 3 عناصر رئيسية، تعتبر حجر أساس لجذب الاستثمارات الأجنبية وتعزيز قدرة الشركات الناشئة على النمو والمنافسة.

وأضاف أن العنصر الأول يتمثل فى تسهيل تدفق رؤوس الأموال الأجنبية للشركات الناشئة المحلية، خاصة وأنها إحدى أهم مقومات تعزيز بيئة ريادة الأعمال، مشددًا على أهمية وجود صناديق استثمار متعددة الأحجام وموزعة القطاع.

وتابع أن الشركات الناشئة بطبيعتها تحتاج إلى رؤوس أموال كبيرة نسبيًا فى مراحلها الأولى، نظرًا لاعتمادها على الابتكار والنمو السريع، وبالتالى فإن جذب التمويل الأجنبى يُعد ضروريًا لتطوير هذه الشركات، وتحويلها إلى لاعبين مؤثرين فى الأسواق المحلية والإقليمية والعالمية.

وأوضح رشاد أن التقلبات الحادة فى سعر صرف الجنيه مقابل الدولار تشكل أحد أهم العوائق أمام تدفق الاستثمار الأجنبي، حيث تؤثر بالسلب على قدرة المستثمر على تقييم العوائد الحقيقية لاستثماره، وعلى سهولة التخارج من السوق لاحقًا.

وأوضح أن المستثمر قد يخسر جزءًا كبيرًا من أرباحه المحققة عند تحويلها إلى عملة صعبة، مع تراجع قيمة الجنيه المصرى أمام الدولار، وبالتالى هذه الضبابية فى العائد تجعل كثيرًا من المستثمرين يترددون فى ضخ رؤوس أموالهم فى السوق المصرية، ويفضلون بيئات أكثر استقرارًا.

وتابع أن العنصر الثانى يتمثل فى تأهيل الكفاءات ومكافحة هجرة العقول التكنولوجية المبتكرة، مشيرًا إلى أن توفر المواهب والكفاءات هو العامل الثانى الحاسم فى بناء بيئة ريادية قوية.

ولفت إلى أن السوق المصرية تعانى من هجرة العقول والكفاءات الشابة نحو دول الخليج، التى تقدم حوافز مالية مغرية تتفوق بكثير على ما يمكن أن تقدمه الشركات الناشئة المصرية، مما أدى إلى ندرة فى الكوادر المؤهلة، الأمر الذى يضع رواد الأعمال فى موقف صعب عند محاولة تشكيل فرق العمل، حتى لو كانوا مؤسسين على درجة عالية من الكفاءة والاحترافية.

ودعا إلى ضرورة إعادة النظر فى الإطار القانونى والتشريعى الذى يحكم عمل الشركات الناشئة فى مصر، موضحًا أن هناك حاجة ملحة لتطوير قوانين تُراعى طبيعة هذه الشركات، وتوفر لها تسهيلات ضريبية، ومساحات مكتبية بأسعار رمزية، واتصال إنترنت عالى السرعة بأسعار تنافسية.

وشدد على أن التشريعات الحالية لا تتماشى مع متطلبات العصر،ولا تقدم الضمانات الكافية التى تطمئن المستثمر الأجنبى على أمواله.

وأكد أن ثقة المستثمر لا تُبنى فقط على الأفكار أو الكفاءات، بل أيضًا على البيئة القانونية والتنظيمية التى تحكم السوق.

وألمح إلى أن غياب الاستقرار فى سعر صرف الجنيه وتراجع القوة الشرائية للعملة المحلية أثر سلبًا على جذب الاستثمارات الأجنبية وعلى سوق العمل المحلي، حيث أدّى إلى تدنى الأجور مقارنة بالأسواق الإقليمية، موضحا أن هذا التراجع دفع العديد من رواد الأعمال المصريين إلى نقل نشاطهم إلى دول مثل الإمارات والسعودية، التى تقدم بيئة أكثر دعمًا وتشجيعًا لنمو الشركات الناشئة.

وأشار إلى أن السوق الخليجية لاسيما فى كل من الإمارات والسعودية، تعد من أكثر الوجهات جذبًا للشركات الناشئة المصرية، نظرًا للتشابه الكبير فى التحديات والظروف السوقية، فضلاً عن القواسم الثقافية والمجتمعية المشتركة التى تسهل على رواد الأعمال المصريين التكيف والاندماج.

وأضاف أن السوق الخليجية تمتاز بحجم كبير يضم أكثر من 38 مليون نسمة، مما يوفر فرصًا واسعة للنمو والتوسع، كما أن الحكومات هناك تهتم بتوفير البيئة الداعمة للاستثمار والبنية التحتية المتطورة، وبالتالى أصبحت دول الخليج خيارًا مفضلًا للعديد من رواد الأعمال المصريين لتأسيس شركاتهم هناك.

وفى الوقت ذاته، أشار إلى أن عددًا كبيرًا من هذه الشركات لا يزال يحتفظ بمراكز التشغيل والإدارة الأساسية فى مصر، فيما يُعرف بـ”المطبخ الرئيسي”، نظرًا لتوافر الكفاءات الفنية والتكنولوجية، وانخفاض التكاليف التشغيلية مقارنة بالدول الأخرى، مما يحقق توازنًا بين الاستفادة من البيئة الاستثمارية الخليجية والموارد البشرية المصرية.

وأكد أن مصر تمتلك مقومات استراتيجية فريدة تؤهلها لتكون بيئة جاذبة للاستثمار وريادة الأعمال، وذلك بفضل موقعها الجغرافى المتميز الذى يربط بين 3 قارات، وامتلاكها لسوق واسعة تضم أكثر من 100 مليون نسمة، ما يجعلها وجهة واعدة لأى نشاط اقتصادي.

وأضاف أن التركيبة السكانية فى مصر تُعد من نقاط القوة البارزة، حيث يشكل الشباب النسبة الأكبر من السكان، وهو ما يمثل قوة عمل ضخمة يمكن أن تُسهم بفعالية فى تحقيق التنمية والتغيير الإيجابي، إذا ما تم الاستثمار فى تأهيلها وتوظيفها بالشكل المناسب.

وأشار إلى أن انخفاض التكاليف التشغيلية بالمقارنة مع العديد من الدول الأخرى يُعد ميزة تنافسية مهمة، يمكن أن تُعزز من فرص جذب الشركات الناشئة والاستثمارات الأجنبية، شريطة أن يتوافر توجه استراتيجى واضح من قبل الحكومة والجهات المعنية، يهدف إلى تفعيل هذه الإمكانات وتحويلها إلى فرص اقتصادية ملموسة.

وفى ختام حديثه أكد أن وجود إصلاحات جذرية فى السياسات الاقتصادية والتشريعية، وبالتالى سوق العمل المحلية ضرورية لإنعاش بيئة ريادة الأعمال فى مصر، وتحويلها إلى وجهة جاذبة لرأس المال والكفاءات، بدلاً من أن تكون بيئة طاردة لهما.

فرحات : الزخم الإعلامى تسبب فى صورة نمطية مغلوطة عن ريادة الأعمال

وأوضحمحمد فرحات، أن أحد الأسباب الرئيسية وراء تراجع التمويلات المقدّمة للشركات الناشئة فى مصر يعود إلى طبيعة بعض الممارسات السائدة داخل بيئة ريادة الأعمال المحلية، أبرزها التركيز على بيع الفكرة بدلاً من بناء نموذج أعمال مستدام

وأشار فرحات إلى أن عددًا من رواد الأعمال المصريين أصبحوا يركزون بشكل مفرط على عرض الفكرة فقط أمام المستثمرين، دون أن يرفقوها بخطط واضحة لتحقيق النمو والربحي،وهذا التوجه، وإن كان مقبولًا فى المراحل الأولى لتأسيس المشروع، إلا أنه بات ظاهرة منتشرة تؤثر سلبًا على ثقة المستثمرين.

و رأى أن التمويل الاستثمارى فى حالة وجود أفكار مبتكرة مع نموذج عمل يُترجم هذه الأفكار إلى نماذج أعمال قابلة للتنفيذ، ومقومات نمو حقيقية، وتوجه استراتيجى نحو تحقيق أرباح مستدامة والتوسع فى الأسواق، مؤكدًا أن مصر فى حاجة ماسة إلى رواد أعمال يمتلكون “نَفَسًا طويلًا”، يجمعون بين الصبر، والمهارة، والاجتهاد، وقادرين على تحويل الأفكار الأولية من مجرد تصوّرات تُعرض أمام المستثمرين إلى شركات حقيقية ذات كيانات مؤسسية مستقرة، تمتلك مقومات النمو والمنافسة فى السوق.

وشدد على أن النجاح فى ريادة الأعمال لا يتحقق فقط من خلال طرح فكرة مبتكرة، بل يتطلب التزامًا طويل الأمد ببناء نموذج أعمال فعّال، وتطوير المنتج أو الخدمة بشكل مستمر، والسعى نحو ترسيخ الحضور السوقى محليًا وإقليميًا.

وأشار إلى أن منظومة ريادة الأعمال فى مصر بدأت تنحصر فى إطار ضيق، يقتصر على النموذج الاستعراضى الذى يقدمه برنامج“Shark Tank”وعملية جمع التمويلات الاستثمارية، دون الاهتمام بالجوانب الجوهرية لبناء مشروعات مستدامة وقابلة للنمو.

وأشار إلى أن الزخم الإعلامى المصاحب لعرض الفكرة أمام ما يطلق عليهم “الشاركس” والجماهير له انعكاسات سلبية حيث أنه خلق صورة نمطية مغلوطة عن ريادة الأعمال، إذ باتت تُختزل فى مشهد تقديم عرض تقديمى أمام مستثمرين للحصول على تمويل، دون النظر إلى ما بعد ذلك من تحديات فى التأسيس والتشغيل والتوسع، لافتًا أن هذا التركيز على المظاهر الخارجية أسهم فى تشويه الفهم الحقيقى لطبيعة ريادة الأعمال، وخلق توقعات غير واقعية لدى الشباب المقبلين على هذا المجال، خاصة من الحالمين بالثراء السريع.

واختتم حديثه بالإشارة إلى أن توجهات وسلوكيات بعض رواد الأعمال أسهمت فى تحويل ريادة الأعمال إلى “فكرة سلعية مستهلكة”، تُختزل فى مجرد الحصول على التمويلات دون الالتزام ببناء مشاريع حقيقية ذات قيمة مضافة، وبالتالى هذا النمط من التفكير أدى إلى فشل عدد كبير من الشركات الناشئة جراء غياب الرؤية الواضحة، وضعف التنفيذ، وغياب الجدية فى تحقيق النمو والإيرادات المستدامة.

وأضاف أن تكرار هذه التجارب السلبية يُثير مخاوف المستثمرين الذين يبحثون عن فرص استثمارية حقيقية فى شركات تمتلك خططًا واضحة للنمو، ونموذج عمل قوي، وفريقًا قادرًا على التنفيذ وتحقيق العوائد.