فى ظل تحديات ارتفاع أسعار العقارات وصعوبة التمويل التقليدي، برزت فى السوق المصرية حلول مبتكرة تقوم على مفهوم “التمويل التشاركي”، حيث يشترك أكثر من مستثمر أو مشترٍ فى تملك وحدة عقارية، سواء بغرض الاستخدام أو الاستثمار، وتعتمد هذه الآلية على تقسيم ملكية الوحدة إلى حصص، مما يتيح لعدد أكبر من الأفراد الدخول إلى سوق العقار بأعباء مالية أقل.
وظهر مؤخرًا مبادرات مثل منصتى “أمتار”، و”فريدة” التى تتيح للأفراد شراء أجزاء من وحدات عقارية جاهزة أو تحت التطوير بغرض تحقيق عوائد استثمارية مستقبلية، وكذلك فكرة “امتلك لتؤجر” التى أطلقتها شركة “الأهلى صبور”، والذى يتيح للمستثمرين تملك وحدات بغرض تأجيرها والاستفادة من عوائد الإيجار بشكل دوري، هذه النماذج تؤكد تصاعد أهمية التمويل التشاركى كأداة جديدة لدعم الشمول المالى العقاري، وتنويع أدوات الاستثمار فى السوق المصرية.
بدايًة، قال أحمد فكري، رئيس مجلس إدارة شركة “كونتكت” للتطوير العقاري، إن فكرة التمويل العقارى التشاركى التى تقوم على مشاركة أكثر من مستثمر أو مشتر فى تملك وحدة عقارية واحدة، قد تسهم فى تيسير حركة السوق العقارية، خصوصًا مع ارتفاع مستويات الأسعار مقارنة مع متوسطات دخول الأفراد.
وأوضح “فكري” أن هذا الأسلوب يمكن أن يمنح المشترين مرونة أكبر، لكنه يحتاج إلى تطبيق مدروس، مشيرًا إلى أنه قد يواجه صعوبات فى حالة تطبيقه على الوحدات السكنية التقليدية، بينما يكون أكثر ملاءمة للوحدات التجارية أو الإدارية أو الفندقية، حيث تتطلب عادة شريحة أوسع من العملاء القادرين على الشراء الجماعي.
وأكد أن نجاح التمويل العقارى التشاركى لا يعتمد فقط على فكرة مشاركة الملكية، بل يرتبط بقدرة المطور العقارى على التحكم فى إدارة تلك الوحدات.
وتابع، لابد أن يكون لدى المطور رؤية واضحة حول توقيت الاستثمار وقيمة العائد المتوقع من تشغيل هذه الوحدات، لضمان تحقيق النجاح وتحويل الفكرة إلى فرصة استثمارية ناجحة.
وحول تأثير هذه الآلية على حالة الركود النسبى فى السوق، أشار “فكري” إلى أن التمويل العقارى التشاركى يمكن أن يكون عاملًا مساعدًا فى تحريك المبيعات وزيادة النشاط، لكنه شدد على ضرورة توافر عوامل أخرى داعمة، مثل استمرار اتجاه الدولة لتخفيض أسعار الفائدة، وتوفير حوافز استثمارية إضافية، إلى جانب الحفاظ على استقرار العملة المحلية.
وأضاف أن من الضرورى اختيار المشروعات التى تطبق فيها فكرة التمويل العقارى التشاركى بعناية، بحيث تكون مشروعات ذات رؤية تشغيلية واضحة ومضمونة، خاصة فى القطاعات التى يمكن فيها ضمان التشغيل الفعلى مثل الوحدات الفندقية تماشيًا مع رؤية الدولة فى زيادة عدد الغرف الفندقية ولضمان أنها من المشروعات المُشغلة، محذرًا من أن الاعتماد على هذا النموذج فى مشروعات دون ضمانات تشغيلية قد يؤدى إلى فشل الفكرة وإهدار فرص الاستثمار.
فرصة واعدة
وقال محمد سمير، خبير التمويل العقاري، إن ما يتم الترويج له مؤخرًا تحت مسمى “التمويل العقارى التشاركي” لا يعدو كونه صيغة من صيغ التمويل الجماعى المعروف عالميًا باسم “Crowdfunding”، موضحًا أن الهيئة العامة للرقابة المالية تعكف حاليًا على وضع الأطر التنظيمية لتطبيق هذا النظام خلال الأشهر المقبلة.
وأوضح “سمير” أن فكرة التمويل الجماعى تقوم على مشاركة مجموعة من صغار المستثمرين الذين لا يملكون الملاءة المالية الكافية لتملك عقار بمفردهم، حيث يتم إنشاء منصات إلكترونية تخضع لرقابة تنظيمية تقوم بطرح مشروعات عقارية بأسهم صغيرة القيمة.
وأشار إلى أن كل مشروع يتم تقسيمه إلى عدد من الأسهم، ويتمكن المستثمر من شراء عدد من الأسهم بقيمة بسيطة، مثل شراء ثلاثة أسهم بقيمة ثلاثة آلاف جنيه، مما يتيح له الدخول فى سوق الاستثمار العقارى بطريقة ميسرة.
وأضاف أن هذه المنصات تتطلب بنية تنظيمية دقيقة تشمل تحديد شركات التسويق، وشركات المقاولات، والمالك، وكذلك الجدول الزمنى لتنفيذ المشروع ومعدل العائد المتوقع على الاستثمار، مشيرًا إلى أن هذا النموذج ناجح جدًا فى السعودية منذ أكثر من عامين، حيث انتشرت العديد من المنصات الإلكترونية الخاصة بالتمويل الجماعى هناك.
وأشار إلى أن الأفكار المبتكرة مثل التمويل الجماعى تمثل فرصة واعدة للسوق العقارية المصرية، خاصة مع وجود تجارب ناشئة مثل منصة “فريدة”، والتى تقدم نموذجًا يتيح لصغار المستثمرين دخول السوق بدفعات مقدمة منخفضة وأقساط ميسرة.
وحذر “سمير” من أن نجاح هذه الفكرة فى مصر يتطلب معالجة عدة تحديات، أبرزها المخاطر المرتبطة بغياب الالتزام من قبل المطورين العقاريين أو الشركات المسئولة عن الإدارة، إضافة إلى ضعف منظومة تسجيل الملكية العقارية وضعف القوانين المنظمة لقطاع العقارات، مما قد يعرقل تنفيذ المشروعات بالشكل المخطط له.
وأكد على أهمية وجود إطار قانونى شامل ومنظم لقطاع العقارات فى مصر قبل التوسع فى تطبيق نظم التمويل الجماعى والملكية المشتركة، لضمان حماية حقوق المستثمرين وتحقيق استدامة هذا النوع من الاستثمارات.
تقارير عالمية
بينما قالت الدكتورة نورهان الطور، الرئيس التنفيذى لشركة “جيت واى للاستشارات العقارية” إن التمويل العقارى التشاركى أصبح يحظى بأهمية متزايدة فى السوق العقارية اليوم، باعتباره نموذجًا مبتكرًا يتيح لأكثر من مستثمر أو مشترٍ تملك وحدة عقارية واحدة بنسب مختلفة، حسب مساهمة كل طرف.
وأوضحت “الطور” أن آلية العمل فى هذا النموذج بسيطة، إذ يملك كل طرف جزءًا محددًا من الوحدة العقارية، سواء للاستعمال الشخصى أو للاستفادة من العائد الاستثماري، ويتم توزيع العوائد حسب نسب التملك، مشيرةً إلى أن اتفاقًا قانونيًا يربط بين الأطراف كافة، وينظم الحقوق والالتزامات بشكل دقيق.
وأكدت أن التمويل العقارى التشاركى يوفر مجموعة من الفوائد المهمة، من بينها خفض تكلفة شراء العقار على الأفراد، وتقليل المخاطر الاستثمارية، بالإضافة إلى تسهيل دخول فئات جديدة إلى سوق العقار وتنويع المحافظ الاستثمارية للمستثمرين، وهو ما يمنح هذا النموذج مرونة وجاذبية متزايدة.
فى المقابل، نبهت “الطور” إلى أن هناك بعض التحديات المرتبطة بالتمويل العقارى التشاركي، أهمها تعقيد عمليات الإدارة والصيانة، وإمكانية حدوث تعارض مصالح بين الملاك، فضلاً عن صعوبة بيع الحصص لاحقًا فى حال غياب اتفاق مسبق، مؤكدة على الحاجة الماسة إلى وجود نظام قانونى واضح ومرن لدعم هذا النوع من الملكيات.
وقدمت أمثلة عملية على تطبيق هذا النموذج، مشيرة إلى أن بعض المشروعات السكنية فى الإمارات بدأت تقدم عقود تملك مشترك، فيما ظهرت فى الولايات المتحدة منصات إلكترونية متخصصة تسمح لمئات الأفراد بالمشاركة فى تمويل عقارات تجارية كبرى، مما يعزز فرص الوصول إلى استثمارات لم تكن متاحة سابقًا للأفراد العاديين.
واستشهدت “الطور” بتقرير صادر عن شركة “CBRE” لعام 2024، والذى أشار إلى أن %17 من المستثمرين الأفراد يفضلون نماذج التملك التشاركى عند دخولهم سوق العقار، مضيفةً أن العائد السنوى للاستثمارات العقارية التشاركية يتراوح بين 6 و%9 بحسب نوع العقار وطبيعته.
وشددت على أهمية أن يسأل الراغبون فى الدخول إلى هذا النوع من الاستثمار أنفسهم عدة أسئلة أساسية، من بينها: “هل أستطيع تحمل الالتزامات المالية والقانونية طويلة الأجل؟”، “هل هناك آلية واضحة للخروج أو البيع عند الحاجة؟”، و”من سيدير العقار ويتحمل التكاليف التشغيلية؟”.
وأكدت أن التمويل العقارى التشاركى يعد حلاً عمليًا للراغبين فى امتلاك عقار دون تحمل التكلفة الكاملة بمفردهم، لكنه يحتاج إلى دراسة دقيقة، وعقد قانونى محكم، وشركاء موثوقين لضمان تحقيق الأهداف الاستثمارية المرجوة.
مواجهة الركود
وقال الخبير العقارى محمد فؤاد، عضو جمعية رجال الأعمال المصرية البريطانية، إن “التمويل العقارى التشاركي” يُعد من أكثر الأدوات التمويلية تطورًا، ويمثل حلاً إستراتيجيا لمواجهة حالة الركود التى تشهدها السوق العقارية المصرية خلال الفترة الأخيرة، مشيرًا إلى أن هذه الآلية قادرة على إعادة ضخ السيولة فى السوق وتحريك عجلة الطلب، خاصة فى المشروعات العقارية متوسطة وصغيرة الحجم.
وأوضح “فؤاد” أن الفكرة تقوم على مشاركة أكثر من مستثمر أو مشترٍ فى تملك وحدة عقارية، سواء بغرض الاستخدام أو الاستثمار، من خلال منصات إلكترونية آمنة ومرخصة، مما يفتح آفاقًا جديدة أمام الشباب ورواد الأعمال الذين يطمحون لتملك العقارات أو الاستثمار فيها دون الحاجة لرأس مال ضخم.
وأكد أن التمويل العقارى التشاركى يتقاطع بشكل مباشر مع التحول الرقمي، ويمكن أن يكون حاضنة كبرى لتطبيقات التكنولوجيا العقارية (PropTech)، التى أصبحت تمثل المستقبل الحقيقى للقطاع.
ودعا الحكومة إلى خلق بيئة تشريعية وتنظيمية مرنة تُشجّع شباب المطورين على إطلاق تطبيقات ذكية تمكّن المستخدم من الاستثمار العقارى بضغطة زر، مع ضمان الشفافية وتسجيل الملكية بطريقة رقمية .
وأشار إلى أن هذه المنظومة ستدعم رؤية الدولة فى ملف “تصدير العقار”، حيث يمكن للمصريين فى الخارج أن يساهموا عبر منصات التمويل التشاركى فى شراء حصص عقارية داخل مصر بالدولار، وهو ما يعزز تدفقات العملة الصعبة ويرسّخ مكانة مصر كمركز إقليمى للتطوير العقارى الرقمي.
وشدد “فؤاد” على أهمية تبنى الدولة والمؤسسات التمويلية لهذا التوجه، من خلال إطلاق حوافز ضريبية وتشجيعية، وتقديم دعم فنى وقانونى للشركات الناشئة فى هذا المجال، لضمان نجاح المنظومة واستدامتها
وأضاف أن ضمان نجاح فكرة التمويل التشاركى يكمن فى توفير قواعد بيانات دقيقة، وأنظمة تقييم شفافة، وهيكل رقابى متكامل، يضمن حقوق جميع الأطراف، ويمنع أى ممارسات احتكارية أو مضللة قد تضر بسمعة السوق العقارية المصرية.
الأهلى صبور
أما شركة الأهلى صبور فأعلنت منذ أيام عن إطلاق المرحلة الأولى من مشروع “The Mornings”، بمبيعات مستهدفة تتجاوز 11 مليار جنيه.
ويتميّز المشروع بخطط سداد مرنة تمتد حتى 8 سنوات، مع بدء تسليم الوحدات بعد سداد %55 فقط من قيمتها خلال 3.5 سنة، وفى خطوة تُعد الأولى من نوعها فى السوق المحلية، يُقدّم المشروع نموذج “الشراء بهدف الإيجار (Own-to-Rent) الذى يتيح للمستثمرين تملّك وحدات سكنية مفروشة وجاهزة للتأجير بعوائد مضمونة، دون الحاجة لإدارة يومية أو الانشغال بالتفاصيل التشغيلية.
ومن خلال مشروع “ The Mornings”، تطرح الأهلى صبور مفهوما استثماريا عصريا وغير مسبوق يجمع بين رفاهية المعيشة، ومرونة التملك، وفرص تحقيق عوائد مستدامة.
ويضم المشروع أكثر من 630 وحدة تتنوع بين الشقق السكنية الفاخرة بمساحات تبدأ من 60 إلى 150 مترًا مربعًا، كما تم تصميم الوحدات التجارية والإدارية والطبية بروح معمارية تجمع بين الحداثة والاستدامة، وتحيط بها مساحات خضراء ومسطحات مائية نابضة بالحياة.
ويُدار الحجز والإيجار من خلال تطبيق ذكي، يسهّل تجربة التملّك عن بُعد ويحوّل العقار إلى استثمار يعمل لصالحك، لا العكس.
وبفضل نموذج “الشراء بهدف الإيجار”، يبدأ المستثمر فى تحقيق دخل ثابت بمجرد سداد %55 من قيمة الوحدة خلال 3.5 سنوات، مع إمكانية استكمال السداد من العوائد الإيجارية، ليحصل على تجربة استثمار وتملك ذكية، آمنة، وخالية من الأعباء التشغيلية.
تجربة مدينة مصر
وأطلقت شركة مدينة مصر أحدث تطبيقاتها “ SAFE”، والتى تتيح فرصة للاستثمار فى العقار من خلال نظام الملكية الجزئية، وهو إمكانية امتلاك أكثر من شخص لحصص فى عقار واحد بأسعار تنافسية بما يتناسب مع جميع الإمكانيات، ويتيح لهم الاستفادة من العوائد بطريقة سهلة ومرنة وآمنة.
وأوضحت أن تطبيق” SAFE”، يعتبر منصة متكاملة تتيح إمكانية التملك الجزئى فى مشروعات متنوعة من مختلف المطورين العقاريين، والتى تشمل جميع أنواع العقارات المدرة للدخل.
وأضافت، أنه من خلال هيكل ملكية مرن، يتم تقسيم قيمة الوحدة العقارية إلى حصص بقيمة 50 ألف جنيه للواحدة، مما يتيح للمستثمرين استخدام جزء صغير من سعر العقار، والتغلب على مشكلة رأس المال والاستفادة من العوائد دون الحاجة إلى شراء العقار بالكامل.
ووفقا للبيان، من خلال التطبيق يمكن للمستثمر اختيار العقار وتحديد عدد الحصص بعد تسجيل بياناته من خلال إجراءات تتسم بالمرونة والسلاسة مع إمكانية الدفع كاش أو تقسيط عبر “Paymob”، كما يمكنه استلام العقود فى منزله بمجرد تمويل العقار بالكامل، دون الحاجة إلى الذهاب للشركة.
وأعلنت “مدينة مصر” أن منصة “SAFE“ تعرض أرقى المواقع بالقاهرة الجديدة والشيخ زايد حتى الآن مع إستراتيجية التوسع لجميع أنحاء القاهرة الكبرى والمدن الكبرى فى جميع أنحاء العالم، مما يتيح للمستثمرين تنويع محفظة استثماراتهم، وتقليل المخاطر، والاستفادة من عوائد إيجارية سنوية متوقعة بقيمة تصل إلى %12 تصرف شهريا، علاوة على زيادة رأس المال بمعدل يصل إلى %30 سنويا فى المتوسط مع زيادة قيمة العقار.
وقال جون سعد خبير الاستثمار العقارى إن السوق المصرية تتسم بالتغير المستمر، ولا يخف على أحد أنها تواجه ركودا فى المبيعات خلال العام الجارى يجبر المطورين على تبنى سياسات مبتكرة وفعالة لجذب شرائح جديدة من العملاء ترغب فى الاستثمار العقارى ولكنهم لا يملكون السيولة الضخمة.
وتابع أن التمويل التشاركى وآليات الإيجار للبيع باتت محط اهتمام العديد من المطورين وكذلك الجهات الحكومية ومنها صندوق الإسكان الاجتماعى والذى ينوى إطلاق وحدات للبيع بنظام الإيجار التملكي.
وأكد أن الأهم حاليا هو العمل لضمان وجود بيئة تشريعية ورقابية منظمة للغاية لهذا النوع من الاستثمارات، ضاربا المثال بالتحذيرات الأخيرة الصادرة من “الرقابة المالية” والتى دعت المواطنين للتأكد من الجهات الاستثمارية العاملة فى مجال الاستثمار العقارى.
