بينما تتجه الحكومة نحو تعزيز التشريعات المنظمة للقطاع الصحي، أثار قانون المسؤولية الطبية الجديد جدلًا واسعًا بين مؤيدى الخطوة التى تهدف إلى حماية المرضى من الأخطاء الطبية، وبين المعارضين الذين يرون فيه تهديدًا للأطباء دون معالجة جذور المشكلة.
وفى ظل هذه الانقسامات، ظل السؤال المطروح هل يمكن للقانون أن يحقق التوازن بين حماية المرضى من الأخطاء الطبية، وضمان بيئة عمل عادلة للأطباء، أم أن غياب البنية التحتية الداعمة يجعله أداة تُستخدم ضد الأطباء أكثر مما تحمى المرضى.
التحديات والانتقادات الموجهة للقانون
يرى محمود فؤاد، رئيس المجلس المصرى للحق فى الدواء، أن القانون يمثل خطوة جيدة، لكنه يفتقر إلى قاعدة بيانات وطنية عن الأخطاء الطبية، وهو ما يجعل تقييم الحالات عرضة للتقديرات الشخصية بدلًا من الاعتماد على بيانات موثوقة.
وأوضح فؤاد فى تصريحات لـ”المال” أن عدم وجود إحصائيات دقيقة عن الأخطاء الطبية سيؤدى إلى مشكلات فى تحديد نطاق المشكلة، وبالتالى فى قياس مدى نجاح القانون فى الحد منها.
من جهته، قال الدكتور عاطف الشيتانى، مقرر المجلس القومى للسكان ورئيس قطاع السكان وتنظيم الأسرة سابقًا، إن غياب السجلات الطبية الإلكترونية يضعف قدرة لجان التحقيق على الوصول إلى أدلة واضحة.
وأضاف الشيتانى، أنه فى ظل غياب نظام رقمى موحد لتوثيق الحالات، يعتمد التحقيق فى الأخطاء الطبية على شهادات الأفراد والمستندات الورقية، وهو ما قد يؤدى إلى قرارات غير دقيقة، بل وقد يعرض الأطباء لاتهامات غير منصفة بسبب نقص الأدلة الموثقة.
وأشار فى تصريحات لـ”المال” إلى أن بعض الأخطاء الطبية ليست بالضرورة نتيجة إهمال من الأطباء، بل قد تكون ناتجة عن سوء تنظيم النظام الصحى نفسه.
وأوضح، على سبيل المثال، إذا كان طبيب يعمل فى مستشفى يفتقر إلى التجهيزات اللازمة لعلاج حالة معقدة، فقد يضطر إلى اتخاذ قرارات طبية تحت ضغط نقص الإمكانيات.
واستكمل، فى ظل عدم وجود نظام إحالة واضح يحدد متى يجب تحويل المرضى إلى منشآت طبية أخرى، فإن الأطباء قد يجدون أنفسهم محاسبين على أخطاء ناتجة عن ضعف المنظومة الصحية نفسها.
واعتبر أن أحد الجوانب غير الواضحة فى القانون هو كيفية تمويل صندوق التعويضات الخاص بالأخطاء الطبية، فهل سيتم تمويله من خلال اشتراكات الأطباء، أم من خلال موارد حكومية، وفى حالة الاقتصار على الاشتراكات لتكون هى المصدر الأساسى، فقد يشكل ذلك عبئًا ماليًا إضافيًا على الأطباء، خاصة فى التخصصات التى تحمل مخاطر طبية عالية مثل الجراحة والتخدير.
وأكد، يجب أن يتم إنشاء قاعدة بيانات وطنية لحصر الأخطاء الطبية وتصنيفها وفقًا لأسبابها، سواء كانت ناتجة عن خطأ بشرى، أو نقص فى الإمكانيات، أو سوء تنظيم إدارى.
كما طالب بضرورة أن يتم التحول إلى نظام رقمى لتوثيق التاريخ المرضى للمرضى، بحيث يتم ربطه بقاعدة بيانات مركزية، مما يضمن توثيقًا دقيقًا لكل حالة، ويقلل من النزاعات القانونية.
وطالب مقرر المجلس القومى للسكان ورئيس قطاع السكان وتنظيم الأسرة سابقًا، بضرورة وجوب وضع بروتوكول وطنى يحدد المستويات المختلفة للرعاية الطبية، ويوضح متى يجب تحويل المريض من مستشفى إلى آخر، وذلك لضمان تلقى المريض العلاج فى المكان المناسب.
ولفت إلى ضرورة وجود آلية تعويض المرضى قائمة على تحليل علمى للأخطاء الطبية، مع وضع تصنيف واضح للأخطاء وفقًا لأسبابها، كما ينبغى أن تكون مساهمات الأطباء فى صندوق التعويضات مرنة، بحيث تختلف وفقًا لدرجة الخطورة فى كل تخصص.
واختتم، بالتأكيد على أن قانون المسؤولية الطبية، يعد خطوة مهمة نحو تحقيق التوازن بين حماية حقوق المرضى وضمان بيئة عمل آمنة للأطباء، لكنه لا يزال بحاجة إلى بنية تحتية داعمة لضمان تطبيقها بفعالية.
من جانبه، قال الدكتور عصام الطوخى، عميد كلية الطب بجامعة باديا، إن قانون المسؤولية الطبية قد يؤدى إلى ارتباك شديد فى أداء الأطباء داخل المستشفيات والمؤسسات الصحية، محذرًا من تأثيراته السلبية على تدريب الأطباء الجدد والخريجين، وتحديدًا خلال فترة الامتياز والتدريب الإكلينيكى.
وأوضح الطوخى، فى تصريحات لـ”المال”، أن القانون بصيغته الحالية قد يدفع الأطباء إلى العزوف عن الإشراف الفعلى على الخريجين والمتدربين أو السماح لهم بمباشرة أى فحوصات أو إجراءات طبية، خوفا من تحمل المسؤولية القانونية كاملة فى حال حدوث خطأ طبى أو نتائج سلبية أثناء التعامل مع المرضى، حتى وإن كان هذا الخطأ ناتجًا عن الطبيب المساعد أو الخريج.
وأضاف: “سيضع القانون الأطباء فى موقف صعب، لأن أى إجراء يتم داخل الفريق الطبى سيحمل للطبيب المشرف حتى لو لم يقم به بنفسه، وهو ما قد يدفع كثيرين إلى الامتناع عن تفويض أى طبيب أو خريج فى القيام بمهام مباشرة مع المرضى”.
وأشار عميد كلية الطب بجامعة باديا إلى أن هناك نماذج فى عدد من الدول التى تبنت قوانين مشابهة، مثل ألمانيا، قد شهدت مشكلات كبيرة فى هذا الإطار، إذ أدى القانون هناك إلى إحجام الأطباء عن السماح للخريجين بمناظرة الحالات المرضية بشكل مباشر، وهو ما عرقل لسنوات طويلة خطط التدريب العملى والتأهيل المهنى للخريجين قبل أن تضطر بعض الدول إلى تعديل تلك القوانين لاحقًا.
وأكد الدكتور الطوخى أن القانون يستهدف فى جوهره حماية المرضى وضمان جودة الخدمة الطبية، وهو أمر لا يختلف عليه أحد، لكنه فى الوقت نفسه، ربما يصيب المنظومة الصحية بالشلل أو تؤدى إلى حرمان الأطباء الشباب من فرص التدريب العملى الذى يعد ركيزة أساسية فى تأهيل الكوادر الطبية.
