تمثل الأدوية فى مصر أحد أبرز القطاعات الحيوية التى ترتبط مباشرة بصحة المواطن وأمنه الدوائى، وتعد ضمن الأكبر فى البلاد بخلاف غير البترولية ، حيث يتجاوز حجم سوقها 300 مليار جنيه وفقا لتقديرات رسمية فى 2024.
وعلى الرغم من تعاقب الأزمات التى أثقلت كاهل الصناعة، بدء من نقص الخامات إلى أزمة تحرير سعر الصرف، إلا أن القطاع أثبت قدرته على الصمود والتكيف مع المتغيرات الاقتصادية، بل وسجل خلال العام الماضى أعلى معدل نمو سنوى له منذ أكثر من عقد.
وقالت المجموعة المالية “إى إف جى هيرمس“ فى تقرير حديث، إن سوق الدواء حققت نموا فى إجمالى المبيعات بنسبة %41 على أساس سنوى فى عام 2024 ، بانخفاض %1 عن تقديرات EFG Hermes، نتيجة للزيادات الكبيرة فى الأسعار بعد سماح هيئة الدواء المصرية بارتفاعها عقب تحرير سعر الصرف فى مارس 2024.
وأوضح التقرير الذى حصلت “المال” على نسخة منه، أن القانون يسمح بذلك فى حالة تحرك سعر الصرف بنسبة %15 ، مشيرا إلى أن الهيئة بدأت فى تطبيق زيادات الأسعار اعتبارا من مايو 2024، بنسبة %30 للأدوية المزمنة، و40-50% للأدوية بدون وصفة.
ولفت إلى أن تنفيذ هذه الزيادات جاء على مراحل، ومن المخطط أن تغطى السوق بالكامل بحلول النصف الثانى من 2025،مضيفا أنه وحتى الربع الرابع من 2024، تمت الموافقة على زيادة أسعار حوالى 2200 صنفًا دوائيًا (تمثل %38 من إجمالى المسجل فى السوق).
وأضاف التقرير أن هذه الأصناف تشكل نحو %54 من التعاملات، متوقعا أن ترتفع القيمة الإجمالية للسوق بنسبة %25 فى عام 2025 ، تشمل %22 من الأسعار، و%3 من الأحجام”، على أن يتبعها متوسط نمو سنوى مركب لمدة 4 سنوات بنسبة %13 تقريبا بواقع (%7 من الأسعار، و%6 من الأحجام).
ابن سينا المستفيد الأكبر
وأوضح تقرير “إى إف جى هيرمس “ أن شركة ابن سينا واصلت الأداء المتفوق، حيث حققت إيرادات أعلى بنسبة %64 خلال عام 2024، مما رفع حصتها السوقية إلى %30.8 (+7 نقاط مئوية على أساس سنوي)، نتيجة تحول عدد كبير من الموردين للتعامل معها بدلا من موزع أدوية رئيسى سابق فى السوق يواجه صعوبات مالية، فى إشارة إلى “المتحدة للصيادلة”، معتبرا أن التركيز على تنويع محفظة أعمالها بما فى ذلك توزيع منتجات غير دوائية ساعدها فى تحقيق النمو.
وتوقع استمرار هذا الأداء لشركة ابن سينا، مع نمو الأرباح المتكررة بمعدل نمو سنوى مركب 5 سنوات يبلغ %36 مدفوعا بزيادة الإيرادات (%+18) واقتصاديات الحجم (زيادة الأرباح قبل الفوائد والضرائب والإهلاك والاستهلاك بنسبة %20) مع تراجع تكاليف الفوائد نتيجة توقعات خفض أسعار الفائدة .
شركات التصنيع
ومن تعويم 2016
واعتبر التقرير أن شركات التصنيع المصرية استفادت من تجربة تعويم 2016، وأظهرت أداء جيدا، حيث سجلت أرباح راميدا المتكررة نموا بنسبة %54 فى 2024، بينما نمت أرباح إيبيكو %21 باستثناء مخصصات استثنائية، مشيرا إلى أن تأثير زيادات الأسعار على نتائج 2024 كان محدودا، حيث بدأ تطبيقها فى نهاية مايو، وبالتالى لم يظهر أثرها الكامل سوى فى الربع الرابع من العام 2024.
راميدا تمكنت من إعادة
تسعير %90 من أصنافها
وتوقع أن يزداد زخم الأرباح فى 2025، خاصة لـ راميدا بفضل استراتيجيتها التى وصفها التقرير بالنشطة فى إعادة تسعير الأدوية، بعدما تمكنت من إعادة تسعير %90 من أصنافها، مقابل أقل من %70 لإيبيكو، بالإضافة إلى استحواذها على دواء لعلاج السكرى من المتوقع أن يساهم بنسبة %9 من الإيرادات فى 2025، بهامش ربح إجمالى جذاب يقترب من %70.
تأسست ابن سينا فى عام 2001، وهى أسرع موزع للأدوية نموا فى مصر، كما أصبحت الأكبر على الإطلاق فى السوق، حيث توفر خدماتها إلى الصيدليات (50% من المبيعات فى 2024)، وتجار الجملة (%32) والمناقصات والمستشفيات (%17)، بالإضافة إلى تقديم خدمات لوجستية للغير (%0.4).
وانتقل لمخاطر الهبوط المحتملة لشركة ابن سينا، والتى يأتى على رأسها، تباطؤ فى كسب الحصة السوقية، وتباطؤ نمو السوق، وضغوط على متوسط هامش الربح على المنتجات المنظمة %7.3 للأدوية الأساسية و%8.6 لغير الأساسية، علاوة على ضغوط فى تكاليف العمالة والتى تصل لـ 8900 موظف.
وأضاف أن ارتفاع رأس المال العامل واستمرار زيادة المديونية، وتقديم خصومات نقدية أكبر للعملاء، مع وجود مخاطر تتعلق بالأشخاص الرئيسيين، تعد ضمن مخاطر الهبوط التى يمكن أن تتعرض لها.
نتائج أعمال إيبيكو
وأكد أن نتائج 2024 لشركة إيبيكو جاءت أضعف من المتوقع ، محققة نموا فى الأرباح المعلنة بنسبة %33 فقط على أساس سنوى، بانخفاض %18 عن التقديرات)، نتيجة مخصصات ضخمة للديون المشكوك فى تحصيلها، تبلغ حوالى %4 من المبيعات، مقابل %1 فقط فى 2023)، بعد تعثر شركتين موزعتين رئيسيتين فى مصر.
وتوقع التقرير انخفاض الأرباح المعلنة بنسبة %18 فى 2025، فإن الأرباح المتكررة يتوقع أن تنمو بنسبة %46 حيث إن نتائج 2024 تضمنت أرباحا استثنائية من فروق أسعار صرف بلغت 700 مليون جنيه ما يمثل حوالى %64 من صافى أرباح 2024.
تعد إيبيكو واحدة من أكبر شركات الأدوية فى مصر، وتأسست عام 1980، وفى عام 2024، بلغت حصتها السوقية حوالى %7 من حيث الحجم ، محتلة المرتبة الثالثة، و%3 من حيث القيمة، لتأتى فى المرتبة السابعة.
وتعد إيبيكو أكبر مصدر للأدوية فى مصر، تمثل %25 من الإجمالى، و%33 من إيراداتها فى 2023، كما تشغل الشركة 3 مصانع داخل مصر، وتمتلك حصصا فى شركات سعودية ومصرية و%30 من مصنع لإنتاج المواد الخام، وآخر لإنتاج الأدوية البيولوجية (الهرمونات والمستحضرات الورمية) باستثمارات تفوق الـ 4 ملياراات جنيه، ومن المتوقع بدء التشغيل التجريبى فى النصف الأول من 2025.
ولفت التقرير إلى عوامل الهبوط المحتملة لسهم إيبيكو، منها عدم القدرة على استعادة الحصة السوقية المفقودة، وتباطؤ إيرادات التصدير، وتأثير تقلبات العملة على الواردات والتى تمثل %69 من التكلفة النقدية للمواد الخام التى يتم استيرادها، وضغوط تكاليف العمالة والتى تشكل %18 من التكاليف، وبطء تشغيل مصنع المستحضرات الحيوية.
الاستحواذات والزيادات
ستدفعان بنمو الأرباح
قال تقرير المجموعة المالية “هيرميس” إن شركة راميدا، وهى واحدة من أبرز شركات تصنيع الأدوية فى مصر، وإنها واصلت تعزيز مركزها فى السوق مستفيدة من عوامل عدة، منها تطبيق زيادات أسعار الأدوية تدريجيا منذ مايو 2024، بما يشمل %90 من محفظتها الدوائية، مقابل أقل من %70 لدى منافستها إيبيكو.
وأضاف أن راميدا نفذت استراتيجية تسعير أكثر فاعلية، بما يسمح بمرونة فى تمرير ارتفاع التكاليف للعملاء، بالإضافة إلى استحواذها مؤخرا على دواء مضاد للسكرى، من المتوقع أن يضيف نحو %9 إلى إيرادات 2025، بهامش ربح إجمالى يقدر بنحو %70.
راميدا أقل عرضة للمخاطر
وتوقع، أن تحقق راميدا نموا فى الأرباح المتكررة بنسبة %103 فى 2025، متفوقة على الشركات الأخرى فى القطاع، نظرا لاستجابتها السريعة للتغيرات بالسوق من خلال إعادة تسعير المنتجات، واستغلالها الفرصة فى سد الفجوات الناتجة عن نقص بعض الأدوية، بسبب اضطرابات سلاسل الإمداد، ومساهمة الاستحواذ الأخير فى تعزيز الإيرادات والهوامش، بالإضافة لعدم وجود خطط لزيادة رأس المال حاليا، مما يجعلها أقل تعرضا للمخاطر مقارنة بالمنافسين لها.
وحذر التقرير من بطء فى تكامل الاستحواذات الجديدة، أو وجود تأخير فى الموافقات التنظيمية، أو ضغط من تكلفة المواد الخام المستوردة، على نتائج أعمالها، معتبرا أن هذه العوامل تشكل مخاطر أمام راميدا.
وكشف عن تسجيل الشركة فى الربع الرابع من عام 2024 نموا فى الإيرادات بنسبة تجاوزت %80 على أساس سنوى، وارتفاع فى الأرباح التشغيلية، بينما حافظ هامش الربح الإجمالى على استقراره رغم الضغوط التضخمية.
واعتبر أن الأداء القوى يعود لعدة عوامل منها مزيج المنتجات الذى يميل إلى الأدوية ذات القيمة المضافة العالية، علاوة على كفاءة التشغيل نتيجة الزيادة فى الطاقة الإنتاجية واستخدام أفضل للموارد.
ونجحت الشركة فى تحسين دورة التحول النقدى، وتقليص فترة التخزين والتحصيل مقارنة بالسنوات السابقة، مما ساعد على تعزيز السيولة التشغيلية.
وتتوقع EFG Hermes أن تستمر راميدا فى تحقيق نمو قوى فى الأرباح على مدى السنوات القادمة، مدفوعة باستمرار تطبيق الزيادات السعرية على بقية المنتجات خلال 2025، وتأثير كامل للاستحواذ الأخير على المبيعات والأرباح، بالإضافة إلى توسع مستقبلى فى التصدير، لا سيما فى منطقة الخليج وأفريقيا.
واعتبرت أن راميدا تعد من أفضل الشركات المهيأة للاستفادة من موجة إصلاحات سوق الدواء فى مصر، من خلال مرونتها فى التسعير، وتنويع محفظة منتجاتها، وقدرتها على اقتناص الفرص الاستثمارية ذات العائد المرتفع.
ورجحت أن تكون واحدة من أسرع الشركات نموا فى القطاع خلال عامى 2025 و2026، مدعومة باستراتيجية واضحة وفعالة للنمو المستدام.
واختتم التقرير بالتأكيد على أنه ورغم التحديات الاقتصادية التى تواجهها مصر، خاصة فى ظل تخفيضات سعر الصرف وارتفاع معدلات التضخم، إلا أن قطاع الأدوية أثبت قدرته العالية على التكيف والنمو، مدعوما بعدة عوامل هيكلية واستراتيجية، والتى تتمثل فى الطلب المستمر والمتزايد عليه ، والذى لا يتأثر بشكل مباشر بالدورات الاقتصادية.
وأوضح قدرة شركات الأدوية الكبرى على تمرير جزء كبير من التكاليف إلى المستهلكين من خلال زيادات سعرية تدريجية، علاوة على ما تشهده السوق من توسع وتنامى فرص التصدير، خاصة فى الأسواق المجاورة مثل الخليج وأفريقيا.
وأكد على أن الدعم التنظيمى الحكومى الملموس، متمثلا فى قرارات هيئة الدواء المصرية بالسماح بزيادات سعرية استثنائية بعد كل تحرك كبير فى سعر صرف الجنيه، كان له أثر كبير فى تحقيق معدلات نمو خلال المرحلة الماضية.
تدفقات النقد الأجنبى
وتخصيص قروض ميسرة
قال مصدر مسؤول فى هيئة الدواء لـ”المال” إنه مع بداية 2024، عملت الهيئة على اتخاذ قرارات وصفها بالجريئة لتحسين أوضاع الصناعة، حيث تم تعديل أسعار أكثر من 2300 مستحضر دوائى، بزيادات تراوحت بين %30 لعلاجات الأمراض المزمنة، وما يقرب من %50 للأدوية الحرة (OTC).
وأكد المصدر - فضل عدم ذكر اسمه – أن الزيادة كانت الأكبر منذ تحرير أسعار الصرف فى 2016، مشيرا إلى أن الارتفاعات ساهمت فى خفض حدة الأزمة وتقليل فجوة نقص الأدوية بنهاية العام السابق 2024.
واعتبر أن عملية التحسن فى تدفقات النقد الأجنبى، وتدخل البنك المركزى عبر تخصيص 7 مليارات جنيه قروضا ميسرة لمصانع الأدوية، أسهما فى دعم استقرار السوق، مشيرا فى الوقت ذاته إلى أن المتغيرات الجديدة خاصة المتعلقة بالمحروقات علاوة على أسعار الصرف، ستحدد وضع القطاع وقدرته على مواصلة النمو وتحقيق التوازن بين المنتج والمستهلك.
قطاع الدواء وأزماته المتكررة
يعد قطاع الأدوية المصرى 3 أكبر سوق فى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بعد السعودية والإمارات، ويضم ما يفوق الـ 170 مصنعا ، تغطى نحو %93 من احتياجات السوق المحلية، إلى جانب دور استراتيجى فى تصدير الأدوية خاصة إلى الدول العربية والإفريقية.
وعلى الرغم من قوة القطاع إلا أنه واجه فى السنوات الأخيرة تحديات قاسية على رأسها نقص العملات الأجنبية اللازم لاستيراد المواد الخام التى تمثل نحو %60 من تكلفة التصنيع، بالإضافة إلى ارتفاع تكاليف التشغيل بعد موجات متكررة من التضخم ورفع أسعار الفائدة، علاوة على أزمة تسعير الدواء بسبب ثبات الأسعار الرسمية لسنوات رغم تغير التكلفة الحقيقية.
ورغم هذه التحديات، فقد حافظت الصناعة نسبيا على تماسكها، مدعومة بمرونة الشركات الكبيرة وسرعة تدخل الجهات التنظيمية لحل الأزمات العاجلة، مثل أزمة نقص الأدوية الحادة نهاية 2023.
وكانت مصادر كشفت فى وقت سابق لـ”المال” عن دراسة تجريها هيئة الدواء لتطبيق آلية جديدة لتسعير الأدوية لتكون مرتبطة بشكل مباشر بسعر صرف الدولار مقابل الجنيه المصرى، بدلا من الوضع الحالى، الذى يشترط تقدم الشركات بطلبات للهيئة للحصول على موافقة رسمية لتحريك الأسعار عند حدوث أى تذبذب فى العملة الصعبة.
كان الدكتور مصطفى مدبولى رئيس مجلس الوزراء قال فى تصريحات أواخر 2024، أنه تم تشييد 15 مصنعا جديدا للأدوية خلال الـ3 سنوات الماضية، ليرتفع إجماليها إلى 172 مصنعا، فضلا عن افتتاح 33 خط إنتاج متخصص فى المستحضرات الطبية ليرتفع العدد الاجمالى لهذه النوعية من المنتجات لـ 120 مصنعا.
والآلية الجديدة ستقلل الفجوة الزمنية بين التغيرات فى سعر الصرف تحريك الدواء، وهى المشكلة التى كانت تؤدى فى السابق إلى خسائر كبيرة للشركات أو اضطرارها إلى تقليل الإنتاج نتيجة لعدم الاستجابة السريعة من الجهات التنظيمية.
ورحبت شركات الأدوية العاملة فى السوق المحلية، بالخطوة المرتقبة، معتبرة أنها ستسهم فى تحسين مناخ الاستثمار فى القطاع، وتمنح الشركات رؤية أوضح حول العائد من الاستثمار، كما تساهم فى الحفاظ على توافر الأدوية فى السوق دون انقطاع.
