أشار خبيران مصرفيان إلى أن مستويات السيولة فى البنوك لا تزال مرتفعة، مما دفع البنك المركزى إلى سحب كميات أقل مقارنة بالعام الماضي، وصلت إلى 265.7 مليار جنيه فى آخر عطاء للسوق المفتوحة.
وأوضحا أن البنك المركزى ينتقل من نظام التخصيص النسبى للعطاءات إلى القبول الكامل لتعزيز تأثير السياسة النقدية فى ظل تراجع التضخم واستقرار محتمل لسعر الصرف.
ورغم التطورات الإيجابية، نوه الخبيران إلى أن الاقتصاد لا يزال عرضة لمؤثرات خارجية وداخلية قد تعيد الضغوط التضخمية، مؤكدين أن السيطرة الكاملة على التضخم تتطلب سياسات متكاملة تتجاوز الأدوات النقدية، مشددين على أهمية استمرار الرصد الدقيق له والتنسيق بين السياسات النقدية والمالية والإصلاحات الهيكلية.
ومن خلال رصد لـ «المال » سحب البنك المركزى سيولة تقدر بـ14.353 تريليون جنيه من خلال عطاءات السوق المفتوحة منذ بداية تطبيقها فى أبريل 2024 وحتى ديسمبر من العام نفسه، أى خلال فترة 6 أشهر بفائدة %27.75.
وأظهرت البيانات التاريخية الصادرة عن البنك المركزى تراجعًا ملحوظًا فى حجم السيولة التى تم سحبها خلال الأربعة أشهر الأولى من العام الحالى 2025، حيث بلغت نحو 9.674 تريليون جنيه.
وسجل شهر أبريل الماضى أقل معدل لسحب السيولة خلال الفترة المذكورة، وتحديدًا فى يوم 29 أبريل، حيث بلغ حجم السحب 183.700 مليار جنيه.
السيولة مرتفعة
أوضح عز الدين حسانين، الخبير المصرفي، أن مستويات السيولة فى البنوك لا تزال مرتفعة، مشيراً إلى أن البنك المركزى يقوم بسحب هذه السيولة على دفعات أقل من العام الماضى نظرًا للزيادات الجديدة فى السيولة لدى القطاع المصرفي.
وسحب البنك المركزى المصرى سيولة بقيمة 265.700 مليار جنيه من السوق المصرفية الثلاثاء الماضي، جاء ذلك خلال عطاء السوق المفتوحة الذى شارك فيه 17 بنكًا، وتم قبول العطاءات بسعر فائدة قدره 25.50%.
وأضاف حسانين أن الزيادات التى شهدها العام الماضى تم سحبها بالفعل عند تواريخ استحقاق متداخلة، ويتم تجديدها عند كل استحقاق.
وأشار إلى أن آلية عطاء السوق المفتوحة مستمرة حتى تنخفض الفائدة إلى مستويات مقبولة للسوق والمستثمرين، مما يسمح للبنوك بضخ السيولة فى السوق.
ونوه بأن الفائدة الحالية لا تزال مرتفعة بالنسبة للمقترضين، مما يعنى أن البنك المركزي، على الرغم من خفض الفائدة بنسبة %2.25 لا يزال يتحوط للأحداث المستقبلية، خاصة الحرب التجارية التى أطلقها الرئيس الأمريكى دونالد ترامب على شركائه التجاريين.
وشهد الاجتماع الثانى للجنة السياسة النقدية بالبنك المركزى المصرى فى 17 أبريل الماضى تحركًا مفاجئًا تمثل فى خفض أسعار الفائدة بمقدار 225 نقطة أساس (%2.25) وبذلك سجل سعر عائد الإيداع لليلة واحدة %25 وسعر عائد الإقراض لليلة واحدة %26 ويعد هذا الخفض الأول لسعر الفائدة منذ عام 2020.
وبيّن الخبير المصرفى أن المركزى ما زال يحجم البنوك عن ضخ السيولة بشكل طبيعى من خلال عمليات السوق المفتوحة، وأن نسبة الاحتياطى الإلزامى لا تزال مرتفعة عند %18 مقارنة بالمعدل الطبيعى البالغ %10.
ورأى أن الأولوية فى الاجتماع المقبل للجنة السياسة النقدية هى خفض الاحتياطى الإلزامى بمقدار %2 على الأقل مع تثبيت سعر الفائدة.
مرونة أكبر
من جانبه أوضح الدكتور حازم وجدى زيدان، الخبير المصرفي، أن البنك المركزى انتقل من نظام التخصيص النسبى للعطاءات إلى نظام القبول الكامل، بهدف تعزيز تأثير السياسة النقدية ومنحها مرونة أكبر فى تحقيق التوازن بين السيولة والأهداف التشغيلية، وعلى رأسها الحفاظ على متوسط سعر العائد المرجح بالقرب من سعر العملية الرئيسية.
وكشفت أحدث بيانات شهرية للبنك المركزى المصري، عن ارتفاع السيولة المحلية بنحو %8 خلال الربع الأول من العام الحالي، لتصل إلى 12.567 تريليون جنيه بنهاية مارس الماضي، مقابل 11.636 تريليون جنيه بنهاية ديسمبر 2024، بزيادة إجمالية قدرها 930.400 مليار جنيه.
وأرجع زيدان هذا التحول إلى عدة عوامل إيجابية يشهدها الاقتصاد المصري، أبرزها التراجع الملحوظ فى معدلات التضخم السنوية، مما قد يقلل من الحاجة إلى عمليات سحب سيولة ضخمة.
وفى وقت سابق، كشف البنك المركزى المصري، عن تراجع المعدل السنوى لـ التضخم الأساسى إلى 9.4% خلال شهر مارس 2025، مقابل %10 فى فبراير السابق له.
وأوضح المركزي، أن معدل التغير الشهرى فى الرقم القياسى الأساسى لأسعار المستهلكين، الذى يعده البنك المركزى المصرى سجل %0.9 فى مارس 2025 مقابل %1.4 فى مارس 2024 و%1.6 فى فبراير 2025.
سعر الصرف
توقع الدكتور زيدان استقرار سعر صرف الدولار فى نطاق 50 إلى 55 جنيهًا، وهو ما من شأنه أن يقلل من حدة الطلب على العملة المحلية ويدعم ثبات الأسعار.
ووفقًا لبيانات البنك المركزي، فإن المعروض النقدى ارتفع إلى 3.209 تريليونات جنيه بنهاية مارس 2025، مقابل 2.803 تريليونات جنيه بنهاية 2024، بمعدل نمو بلغ %14.48 وزيادة إجمالية قدرها 405.828 مليار جنيه.
وقفز النقد المتداول خارج القطاع المصرفى بنحو %15.66 خلال الربع الأول من العام الحالي، ليسجل 1.297 تريليون جنيه بنهاية مارس 2025، مقارنة بـ1.121 تريليون جنيه بنهاية 2024.
وعلى الرغم من هذه التطورات الإيجابية، نوه زيدان إلى أن الاقتصاد المصرى لا يزال عرضة لبعض المؤثرات الخارجية والداخلية التى قد تعيد الضغوط التضخمية وتشمل هذه المؤثرات تباطؤ النمو الاقتصادى العالمى وارتفاع تكاليف الواردات، بالإضافة إلى استمرار وجود فائض كبير فى السيولة بالبنوك يقدر بنحو %55 من الودائع، وهو ما قد يستدعى عمليات سحب إضافية إذا زاد الطلب على الائتمان.
وأكد أن تركيز البنك المركزى على “التعقيم النقدي” يعنى استمرار استخدامه لأدوات السوق المفتوحة، ولكن بحجم يتكيف مع المؤشرات الاقتصادية الكلية.
والتعقيم النقدى (Monetary Sterilization) ، هو إجراء يتخذه البنك المركزى بهدف تحييد أو تقليل تأثير تدفقات النقد الأجنبى الداخلة أو الخارجة على المعروض النقدى المحلى أى يسعى إلى منع هذه التدفقات من التأثير بشكل كبير على حجم السيولة المتاحة فى الاقتصاد.
تنويع الأدوات
فى معرض إجابته على سؤال حول ما إذا كانت هذه الإجراءات تعنى السيطرة الكاملة على التضخم، أكد زيدان أنه لا يمكن الجزم بذلك بشكل قاطع، موضحًا أن التضخم فى مصر له أسباب هيكلية متعددة تتجاوز مجرد العوامل النقدية، مثل تحديات سلاسل التوريد العالمية، وأزمة الغذاء والطاقة المتأثرة بالصراعات الجيوسياسية، وتقلبات سعر الصرف ولذلك، تتطلب مكافحته تبنى سياسات متكاملة تشمل السياسات النقدية والمالية والهيكلية، وليس فقط التحكم فى مستويات السيولة.
كما أشار إلى توجه البنك المركزى نحو تنويع أدواته النقدية لتشمل ما يتجاوز مجرد سحب السيولة، مثل تعديل أسعار الفائدة وإدارة التوقعات مشددًا على أهمية استمرار الرصد الدقيق لمعدلات التضخم والاستعداد للتدخل فى حال حدوث أى انحراف عن المستهدفات.
وأكد زيدان أن انخفاض معدلات سحب السيولة الحالى هو مؤشر إيجابي، لكنه لا يعنى نهاية الحاجة لهذه الآلية، وأن الأهم هو استمرار التنسيق بين السياسات النقدية والمالية ومواصلة الإصلاحات الهيكلية لمعالجة الأسباب الجذرية للتضخم.
زيدان: اتجاه للتركيز على «التعقيم النقدي» وسط تراجع التضخم
حسانين: آلية العطاء مستمرة حتى انخفاض الفائدة لمستويات جاذبة
