Ad

لا أحد يعرف بداية تاريخ قبيلة المصير أو أسطورة كبيرها “زوخ المصيري” مع بناء قلعتهم الخالدة فى أرض بئر طويل؟ وهى وإن عُرفت لقبائل البئر بقلعة المصير، كانت مكونة من “بيت المصير” وحزمة خماسية من القلاع الأخرى أقل حجما وسكانا، ولكنهم عُرفوا للجبال والصحراء وقبائل المنطقة بقلعة المصير! ومن زوخ المصيرى المؤسس، إلى زوخ الحادى عشر ماسخ القلعة إلى أوبرا المصير (التى عرضت فى 2012 فيلم Django Unchained)، إلى مفجور المصيرى قائد أوركسترا المصير مؤسس مبدأ (طالما المصير هو القانون فلا قانون إلا المصير!)، إلى مطراق المصيرى مُفجر التحديث وفرنشايز الغرائب فى أوبرا المصير.

بعد أعوام طويلة جدا من استقرار «بئر طويل» داخل أوبرا المصير وتحول قلاع المنطقة إلى سوبرماركتات عالمية، حانت لى فرصة المراقبة من خلف ستار القاعة، للعشاء الفاخر لزوخ الخامس والعشرين المميز بالمحاكاة ومحالفة الأموات! فكانت ليلة وثقتها جدران قاعة الاحتفالات ومائدة العشاء الأخير للزوخ المميز حضرها حلفاؤه الجدد الغابرين! حيث ترأس “نابليون” الطاولة من الجنوب، وترأس “كالفين كاندي” الطاولة من الشمال، على يمينه رئيس عبيده المدجنين “ستيفن” وعلى يساره “ديجانجو” ذو الصمت الفصيح، وعلى يمين ويسار الطاولة اصطف بابتسامات منحوتة رؤساء ساحر الكهرباء، الصخور السوداء، صقور السماء، الأحجار السوداء، مصنع الذكاء، الباحث، الساحرة المستديرة، وصلّني، الفقاعة السوداء، الدماغ المعدني! وفى أرجاء القاعة توزع عدد محدود من Standing Tables يختلف عليها من وقت لآخر المتوشحون والمرصعون.

كانت تركيبة الضيوف معجزة فى حد ذاتها لم يخف نابليون انبهاره بها، ورفع عينيه إلى سقف القاعة المتدلى منها تيجان الغابرين! وتساءل داخليا هل 150 عالمًا يمكن اختزالهم فى 10 مع كاندى وستيفن وديجانجو ليحققوا ما عجز عنه؟ صوّب كالفين كاندى ابتسامة صفراء توقاها نابليون بصحنه الذهبي، وقال “لقد تجاوزنا معرفة الغابر لتحقيق السيطرة على واقعه ومستقبله! أمامك المستقبل ذاته ينحت خلودا جديدا! ربما كنت أبو الرؤية التوسعية، وحققت الفتح المعرفي، وحاولت الهيمنة الاقتصادية، وسيطرت أثريا وثقافيا، ولكننا اليوم فى أوبرا المصير نقود سيمفونية جديدة تعزف حضارة أجدد؟ إنجازاتك ألهمت حتمية التفوق بالتواصل الأُحادي! ولن نحقق ذلك بدون إعادة تصميم إدراكنا لما يحوطنا ويخدم وجودنا! لذلك فأوبرا المصير موقع مناسب لساحة التمارين العصرية! لدهور طويلة كانت “بئر طويل” موجودة وسيستمر وجودها دهورا أطول، ولكن بمن ولمن؟”

تراجع نابليون فى مقعده الجنوبى وحك ذقنه ببطء وقال “اعترف يا سيد البيض، بأن التوسع واحد والزمن يتغير وكذلك أدواته، وإن تغير شكل نتائجه! ولكن تُراك ستصادف مصيرى نفسه فى زمنك؟” ابتسم كاندى بدِعة وردّ: “لعلك لم تلحظ العزيز ستيفن على يمينى وديجانجو على يساري، شركائى الجدد فى متلازمة استكوهولم الرائعة؟ فمن يمتلك المستقبل، لا يحتاج أن يعتذر عن الماضي! لا نختلف بأن النور أصله نار! وليتوهج يحتاج دوما لحطب! الفكرة أن تقنع الحطب بأهميته للنور بدون إدراكه لحُرقة النار! هنا تكمن عبقرية ضيوفى الغوالي، فهم ناحتى وصائنى ومُشذبى الحطب حتى يصلح للمساهمة فى التنوير! حتى الحطب له دورة حياة تحتاج رعاية لتحصل منه على نور مختلف ألوانه!” تأمّل نابليون فى الرد، ونظر إلى ستيفن مستفهما بيده؟ فرد بابتسامة رضا وربت على صدره بفخر، وعاد يتناول طعامه برفعة من صحنه الذهبي، وهو يشاطر ديجانجو شريحة كبد مشوية مُتبلة! فانقلب بصر نابليون له حسيرا وهو يرى ديجانجو يمضغ الكبد على مضض متحينا لحظة بصقه!

ربت رئيس الصخور السوداء على الطاولة العتيقة بيد مُقفزة ونظر لكالفين، الذى رد بسرعة: “لا تفكر! فهى لنا بالفعل ولا داعٍ للدفع فيها” فمال ستيفن على كاندى هامسا: “هناك عدة أدراج داخل الطاولة لم تُفتح من عهد زوخ المصيري، فهل أرشده لها؟” فنظر له كالفين مبتسما: “السطر الـ 13 من دفتر ملاحظاتك عن القلعة، لا تقلق، فللأدراج مالك يحميها”.

عاد نابليون يتملل متحرجا من ضخامة المقعد فلا تلمس قدماه الأرض ونظر بضيق لديجانجو صائحا: “ألم تتعلم شيئا مما تركته لك؟ أم اكتفيت بدور سينمائى انتهى مع الفيلم؟ أم أخيرا اقتنعت بأهمية بقاء شامبليون أخيرا فى السوربون؟ ثم كيف تشاركنا الطاولة وقد حاولت قلبها من قبل؟ أنا غير مرتاح مسيو كالفين لهذه الفانتازيا السوداء! فعندما لبست العمامة دخلت بخيولى الأزهر، عندما تحصنت بعلمائى أسقطت ذقن أبى الهول، عندما تزوج مينو زبيدة البواب تركها للعهر فى شوارع مارسيليا، عندما أكملنا تجاربنا النووية فى الجزائر برع جنرال بول أوساريس وشارل آيلول فى ترك بصمتنا على الأرض! ما اعتبرته أنا تمدينا ونورا رأه الآخرون نارا ولهبا! والآن تأتى لى مسيو تقول إن ستيفن وديجانجو شركاءك فى متلازمة إستوكهولم؟ هذه وضاعة فكرية لا تليق بصانع حضارات ولا نحات مستقبل! أنت كمن جعلتهم يكرزون (نُقَدِّم أنفسنا طواعية، لا لأننا مجبرون... بل لأننا فقدنا الوعى بكرامتنا)! فهل هذه رؤيتك للخلود الجديد؟

كان كالفين كاندى محترف رؤى وردود مفحمة! لم ترهبه الحركة النابليونية ورفع يده بسيجاره الفخم ورسم مربعًا فى الهواء ونظر لبونابرت خلاله وعقّب: “أنا أملك الترفيه الجماهيرى يا نابوليون، وأنت بحاجة لرضاى لتدخل اللعبة! ترفيه الجسم والعقل والقلب والروح والجيب أيضا! لم أعد أحتاج المعارف القديمة لأكتبها بلسانى وأطور حالي! كل ضيوفى ملوك الترفيه الجماهيرى ومشاركة ستيفن وديجانجو لنا على الطاولة، أعظم وسيلة لتدجين مستقبلهم الخيالى بالاستمرار هم وذووهم! لم يعد التوسع والسيطرة والهيمنة هدفنا ولا طموحنا! خُلقت الأرض حلبة لنا نُصلحها، نُعمرها، ولو نفنيها ونبيع ركامها للأنوناكي! هل تظن أن تمثال شامبليونك فى السوربون هو المعضلة؟ لقد نجحنا يا “نابو” – وبدون تماثيل – فى أن نجعل ديجانجو ذاته يحمله بداخله وهو يستطعم الكبد المُتبل الآن على طاولتنا التى تراها هزلية! لم يعد اهتمامى بتحرير الصمت، او استنطاق الحجر، أو لذة التسيد! يمكن لأى أحد من ضيوفى جعلك تشعر بذلك وأنت فى مقعدك توقع صك تأجير أوبرا المصير! مشكلتك أنك أتيت بثوب التنوير والتمدين، وأنا لا أخفى حقيقة ما أطلبه أو أمثله! فاستلابى مبرر ومأمون، و”بئر طويل” و”أوبرا المصير” تتوقعه وتنتظره وخلقنا مصالح لديجانجو فى استمرار حياته ليس إلا! وبالتالى الغريب هو وجودك أنت على طاولتي؟ لا تنكر وجود ستيفن وديجانجو بين صفوفك، ولكنى الأمر مختلف عندى تماما”

انتبهت على خفوت مشاعل القاعة تُظلم وجوه الـ 13 ضيفًا ونابليون ينسحب بهدوء، فرددت ستار القاعة لأستدير راجعا، فوجدته يغطى لوحة حجرية ضخمة محفور عليها نبوءة زوخ المصيرى على لوح المصير (للقلعة باب واحد فلا تُشركوا به – للقلعة مصير واحد فلا تشاركوا فيه – للقلعة تاريخ واحد فلا تتآمروا عليه – للقلعة حلم واحد فلا تقتلوه – للقلعة عروق ذهب فلا تموتوا إلا وهى فى أيديكم – للقلعة أحجار ولود فلا تمنحوها لعقماء - للقلعة نهر واحد فلا تبيعوه بالأمان).

وفجأة فتح مدير النور مفتاحه، ليُفاجأ الجميع بحوائط الأوبرا تتقيأ تاريخها إعلانا جديدا لثانى مرة.. (اتفرج يا سلام الليلة وكل ليلة. العرض الجديد للمصير. لحن لم يكتمل ورقص لن ينتهي. ولأول مرة تمبولا على صكوك رهن الذهب والبشر، ومناقصة رقمنة تاريخ الجدران. سارع وأحجز لحنك، فالعرض لن يبدأ أبدا).