تباينت آراء الخبراء حول قرار لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزى بشأن سعر الفائدة فى اجتماع الخميس المقبل 22 مايو الجارى، حيث يرجحون اتجاهًا نحو تثبيته أو إجراء خفض طفيف عليه، مدفوعين بارتفاع معدلات التضخم الأخيرة والضغوط المحتملة الناتجة عن زيادة أسعار المحروقات والرواتب، بالإضافة إلى توصيات صندوق النقد الدولى بضرورة التريث.
وتشهد الأوساط المصرفية حالة من الترقب الحذر قبل اجتماع اللجنة الخميس المقبل، حيث تتضارب التوقعات بين الإبقاء على أسعار الفائدة دون تغيير أو إجراء خفض طفيف، وكان البنك المركزى خفض فى اجتماعه الأخير سعر الفائدة بواقع 225 نقطة أساس، وفى ظل بيانات اقتصادية متباينة وتحذيرات من مؤسسات دولية.
الخفض والتثبيت واردان
وقالت سهر الدماطى الخبيرة المصرفية، إن قرار لجنة السياسة النقدية فى الاجتماع المقبل قد يتراوح بين إبقاء أسعار الفائدة عند مستوياتها الحالية دون تغيير أو خفضها بنسبة بسيطة.
وقررت لجنة السياسة النقديـة للبنك المركـزى المصـرى فى اجتماعها الأخير، تخفيض سعرى عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة وسعر العملية الرئيسية للبنك المركزى بواقع 225 نقطة أساس إلى %25.00 و%26.00 و%25.50، على الترتيب كما قررت خفض سعر الائتمان والخصم بواقع 225 نقطة أساس ليصل إلى %25.50.
وأوضحت أن هناك العديد من المحددات التى قد تدفع صانع السياسة النقدية لدى البنك المركزى إلى خفض أسعار الفائدة أو الإبقاء عليها كما هى دون تغيير منها: أن معدل التضخم كان قد شهد ارتفاعًا فى القراءة الأخيرة، وإن كان هذا الارتفاع قد جاء بشكل طفيف.
وعلى أساس سنوى، سجل معدل التضخم الأساسى %10.4 فى أبريل الماضى مقابل %9.4 فى مارس السابق له أما معدل التغير الشهرى فى الرقم القياسى الأساسى لأسعار المستهلكين الذى يعده البنك المركزى المصرى، فقد سجل %1.2 فى أبريل 2025 مقابل %0.3 فى أبريل 2024 و%0.9 فى مارس 2025.
وسجل معدل التغير الشهرى فى الرقم القياسى العام لأسعار المستهلكين للحضر %1.3 فى أبريل 2025 مقابل %1.1 فى أبريل 2024 و%1.6 فى مارس 2025، وعلى أساس سنوى، سجل معدل التضخم العام للحضر %13.9 فى أبريل 2025 مقابل %13.6 فى مارس 2025؛ وفقًا لما أعلنه مؤخرا الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء.
وأوضحت «الدماطى» أن رفع أسعار المحروقات، والتى اتخذت مؤخرا، قد يحمل فى طياته ضغوطا تضخمية، ومن ثم قد يدفع هذا البنك المركزى إلى التريث قبل المضى قدمًا باتجاه المزيد فى خفض أسعار الفائدة.
ورفعت الحكومة أسعار البنزين، مطلع أبريل الماضى، بنسب متفاوتة تصل إلى %14.5، حيث ارتفع بنزين 80 إلى 15.75 جنيه للتر، وزاد بنزين 92 إلى 17.25 جنيه، وارتفع بنزين 95 إلى 19 جنيها، وزاد سعر غاز الطهى إلى 200 جنيه للأسطوانة من 150 جنيها.
وقالت وزارة البترول إنه تقرر أيضا رفع سعر المازوت الصناعى إلى 10500 جنيه للطن، وطن الغاز الصب إلى 16000 جنيه، والغاز المورد لمصانع الطوب إلى 210 جنيهات للمليون وحدة حرارية بينما قررت تثبيت سعر المازوت المورد للكهرباء والصناعات الغذائية وغاز تموين السيارات.
وأفادت سهر الدماطى، الخبيرة المصرفية بأن هناك العديد من المحددات التى تحكم مسألة قرار أسعار الفائدة أبرزها: الظروف الداخلية وهى تلك المتعلقة بمعدلات التضخم والبطالة وخلافه، والظروف الخارجية وهى تلك التى تتعلق بالحرب التجارية والتوترات الجيوسياسية وغيرها، وأخيرا توقعات المستفيدين من أسعار الفائدة المرتفعة فى البنوك.
وأشارت إلى أنه من المتوقع أن تخفض لجنة السياسة النقدية أسعار الفائدة فى الاجتماع المقبل بواقع 1 إلى %2 .
التضخم وارتفاع الطلب
من جانبه، رأى محمود نجلة، المدير التنفيذى لأسواق النقد والدخل الثابت بشركة الأهلى لإدارة الاستثمارات المالية، أن كلا خيارى تثبيت أسعار الفائدة أو تخفيضها بنسبة ضئيلة واردان خلال الاجتماع المقبل للجنة السياسة النقدية.
وأضاف أن خيار الإبقاء على أسعار الفائدة عند مستوياتها الحالية دون تغيير سيكون مدفوعا بالعديد من العوامل لكن العامل الأبرز هو صعود معدل التضخم، والخوف من اتجاهه إلى المزيد من الارتفاعات الأخرى، وهو الأمر الذى سيبعدنا عن مستهدفات البنك المركزى.
وعدَّل البنك المركزى الأفق الزمنى لمعدلات التضخم المستهدفة، عند %7 إلى الربع الرابع من 2026، وعند ومستوى %5 (±2 نقطة مئوية) فى المتوسط خلال الربع الرابع من عام 2028.
وأشار «نجلة» إلى أن قرار زيادة المرتبات الذى تم اتخاذه مؤخرا قد يؤدى إلى ارتفاع التضخم من جهة الطلب، وهو الأمر الذى قد يرجح كفة تجميد أسعار الفائدة.
وأكد أحمد كجوك وزير المالية، أنه ستتم زيادة أجور العاملين بالدولة اعتبارًا من أول يوليو المقبل، مع بدء تنفيذ موازنة العام المالى الجديد 2025/ 2026، فى إطار جهود الدولة المستمرة لتحسين الأجور وتخفيف الأعباء عن المواطنين.
وأوضح أنه ستتم زيادة العلاوة الدورية %10 للمخاطبين بقانون الخدمة المدنية و%15 لغير المخاطبين بحد أدنى 150 جنيهًا شهريًا، زيادة علاوة «غلاء المعيشة» من 600 إلى ألف جنيه، وزيادة الحافز الإضافى 300 جنيه لكل الدرجات الوظيفية من «السادسة» حتى «الممتازة».
وقال "كجوك" إنه سيتم رفع الحد الأدنى للأجور إلى 7 آلاف جنيه اعتبارًا من يوليو المقبل، لافتًا إلى أن أقل درجة وظيفية ستزيد 1100 جنيه فى «إجمالى الأجر» شهريًا.
على صعيد آخر، قال "نجلة" إن السبب الوحيد، ربما، الذى قد يدفع لجنة السياسة النقدية لدى البنك المركزى لخفض أسعار الفائدة هو إيصال رسالة للسوق مفادها أنه ماض فى مسألة التيسير النقدى لا سيما بعد توسعه فى التقييد النقدى.
الضغوط التضخمية
من جانبه، توقع وليد عادل الخبير المصرفى، أن الإبقاء على أسعار الفائدة كما هى دون تغيير فى اجتماع لجنة السياسة النقية القادم هو الخيار الراجح لا سيما فى ظل ارتفاع قراءة التضخم لشهر أبريل الماضى.
ولفت إلى أن صندوق النقد الدولى أوصى مصر بعدم التسرع فى خفض أسعار الفائدة، لافتا إلى أن معطيات السوق الحالية قد تدفع باتجاه خيار التثبيت وليس التخفيض.
ورجح ماجد فهمى، رئيس بنك التنمية الصناعية السابق، اتجاه البنك المركزى المصرى نحو الإبقاء على أسعار الفائدة دون تغيير فى الفترة المقبلة.
وأوضح "فهمي" أن هذا التوقع يستند بشكل أساسى إلى المعطيات الحالية، وفى مقدمتها الارتفاع الملحوظ فى معدل التضخم خلال الشهر الماضى، والذى جاء مدفوعًا بصعود أسعار المحروقات، ووفقًا لرؤيته، فإن هذه الزيادة تجعل خيار خفض سعر الفائدة غير مناسب فى الوقت الراهن.
مطلوب إستراتيجية اقتصادية متوازنة
وفى سياق متصل، شدد على ضرورة تبنى إستراتيجية اقتصادية متوازنة فيما يتعلق بمصادر العملة الأجنبية.
وأكد أهمية تقليل الاعتماد بشكل حصرى على الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وضرورة تعزيز الإيرادات من المصادر الدولارية الأخرى.
وتتعدد المصادر الدولارية فى مصر لتشمل الصادرات المتنوعة (بترولية وغير بترولية)، وتحويلات المصريين العاملين بالخارج التى تعتبر مصدرًا حيويًا ومستقرًا، وإيرادات قطاع السياحة وإيرادات قناة السويس كممر ملاحى عالمى، بالإضافة إلى تدفقات الاستثمار الأجنبى المباشر وغير المباشر التى تسعى الحكومة لزيادتها وتنويعها لتعزيز الاستقرار الاقتصادى.
ورأى أن تنويع مصادر العملة الصعبة يمثل عاملًا حاسمًا فى تحقيق الاستقرار لسعر صرف الجنيه المصرى على الأجل الطويل.
وأشار إلى وجود تحديات ومتغيرات عالمية قد يكون لها تأثيرات غير واضحة المعالم على الاقتصاد المصرى فى الوقت الحالى.
وحذر من تجاهل هذه العوامل الخارجية، مؤكدًا على ضرورة مراقبتها وتقييم مداها المحتمل، ويأتى هذا التحذير فى ظل حالة من الضبابية التى تشهدها الساحة الاقتصادية الدولية وتقلباتها المستمرة.
وأكد الدكتور هشام حمزة، الخبير المصرفى، أن البنك المركزى المصرى من المرجح أن يتجه نحو تثبيت سعر الفائدة فى اجتماعه المقبل.
وأوضح "حمزة" أن هذا التوقع يأتى فى ضوء قرار البنك المركزى بخفض الفائدة فى الاجتماع السابق، مشيرًا إلى أن "المركزي" قد لا يرغب فى المغامرة بخفض آخر فى وقت قريب.
وأضاف أن معدلات التضخم فى مصر تقترب تدريجيًا من النطاق المستهدف الذى حدده البنك المركزى بين 5 و%9.
منع خروج الأموال الساخنة
وشدد على أهمية الحفاظ على استقرار الأوضاع المالية لمنع خروج الأموال الساخنة من السوق المصرية، وهو ما قد يؤثر سلبًا على الاحتياطى النقدى وسعر الصرف.
وارتفع إجمالى استثمارات الأجانب فى أذون الخزانة المصرية إلى 35.26 مليار دولار بنهاية يناير الماضى مرتفعًا من 32.05 مليار بنهاية ديسمبر الماضى، مع العلم أنه تم احتساب سعر الدولار بنحو 50.3 جنيه.
وأشار الخبير المصرفى إلى أنه لم يمض وقت طويل على تغيير أسعار الفائدة لدى البنوك بالتزامن مع الاجتماع الأخير للبنك المركزى.
وفى الفترة الماضية، وتحديدًا بعد قرار البنك المركزى المصرى بخفض سعر الفائدة، اتجهت العديد من البنوك العاملة فى السوق إلى تعديل أسعار الفائدة على منتجاتها المختلفة، بما فى ذلك شهادات الادخار وحسابات التوفير والقروض.
ومع ذلك، توقع "حمزة" أن يقوم "المركزي" بخفض إجمالى لأسعار الفائدة خلال العام الجارى يتراوح بين 4 و%6.
كما طرح سيناريو آخر يتمثل فى خفض سعر الفائدة بنحو 100 إلى 150 نقطة أساس بهدف تحفيز وجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة وغير المباشرة إلى البلاد.
وأكد "حمزة " أن الوضع الجيوسياسى فى المنطقة لا يزال يمثل عاملًا مهمًا يؤخذ فى الاعتبار عند اتخاذ القرارات الاقتصادية.
وأشار إلى أن الفترة الحالية تعتبر بمثابة اختبار وتقييم لنتائج خفض سعر الفائدة الذى تم تنفيذه مؤخرًا.
وتوقع الخبير المصرفى محمد عبد العال، خفض أسعار الفائدة فى مصر خلال الفترة القريبة، ورجح أن يتراوح هذا الخفض بين 1.25 و%1.50، معتبرًا أن الظروف الاقتصادية الحالية تدعم هذه الخطوة.
وشدد "عبد العال" على أهمية أخذ تحذيرات وتوصيات صندوق النقد الدولى فى الاعتبار عند اتخاذ القرارات المتعلقة بالسياسة النقدية.
تحذير صندوق النقد الدولي
وفى وقت سابق، حذر صندوق النقد الدولى مصر من التسرع فى خفض أسعار الفائدة فى ظل حالة عدم اليقين التى تسببها سياسات الرسوم الجمركية الأمريكية، وتوقعات عودة الضغوط التضخمية.
وأكد جهاد أزعور، مدير إدارة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وآسيا الوسطى بالصندوق، على ضرورة دراسة أى تخفيضات مستقبلية بعناية، والحفاظ على السياسة النقدية فى مسارها الصحيح لضمان استمرار انخفاض التضخم والوصول به إلى خانة الآحاد.
وأوضح أن مصر بدأت بالفعل مسار التيسير النقدى، وهو ما يعنى تخفيف القيود على المعروض النقدى وخفض أسعار الفائدة بهدف تحفيز النمو الاقتصادى وتشجيع الاستثمار.
وفى تحليله لأسباب هذا التوقع، أشار الخبير المصرفى إلى أن معدلات التضخم فى مصرشهدت تباطؤًا تدريجيًا فى وتيرتها باستثناء شهر أبريل الماضى، وتسير فى منحنى نزولى نحو المستويات المستهدفة من قبل البنك المركزى.
ولفت "عبد العال" إلى أن الخفض المتوقع فى أسعار الفائدة يهدف إلى دعم النشاط الاقتصادى وجذب المزيد من الاستثمارات، مع الأخذ فى الحسبان التوجيهات الدولية الصادرة عن المؤسسات المالية المعنية.
وتوقع الدكتور عز الدين حسانين، الخبير المصرفى، أن يقرر البنك المركزى المصرى الإبقاء على أسعار الفائدة دون تغيير فى اجتماعه المقبل.
وأشار "حسانين" إلى أن هذا التوقع يأتى فى ضوء التقييم الحالى للأوضاع الاقتصادية، والتى قد لا تستدعى تحريكًا لسعر الفائدة فى الوقت الراهن.
نسبة الاحتياطى الإلزامي
بالتوازى مع توقعه بتثبيت الفائدة، شدد "حسانين" على ضرورة اتخاذ خطوة أخرى مهمة على صعيد السياسة النقدية، وهى خفض نسبة الاحتياطى الإلزامى المفروض على البنوك.
وأوضح أن المستوى الحالى لهذا الاحتياطى لا يزال مرتفعًا، مما يحد من قدرة البنوك على توظيف أموالها بكفاءة أكبر.
ودعا الخبير المصرفى إلى خفض الاحتياطى الإلزامى بمقدار لا يقل عن %2، مؤكدًا أن هذه الخطوة سيكون لها تأثير إيجابى على القطاع المصرفى، حيث ستساهم فى توفير سيولة إضافية للبنوك، وهذه السيولة يمكن توجيهها نحو زيادة حجم الائتمان المتاح للقطاعات الاقتصادية المختلفة، وبالتالى دعم النمو الاقتصادى.
وفى سبتمبر 2022، رفع المركزى المصرى نسبة الاحتياطى النقدى الإلزامى على الودائع فى البنوك بنسبة %4 ليرتفع من %14 إلى %18.
ورأى "حسانين" أن تثبيت سعر الفائدة وخفض الاحتياطى الإلزامى يمثلان مزيجًا مناسبًا للسياسة النقدية فى المرحلة الحالية، فبينما يحافظ تثبيت الفائدة على الاستقرار النسبى للأوضاع النقدية، فإن خفض الاحتياطى الإلزامى يمكن أن يوفر دفعة للسيولة والائتمان، مما يدعم النشاط الاقتصادى دون إحداث صدمات فى أسعار الفائدة.
