قال خبيران إن التقلبات التى شهدتها مستويات السيولة فى القطاع المصرفى المصرى خلال العام الماضى والربع الأول من 2025، مدفوعة بسياسات البنك المركزى الهادفة إلى إدارتها وكبح جماح التضخم.
وأوضحا أن هذه الخطوة، بالإضافة إلى أدوات سحب السيولة الأخرى مثل الودائع الأسبوعية، تعكس جهود “المركزي” لامتصاص الفائض النقدى وتحفيز البنوك على الاستثمار الأمثل.
ورأى الخبيران أن هذه التقلبات تعكس سعى “المركزي” لتحقيق توازن دقيق بين دعم النشاط الاقتصادى والسيطرة على التضخم، مع التأكيد على أهمية إستراتيجيات طويلة الأجل لتحفيز الاستثمار والإنتاج لتحقيق استقرار اقتصادى مستدام.
ووفقًا لتقرير السياسة النقدية الصادرعن البنك المركزى عقب رفع أسعار العائد الأساسية بمقدار 600 نقطة أساس فى مارس 2024، تراجع فائض السيولة الفائضة من ذروته المسجلة فى فبراير 2024عند 1.27 تريليون جنيه (ما يعادل 17 مرة من نسبة الاحتياطى الإلزامي) إلى 809.1 مليار فى مارس 2024 و990.9 مليار فى أبريل من العام نفسه، وذلك فى ضوء قيام البنك المركزى المصرى بتعديل سعر العائد الأساسى بهدف سحب فائض السيولة والحد من الضغوط التضخمية.
وقال الدكتور حازم وجدى زيدان، الخبير المصرفي، إن تراجع فائض السيولة فى البنوك خلال 2024 والربع الأول من العام 2025، يرجع لعدة أسباب رئيسية.
وأفاد بأن البنك المركزى يتبع سياسة نقدية مرنة تهدف إلى إدارة السيولة بكفاءة، ومن أهم أدواته سحب فائض السيولة من السوق عبر الودائع الأسبوعية ذات العائد الثابت، وذلك لكبح جماح التضخم وتحفيز البنوك على استثمار الفائض لدى “المركزي” بدلا من توظيفه فى قروض استهلاكية أو ذات مخاطر مرتفعة.
واعتمد البنك المركزى المصرى فى أول أبريل 2024، سياسة التخصيص الكامل (Full Allotment) فى عملياته بالسوق المفتوحة، بقبول جميع العروض المقدمة من البنوك المؤهلة، مع تدوير العملية الرئيسية لأجل 7 أيام إلى عملية بسعر عائد ثابت، مع التخصيص الكامل عند سعر متوسط “الكوريدور”.
ويأتى هذا التحول فى إطار جهود البنك المركزى لتعزيز كفاءة إدارة السيولة فى القطاع المصرفي.
وتدعم هذه السياسة توجيه متوسط سعر العائد المرجح لليلة واحدة فى سوق “الإنتربنك” نحو سعر العملية الرئيسية وبما يلبى احتياجات السوق، وقد أسهم ذلك فى تعافى معدل السيولة الفائضة لتسجل 99.9 مليار جنيه (ما يعادل 1.3 مرة من نسبة الاحتياطى الإلزامي) خلال الشهر نفسه، وفقًا لتقرير البنك المركزي.
وأضاف “زيدان” أن التراجع فى فائض السيولة يعكس نجاح “المركزي” فى تحقيق هدف رفع أسعار الفائدة، حيث إن ارتفاع تكلفة الأموال فى البنوك جعل البنوك تفضل إيداع السيولة لدى “المركزي” بعائد مرتفع مقارنة مع العائد على أذون الخزانة الذى يقل عنها، مما أدى إلى امتصاص جزء كبير من السيولة.
وأكد أن البنك المركزى يهدف من هذه السياسة إلى تحقيق استقرار الأسعار عبر تقليل التضخم، حيث يتوقع تراجع معدل التضخم تدريجيا ليصل إلى مستهدفه حوالى %7 ±2% بحلول الربع الأخير من 2026، مما يتطلب ضبط السيولة فى النظام المصرفى.
وأوضح أن معدل فائض السيولة الطبيعى فى البنوك، ليس ثابتا ويختلف حسب ظروف السياسة النقدية والاقتصادية، لكن وفقا لتقرير “المركزي” فإن وجود فائض سيولة كبير جدا (فوق التريليون جنيه) قد يشير إلى تراكم سيولة غير مستثمرة فى الاقتصاد، وهو ما يسعى “المركزي” إلى تقليله عبر أدوات امتصاص السيولة مثل الودائع الأسبوعية.
وأكد أن المعدل الطبيعى يجب أن يكون متوازنا بحيث يدعم النشاط الاقتصادى دون أن يسبب تضخما مفرطا أو نقصا فى السيولة.
ورأى “زيدان” أن سياسة سحب السيولة تعتبر أداة مؤقتة وفعالة لتحقيق الاتزان النقدي، مع ضرورة التركيز على تحفيز الاستثمار والإنتاج لضمان استدامة الاستقرار الاقتصادى طويل الأجل، مع الأخذ فى الاعتبار أن معدل فائض السيولة “الطبيعي” يجب أن يكون متوازنا بحيث لا يسبب تضخما مفرطا ولا يعيق النشاط الاقتصادي.
وأوضح محمد بدرة، الخبير المصرفى أن السبب وراء الفائض فى السيولة فى تلك الفترة لدى القطاع المصرفى المصرى يعود إلى إستراتيجية اتبعتها البنوك خلال الفترة الماضية، حيث قامت بتوظيف جزء كبير من ودائعها فى أدوات الدين الحكومى المتمثلة فى أذون وسندات الخزانة.
وأضاف “بدرة” أن البنوك فضلت الاحتفاظ بمستويات سيولة مرتفعة، وأن هذا التوجه ساهم بشكل ملحوظ فى ارتفاع أرباحها.
وأرجع ذلك إلى أن استثمار محافظها المالية فى أذون الخزانة والسندات الحكومية يمثل أحد المصادر الرئيسية للإيرادات بالنسبة للبنوك.
وأشار الخبير المصرفى إلى أن هذه الإستراتيجية، المتمثلة فى زيادة الاستثمار فى أدوات الدين الحكومى والاحتفاظ بسيولة عالية، جاءت فى ظل الظروف الاقتصادية السائدة وتقلبات الأسواق، حيث تعتبر أدوات الدين الحكومى ملاذًا آمنًا نسبيًا للاستثمار.
ولفت “بدرة” إلى أن ارتفاع أرباح البنوك الناتج عن هذا التوجه يعكس إدارة رشيدة للموارد المتاحة والقدرة على تحقيق عوائد جيدة من خلال الاستثمار فى الأدوات المتاحة فى السوق.
وأكد أن القطاع المصرفى يتمتع بمستويات سيولة جيدة، وأن قدرة البنوك على تحقيق الأرباح من خلال الاستثمار فى أدوات الدين الحكومى تعكس متانة القطاع وقدرته على التكيف مع الظروف المختلفة.
زيدان: رفع الفائدة نجح فى تحويل مسارها النقدى
بدرة: جزء من محافظ أذون الخزانة يدعم الأرباح
