قررت وزارة النقل خلال أبريل الجارى، طرح عدد من المشروعات فى نشاط النقل النهرى، متمثلة فى إنشاء موانئ وحدات نهرية، داعية المستثمرين للتقدم لتنفيذ تلك المشروعات حتى تزيد النسبة التى يستحوذ عليها هذا القطاع فى نقل البضائع والركاب مستقبلًا.
استطلعت «المال» آراء المختصين فى هذا الشأن، ومدى نجاح تلك التجربة، فى الوقت الذى تم فيه طرح عدد من المشروعات خلال السنوات السابقة، دون استكمالها أو تنفيذها حتى الآن، بالرغم من إجراء العديد من التعديلات التشريعية وأهمها صدور قانون للنقل النهرى الذى تقوم فلسفته على توحيد جهات الإشراف وإصدار التراخيص لتكون فى هيئة النقل النهرى التابعة للوزارة.
قال الدكتور مصطفى صابر، رئيس وحدة النقل النهرى بمركز بحوث النقل، التابع للأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحرى، إنه حتى يتم تنفيذ نهضة بقطاع النقل النهرى، فلابد من وجود دفعة قوية من وزارة النقل والقطاعات المكملة لها لمنظومة النقل النهرى، وذلك على غرار ما تم فى قطاع الطرق والسكة الحديد.
وأضاف أن التطوير يكون فى كل المجالات وليس الاهتمام بعنصر دون آخر، موضحًا أن مكونات النقل النهرى يتركز فى العمالة والوحدة النهرية والمجرى الملاحى، والكبارى على النيل، والقوانين والتشريعات واللوائح المنظمة، وبالتالى لابد من تأهيل كل عناصر المنظومة، لإزالة تخوفات المستثمرين من الدخول فى المجال.
وأشار «صابر» إلى أنه لا يوجد حتى الآن مشروعات رائدة فى قطاع النقل النهرى، وذلك بسبب التحديات التى تواجه هذا القطاع خلال السنوات السابقة،وكانت سببًافى عزوف المستثمرين.
وأوضح أن الشركات العاملة بالقطاع محدودة للغاية، ولا تعكس الإمكانات الضخمة التى يمكن استغلالها فى نقل البضائع أو الركاب، لذا لابد على الدولة والتى تمتلك كل الأدوات أن تكون هى البداية، وذلك بتبنى مشروعات ضخمة يتم تدشينها حتى يتم الاقتداء بها من قبل القطاع الخاص.
وأوضح أن الدولة لديها شركات مختلفة تعمل فى النقل النهرى، وتمتلك تلك الشركات الوحدات النهرية، والبضائع، بالإضافة إلى أرصفة توافر البضائع التى يمكن نقلها، مشيرًا إلى أهمية وجود تنفيذ مشروع متكامل فى النقل النهرى وبعد تحقيقه لنتائج إيجابية، مع فتح الباب للقطاع الخاص وتقديم حوافز حقيقية سيكون هذا بمثابة الدعوة الحقيقية للاستثمار فى المجال.
وأشار «صابر» إلى بتنفيذ هذا المشروع سيتم القضاء على أى معوقات قد تواجه القطاع كالنقل النهرى، أو الكبارى وكذا كميات البضائع، أو تحديات التشغيل، على أن تقوم حل كل هذه التحديات، وبعد نجاح المشروع سيكون السوق مؤهلًا لدخول القطاع الخاص من خلال أعمال الطرح على المستثمرين، حتى يمكن تقييم النموذج المالى، وتحديد العائد من المشروع.
وذهب رئيس وحدة النقل النهرى بمركز بحوث النقل، التابع للأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحرى، إلى أن المستثمرين كان لديهم تخوفات من عدم وجود نموذج واضح يتم الاقتداء به سواء من النواحى الفنية أو المالية، ويمكن تكرارها بالقطاع من خلال نقل كميات والتشغيل، وكذا الإيرادات التى يتم نقلها سنويًا.
بدوره، قال الدكتور حمدى برغوت، خبير النقل واللوجستيات، إن مثلث النقل النهرى يشمل الميناء والبضائع والبارجات «الوحدات النهرية»، مشيرًا إلى أن الدولة تهتم فقط بطرح موانئ نهرية دون تحديد البضائع المطلوب نقلها وحمولاتها ودون توفير وحدات نهرية لنقل تلك البضائع أمام المستثمر حتى يكون لديه رؤية كاملة عن المشروعات.
وطالب «برغوت» بضرورة العمل بالتوازى مع بناء مزيد من البارجات، وتحديد حجم المنقول، ضاربًا مثالًا بنقل خمس ملايين قمح شهريًا يتطلب ضخ استثمارات فى تجهيز ميناء نهرى وأسطول من البارجات لنقل القمح وربطها بالمدن ثم السكك الحديدية والاتفاق معشركات الحاويات بدمياط والإسكندرية لنقل نسبة من بضائعها عبر النيل.
وأوضح أنه مازال هناك تعدد فى الجهات أمام المستثمر، مما يتطلب هيئة عليا للنيل تمثل فيه كل الجهات وتشكيل فريق عمل ينهى كافة التحديات أمام المستثمرين إذا كان هناك جدية فى جذب الاستثمارات لهذا القطاع.
وأيد كلامه رئيس سابق لهيئة النقل النهرى مؤكدًا أن جذب الاستثماراتللقطاع النقل النهرى يتطلب عدة محاور، أهمهامنح المستثمرين الأراضى المطروحة لإقامة الموانئ بأقل الأسعار لفترة معينة تصل إلى 3 سنوات، حتى يحقق أرباحًا مع توصيل كل المرافق إلى تلك الموانئ المطروحة، بجانب منح تسهيلات لشركات الحاويات مقابل نقلنسبة منبضائعهم عبر النقل النهرى.
وطالب المسئول السابق، بضرورة مراعاة ارتفاع مناسيب المياه بشكل يناسب غاطس البارجات النهرية، خاصة أن انخفاض المناسيب يقلل الحمولات المنقولة، وبالتالى تسبب خسائر للمستثمر مع ضمان التشغيل الأمثل للأهوسة طوال الـ 24 ساعة.
وقال إن النقل النهرى يحتاج إلى أعمال تكريك وتطهير بشكل مستمر حتى لا يعرقل حركة النقل، بالإضافة إلى ضرورة إنشاء شركات تصنيع الوحدات النهرية وتشجيعها من خلال منحها حوافز؛ إذ إن البارجة الواحدة يمكنها نقل من 800 إلى 1000 طن أى 40حاوية 20قدمًا، وهو ما يعمل على التخفيف من على الطرق، بالإضافة إلى توفير الوقود المستخدم فى النقل البرى.
وقال إن ضمان ارتفاع مناسيب المياه يتطلب تنسيق جاد بين وزارتى النقل والموارد المائية والرى، خاصة أن الفترة من يناير حتى مارسوالتى يقل بها منسوب المياه بالنيلبجانب استغلال وتطويرالموانئ الحالية والمهملة، والتى تصل إلى عشرات الموانئ التى كانت تتبع شركات القطاع العام وشركات الأسمنت والتعدين، وتقريبًا جميعها خرج من الخدمة، بسبب التحديات التيواجهت القطاع.
وطالب قطاع النقل النهرى بضرورة الإسراع فى تنفيذ مشروع البنية المعلوماتية لنهر النيل، مما يتيح للمستثمرين تتبع بضائعهم.
وطرحت وزارة النقل ثلاثةموانئ أمام المستثمرين،وهى «أسيوط على مساحة إجمالية 17 فدانًا، بواجهة 450 مترًا وعمق 265 مترًا، والثانى ميناء سوهاج بمساحة 15 فدانًا وواجهة 350 مترًا وعمق 70 مترًا، والأخير فى قنا على مساحة 21 فدانًا، وواجهة 325 مترًا وعمق 250 مترًا، إلا أنه لم يتقدم مستثمرون لتلك المشروعات خلال مرات الطرح بسبب عدم حل التحديات التى يواجهها القطاع.
ومن ناحيته، قال القبطان عبدالمنعم محمد الخشت، رئيس مجلس إدارة إحدى شركات الصب الجاف المنقول نهريًا، إن الدولة تضخ ملايين الجنيهات فى إقامة موانئ نهرية، فى حين أنها تحتاج فقط إلى قطعة أرض طرح النيل وغاطس مناسب الوحدة النهرية.
وأوضح أن نجاح عمليات الطرح الموانئ النهرية أمام المستثمرين خاصة فى الوجه القبلى مرهونة بذهاب الرحلات النهرية محملة بالبضائع ورجوعها أيضًا محملة؛ لضمان اقتصاديات التشغيل، إذ إن عودة الرحلات فارغة يسبب خسائر كبيرة لمشغلى الوحدات.
وتابع الخشتقائلًا: شركتى تقوم بنقل الأسمنت الأبيض منالميناء النهرى حتى مينائى دمياط أو الإسكندرية وتعود محملة بالقمح وبجانب نقلها طفلة من أسوان، وتعود فى رحلاتها محملة بالفحم
الوارد من أمريكا ونقله الى إدفو، موضحًا أنه فى حالة عدم عودة الوحدة النهرية محملة بالبضائع يتم الانتظار فترة تتعدى شهور حتى تعود محملة.
وأشار إلى تأثر الرحلات النهرية بعوامل أخرى مثل انخفاض مناسيب المياه خلال فترة الشتاء والمعروفة بـ»السدة الشتوية»، مما يؤدى إلى توقف للبارجات النهرية لأسابيع وقد تمتد إلى عدة أشهر.
وعن نقل الحاويات عبر النيل قال الخشت إن نقل الحاويات على بارجات نيلية يواجه عدة صعوبات من قبل الخط الملاحى نفسه بسبب فترات السماح القليلة للصادر والوارد، مما تستغرق الوحدة النهرية رحلة طويلة تتعدى فترات السماح بها، ومن ثم تفرض الخطوط غرامات وخسائر لأصحاب البضائع بجانب تكاليف نقل الحاويات، وارتفاع إيجار معدات التداول للشحن والتفريغ،فى ظل نقل متعدد الوسائط إذ يستدعى تأجير أوناش بقوة 70 طنًا باهظة التكلفة.
وأضاف أن الخطوط تتخوف من عدة مرات تداول الحاوية ما بين الموانئ النهرية والبحرية، موضحًا أن النقل النهرى خاصة البضاعة الصب يسيطر عليها عدد قليل من الشركات وغير جاذب.
بدوره، أشار مجدى غالى، رئيس مجلس إدارة شركة نايل تاكسى، أن أهم المعوقات أمام القطاع تتركز فى الرسوم، موضحًا أنه على سبيل المثال، تمرفع قيمة معاينة وحدات النزهة الخاصة والتاكسى النهرية مؤخرًا بنسبة تزيد عن %700، إذ كانت تلك الخدمة تصل إلى 150 جنيهًا، لتصل فى القرار الجديد إلى 1000 جنيه.
وأشار إلى أن هناك قطاعًا عريضًا من العاملين بنشاط النقل النهرى لن يستطيعوا مواجهة تلك الرسوم التى وصفها بأنها «مبالغ فيها»، وقد تكون سببًا فيخروج بعض الأنشطة من السوق، والتى وصفها أنها رسوم طاردة للاستثمار فى هذا المجال.
ولفت إلى أنه كان من الأفضل دراسة تلك الرسوم مع السوق والشركات العاملة فى هذا النشاط، حتى يتم دراسة مدى ملائمتها مع الكيانات الموجودة بالفعل، خاصة أن هناك العديد من التحديات التى لا تزال تواجه تشغيل النقل النهرى وتم العمل على حلها من قبل وزارة النقل، وكان أولى تلك الخطوات تحويل كافة الصلاحيات إلى هيئة النقل النهرى، بدلًا من إشراف العديد من الجهات على هذا النشاط، وهذا كان أهم التحديات التى تواجه النقل النهرى فى مصر.
وطالب «غالي» بضرورة عدم وجود أى سلطات لجهات أخرى على استخراج التراخيص سواء للموانئ النهرية أو الوحدات النهرية، إذ مازال هناك بعض الإجراءات التى لا يزال تحت إشراف وزارة الرى، كشرط لصدور الترخيص.
وكان قد نص قرار وزارة النقل رقم 340 لسنة 2024، فى مادته الثانية على تحصيل رسوم مقابل فحص بدن الوحدات النهرية، تصل إلى 2000 جنيه بالنسبة لوحدات السياحية العائمة، وغير الآلية المتحركة والثابتة والذهبيات، و1000 جنيه لوحدات النزهة الخاصة والتاكسى النهرى، و150 جنيهًا لوحدات نقل الركاب والنزهة العامة، و105 جنيهات لوحدات الأبحاث والخدمة العامة، و500 جنيه لوحدات نقل البضائع، و500 جنيه للعبارات.
كما تصل سوم المعاينة لترخيص الموانئ النهرية بواقع 10 جنيهات للمتر المربع عند الترخيص لأول مرة و5 جنيهات للمتر عند التجديد سنويًا، و10 جنيهات رسوم رسو الوحدات النهرية السياحية للطن الحجمى سنويًا.
كما نص القرار على رسم مقابل أعمال الاستشارات الفنية بواقع نسبة %1 من قيمة الأعمال بحد أقصى 3 ملايين جنيه.
كما نص القرار على أن قيمة تكاليف معاينات ثبوت الصلاحية الفنية للوحدات السياحية تصل إلى 60 ألف جنيه، ومعاينة حساب الحمولة الحجمية لأول مرة تصل إلى 15 ألف جنيه، ومعاينة مراجعة حساب الحمولة الحجمية سنويًا تصل إلى 10 آلاف جنيه.
بدوره أوضح رئيس أحد شركات الشحن والتفريغ، بضرورة وجود مشروع قومى للنقل النهرى فى مصر، خاصة أن نهر النيل يلتقى مع العديد من الموانئ المطلة على البحر المتوسط سواء الإسكندرية والدخيلة ودمياط، بالإضافة إلى إمكانية إضافة ميناء بورسعيد حسب الدراسات التى تم إجراؤها فى هذا الشأن بشكل رسمى.
وأضاف، أنه يتم من خلال هذا المشروع ربط المحاور المرورية والممرات اللوجستية بالنقل النهرى، والبحرى، مشيرًا إلى أنه على سبيل المثال كانت قد أصدرت هيئة ميناء الإسكندرية ضوابط الشحن والتفريغ على المخطاف، ومن ضمن هذا النشاط كان إمكانية تفريغ السفن البحرية على البارجات النهرية والخروج إلى موانئ نهرية بمنطقة النهضة، ومنها إلى باقى الموانئ على مستوى الجمهورية، مع تحديد البضائع التى يمكن أن تخضع لهذه الضوابط.
وأوضح أن عددًا من الشركات خاضت تلك التجربة، ويمكن إعادتها مع وضع حوافز استثمارية للمستثمرين لإنشاء موانئ نهرية جديدة، ووحدات نهرية جديدة يمكنها نقل الحاويات.
وخلال أبريل الجارى دعت وزارة النقل، شركات القطاع الخاص للاستثمار فى قطاع النقل النهرى، للاستفادة من عدة مزايا اقتصادية وبيئية.
وأشارت الوزارة، فى منشور لها إلى عدة مزايا للاستثمار فى مجال النقل النهرى الاقتصادية والبيئية، ومن أهمها تخفيف نسبة ما تنفقه الدولة من الميزانية العامة على صيانة الطرق، وقلة التكلفة فى النقل، إذ تحل الوحدة النهرية مكان ما يقارب 40 شاحنة نقل برى، إلى جانب المحافظة على البيئة من التلوث البصرى والسمعى والهوائى الذى يسببه النقل البرى، وتقليل نسبة الحوادث الناتجة عن النقل البرى.
