فى الوقت الذى تشهد فيه الأسواق المالية تحولات هيكلية بفعل التكنولوجيا، يشهد قطاع التأمين موجة رقمية تعيد تشكيل بنيته التقليدية وترتيب أولوياته التشغيلية.
ولم يعد التحول الرقمى خيارًا، بل أصبح ضرورة استراتيجية فى ظل الضغوط التنافسية وارتفاع توقعات العملاء.
ومع دخول تقنيات مثل الذكاء الاصطناعي، وإنترنت الأشياء، والتحليلات المتقدمة إلى ساحة العمل التأميني، تغيّرت قواعد اللعبة بالكامل.
وقال الخبراء إن الرقمنة تُعد أداة فعالة لتحسين الكفاءة التشغيلية، والارتقاء بجودة الخدمة، وتوسيع قاعدة المستفيدين من الحماية التأمينية، خاصة فى ظل التحديات التقليدية التى عانى منها القطاع لعقود، مثل الإجراءات الورقية الطويلة وصعوبة الوصول إلى شرائح غير مغطاة.
وأكد محمود دهشان رئيس قطاع تكنولوجيا المعلومات بشركة جى آى جى لتأمينات الحياة التكافلى - مصر، وخبير إدارة المشروعات الأمريكى والتحول الرقمي، إن التحول الرقمى يمثل فرصة حقيقية لتحديث قطاع التأمين، وتحسين كفاءته، وزيادة قدرته على تلبية متطلبات العملاء فى العصر الحديث.
وأوضح أن الاستفادة من التقنيات الناشئة تُمكّن شركات التأمين من إحداث فرق ملموس فى حياة الأفراد والمجتمعات، وتسهم فى بناء نظام مالى أكثر شمول ومرونة.
ولفت دهشان إلى أن قطاع التأمين يشهد فى السنوات الأخيرة تحولًا جذريًا بفضل التقدم التكنولوجى المتسارع، حيث تعتمد الشركات بشكل متزايد على أدوات رقمية متطورة لتحسين خدماتها، وتسهيل عملياتها، وتعزيز قدرتها على التنبؤ بالمخاطر ومكافحة الاحتيال.
وسلط الضوء على أهمية استخدام الأدوات التكنولوجية المتقدمة لإدارة العمليات التأمينية، مشيرًا إلى أن الأنظمة المتكاملة لإصدار الوثائق ومتابعة جميع العمليات وصولًا إلى التعويضات، إلى جانب الأنظمة المساعدة مثل أنظمة إدارة الوثائق الإلكترونية (DMS)، ومنصات إدارة علاقات العملاء (CRM)، ومنصات العمليات الروبوتية (RPA)، أصبحت من الأدوات الأساسية فى شركات التأمين الحديثة.
وأكد أن هذه الأدوات تساهم فى إصدار الوثائق التأمينية بشكل فوري، وتقليل الاعتماد على المعاملات الورقية، وتسريع إنجاز العمليات الداخلية مثل تسجيل المطالبات وتجديد الوثائق.
وأوضح أن الذكاء الاصطناعى أحدث نقلة نوعية فى تحليل البيانات الضخمة، مما أتاح لشركات التأمين التنبؤ بشكل أكثر دقة بالأحداث المستقبلية، وتحديد الأسعار بناءً على نماذج سلوكية وتحليل بيانات تاريخية، مشددًا على أن هذه التقنيات تحقق توازنًا بين تحقيق الأرباح وتقديم أسعار تنافسية للعملاء.
وأشار دهشان إلى أن إنترنت الأشياء (IoT) أصبح أداة رئيسية فى مراقبة المركبات، وتتبع السلوك الصحى للمؤمن عليهم عبر الأجهزة القابلة للارتداء، بالإضافة إلى مراقبة المنازل والمصانع ضد الحريق والسرقة.
وأكد أن المعلومات الدقيقة التى توفرها هذه الأجهزة تُستخدم فى تخصيص التغطيات التأمينية وتقديم حوافز للملتزمين بإجراءات السلامة.
وأشار إلى أن التحول الرقمى ساهم فى خفض تكاليف التشغيل بنسبة كبيرة من خلال تقليل الحاجة إلى الفروع التقليدية، وتبسيط العمليات الروتينية، وتقليل معدلات الأخطاء البشرية.
وأضاف أن الرقمنة وفرت موارد بشرية يمكن إعادة توجيهها نحو تطوير الخدمات وتحسين تجربة العميل.
وسلط الضوء على صعود شركات الـInsurTech كلاعب مؤثر فى السوق، خاصة فى مصر والمنطقة العربية.
وأشار إلى أن هذه الشركات تقدم حلولاً تأمينية مبتكرة تعتمد على المنصات الرقمية، وتُسهل وصول شرائح جديدة إلى خدمات التأمين، خصوصًا العاملين فى الاقتصاد غير الرسمى وسكان المناطق النائية.
وأوضح أن شركات الـInsurTech لا ينبغى اعتبارها تهديدًا لشركات التأمين التقليدية، بل تمثل فرصة حقيقية للتعاون عبر الشراكة فى تقديم منتجات رقمية أو الاستفادة من البنية التكنولوجية المتقدمة لهذه الشركات الناشئة.
وأكد أن التحدى يكمن فى مدى استعداد الشركات التقليدية لتبنى نماذج أعمال أكثر مرونة وانفتاحًا على الابتكار.
وشدد على أن الرقمنة تمثل وسيلة فعالة لتعزيز الشمول التأميني، موضحًا أنها تتيح تقديم خدمات التأمين بأسعار رمزية وعبر تطبيقات الهاتف المحمول، مما يسهم فى توسيع قاعدة العملاء وزيادة وعى الأفراد بأهمية التأمين، حتى فى المناطق التى تفتقر إلى بنية تحتية مالية متطورة.
ورغم هذا التقدم، لفت دهشان إلى أن بعض شركات التأمين التقليدية لا تزال تواجه تحديات كبيرة فى مسار التحول الرقمي، من بينها ضعف البنية التحتية التكنولوجية، ونقص الكفاءات المتخصصة، والمخاوف المتعلقة بالأمن السيبراني، ومقاومة التغيير داخل بعض الإدارات.
وأشاد دهشان بالدور المحورى الذى تلعبه الهيئة العامة للرقابة المالية فى مصر لدعم التحول الرقمى فى قطاع التأمين.
وأوضح أن الهيئة أصدرت مؤخرًا مجموعة من الضوابط المنظمة للتأمين الإلكتروني، والتى تشجع على الابتكار مع ضمان حقوق العملاء.
وأشار إلى أن هناك توقعات بتوسيع هذه الضوابط مستقبلًا لتشمل تنظيم استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعى وإنترنت الأشياء ضمن المنظومة التأمينية.
وفى هذا السياق أكد الدكتور محمد جودة رئيس قسم التأمين والعلوم الاكتوارية السابق بكلية التجارة جامعة القاهرة، وعضو لجنة قيد خبراء المعاينة وتقدير الأضرار، ولجنة الخبراء الاستشاريين بالتأمين بالهيئة العامة للرقابة المالية، وعضو لجنة التعليم بمعهد مصر للتأمين، أن التحول الرقمى يمثل عملية شاملة لتكييف التكنولوجيا واستخدامها بصورة واسعة لتطوير العمليات والخدمات، موضحًا أن هذا التحول يشمل الانتقال من الأساليب التقليدية إلى الوسائل الرقمية فى مجالات متعددة مثل الأعمال والتعليم والصحة.
وأشار إلى أن التحول الرقمى لا يقتصر على تحسين العمليات فحسب، بل يسهم أيضًا فى خلق فرص عمل جديدة وظهور خدمات ومنتجات مبتكرة تدعم الاقتصاد الرقمي.
وأوضح أن هذا التحول يعزز القدرة على التكيف مع المتغيرات ويعطى دفعة قوية للتنمية فى مختلف القطاعات.
وفيما يتعلق بالتحديات، أكد جودة ضرورة الانتباه إلى الفجوة الرقمية المتسعة بين الأفراد والمجتمعات، داعيًا إلى العمل على توفير فرص متكافئة للوصول إلى التكنولوجيا والمعرفة بهدف تجنب تفاقم هذه الفجوة.
ولفت إلى أهمية مناقشة الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية للتحول الرقمى فى السياق المصري، والتفكير فى كيفية تطوير البنية التحتية الرقمية لتعظيم الاستفادة المجتمعية.
وعن التهديدات فى سياق التحول الرقمي، أوضح جودة أن أبرزها يتمثل فى تهديدات الأمن السيبراني، التى تتنوع ما بين اختراقات إلكترونية تهدف إلى التسلل غير المصرح به إلى الشبكات والأنظمة، وبرامج الفدية التى تقوم بتشفير البيانات وابتزاز الضحايا ماليًا، وهجمات الاحتيال الإلكترونى التى تعتمد على الخداع لجمع معلومات حساسة، بالإضافة إلى برامج التجسس وهجمات تعطيل الخدمة التى تعرقل عمل الخوادم وتعطل الخدمات الحيوية.
وأكد أن اختراق قواعد البيانات يعد من أخطر التهديدات، لما له من تداعيات كبيرة على الأفراد والمؤسسات.
ودعا إلى ضرورة تبنى استراتيجيات أمنية متكاملة تعتمد على الوقاية، والرصد السريع، والتعامل الفورى مع الهجمات لحماية البيانات والأنظمة وضمان استمرارية الأعمال.
وأوضح أن التحول التكنولوجى السريع يشكّل تحديًا اقتصاديًا كبيرًا أمام الشركات، ويتطلب تكيفًا سريعًا وفعالًا مع المستجدات الرقمية، خاصةً فى ظل ما تفرضه البنية التحتية الرقمية من متطلبات تمويلية وتقنية معقدة.
وأضاف جودة أن التحدى الأول يتمثل فى التكاليف والاستثمارات الضخمة المرتبطة باعتماد التكنولوجيا الجديدة، إذ إن تحديث الأنظمة وتطوير البنية التحتية يتطلب ميزانيات مرتفعة قد تُثقل كاهل الشركات الصغيرة والمتوسطة بشكل خاص.
وأوضح أن التحدى الثانى يظهر بوضوح فى الحاجة إلى التدريب المستمر للموظفين وتحديث مهاراتهم بما يتماشى مع الأدوات الرقمية الحديثة، وهو ما يستدعى جهودًا واستثمارات إضافية فى مجال التطوير البشري.
وأشار إلى أن التحدى الثالث يتمثل فى التغييرات الجذرية التى قد تطال أساليب العمل وعمليات الإنتاج نتيجة اعتماد التقنيات التكنولوجية، مما يفرض على الشركات إعادة النظر فى إدارة مواردها وتحديث إجراءاتها التشغيلية لضمان التكيف والفعالية.
وأكد جودة أن صناعة التأمين باتت من أكثر القطاعات استفادة من التحول الرقمي، من خلال استخدام تحليلات البيانات الضخمة لفهم سلوك العملاء وتقديم خدمات مخصصة بشكل أكثر دقة وكفاءة.
وأوضح أن الاعتماد على الذكاء الاصطناعى والتعلم الآلى ساهم فى تحسين النماذج التحليلية ودعم اتخاذ القرارات بطريقة أكثر ذكاءً وسرعة.
وأضاف أن تقنيات التخزين السحابى تتيح لشركات التأمين حفظ البيانات وتبادلها بمرونة وسرعة، ما يمنحها قدرة أكبر على التكيف مع تقلبات السوق ومتطلبات العملاء المتزايدة، ويعزز من مرونتها التنافسية.
ولفت إلى أن الاستثمار فى التحول الرقمى أصبح ضرورة ملحّة لصناعة التأمين، ليس فقط للبقاء فى دائرة المنافسة، بل لتحقيق النمو المستدام وتحسين مستوى الخدمات المقدمة للعملاء فى سوق تشهد تطورًا متسارعًا.
وأشار جودة إلى أن الشركات والأفراد يعتمدون عليه كوسيلة فعالة للتعامل مع التحديات التقنية المتزايدة، مضيفا أن التحول الرقمى والتوسع فى استخدام التقنيات الحديثة يجعل القطاع بحاجة إلى تطوير حلول جديدة ومتكاملة لحماية الأصول الرقمية من المخاطر المحتملة.
وأوضح جودة أن من أبرز أدوار التأمين فى هذا السياق توفير الحماية المالية والتغطية ضد الخسائر الناجمة عن الهجمات السيبرانية أو فقدان البيانات.
وأشار إلى أن وثائق التأمين تتيح للمؤسسات والأفراد تعويضات مالية وتغطية للتكاليف الناتجة عن هذه الحوادث، بما يقلل من الأثر المالى السلبى المحتمل.
ونوّه جودة إلى أن أنواع التأمين السيبرانى والتقنى تتنوع حسب احتياجات كل مؤسسة أو فرد، وتشمل التغطية تكلفة استعادة البيانات، وتعويضات عن فقدان الدخل، إضافة إلى تكاليف التحقيق والمسؤولية القانونية.
وفيما يخص السوق المحلية، بيّن جودة أن شركات التأمين المصرية بدأت فى تقديم منتجات تأمينية متخصصة لمواجهة تحديات الأمن السيبراني، وتشمل هذه الخدمات تغطية اختراقات البيانات وحماية الأنظمة الرقمية، ما يعكس وعيًا متزايدًا بأهمية التحصين ضد المخاطر الرقمية.
وشدد على أن أهمية التأمين تتعاظم فى ظل التطور المستمر للتقنيات الحديثة، حيث يستوجب هذا التحول أدوات مرنة واستراتيجيات تأمينية قادرة على التكيف مع المتغيرات المتسارعة.
وأكد أن عدداً من الشركات العاملة فى سوق التأمين المصرية تقدم وثائق تغطى الأخطار الإلكترونية ضمن جهودها لمواكبة متطلبات العصر الرقمي.
وأشار إلى أن العالم يشهد تحولًا رقميًا متسارعًا، يجعل من التأمين ضرورة لحماية المؤسسات والأفراد فى مواجهة المخاطر الجديدة، خاصة المتعلقة بالأصول الرقمية.
وأوضح أن التأمين يشكّل خط الدفاع الأول فى حالات الضرر التقني، ويوفر تغطية لإصلاح أو استبدال الأصول المتضررة نتيجة للهجمات السيبرانية.
ولفت إلى أن الاختراقات الإلكترونية قد تؤدى إلى خسائر فادحة، لكن وجود تغطية تأمينية مناسبة يسهم فى تخفيف الأعباء المالية، ويسرّع من وتيرة استعادة البيانات واستئناف الأنشطة التشغيلية.
واختتم جودة تصريحاته بأن تأمين الأصول الرقمية والبيانات يعد ركيزة أساسية لاستمرارية الأعمال، ويقلل من التوقفات المفاجئة، ما يجعله عنصرًا لا غنى عنه فى مواجهة تحديات التحول الرقمي.
ومن جانبه أكد محمد الغطريفى وسيط التأمين، أن التحول الرقمى لعب دورًا رئيسيًا فى خفض تكاليف التشغيل داخل شركات التأمين.
وأوضح أن الاعتماد على الأدوات الرقمية قلل من العمليات الورقية التقليدية، مما خفض التكاليف الإدارية، ورفع من كفاءة فرق العمل، وساهم فى تسريع إصدار الوثائق ومعالجة المطالبات، وهو ما انعكس بشكل مباشر على زيادة ربحية الشركات.
وأوضح الغطريفى أن الرقمنة ساهمت بشكل واضح فى تسريع إجراءات إدارة المطالبات والحد من محاولات الاحتيال.
ولفت إلى أن التوثيق الإلكترونى للمطالبات اختصر دورة حياة الملف التأميني، كما ساعدت تقنيات تحليل البيانات والذكاء الاصطناعى فى كشف الأنماط الاحتيالية مبكرًا، مما أدى إلى تقليل حجم الخسائر.
وأشار إلى أن صعود شركات التأمين الرقمى (InsurTech) فى السوقين المصرية والإقليمية أضاف ديناميكية جديدة للقطاع، موضحًا أنها قدمت حلولًا مبتكرة جذبت شرائح جديدة من العملاء، خاصة من فئة الشباب، مشيرًا إلى أن وجودها رغم كونه لا يزال فى مرحلة النمو إلا أنه رفع من مستويات التنافسية وعزز من توجه الشركات نحو التحول الرقمى الكامل.
وأكد أن شركات InsurTech تمثل فرصة كبيرة للتعاون والشراكة مع شركات التأمين التقليدية، موضحًا أنها توفر أدوات تكنولوجية متطورة يمكن أن تسهم فى تعزيز قدرات الشركات القائمة وتوسيع قاعدة عملائها.
وفيما يتعلق بدور المنصات الرقمية فى دعم الشمول التأميني، أوضح الغطريفى أن هذه المنصات تلعب دورًا محوريًا فى إيصال خدمات التأمين إلى المناطق الريفية والنائية، مما يسهم فى توسيع قاعدة المستفيدين وتعزيز الاستدامة المالية، دون الحاجة إلى انتشار الفروع التقليدية.
وحول أبرز التحديات التى تعيق التحول الرقمى الكامل داخل بعض شركات التأمين التقليدية، لفت الغطريفى إلى أن مقاومة التغيير الداخلي، وضعف البنية التحتية التكنولوجية، ونقص الكفاءات الرقمية المؤهلة، إلى جانب الحاجة إلى استثمارات مالية كبيرة، تمثل أهم العقبات التى تواجه هذه الشركات.
وأكد الغطريفى أن الهيئة العامة للرقابة المالية تبذل جهودًا ملحوظة لدعم التحول الرقمي، مشيرًا إلى أن الهيئة أطلقت عدة مبادرات وتشريعات من بينها منصة التأمين الإلزامى الموحدة، وقواعد ترخيص شركات التأمين الإلكتروني، بالإضافة إلى دعم الحلول الابتكارية لتعزيز الشمول التأمينى ودفع عجلة التحول الرقمى فى القطاع.
يذكر أن التحول الرقمى فى قطاع التأمين لم يعد مجرد اتجاه حديث، بل بات ضرورة ملحة تفرضها المعطيات التكنولوجية والاقتصادية والاجتماعية.
كما أن ما يشهده القطاع من تطور متسارع فى أدواته وآلياته يُعد مؤشراً واضحاً على انتقاله إلى مرحلة جديدة قوامها الذكاء، السرعة، والتكامل.
ومع دعم الجهات التنظيمية وظهور فاعلين جدد من شركات التكنولوجيا، تتسارع وتيرة الابتكار، مما يخلق فرصًا واعدة لنمو السوق وتوسيع قاعدة العملاء.
