أرجع عدد من الخبراء والمحللين تراجع الدولار خلال الفترة الأخيرة إلى ما دون مستوى الـ 51 جنيهًا إلى عدد من الأسباب أبرزها التبعات غير المباشرة للحرب التجارية الحالية بين الولايات المتحدة والصين، وما نتج عن ذلك من تحسن ملحوظ لبعض عملات الأسواق الناشئة ومنها مصر، بالإضافة إلى التوقعات الإيجابية من قبل العديد من المؤسسات الدولية بشأن سعر الدولار وموقف الجنيه خلال الفترة المقبلة.
وأضافوا - فى تصريحات لـ «المال» - أن تدفقات النقد الأجنبى المرتقبة سواء من خلال الاتحاد الأوروبى أو صندوق النقد الدولى أو حتى بعض الاستثمارات الخليجية ستعزز من موقف الجنيه وهو ما يعنى أن حالة التراجع الحالية لسعر الدولار قد تستمر لبعض الوقت.
أسباب تراجع سعر الدولار
ومن جانبه، أوضح هيثم فهمى خبير أسواق المال، أن هناك العديد من الأسباب التى أدت إلى تراجع سعر الدولار خلال الفترة الحالية، وعلى رأسها تعديل المؤسسات الدولية لتوقعاتها لسعر صرف الجنيه المصرى أمام الدولار، حيث خفّض البنك الدولى توقعاته لسعر الصرف إلى 49.9 جنيه للدولار فى العام المالى 2024 - 2025، و52.27 جنيه للدولار للعام المالى 2025 - 2026 .
وخفضت "ستاندرد آند بورز" توقعاتها لسعر الصرف إلى 51 جنيهاً للدولار فى العام المالى 2025، و54 جنيها للدولار فى عام 2026 وأخيرا، توقعت "ستاندرد تشارترد" أن يبلغ سعر الصرف 52 جنيها للدولار فى عام 2025 و54 جنيها فى عام 2026.
وأضاف أن تراجع عجز الميزان التجارى «غير النفطى» بحوالى %4.6 على أساس سنوى خلال العام الماضى إلى 37.3 مليار دولار، بدعم من زيادة الصادرات، كان أيضًا من بين العوامل التى أدت إلى تراجع سعر الدولار وتحسن موقف الجنيه المصرى، وتدفّق الاستثمارات خلال الفترة الأخيرة بالإضافة إلى الاستثمارات المتوقّع ضخّها خلال الفترة المقبلة، مثل تحويل الوديعة الكويتية فى البنك المركزى البالغة 4 مليارات دولار إلى استثمارات، وغيرها.
وأشار إلى أن ارتفاع حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى حوالى 46.6 مليار دولار فى عام 2024 مقابل 24 مليارا فى عام 2023، مع استهداف حجم استثمارات أجنبية يبلغ 60 مليار دولار، كان من بين العوامل التى أسهمت فى تحسن موقف الجنيه وتخفيف الضغط على العملة المحلية.
الحرب التجارية وتبعاتها
وقال محمد البيه الخبير المصرفى، إن حالة التراجع التى هيمنت على سعر الدولار أمام الجنيه المصرى خلال الأيام القليلة الماضية إنما جاء مدفوعًا بتبعات الحرب التجارية الجارية حاليًا بين الصين والولايات المتحدة.
وأضاف أن هذه التوترات التجارية وما نتج عنها من تبعات أدت إلى خلق نظرة سلبية لدى الأسواق عن أدوات الدين الحكومية الأمريكية، مما أسفر فى نهاية المطاف عن موجة بيعية لسندات الخزانة الأمريكية، وهو الأمر الذى ساهم فى إضعاف الدولار أمام العديد من العملات الأخرى.
ولفت إلى أن هذا التراجع الذى شهده سعر الدولار أثر بطبيعة الحال على العملات المحلية لعملات بلدان أخرى، أى أنه أسهم فى تعزيز موقفها أمام عملة الولايات المتحدة، موضحا أن هناك العديد من العملات الأخرى التى تشهد ارتفاعات واضحة أمام الجنيه على رأسها اليورو والإسترلينى والين اليابانى.
ومن جهة أخرى، أوضح «البيه» أن تراجع الدولار أمام الجنيه يؤدى إلى تخفيف التكلفة الاستيرادية لا سيما وأن مصر تستورد الكثير من السلع بالنقد الأجنبى.
تدفقات النقد الأجنبي
من جانبه، لفت محمد سمير الخبير المصرفى إلى أن حالة الاستقرار النسبى أو حتى التراجع الطفيف التى يشهدها سعر الدولار فى المرحلة الحالية لن يكون مؤقتًا، بمعنى أنه من المتوقع أن نشهد تراجعات أخرى فى سعر وحدة النقد الأمريكية خلال الفترة المقبلة.
وعلل الخبير المصرفى رأيه بكون هناك الكثير من تدفقات النقد الأجنبى التى من المتوقع تلقيها أو ضخها فى شرايين الاقتصاد المصرى خلال الفترة المقبلة، وعلى رأسها نحو 4 مليارات يورو من الاتحاد الأوروبى والدفعة الجديدة من صندوق النقد الدولى والبالغة نحو 1.3 مليار دولار، بالإضافة إلى تحويل ودائع الخليج إلى استثمارات أو ضخ بعض الاستثمارات الخليجية الجديدة.
واعتمد البرلمان الأوروبى، مطلع أبريل الماضى، إتاحة الشريحة الثانية من حزمة الدعم المالى الكلى المقدمة من الاتحاد الأوروبى بقيمة 4 مليارات يورو، وذلك بعد جلسة تصويت شهدت تأييدًا واسعًا من جانب البرلمان الأوروبى من مختلف المجموعات السياسية.
فيما يتيح برنامج مصر مع صندوق الاستدامة والصلابة، تمويلا طويل الأجل بتكلفة ميسرة بقيمة 1.3 مليار دولار، إلى جانب متابعة تنفيذ المراجعة الخامسة لبرنامج الإصلاح الاقتصادى خلال الفترة المقبلة.
وتوافقت مصر وقطر، خلال زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسى للدوحة، على العمل نحو حزمة من الاستثمارات القطرية المباشرة بقيمة إجمالية تصل إلى 7.5 مليار دولار، تُنفذ خلال المرحلة المقبلة، بما يعكس متانة العلاقة بين البلدين ويُسهم فى تحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة التى تخدم مصالح الشعبين.
ومن جانبها، تُجرى الكويت مناقشات متقدمة لتحويل 4 مليارات دولار من الودائع فى البنك المركزى المصرى إلى استثمارات فى البلاد، وهو ما يُمثل دفعة قوية لأكبر دولة فى الشرق الأوسط من حيث عدد السكان فى ظل تعافيها من أسوأ أزمة اقتصادية منذ عقود، بحسب وكالة "بلومبرج".
توقعات مستقبلية
وعلى صعيد التوقعات المستقبلية، لفت الخبير المصرفى محمد البيه إلى أن الأمر سيكون مرهونًا بما ستئول إليه الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، مشيرًا إلى أنه من المرجح أن يتراجع الدولار بنحو %10 أمام اليورو خلال الفترة المقبلة.
من جانبه، أفاد محمد سمير الخبير المصرفى أن سعر الدولار سيتراوح خلال الفترة المقبلة بين مستوى 50: 51 جنيهًا.
كان الدولار قد لامس مستوى الـ 52 جنيها فى بعض البنوك بفعل الاضطرابات التى شهدتها الأسواق العالمية نتيجة تصاعد التوترات التجارية، وفرض رسوم جمركية إضافية من جانب الإدارة الأمريكية، إلا أنه عاود التراجع ثانيةً، ليتداول دون مستوى الـ 51 جنيها.
وجاء هذا التراجع مع انحسار حالة التوتر وعودة قدر من الهدوء إلى الأسواق، مما خفف الضغط على العملات الناشئة وأعاد الثقة إلى سوق الصرف المصرى من جانب المستثمرين الأجانب وتزايد الحصيلة الدولارية الواردة للبنوك المصرية.
وذكر «البيه» أن هناك الكثير من المعطيات والعوامل التى تحدد مستوى سعر صرف الدولار أمام الجنيه خلال الفترة القادمة، وعلى رأسها استثمارات الأجانب فى أذون الخزانة المصرية.
