«رسوم ترامب» تضع «التأمين البحري» في مأزق تراجع الرحلات الدولية

Ad

أثر قرار الولايات المتحدة بفرض رسوم جمركية بحد أدنى %10 على عدد من الدول، ووصولها إلى %125 على الصين، تساؤلات حول التداعيات المحتملة على سوق التأمين البحرى، فى ظل ما قد تسببه تلك الإجراءات من اضطرابات فى حركة التجارة وتكاليف الشحن والتأمين.

ورغم إعلان الرئيس الأمريكى دونالد ترامب عن تعليق مؤقت للرسوم لمدة 90 يومًا، فإن القطاع يترقب تداعيات القرار حال العودة تنفيذه على المدى الطويل، خاصة فى ما يتعلق بأسعار التأمين وتغيرات المخاطر على البضائع المنقولة بحرًا.

«المال»، ناقشت مع عدد من الخبراء والمتخصصين فى المجال، التوقعات المستقبلية على قطاع التأمين فى ظل تصاعد الحرب التجارية بين واشنطن، وبكين.

حجم التجارة

فى البداية قال دكتور علاء العسكرى، أستاذ التأمين والعلوم الاكتوارية بجامعة الأزهر، إن الإجراءات الجمركية الأخيرة التى اتخذتها الولايات المتحدة من شأنها أن تؤثر سلبًا على حجم التجارة العالمية، مؤكدًا أن التبادل التجارى بين الدول سيتراجع بشكل كبير، خاصةً أن العلاقات التجارية بين “واشنطن” و”بكين” تُعد الأكثر تضررًا من هذه السياسات.

وأضاف أن سوق التأمين ستواصل العمل بالمعدلات الحالية من حيث إصدار الوثائق، ولكن التأثير سيظهر مع انخفاض حجم التجارة، حيث يؤدى تراجع عدد الشحنات إلى تقليل عدد وثائق التأمين المصدرة، ما ينعكس على حجم الأقساط التى تحصل عليها شركات التأمين.

وأكد أنه لا توجد مؤشرات على زيادة فى معدلات المخاطر، مشيرًا إلى أن مخاطر التأمين البحرى ترتبط بشكل أساسى بحالة السفن والبضائع وظروف الملاحة، مثل القرصنة، وليس بالعوامل التجارية أو الجمركية.

وأوضح أن المخاطر الفعلية التى تؤثر على تسعير وثائق التأمين البحرى تتركز حاليًا فى مناطق تشهد اضطرابات، مثل البحر الأحمر، إذ أدت حوادث القرصنة إلى رفع أسعار التأمين على السفن التى تمر عبر هذه المنطقة، بسبب تصنيفها كمناطق صراع.

وأكد أن الإجراءات الجمركية التى اتخذتها الإدارة الأمريكية، ولا سيما تجاه الصين، سيكون لها تأثير كبير على حجم التبادل التجارى العالمى، وهو ما يُضعف من حجم الشحنات المتبادلة بين الجانبين، وينعكس بدوره على تقليص عدد الوثائق الصادرة فى أسواق التأمين.

وشبّه العسكرى هذا التأثير بما يحدث فى سوق التأمين على السيارات، موضحًا أنه عند انخفاض عدد المركبات فى السوق، يقل بالتبعية عدد وثائق التأمين، وهو ما يؤثر على حجم الأقساط التى تحصل عليها الشركات، ويجعلها أكثر تحفظًا فى مواجهة التعويضات.

وشدد على أن هذا التراجع فى حجم الوثائق لا يعنى بالضرورة وجود تأثير مباشر على تسعير أو شروط وثيقة التأمين نفسها، إذ إن قاعدة التأمين ترتكز على قانون الأعداد الكبيرة، والذى يتطلب وجود عدد كبير من الوثائق لضمان استقرار السوق.

وأوضح أن الإجراءات الجمركية، بما فى ذلك رفع الرسوم، لا ترتبط بزمن الإفراج الجمركى أو تأخر وصول البضائع، بل إن تلك الإجراءات تختلف من دولة لأخرى وفقًا لنظام الموانئ لديها.

حلول مرنة

بدوره أكد أحمد إبراهيم، مدير وكالة أول فى شركة الكويت للتأمين، أن العلاقات التجارية بين مصر والولايات المتحدة لطالما اتسمت بالقوة، إذ بلغ حجم التبادل التجارى بين البلدين نحو 8.6 مليار دولار فى عام 2022، لافتًا إلى أن نحو %90 من هذا التبادل يتم عبر التجارة البحرية، التى تُعد العمود الفقرى لهذه العلاقة.

ونوّه إلى أن الرسوم الجمركية الأمريكية الجديدة أدت إلى تغيّرات فى حجم وطبيعة الشحنات، مما اضطر شركات الشحن إلى تقليص عدد الرحلات، وأثر على معدلات الخطر المؤمن عليه فى وثائق التأمين البحرى، رغم توقع انخفاض الأسعار بسبب تراجع الطلب، إلا أن تقليص الرحلات رفع تكلفة الشحن لكل وحدة، مما أدى إلى زيادة أقساط التأمين البحرى لتغطية المخاطر.

وأوضح أن ارتفاع أسعار الوقود والتضخم وتعطل سلاسل التوريد بسبب كوفيد-19 تسبب فى زيادة تعقيد مشهد الشحن، واضطرت شركات التأمين تعديل شروطها لمواكبة الواقع المتغير.

وأشار إلى نمط “التفريغ غير المباشر”، والذى يتمثل فى نقل البضائع عبر موانئ دول ثالثة قبل الوصول للولايات المتحدة، للاستفادة من الاتفاقيات التجارية أو تجاوز بعض القيود الجمركية، ما يضيف تحديات تأمينية.

وأكد على أهمية تبنى حلول تأمينية مرنة تواكب التغيرات العالمية، لضمان استمرارية التبادل التجارى وحماية مصالح المصدرين والمستوردين فى كلا البلدين.

وقال إن الزيادات الأخيرة فى الرسوم الجمركية الأمريكية أحدثت تحولًا فى طريقة تعامل المصدرين المصريين مع شروط التجارة الدولية (Incoterms)، وأصبحت أداة لإدارة المخاطر وتحديد المسؤوليات المالية.

وأشار إلى أن التحول الأبرز تمثل فى الابتعاد عن شروط المجموعة C مثل CFR وCIF، إذ يتحمل المصدر المصرى تكاليف الشحن، والاتجاه نحو شروط المجموعة F وخاصةFOB، التى تنقل المسؤولية للمستورد الأمريكى بمجرد تحميل البضائع.

وبين أن البعض اتجه لاستخدام شرط EXW، الذى يُعد الأكثر راحة للبائع وبالمقابل، تراجع استخدام شرط DDP الذى يلزم المصدر بدفع كل التكاليف حتى التسليم النهائى، وأوضح أن هذا التراجع سببه صعوبة التنبؤ بالتكلفة النهائية وتقلب السياسات الجمركية.

تراجع الطلب

أضاف أحمد إبراهيم أن هذه التغييرات أثرت على وثائق التأمين البحرى، إذ أصبحت مسؤولية إصدارها على المستورد الأمريكى، مما قلل من الطلب على الوثائق المحلية بسبب صعوبات فى تتبع الشحنات أو التدخل عند وقوع أضرار.

وأشار إلى أن الرسوم الجمركية فرضت إعادة تقييم القيمة التأمينية، إذ لم تعد المعادلة التقليدية، قيمة البضاعة زائد الشحن، مرورا بهامش ربح كافى، بل يجب تضمين التكاليف اللوجستية، والرسوم الجمركية.

وأكد أن هناك توجهًا متزايدًا نحو وثائق التأمين المفتوحة، لتوفير مرونة أكبر مع تغير الرسوم الجمركية، بجانب خدمات تغطى تكاليف غير متوقعة مثل التأخيرات أو التعديلات المفاجئة.

ولفت إلى أن الوثائق بدأت تشمل بنودًا للتعديل التلقائى للتغطية عند تغير التكاليف، وأُضيفت تغطيات لمخاطر سعر الصرف، خصوصًا فى عقود التصدير طويلة الأجل.

وشدد على أن هذه التغيرات فرضت تحديات على سوق التأمين البحرى المصرى، خاصة فى ما يخص التصدير للسوق الأمريكية، إذ أدت إلى ارتفاع تكلفة التأمين وانعكست سلبًا على هامش الربح، مما دفع بعض المصدرين لإعادة تسعير منتجاتهم أو تقليص صفقاتهم.

وأوضح أن التغيرات الجمركية أثرت على أنواع وثائق التأمين البحرى، مما دفع السوق إلى ابتكار منتجات جديدة وتعديل الوثائق التقليدية، كما حدث تحول واضح من الوثائق الفردية إلى الوثائق المفتوحة التى تغطى شحنات متعددة خلال فترة محددة.

وبيّن أن شركات التأمين طرحت وثائق تغطى المخاطر الجمركية، مثل تكاليف التخزين والتأخير الجمركى، إلى جانب وثائق المسؤولية القانونية، التى تغطى تكاليف الدعاوى القضائية الناتجة عن الالتزامات التعاقدية.

وأضاف أن السوق شهدت تطورًا فى تسعير الوثائق، وظهرت نماذج تسعير تأخذ فى الاعتبار السياسات الجمركية، وقيمة البضائع، ووسائل النقل كما أن الشركات الصغيرة والمتوسطة قد تواجه صعوبات فى التكيف مع هذا المشهد، لكنه يفتح المجال أمام شركات التأمين لتقديم حلول مبتكرة لإدارة المخاطر.

وفيما يخص أقساط التأمين، أوضح أن ارتفاع الرسوم الجمركية زاد من القيمة التأمينية، مما رفع الأقساط، لافتًا إلى أن بعض المنتجات مثل المعادن والألومنيوم شهدت زيادات فى الأقساط وصلت إلى %30.

فرصة ذهبية

فى السياق ذاته صرح الدكتور محمد جودة، رئيس قسم التأمين والعلوم الاكتوارية بكلية التجارة جامعة القاهرة سابقًا، وعضو لجنة الخبراء الاستشاريين بالتأمين بالهيئة العامة للرقابة المالية ولجنة التعليم بمعهد مصر للتأمين، بأن حزمة التعريفات الجمركية التى أعلنتها الإدارة الأمريكية برئاسة دونالد ترامب قد تمثل فرصة ذهبية للسوق المصرية لاستقطاب الشركات ورؤوس الأموال العالمية المتأثرة بتلك السياسات.

وأكد جودة أن مصر تواجه فرصة كبيرة لجذب الشركات من الدول الأكثر تأثرًا بالتعريفات الجمركية الجديدة، مثل الصين وفيتنام، والذين يمثلون حصصًا كبيرة فى واردات الولايات المتحدة من الملابس الجاهزة.

وقال إنه يجب تسريع خطوات جذب تلك الشركات لتصنيع منتجاتها فى السوق المحلية فى ظل التعريفة الجمركية المنخفضة المقررة على مصر والتى تبلغ %10.

وأشار إلى أن هذه الرسوم قد تؤدى إلى زيادة أسعار السلع والخدمات، مما يزيد من تكلفة التأمين على الممتلكات والسيارات.

وأضاف: “كما أن التأثير العام للرسوم الجمركية سيساهم فى زيادة التضخم وزيادة تكاليف الإنتاج، مما قد يؤدى إلى زيادة أسعار التأمين”.

وفيما يتعلق بتأثر قطاع التأمين المصرى، أوضح جودة أن هذه الرسوم لن يكون لها تأثير ملحوظ على القطاع المصرى، مع ضرورة مواصلة تحسين مناخ الاستثمار وتقديم المحفزات لتشجيع الشركات العالمية على التوسع فى السوق المصرية.

إعادة النظر

أوضح محمد الغطريفى، وسيط التأمين، أن التعريفات الجمركية الأخيرة التى فرضتها الولايات المتحدة من المتوقع أن تُلقى بظلالها على حركة التجارة البحرية مع مصر، لا سيما فى ما يتعلق بالصادرات المتجهة إلى السوق الأمريكية.

وأضاف أن هذه المتغيرات تفرض بالضرورة مراجعة وثائق التأمين البحرى، بحيث تُعاد هيكلتها بما يتماشى مع التغيرات فى القيم الجمركية للبضائع، وهو ما قد ينعكس على مبلغ التأمين المُحدد فى الوثيقة، وكذلك على نوعية وحجم المخاطر المؤمن عليها.

وفيما يتعلق بتأثير الرسوم الجديدة على إجراءات الشحن والتخليص فى الموانئ الأمريكية، أشار الغطريفى إلى أن التعقيدات ازدادت، وأصبحت الجهات الجمركية تُجرى مراجعات أكثر دقة لتحديد السلع المشمولة بالتعريفات.

وبين أن ذلك أدى إلى إطالة مدة بقاء البضائع فى الموانئ، وهو ما يرفع من احتمالات التلف أو الفقد، خصوصاً للبضائع الحساسة أو سريعة التلف، مما يتطلب أيضاً مراجعة دقيقة لشروط التغطية التأمينية ومدى كفايتها لهذه النوعية من المخاطر.

وتطرق الغطريفى إلى أن تطورات المشهد العالمى تمهد لاحتمالية تقديم مطالبات تأمينية ناتجة عن تلف أو تأخير فى وصول البضائع.

وأوضح أن الرسوم الجمركية الجديدة أثرت بشكل مباشر على سلاسل التوريد العالمية، دفعت العديد من الشركات إلى إعادة النظر فى خطوط الإمداد التقليدية، لاسيما القادمة من دول مثل الصين وأوروبا.

وأشار إلى أن هناك تحولات جارية فى مصادر التوريد ووجهات الشحن بهدف تقليل الأعباء المالية، وهو ما انعكس على كفاءة سلاسل التوريد، وبالتالى على وثائق التأمين المرتبطة بتغطية اضطرابات الإمداد.

واختتم الغطريفى حديثه بالقول إن شركات التأمين قد تلجأ إلى فرض شروط أو قيود إضافية على الوثائق الخاصة بالشحنات المتجهة إلى الولايات المتحدة، من أبرزها زيادة قيمة الأقساط لتعويض ارتفاع المخاطر.