شركات التأمين تراهن على «متناهي الصغر» لتوسيع السوق وتحقيق الشمول المالي

Ad

يشهد قطاع التأمين فى مصر تحولات استراتيجية مع تصاعد الاهتمام بالتأمين متناهي الصغر، الذى بات أداة محورية فى دعم الفئات الهشة ماليًا، وتعزيز مفاهيم الشمول المالي. وفى ظل استراتيجيات الدولة لتعزيز الاقتصاد الرسمى وتوسيع قاعدة المتعاملين مع المؤسسات المالية، يظهر التأمين متناهى الصغر كحل عملى لحماية أصحاب الدخول المحدودة، خاصة فى القرى والمناطق الريفية التى طالما عانت من غياب مظلة تأمينية فاعلة.

ويأتى قانون التأمين الموحد ليُعيد تشكيل ملامح السوق، إذ فتح الباب أمام تأسيس شركات متخصصة فى تقديم منتجات تأمينية صغيرة، تستهدف أصحاب المشروعات متناهية الصغر، والمزارعين، ومربى المواشي، وسكان المناطق المهمشة. ويُنتظر أن يساهم هذا التوجه فى تقليص الفجوة التأمينية، وضمان استقرار مالى للفئات المستهدفة فى حال وقوع أزمات أو مخاطر.

وفى هذا السياق أوضح محمد مرسي، مدير إدارة تطوير الأعمال وكبار العملاء بشركة كونتكت للوساطة التأمينية، أن الهيئة العامة للرقابة المالية واتحاد شركات التأمين المصرية يوليان اهتمامًا كبيرًا بالتأمين متناهى الصغر، مع إنطلاق مؤتمر متناهى الصغر فى دورته الرابعة فى الأقصر.

وأشار إلى أن هذا النوع من التأمين صُمم خصيصًا للفئات ذات الدخل المنخفض، والتى لا تستطيع تحمل الأقساط التأمينية المرتفعة، إذ يمثل شكلًا من أشكال الحماية المالية الصغيرة التى تُمكن هذه الفئات من مواجهة المخاطر المحتملة والتعامل مع الصدمات والأزمات، مثل الحوادث أو الأمراض أو فقدان المسكن.

وأكد مرسى أن هناك فجوة تأمينية واضحة، خاصة فى المناطق الريفية والمناطق الأقل خدمة، وهى الفئات المستهدفة بشكل رئيسى من التأمين متناهى الصغر. مضيفًا أن وجود وثيقة تأمينية منخفضة التكلفة أمرًا ضروريًا لتمكين هذه الفئات من تخطى الأزمات الطارئة، والحفاظ على استقرارهم المالى والاجتماعي، من خلال الحفاظ على مصدر رزقهم.

وأضاف مدير إدارة تطوير الأعمال وكبار العملاء بشركة كونتكت للوساطة التأمينية، أن من أبرز التحديات التى تواجه قطاع التأمين متناهى الصغر هى ضرورة أن تدير شركات التأمين هذا الملف بحكمة، بما يضمن انتشار الوعى التأمينى بشكل فعّال، وذلك من خلال تقديم وثائق تأمينية حقيقية مدعومة بتعويضات مناسبة فى حالة تحقق الخطر.

وأكد أهمية التركيز على التغطيات التى تقدم بمبالغ منخفضة، حتى يتمكن الأفراد من محدودى الدخل من الحصول على وثائق تأمينية لأنفسهم وأسرهم وممتلكاتهم، مشددًا على ضرورة إيصال هذه الخدمات التأمينية إلى الشريحة المستهدفة بشكل واضح وميسر، بما يساهم فى مواجهة التحديات التى يمر بها هذا القطاع، وهو ما يمثل دورًا أساسيًا لشركات التأمين وشركات الوساطة التأمينية على حد سواء.

وأوضح مرسى أن هناك تعاونًا قائمًا بين شركات التأمين والمؤسسات الأهلية، سواء الجمعيات الأهلية أو مؤسسات تمويل التأمين متناهى الصغر، متوقعًا أن يشهد هذا التعاون تطورًا ملحوظًا خلال الفترة المقبلة، خاصة فى ظل التحركات الإيجابية التى حدثت مؤخرًا لإنجاح مشروعات التأمين متناهى الصغر، والتى تخدم عددًا كبيرًا من المواطنين.

وأضاف أن الفترة الماضية شهدت العديد من اللقاءات بين شركات التأمين وشركات التمويل متناهى الصغر، بهدف التوصل إلى حلول تأمينية مرنة تتناسب مع احتياجات هذه الفئة من المجتمع المصري.

واختتم تصريحاته بالتأكيد على أن نجاح وثائق التأمين متناهى الصغر من شأنه أن يسهم فى توسيع قاعدة العملاء التأمينيين داخل السوق المصرية، وهو ما سينعكس بشكل مباشر على دعم الاقتصاد الوطنى وتوسيع سوق التأمين، ويساهم فى تحقيق الشمول المالى الذى تسعى الدولة المصرية إلى ترسيخه خلال الفترة المقبلة.

وبدوره أكد الدكتور خيرى عبد القادر، خبير التأمين الاستشارى وأستاذ التأمين بجامعة القاهرة، أن دخول شركات التأمين إلى مجال التأمين متناهى الصغر بات ضرورة، خاصة فى ظل وجود شريحة كبيرة من المجتمع تواجه أخطارًا متعددة يمكن إدارتها وفقًا لنصوص التأمين المتعارف عليها.

وأوضح أن القانون رقم 155 لسنة 2024 والمعروف بقانون التأمين الموحد، ساهم بشكل كبير فى فتح الباب أمام هذا النوع من التأمين، إذ نص على إنشاء شركات متخصصة فى التأمين متناهى الصغر، وهو ما سيشجع العديد من الشركات على تأسيس كيانات جديدة لمزاولة هذا النشاط، لا سيما فى المناطق التى تفتقر إلى وجود تأمينى فعال مثل القرى والنجوع والمناطق الريفية النائية.

وأشار إلى أن هناك فجوة واضحة فى التوزيع الجغرافى للمشروعات المغطاة تأمينيًا، إذ تسهم هذه المناطق بنسبة ضئيلة جدًا فى إجمالى دخل القطاع التأميني. ويُعزى ذلك إلى أن المشروعات الصغيرة غالبًا ما تكون ذات رؤوس أموال محدودة، وبالتالى فإن الأقساط التأمينية التى يتم تحصيلها منها تكون منخفضة، مما لا يشجع الجهات الإنتاجية أو المسوقين على بذل جهد كبير مقابل عائد مادى ضعيف.

وشدد على أن العدد الكبير من هذه المشروعات يمكن أن يمثل حافزًا قويًا للمهتمين بالعمل فى قطاع التسويق التأميني، خاصة الشباب أو من يرغبون فى بدء حياتهم المهنية فى هذا المجال، إذ يمكنهم تنمية محافظهم تدريجيًا عبر هذا القطاع الواعد.

وأشار إلى أهمية تصميم منتجات تأمينية مناسبة لهذه الفئات، بحيث تكون قادرة على تغطية الأخطار التى يتعرض لها أصحاب المشروعات الصغيرة مثل المزارعين أو مربى المواشى أو أصحاب المخازن الصغيرة. وأكد أن توفير منتج تأمينى شامل بتكلفة منخفضة يمكن أن يكون عامل جذب حقيقى لهذه الشريحة، خاصة أن غالبيتهم يكونون ملتزمين بسداد قروض حصلوا عليها من جمعيات زراعية أو مؤسسات تمويل المشروعات الصغيرة، وبالتالى فإن وجود تغطية تأمينية يضمن لهم سداد تلك المديونيات فى حال تعرضهم لأى خطر.

ولفت إلى أن ضعف الاهتمام الحالى من الجهاز التسويقى ناتج عن قلة العمولات الناتجة عن هذه المنتجات، وهو ما يجعل شركات التأمين الكبرى غير متحمسة لها بسبب الوقت والجهد الكبير الذى تحتاجه مقارنة بالعائد المحدود. إلا أن إنشاء شركات متخصصة من شأنه أن يغيّر هذا الوضع، لأنها ستكون مركزة بالكامل على هذه الفئات وتتمتع بمرونة أكبر فى تقديم منتجات مناسبة.

وأضاف الدكتور خيرى بأن القانون الجديد وضع حدًا أقصى لرأسمال هذه الشركات لا يتجاوز 200 ألف جنيه، وهو ما يمثل فرصة حقيقية لدخول مستثمرين جدد إلى السوق وتوسيع الخريطة التأمينية لتشمل فئات لم تكن تحظى بأى اهتمام من قبل.

وأوضح أن من أبرز التحديات التى تواجه التأمين متناهى الصغر هو غياب الاهتمام الكافى من الشركات فى جانب التسويق والانتشار، إضافة إلى محدودية المنتجات التأمينية المطروحة أمام العملاء، مما لا يمنحهم حرية الاختيار أو إمكانية العثور على تغطيات تلائم احتياجاتهم.

وأكد أن المشكلة لا تقتصر فقط على قلة التنوع فى المنتجات، بل تمتد أيضًا إلى غياب إلزام قانونى يلزم أصحاب المشروعات بالحصول على تغطية تأمينية كشرط أساسى للترخيص. وشدد على أن وجود هذا النوع من الإلزام من شأنه أن يضمن لصاحب المشروع قدرة على العودة للنشاط فى حال تعرضه لخطر، كما يضمن حق الطرف الآخر فى حال وقوع ضرر عليه.

وأشار إلى أن البيئة المحيطة لا تزال بحاجة إلى تهيئة شاملة تُمكِّن هذا النوع من التأمين من الانتشار، بدءًا من وجود تشريعات واضحة، مرورًا بتوفير تغطيات تأمينية مناسبة، وانتهاءً بضرورة وجود شركات تأمين لها تواجد فعلى فى المناطق الريفية والنائية، تمتلك فرقًا تسويقية قادرة على الوصول إلى الفئات المستهدفة.

وأضاف أن إنشاء شركات تأمين متناهى الصغر وفقًا للقانون الصادر مؤخرًا يُعد خطوة إيجابية، إذ من المتوقع أن توجد هذه الشركات داخل المناطق المهمشة تأمينيًا، الأمر الذى سيساعد على خلق أجهزة تسويقية متغلغلة فى هذه المجتمعات، ويتيح تجربة حقيقية للمنتج التأمينى وسط المستفيدين. ولفت إلى أن هذه التجارب ستخلق حالة من الثقة والاستمرارية، ما يؤدى إلى انتشار تدريجى ومنظّم لهذا النوع من التأمين.

كما صرح بأن ذلك سيساهم بصورة فعالة فى تعزيز الشمول المالي، خاصة فى ظل القرارات الأخيرة التى اتخذتها الدولة، وعلى رأسها ما يتعلق بالنظام الضريبى الجديد الذى حدد نسبة الضرائب على المشروعات الصغيرة بألا تتجاوز نصف فى المائة من الدخل السنوي. مشيرًا إلى أن هذه التيسيرات من شأنها تشجيع أصحاب المشروعات على الاندماج داخل المنظومة الرسمية، بدلًا من اللجوء إلى الاقتصاد غير المعلن خوفًا من الأعباء الضريبية.

وأكد أن وجود إطار محاسبى واضح، ونظام ضريبى مبسط، سيدفع أصحاب المشروعات إلى التعامل من خلال قنوات رسمية، مما يعزز الشفافية الاقتصادية، ويُفسح المجال أمام التأمين للقيام بدوره الحيوي، إذ لا يمكن إصدار وثيقة تأمين دون وجود بيانات مالية واضحة تتضمن الإيرادات والمصروفات.

واختتم الدكتور خيرى بأن هذه المنظومة المتكاملة، التى تشمل التشريعات، والمنتجات المناسبة، والتيسيرات الضريبية، ستمهد الطريق أمام تكامل اقتصادى حقيقى وشامل، تكون فيه المعاملات مرئية لكل جهات التعامل، بما يعود بالنفع على المجتمع ككل.

ومن جانبه أوضح إيهاب خضر، الوسيط التأمينى وخبير الإدارة الاستراتيجية، أن دخول شركات التأمين إلى قطاع التأمين متناهى الصغر فى الفترة الأخيرة يرجع إلى عدة دوافع رئيسية، أبرزها رغبة الشركات فى توسيع قاعدة عملائها من خلال الوصول إلى شرائح لم تكن مخدومة من قبل، مثل الفئات ذات الدخل المحدود فى المناطق الريفية.

وأشار إلى أن تعزيز المسؤولية الاجتماعية للشركات بات أحد المحركات المهمة، إذ تسعى الشركات لتحسين صورتها عبر دعم الشمول المالى وحماية الفئات الهشة.

وأضاف أن الدعم التنظيمى من جانب البنك المركزى المصرى والهيئة العامة للرقابة المالية كان له دور كبير فى تشجيع الشركات على دخول هذا القطاع، إلى جانب التطلع لتحقيق نمو مستدام عبر تقديم منتجات تأمينية ميسرة تلبى احتياجات الاقتصاد غير الرسمي، وأكد أن التأمين متناهى الصغر يساهم بتوفير الحماية المالية الضرورية للفئات الضعيفة ضد المخاطر مثل المرض والكوارث الطبيعية، وهو ما يسهم فى تقليل الفقر ودعم الاستقرار الاقتصادى فى المجتمعات المحلية. كما لفت إلى أن هذا النوع من التأمين يساعد فى ترسيخ ثقافة تأمينية جديدة وتعزيز الشمول المالي، بما يتماشى مع أهداف استراتيجية التنمية المستدامة 2030.

وصرح بأن هناك فجوة كبيرة فى توفير الخدمات التأمينية فى المناطق الريفية نتيجة ضعف الوعى التأميني، وصعوبة الوصول إلى المناطق النائية، فضلًا عن ارتفاع تكاليف التوزيع بالطرق التقليدية. وسد هذه الفجوة يتطلب التعاون مع الجمعيات الأهلية ومؤسسات التمويل متناهى الصغر، والاستفادة من شبكاتها فى توزيع المنتجات التأمينية.

وشدد على أهمية التحول الرقمى من خلال الاعتماد على الهواتف المحمولة ومنصات الدفع الإلكترونى لتقليل التكاليف، إلى جانب إطلاق حملات توعية مجتمعية بالتعاون مع القادة المحليين لتعريف الناس بفوائد التأمين.

وأكد أن هذا السوق واعد للغاية، مشيرًا إلى أن حوالى %60 من المصريين يعملون فى الاقتصاد غير الرسمي، ومعظمهم فى الريف، مما يعكس وجود شريحة كبيرة غير مخدومة تأمينيًا.

وأوضح أن هناك طلبًا غير مشبع على المنتجات منخفضة التكلفة، مثل التأمين على الحياة والمحاصيل، لكنه أكد أن النجاح فى هذا السوق يتطلب تصميم منتجات مرنة تتناسب مع قدرات الفئات المستهدفة، مع ضرورة الاستثمار فى البنية التحتية الرقمية وتدريب وكلاء التأمين المحليين.

وأشار خضر إلى أن أكثر الفئات استفادة من التأمين متناهى الصغر هما المزارعين والصيادين، والعمال فى الاقتصاد غير الرسمى مثل الباعة الجائلين، إلى جانب النساء فى المناطق الريفية الراغبات فى تحسين استقلاليتهن المالية، وكذلك الشباب ورواد الأعمال الباحثين عن دعم لمشروعاتهم. وبيّن أن التحديات التى تواجه الوصول إلى هذه الفئات تتمثل فى ضعف الثقة المجتمعية تجاه التأمين، وضعف القدرة على الدفع، وهو ما يستدعى تقديم حلول مثل خفض الأسعار أو تقديم خطط تقسيط، فضلًا عن أهمية استخدام وكلاء محليين أو منصات رقمية لتسهيل الوصول الجغرافي.

وأوضح خضر أن التعاون بين شركات التأمين والجمعيات الأهلية أو مؤسسات التمويل متناهى الصغر يُعد من أنجح الآليات لدعم انتشار التأمين متناهى الصغر، إذ يسهم هذا التعاون فى تحقيق تكامل حقيقى بين الخبرات الفنية التى تقدمها شركات التأمين، وشبكة العلاقات المجتمعية والثقة التى تتمتع بها الجمعيات فى المجتمعات المحلية.

وصرح خضر بأن هذا التعاون يساهم فى تقليل تكاليف التوزيع عبر الاستفادة من البنية التحتية القائمة لدى مؤسسات التمويل متناهى الصغر، مما يعزز من كفاءة وصول منتجات التأمين للفئات المستهدفة. كما أشار إلى أن هذا النوع من الشراكة يسهم بشكل مباشر فى زيادة الأثر الاجتماعي، من خلال ضمان القروض متناهية الصغر وحماية المقترضين من المخاطر المحتملة.

وأضاف أن السوق المصرية شهدت بالفعل عدة نماذج ناجحة لهذا التعاون، مثل تعاون شركة “سند” للتأمين مع مؤسسات التمويل متناهى الصغر لتقديم تأمين إلزامى على القروض بأسعار مدعومة، فضلًا عن شراكة شركة “جهينة للتنمية” مع شركات تأمين لتوفير تغطية صحية للمزارعين، إلى جانب البرامج الزراعية بالتعاون مع وزارة الزراعة لحماية الفلاحين من تقلبات الطقس وخسائر المحاصيل.

وأكد ضرورة بناء الثقة مع الشرائح المستهدفة، مشيرًا إلى أهمية تبسيط شروط الوثائق وشرحها بلغة مفهومة، مع الإسراع فى صرف التعويضات لضمان مصداقية الخدمة، فضلًا عن الشراكات المجتمعية مع جهات موثوقة كالجمعيات النسائية والأوقاف، إلى جانب أهمية إطلاق برامج توعوية منتظمة فى القرى والمناطق النائية.

وأشار إلى أن التوسع فى هذه الخدمات يعزز من الشمول المالي، إذ يربط المواطنين غير المتعاملين مع النظام المصرفى بالمؤسسات المالية، مما يفتح لهم آفاقًا جديدة للادخار الآمن وتقليل الاعتماد على مصادر تمويل غير رسمية. كما يساعد هذا التوسع على تقوية الاقتصاد غير الرسمى من خلال تقديم أدوات لإدارة المخاطر واستمرارية المشروعات الصغيرة.