شركات الدواء المصرية تتابع بقلق تفاقم النزاع بين الهند وباكستان

Ad

بينما يشتعل النزاع العسكرى بين الهند وباكستان على الحدود، تتجاوز تداعيات الحرب بين الجارتين النوويتين حدود قارة آسيا، لتطال قطاعا حيويا فى قلب الشرق الأوسط، وهو صناعة الدواء المصرية.

فالهند التى تستحوذ على %60 من واردات مصر من الخامات الدوائية، تعيش اليوم حالة طوارئ صناعية، ربما يدفعها لتوجيه معظم إنتاجها من المواد الفعالة والأساسية للاستخدام المحلى أو للاحتياطات الإستراتيجية، وفى المقابل، يجد المصنعون المصريون أنفسهم مهددين بانقطاع سلاسل التوريد، وارتفاع التكلفة، وغياب البدائل السريعة.

فى هذا التحقيق، نرصد كيف ستؤثر الحرب الهندية-الباكستانية حال استمرارها على الصناعة الدوائية المصرية، ونسلط الضوء على المخاطر والتحديات، ونطرح سيناريوهات الاستجابة القصيرة والطويلة المدى، بالاعتماد على مصادر رسمية، وتصريحات خبراء، وتحليلات لمراكز أبحاث دولية معنية بالأمن الدوائى وسلاسل التوريد العالمية.

وأعلنت الهند وباكستان، مساء السبت الماضى التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بعد أربعة أيام من تصعيد عسكرى خطير بين الجارتين النوويتين، فى خطوة جاءت بعد جهود وساطة دولية مكثفة، قادتها الولايات المتحدة، وشاركت فيها المملكة العربية السعودية عبر تحرك دبلوماسى مباشر شمل إسلام أباد ونيودلهى.

وانطلقت شرارة التوترات الأخيرة فى 22 أبريل الماضى، عندما استهدفت عبوة ناسفة حافلة سياحية فى منطقة باهالجام، فى كشمير الخاضعة للسيطرة الهندية، مما أدى إلى سقوط 26 مدنيا، بينهم 25 هنديا، وسائح من نيبال.

العملاق الدوائى العالمى فى عين العاصفة

والهند، بحسب تقرير صادر عن مؤسسة «IQVIA» العالمية عام 2024، تحتل المركز الثالث عالميا فى الإنتاج الدوائى من حيث الحجم، والأول من حيث تصدير المواد الخام والدوائية إلى الأسواق الناشئة، وعلى رأسها الشرق الأوسط وأفريقيا.

وتغذى وحدها أكثر من %40 من احتياجات السوق الأمريكية من المواد الفعالة، وقرابة %60 من السوق المصرية، بحسب تصريحات لمصدر مسئول فى هيئة الدواء المصرية.

ومع اندلاع المواجهات العسكرية بين الهند وباكستان مطلع مايو الحالى، اتخذت الحكومة الهندية قرارات حاسمة تقضى بوقف تصدير بعض المواد الدوائية الأساسية، وعلى رأسها مضادات الالتهاب، وأدوية القلب، والأنسولين، ومشتقات الباراسيتامول، لأسباب تتعلق بالأمن القومى والاستعداد للطوارئ.

وتقول دراسة لمركز «Brookings India» إن الأزمة الحالية قد تدفع نيودلهى إلى «إعادة تقييم تصدير أى منتج حيوى على المدى القصير والمتوسط»، مما قد يؤدى إلى انهيار سلاسل الإمداد فى الأسواق التى تعتمد بشكل كبير على الهند، مثل مصر، ونيجيريا، وجنوب أفريقيا.

تهديد مباشر للأمن الدوائي

وتستورد مصر ما بين 80 - %90 من احتياجاتها من الخامات الدوائية من الخارج، وتأتى الهند فى الصدارة بـ%60 من إجمالى الخامات المستوردة، تليها الصين.

ووفقا لتقرير هيئة الدواء المصرية لعام 2024، بلغت قيمة واردات الخامات الدوائية من الهند أكثر من 400 مليون دولار، تغطى نحو %75 من الاحتياجات المحلية من المواد الفعالة للأدوية الحيوية.

ويقول الدكتور محيى عبيد، النقيب السابق لصيادلة مصر إن أى توقف فى عملية توريد الخامات الدوائية من الهند من شأنه أن يضع السوق المحلية فى أزمة مزدوجة، تتمثل فى نقص الإمدادات، وارتفاع فى الأسعار.

وأوضح «عبيد»- فى تصريحات لـ»المال»- أن عودة الحرب من جديد بين الهند وباكستان قد يدفع بعض المصانع الصغيرة للإغلاق المؤقت، أو التوقف عن إنتاج بعض الأصناف الحيوية، وهو الأمر الذى يتطلب وضع خطة عاجلة للتعامل مع الموقف الحالى .

وطالب الشركات العاملة فى السوق المحلية بمخاطبة الموردين فى الصين وفيتنام وبنجلاديش، للوقوف على حلول بديلة، حال استمرار الأزمة التى قد يترتب عليها وقف الإمدادات بشكل كامل، خاصة وأن عملية استيراد الخامات تحتاج إلى ترتيبات مسبقة، وقدرات لوجستية.

مؤشرات مقلقة من المصانع المحلية

وتشير مصادر داخل مصانع دوائية كبرى فى مدينة العاشر من رمضان إلى أن بعض خطوط الإنتاج قد تجبر على التوقف حال عودة الحرب الهندية الباكستانية من جديد، لا سيما بالنسبة للأدوية المعتمدة على البنسلين، وبعض أدوية الضغط والسكر.

وأوضحت المصادر التى طلبت عدم ذكر اسمها- أن مخزون بعض الخامات الحيوية لا يكفى أكثر من ثلاثة أشهر، وأن البدائل من السوق الصينية تواجه حاليا ارتفاعا فى الأسعار يتراوح بين 25 إلى %60.

وأضافت، فى بعض الأوقات نواجه صعوبة متزايدة فى تدبير الخامات، وحتى حين نجد بديلا فى السوق، فإنه يحتاج إلى تسجيل واعتماد قد يستغرق شهورا، مما يعنى عمليا وجود صعوبة فى الإنتاج حال استمرار التوتر بين البلدين.

تحذيرات من «الصحة العالمية»

و«ستانفورد جلوبال هيلث»

وأصدرت منظمة الصحة العالمية بيانا فى 8 مايوالحالى أعربت فيه عن قلقها من تأثير الحرب الهندية-الباكستانية على الإمدادات الدوائية فى الدول ذات الاعتماد المرتفع على الهند، مشيرة إلى ضرورة تنسيق الجهود الدولية لضمان استمرار تدفق الأدوية الحيوية.

أما مركز «Stanford Center for Global Health» فأصدر دراسة تحليلية بعنوان «الدواء فى زمن النزاع: الدروس المستفادة من أزمة أوكرانيا والهند»، أكد فيها أن «أى أزمة إقليمية تؤثر على مركز تصنيع دوائى عالمى مثل الهند تهدد الأمن الصحى لملايين البشر، خصوصا فى دول العالم الثالث».

ويحذر التقرير من أن الدول غير المستعدة، والتى لم تقم ببناء مخزون إستراتيجى دوائى أو صناعات بديلة، ستكون الأكثر عرضة للانهيار الدوائى.

و طالب محمود فؤاد رئيس المركز المصرى للحق فى الدواء، الحكومة بوقف تصدير أى صنف دوائى محلى لمدة 3 أشهر على الأقل، لحين اتضاح الصورة بشكل كامل فيما يخص النزاع الهندى الباكستانى.

وأضاف «فؤاد» - فى تصريحات لـ»المال» - أنه يجب الإسراع فى تسجيل بدائل خامات من دول أخرى غير الهند، معتبرا أن الأحداث الأخيرة تدق ناقوس خطر، على الحكومة أن تنتبه له سريعا.

كما طالب بتنسيق فعال بين هيئة الدواء وهيئة الشراء الموحد لتكوين مخزون إستراتيجى من الأدوية الأساسية، علاوة على تقديم تسهيلات جمركية عاجلة لشحنات الدواء المستوردة.

وشدد «فؤاد» على ضرورة وجود تنسيق مع وزارة الخارجية لإجراء اتصالات دبلوماسية مع الجانب الهندى لضمان استمرار تدفق الشحنات بتأمين السوق لأطول فترة، وحتى لا تتوقف مصانع عاملة فى السوق المحلية.

تأثير مباشر على المواطن

ونقص الخامات وارتفاع تكاليف الإنتاج يترتب عليه زيادة أسعار عدد من الأصناف الدوائية بنسبة تتراوح بين 20 - %40، وفقا لما أكده النقيب السابق للصيادلة، كما أنه سيتسبب فى أزمة حقيقية لأصناف مثل الأنسولين وبعض أدوية القلب والمضادات الحيوية واسعة المجال.

فرص التحول وبناء صناعة دوائية

ورغم الأزمة، يرى البعض أن الأزمة تمثل فرصة لإعادة هيكلة الصناعة الدوائية فى مصر، ويقول الدكتور مايكل إبراهيم أستاذ اقتصاديات الدواء، إن هذه الحرب ليست فقط تهديدا بل إنذارا لإعادة ترتيب أولوياتنا.

وأضاف - فى تصريحات لـ»المال»- نحن بحاجة لبناء صناعة دوائية متكاملة من الألف إلى الياء، والعمل على سرعة توطين إنتاج المواد الخام، كما تفعل دول مثل البرازيل وتركيا، وهو قطاع كانت لمصر الريادة فيه منذ الستينيات.

توصيات عاجلة ومتوسطة وطويلة الأجل

وفى تقرير صادر عن «OECD Health Working» لعام 2024، أوصت المنظمة الدول النامية ببناء شبكات تصنيع إقليمية للخامات الدوائية، بالتعاون بين القطاعين العام والخاص، لتقليل الاعتماد على مصدر واحد مثل الهند أو الصين.

و قال مصدر مسئول فى هيئة الدواء المصرية لـ»المال» إن الأزمة بوضعها الحالى لم يكن لها أى تأثير على وضع صناعة الدواء المحلية، مشيرا إلى أن الهيئة عملت على وضع سيناريوهات للتعامل مع أى تطورات مستقبلية.

وأوضح المصدر - فى تصريحات لـ»المال» - أن السيناريوهات تشمل خطة عاجلة لـ 3 أشهر، يتم خلالها الإسراع فى تسجيل واعتماد البدائل، علاوة على تعزيز التنسيق مع الصين وفيتنام كمصدرين بديلين للخامات الدوائية.

وأضاف، كما ستعمل الهيئة على فرض رقابة صارمة على الصيدليات لمنع التخزين أو السوق السوداء، بالإضافة إلى توفير خطوط تمويل عاجلة للمصانع الصغيرة لمساعدتها فى تدبير الخامات.

وأكد أن الأزمة ربما تعجل بالعمل على دعم الصناعة الوطنية بشكل أكبر وأسرع من خلال شراكات يمكن العمل عليها مع شركاء من الخليج أو شرق آسيا، خاصة وأن توقف الإمدادات الهندية سيكون له تأثير على عدد كبير من الدول، خاصة دول الشرق الأوسط وأفريقيا.

وحول وجود تحالفات إقليمية لتدبير الخامات، قال المصدر إنه من الممكن أن يكون هناك تحالف إقليمى يضم دول من أفريقيا والشرق الأوسط لتبادل الخبرات والتقنيات، مما يضمن الحفاظ على استمرارية الإنتاج وعدم تأثر الأسواق.

وكشفت بيانات حديثة صادرة عن الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، حصلت «المال» على نسخة منها، عن أن واردات مصر من الهند سجلت نحو 3.2 مليار دولار خلال عام 2024، وشملت قائمة الواردات عددا كبيرا من الخامات الدوائية، والمواد الكيماوية الأساسية، واللقاحات، فضلا عن منتجات أخرى تدخل بشكل رئيسى فى الصناعات الطبية والدوائية.

المضادات الحيوية تتصدر الواردات

وتصدرت المضادات الحيوية (أنتى بيوتك) قائمة أبرز الواردات الدوائية المصرية من الهند خلال 2024، حيث بلغت قيمتها 30.8 مليون دولار، تلتها الأحماض الأمينية بقيمة 18.7 مليون دولار، وهى عناصر تدخل فى صناعة المكملات الغذائية والأدوية الخاصة بالتغذية العلاجية.

كما استوردت مصر أدوية متنوعة للطب البشرى مكونة من منتجات مخلوطة وغير مخلوطة، معدة للاستعمال فى العلاج أو الوقاية، مهيأة بمقادير معايرة أو فى عبوات البيع بالتجزئة، بقيمة 17.4 مليون دولار، مما يعكس اعتمادا كبيرا على الواردات الهندية فى تغطية احتياجات السوق المصرية من الأدوية الجاهزة.

لقاحات وبنسلين وهرمونات

وشملت الواردات أيضا لقاحات للطب البشرى بقيمة 16.7 مليون دولار، وبنسلين ومشتقاته ذو بنية حمض بنسلينى بنحو 11.2 مليون دولار، إلى جانب استيراد هرمونات الستيرويد ومشتقاتها ونظائرها البنيوية بقيمة 5.4 مليون دولار.

ولم تقتصر الواردات على الأدوية فقط، بل شملت مخاليط مواد عطرية تستخدم كمواد خام فى الصناعات الدوائية بقيمة 10.3 مليون دولار، و»لاكتامات» تعد من المركبات الوسيطة فى الصناعة الدوائية بقيمة 10.1 مليون دولار.

مواد أولية أساسية لصناعة الدواء

واستوردت مصر أيضا أنواعا مختلفة من البولى إيثيلين المستخدم فى تعبئة وتغليف الأدوية، حيث بلغت قيمة الواردات من البولى إيثيلين بوزن نوعى أقل من 0.94 نحو 11.2 مليون دولار، ومن النوع الذى يعادل أو يزيد عن 0.94 نحو 9.2 مليون دولار.

كما استوردت مصر كحولات أمينية واستيرادها وأملاحها المستخدمة فى تصنيع الأدوية بقيمة 4.2 مليون دولار، وأميدات دورية (حلقية) تستخدم مكونات نشطة فى صناعة الأدوية بقيمة 4.1 مليون دولار، بالإضافة إلى فينازون (أنتيبيرين) ومشتقاته المستخدم كمسكن وخافض للحرارة بقيمة 3.7 مليون دولار.

أدوية متخصصة وعلاجية متقدمة

وتضمنت الواردات أيضا أدوية لعلاج الأورام، وزراعة الأعضاء، وأدوية القلب والأوعية الدموية، والبلهارسيا، والبدائل الصناعية للبلازما، وأدوية للأمراض المستعصية، وذلك بقيمة إجمالية بلغت 8.4 مليون دولار.

كما استوردت مصر كبسولات جيلاتينية تستخدم فى تغليف المستحضرات الدوائية بقيمة 3.2 مليون دولار، وثيوفيلين وأمينوفيلين ومشتقاتهما بقيمة مماثلة، وهما مركبان يستخدمان لعلاج أمراض الجهاز التنفسى مثل «الربو».

واشتملت الواردات على «لاكتونات»، وهى مركبات تستخدم كأدوية لعلاج أنواع معينة من السرطان مثل سرطان الثدى والمبيض والبنكرياس، بقيمة 3.5 مليون دولار، إلى جانب الدبابيس الجراحية الخاصة بمنع النزيف بنفس القيمة تقريبا.

خامات ومركبات كيميائية مساندة

وامتدت الواردات إلى مواد أخرى ذات استخدامات متعددة فى الصناعات الكيميائية والدوائية، من بينها:» أنهيدريد فثاليك» بقيمة 5.7 مليون دولار، وهيبوكلوريتات الكالسيوم التجارية بقيمة 2.9 مليون دولار، وزنك خام بنسبة نقاء %99.99 أو أكثر بقيمة 3 ملايين دولار.

الاعتماد على الهند كمورد إستراتيجي

وتشير تلك البيانات إلى أن الهند أصبحت من الشركاء التجاريين الرئيسيين لمصر، خاصة فى قطاع الخامات والمستحضرات الدوائية، فى ظل ما تتمتع به الصناعة الهندية من تكلفة إنتاج منخفضة وجودة تنافسية.

«نيودلهى» زودت القاهرة بخامات وأدوية بـ3.2 مليار دولار فى 2024.. والمضادات الحيوية تتصدر الواردات

مصدر حكومي: السوق مستقرة.. ولدينا سيناريوهات للتعامل مع أى تطورات