رحبت السوق الملاحية والتجارية بالإجراءات الجديدة المزمع تطبيقها خلال الفترة المقبلة، لخفض زمن الإفراج الجمركى وتسريع وتيرة خروج البضائع لتقليل الغرامات التى يتحملها المستوردون، ويتم اضافتها على السلع لتصل المستهلك مرتفعة القيمة فى نهاية المطاف.
واستطلعت “المال” آراء السوق الملاحية والتجارية حول إمكانية تطبيق الإجراءات الجديدة، ومدى فاعلياتها على المستوردين، وجوانبها الإيجابية.
طلبات المستثمرين
بداية أشار محمد العرجاوي، نقيب مستخلصى الجمارك بالإسكندرية، ورئيس لجنة الجمارك بالشعبة العامة للمستوردين بالاتحاد العام للغرف التجارية، إلى أن الإجراءات الجديدة التى أعدتها وزارة الاستثمار، جاءت بناءً على طلبات المستثمرين التى تم تقديمها فى عدة اجتماعات ضمت ممثلين من كل الجهات المعنية.
وأضاف أن السنوات الماضية شهدت العديد من المبادرات بهدف تسريع الإفراج الجمركي، بالمنافذ المختلفة، إلا أن المشكلة الرئيسية كانت فى عدم التطبيق العملى على أرض الواقع، بالإضافة إلى صدور قانون جمارك ولائحته التنفيذية، إلا أن هذا لم يتم بنسبة %100 وهو ما أدى إلى تراجع ترتيب مصر فى مؤشر اللوجستيات.
وأوضح “العرجاوي” أن السبب الرئيسى فى عدم ظهور نتائج لها، هو افتقاد العديد من العاملين بالمنظومة الجمركية لتطبيق الحلول لكافة المشكلات التى تواجه عملية الإفراج الجمركي، مطالبًا بضرورة رفع كفاءة المسئولين عن تلك المنظومة سواء العاملين “موظفى الجمرك” وزباقى الجهات المسئولة عن البضائع بالمنافذ، والمتعاملين من المستخلصين والمستوردين والمصدرين، والشركات المختلفة.
وأوضح أن الإجراءات الجديدة تنقسم إلى تعديلات فى قانون الجمارك، والتى تحتاج إلى تمريرها بمجلس النواب، بالإضافة إلى تعديلات على اللائحة التنفيذية بقانون الجمارك، والتى يمكن أن تتم بقرارات وزارية، وتمثل قرابة %60 من الإجراءات.
وتابع أن الإجراءات الجديدة، فى حال تطبيقها ستحل قرابة 80 إلى %90 من المشكلات التى تواجه المنظومة الجمركية، والتى بدورها ستكون المفتاح الرئيسى لجذب الاستثمارات الأجنبية فى مختلف الأنشطة والمجالات مطالبًا بضرورة وضع حلول لحل المشاكل التى يقع فيها العاملون بالمنافذ الجمركية، والمتعاملون معهم من مستخلصين ومستوردين ومصدرين.
النظام الإلكتروني
لفت “العرجاوي” إلى أن مصلحة الجمارك كانت تسعى خلال السنوات الماضية لحل تلك المشاكل من خلال الميكنة، لكن كان “النظام الإلكتروني” له بعض العواقب السلبية وهو تأخير الإفراج الجمركي، بالإضافة إلى دفع العديد من الرسوم للأرضيات، والضغط على الدولار بالسوق المحلية.
وأوضح أن أهم العقبات التى تواجه تطوير المنظومة الجمركية، هو عدم وجود معايير لقياس أداء موظفى الجمارك والجهات الرقابية المسئولة عن الإفراج الجمركي، حيث يتم قياس أداء الموظف من حيث عدد الشهادات التى تم الإفراج عنها والانتهاء منها، بينما من الأفضل أن يتم قياس الأداء من خلال وضع حلول للمشكلات التى تواجه المنظومة ذاتها.
وكانت “المال” حصلت على تفاصيل مبادرة تحسين الإجراءات الجمركية، والتى وصلت إلى 30 إجراءً منها ما يتعلق بتسهيلات فى سداد الضريبة الجمركية، وتيسير نظام التخليص المُسبق، وتفعيل خدمة الاستعلام المُسبق، ونشر دليل بالإجراءات الجمركية للواردات والصادرات وتجميع المنشورات الجمركية، وتعزيز التواصل الفعّال مع المتعاملين مع الجمارك.
تقاعد الكفاءات
بدوره قال هانى صقر مستخلص جمركى بالمنطقة الصناعية جنوب بورسعيد، إن منظومة ميكنة الجمارك والتى قامت بها الشركة المصرية للتجارة الالكترونية” mts“ وتم تنفيذها بهدف تسريع وتيرة الإفراج الجمركى عن البضائع، ساهمت فى زيادة الزمن المستغرق للإفراج عن البضائع.

وأضاف أن هذا يتضح من خلال مراجعة زمن الإفراج عن الشهادات الجمركية قبل تطبيق المنظومة وبعدها، لافتًا إلى أنه فى ظل خروج الكفاءات الجمركية للتقاعد افتقدت العمليات الجمركية للخبرة، فيما يتم إنتداب معظم موظفى الجمارك من جهات مختلفة، وهو ما يحتاج إلى إدراج عنصر التدريب العملى بالمنظومة والإجراءات الجديدة.
وأكد على أن موظف الجمرك فى مرحلة الكشف عن البضاعة، يعتبرها مهربة فى حالة وجود أى أخطاء فى البيانات، وذلك بالمخالفة للائحة التنفيذية لقانون الجمارك، لافتًا إلى أن هناك تخوفًا دائمًا من قبل العاملين وهو ما يؤدى إلى هروب الاستثمار من السوق المحلية، وتخوف دخول الاستثمار الأجنبي.
وطالب “صقر” بضرورة معالجة التعديلات الجديدة، لمشكلة انعدام التواصل مع منظومة نافذة والمركز اللوجستى المطور، وكذا تفعيل الخطوط الساخنة للرد على شكاوى المتعاملين، بالإضافة إلى توحيد جهة التتمين والتسعير، وتسريع الإفراج الجمركى عن مستلزمات الإنتاج.
استمرار التطوير
من جانبه أكد أحد مستخلصى جمارك ميناء الإسكندرية، على ضرورة أن تشمل الإجراءات الجمركية الجديدة التدريب على تطبيق مفهوم الجمارك المرتبطة بالمعايير البيئية الدولية، ومطابقة الشحنات لها حتى لا يؤثر ذلك على زمن الإفراج الجمركى أو قبول ورفض البضاعة، وكذلك وضع معايير واضحة للتعامل مع المنتجات المتعلقة بالطاقة المستدامة من حيث تصنيفها ومواصفاتها ومستنداتها المطلوبة ودور المستخلص الجمركى فيها ودراسة المعايير والاتفاقيات الدولية التى وقعت عليها مصر فى هذا النشاط.
كما أشار إلى ضرورة استمرار تطوير الإجراءات الجمركية وتكامل الجهات المعنية بالمنظومة الجديدة، وذلك لتقليص الزمن الفعلى للإفراج الجمركى دعمًا لتحسين بيئة الأعمال وجذب المزيد من الاستثمارات، مطالبًا بتحديث التشريعات واللوائح لمواكبة سعى العالم نحو تطبيق الذكاء الاصطناعى فى الإجراءات الجمركية، بالإضافة إلى تعريب المصطلحات وتحديد المقابل العربى لها بحيث تكون سهلة الاستخدام فى القرارات والقوانين.
خلل تشريعي
ودعا جمال حسنى متولى نائب شعبة مستخلصى جمارك بورسعيد الأسبق ورئيس مجلس إدارة شركة سيلفر تيم كوربوريشن للتخليص الجمركي، إلى إستقرار المناخ التشريعى الجمركى وإبعاد الشئون القانونية بالمناطق الجمركية من الفتوى فى الأمور الفنية المتعلقة بالمنظومة الإستيرادية والجمركية بجانب تطبيق اللائحة والقانون الجمركي، وكذا توحيد جهات تحصيل الرسوم المتعلقة بالشهادات الجمركية.

وطالب بمراجعة التشريعات التى تتنافى مع قانون الجمارك، موضحًا أنه فى الوقت الذى أعفى القانون الجمركى للتجارة العابرة من ضريبة القيمة المضافة “بشرط أن يتم النقل تحت رقابة مصلحة الجمارك”، يتم تحصيل ضريبة قيمة مضافة على خدمات الترانزيت، لافتًا إلى أنه بالشكوى لأحد رؤساء الجمارك أكد على وجود خلل تشريعى بقانون القيمة المضافة وحتى الآن لم يتم تدارك هذا الخطأ ولم يتم التعديل، مشيرًا إلى أهمية إدراج هذا الإجراء بالتعديلات المرتقبة.
وأشار إلى أن جميع الدول التى تتنافس على جذب تجارة الترانزيت لا تخضع للقيمة المضافة ولكنها تقوم فقط بتحصيل مقابل الخدمات ويقوم مقدم الخدمة بسداد ما يعرف برسم ضريبة الدخل.
وحذر من قيام وزارة المالية بفرض ضريبة قيمة مضافة على أى خدمات مصاحبة للترانزيت مثل عمليات النقل بالقطار السريع ومناطق التخزين التى يتم إيداع البضائع بها يهدد بتراجع النشاط، خاصة وأن الدولة تقوم حاليًا لإقامة عدة مشروعات قومية وتوسعات فى الموانئ والمناطق اللوجستية لجذب تجارة الترانزيت تحديدًا.
وطالب “متولي” بضرورة أن تكون قيمة الرسوم متناسبة مع الخدمات المقدمة دون مبالغة مع الإعفاء من كافة الضرائب، لافتًا إلى أن ما يقرب من 300 شركة تعمل فى خدمات الترانزيت.
قصور وتحديات
وتحدث عادل اللمعى عضو مجلس الشيوخ ورئيس غرفة ملاحة بورسعيد، عن أن المجلس ناقش مؤخرًا تقرير لجنة الشئون المالية والاقتصادية والاستثمار، حول الدراسة المقدمة من النائب محمد أبو غالى بخصوص تطوير النظام الجمركى من خلال دراسة تحليلية لقياس زمن الإفراج.
وتابع أن الدراسة رصدت عددًا من التحديات التى تؤثر على سرعة الإفراج الجمركي، والتى ينبغى النظر فيها ووضعها فى الحسبان عند البدء فى تطبيق الإجراءات الجمركية الجديدة.
وأوضح أن أبرز ما جاء فى تلك الدراسة، كان الاعتماد على المستندات الورقية رغم وجود نظام رقمى وضعف التكامل بين النافذة الواحدة والجهات الرقابية مما يدفع المستوردين لتقديم الموافقات يدويًا، كما أن بعض الخدمات مثل رسوم التخزين وإذن التسليم وإشكاليات النماذج البنكية التى قد لا تظهر على النافذة رغم دمجها وإرتفاع معدل التفتيش المادى نتيجة ضعف تفعيل إدارة المخاطر.
وتابع “اللمعي“ أن الدراسة أشارت إلى وجود قصور فى تطبيق الإفراج المسبق حيث لا يتم الإفراج الجمركى إلا بعد التفتيش وسداد الرسوم وكذلك تطوير المنظومة الجمركية ضرورة ملحة لتعزيز بيئة الأعمال ودعم حركة التجارة الدولية.
الإجراءات الجديدة
من جهته أوضح مصدر جمركى بمصلحة الجمارك، أن الإجراءات الجمركية الجديدة والتى تشمل 30 إجراءً جديدًا حصلت خلال الأسبوع قبل الماضى على موافقة من رئيس مجلس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي.
وأضاف أنه يجرى العمل على وضع الأولويات لتنفيذ تلك الإجراءات على أرض الواقع، وذلك بالتعاون مع الجهات المعنية من الغرف التجارية والملاحية، متوقعًا تنفيذ تلك التعديلات خلال عام على أقصى تقدير.
وتشمل الإجراءات المرتقب صدورها عن مصلحة الجمارك، إمكانية تقسيط الضريبة الجمركية على مستلزمات الإنتاج الواردة للمشروعات الإنتاجية على غرار ما سُمح به قانون الجمارك الحالى للآلات والمعدات والأجهزة وخطوط الإنتاج وذلك بحد أقصى 6 أشهر.
ونصت التعديلات، على أنه مع الإعفاء من سداد الضريبة الإضافية خلال الثلاثة أشهر الأولى، وفى حالة تأخر طالب التقسيط على سداد أحد الأقساط تستحق باقى الضريبة الجمركية، وكذا الضريبة الإضافية، كما يتم أخذ كافة الضمانات الواردة باللائحة التنفيذية مع إضافة بعض الضمانات المقبولة جمركيًا مثل وثيقة التأمين.
