في معقل التلفزيون.. دراما بريطانيا «الراقية» تتعثر

Ad

قبل أكثر من 80 عاما وبالتحديد فى نوفمبر 1936 أطلقت هيئة الإذاعة البريطانية BBC أول خدمة تلفزيونية منتظمة فى العالم، وذلك بعد قرابة 6 أعوام من إنتاج أول عمل درامى تلفزيونى بريطانى «الرجل ذو الزهرة فى فمه» والذى أنتجته «بى بى سي» كجزء من البث التجريبى عن مسرحية إيطالية تحمل الاسم نفسه.

ورغم أن أول عمل درامى تلفزيونى فى العالم كان أمريكيا، إلا أن انفراد بريطانيا آنذاك بالبث التلفزيونى المنتظم مكنها من تحقيق الريادة فى صناعة التلفزيون وصنع مكانتها كمركز رئيسى لتطوير واختبار تقنيات وأشكال البرامج التلفزيونية، وأتاح لها تقديم محتوى ثقافى وأدبى حظى بجماهيرية محلية ودولية.

على مدار تاريخها، مرت صناعة التلفزيون البريطانية بمحطات عديدة فى ظل ظهور ثانى قنواتها التلفزيونية ITV عام 1954 ثم «القناة الرابعة فى 1982، ولكل منهما إلى جانبى قناتى «بى بى سي» التلفزيونيتين، هيكلا مختلفا فى التمويل يتراوح بين الاعتماد على مقابل رخصة البث (كل من يشاهد التلفزيون فى بريطانيا يدفع رسوما سنوية حتى الآن) أو الاعتماد على الإعلانات.

ومر الإنتاج الدرامى البريطانى بمحطات أخرى مع ظهور قنوات «الكابل» والفضائيات»، وزيادة المنافسة بين القنوات التجارية، وانتهاء بعصر البث الرقمى الممثل فى منصات مثل «نتفلكس».

وبرغم أن قوة بريطانيا الناعمة ولكنتها الانجليزية الأثيرة لا تزال حاضرة بنضارة فى عهد البث الرقمى، بل واستفادت من الاستثمارات الضخمة التى ضختها شركات البث الأمريكية العملاقة لإنتاج الأفلام والدراما، إلا أن البلاد تخشى على نوع راق من إنتاجاتها الأصيلة التى تسرد القصص البريطانية المحلية والتارخية والتى ما عادت قادرة على المنافسة فى ظل تعثر التمويل القادر على إنتاج عمل ضخم يستطيع المنافسة.

مخاطر فقدان الهوية الثقافية البريطانية، أضحى حديثا متكررا فى الأوساط الفنية فى بلد يملك من الحرية والتاريخ والديمقراطية البرلمانية والأدب والرياضة ما لا يزال قادرا على جذب الجمهور وإحداث تأثير عالمى، لكنه يخشى من تحولات جذرية وسريعة فى الصناعة قد تنتزع منه عرشا لطالما ملكه.

المملكة المتحدة تخشى من فقدان الهوية الثقافية

تشهد صناعة التلفزيون فى المملكة المتحدة أزمة غير مسبوقة، تهدد بغياب القصص البريطانية عن الشاشات الصغيرة، وذلك وفقًا لإليزابيث مردوخ، المديرة التليفزيونية وابنة قطب الإعلام البريطانى روبرت مردوخ.

وأكدت مردوخ أن هذه الأزمة أدت إلى هجرة المواهب الإنتاجية من القطاع، مشيرة إلى أن صعوبة تأمين التمويل اللازم للإنتاج المحلى أصبحت عائقًا رئيسيًا أمام استمرار صناعة المحتوى البريطانى.

وأوضحت مردوخ أن المنتجين البريطانيين يقدمون أعمالًا عالية الجودة لمنصات البث العالمية، باستخدام مواهب بريطانية وتصويرها داخل المملكة المتحدة، إلا أن هذه الأعمال ليست بالضرورة القصص التى تسعى قنوات مثل “BBC” و”Channel 4” لإنتاجها.

وأشارت إلى أن المشاريع التى وافقت عليها “BBC” وقدمت لها تمويلًا أساسيًا لا تزال تعانى من فجوات تمويلية تحول دون تنفيذها.

من جانبها، أكدت جاين فيذرستون، المنتجة التلفزيونية الإنجليزية والمؤسس المشارك لشركة “سيستر بيكتشرز”، أن المملكة المتحدة مهددة بفقدان القصص التى تعكس هويتها الثقافية.

وحذرت فيذرستون من أن البلاد تلعب “فى الدقائق الأخيرة” قبل أن تفقد عرشا لطالما ملكته.

وجاءت تصريحات فيذرستون خلال حفل جوائز “Broadcasting Press Guild” فى لندن، حيث تم تكريمها لمساهماتها البارزة فى الصناعة، وأكدت أن الفجوة بين التمويل المتاح وتكاليف الإنتاج الحالية أصبحت كبيرة جدًا، مما يعرض القصص البريطانية الفريدة لخطر الاختفاء من الشاشة، وأضافت: “الخطر ليس نظريًا، بل هو حقيقى وفوري”.

ضعف الإنتاج المحلي

وشهدت صناعة التلفزيون فى بريطانيا تحولًا جذريًا خلال العقد الأخير، حيث انتقلت من سوق محلية إلى صناعة ذات طابع عالمى، ورغم أن هذا التحول جلب استثمارات كبيرة، إلا أنه فرض تحديات خطيرة على الإبداع والريادة الثقافية البريطانية، وفقًا لمردوخ.

وتأتى هذه التصريحات وسط تراجع ملحوظ فى حجم الأعمال التلفزيونية فى المملكة المتحدة، مما دفع بعض المنتجين المخضرمين إلى مغادرة القطاع أو اللجوء إلى وظائف بديلة أثناء انتظار انتعاش الصناعة.

ويرجع ذلك جزئيًا إلى تركيز الموارد على إنتاج دراما ذات طابع عالمى يمكن تسويقها خارج بريطانيا، وهو ما أكده المنتج التنفيذى باتريك سبينس، الذى أوضح أنه لو تم تقديم فكرة مسلسل “Mr Bates vs The Post Office” اليوم، لما حصل على التمويل الكافى لإنتاجه.

ضريبة البث الرقمى.. حل على الطاولة لإنقاذ الصناعة

مع تفاقم الأزمة، ظهرت مقترحات لحلها، من بينها فرض ضرائب على منصات البث العالمية لتمويل الإنتاج المحلى، وهو الاقتراح الذى طرحه المخرج البريطانى بيتر كوزمينسكى، كما نادى بعض المنتجين بضرورة تقديم حوافز ضريبية لدعم الصناعة، على غرار التسهيلات التى يتم منحها لقطاع السينما المستقلة.

ودعا كوزمينسكى إلى فرض ضريبة بنسبة %5 على إيرادات منصات البث الرقمى، على أن يتم توجيه العائدات إلى صندوق لدعم المحتوى الثقافى البريطانى.

ووفقًا لبيانات معهد الفيلم البريطانى BFI الصادرة مؤخرًا، تم إنفاق 5.6 مليار جنيه إسترلينى على الإنتاج التلفزيونى والسينمائى فى المملكة المتحدة خلال عام 2024، لكن ميزانية الإنتاج المحلى فى بريطانيا بلغت 598 مليون جنيه إسترلينى فقط، بانخفاض %22 عن العام السابق.

ويؤكد كوزمينسكى أن فرض ضريبة على منصات البث الرقمى يمكن أن يساعد فى إنقاذ الدراما البريطانية، مشيرًا إلى أن بعض الدول الأوروبية مثل فرنسا والدنمارك تطبق بالفعل أنظمة مماثلة لتمويل الإنتاج المحلى.

ولكن تبقى العقبة الكبرى هى أن العديد من منصات البث الرقمى الكبرى مقرها فى الولايات المتحدة، مما قد يؤدى إلى توترات دبلوماسية بين لندن وواشنطن، خاصة بعد أن أشار البيت الأبيض فى فبراير إلى أن فرض ضرائب على المنصات الأمريكية يمثل “سياسات مناهضة للمنافسة” و”انتهاكًا للسيادة الأمريكية”.

من جهتها دعت جاين فيذرستون، المنتجة التلفزيونية الإنجليزية، إلى زيادة الإعفاءات الضريبية للإنتاج التلفزيونى الضخم، على غرار الامتيازات الممنوحة لقطاع الأفلام المستقلة، لمساعدة الصناعة على البقاء فى ظل هذه التحديات المالية.

كما اقترحت نقاشا واسع حول السبل الممكنة لدعم الصناعة، مشيرة إلى أن هناك عدة خيارات يجب استكشافها، مثل تحسين حقوق الملكية الفكرية للمنتجين المستقلين، وزيادة رسوم التراخيص المدفوعة من قبل جهات البث الرئيسية.

وأكدت أن هذا ليس “مجرد طلب استثنائي”، بل هو خطوة استراتيجية لضمان استمرارية الصناعة فى ظل التغيرات المتسارعة.

انخفاض التمويل

من جهتها، أشارت إليزابيث مردوخ، المديرة التليفزيونية إلى أن الأزمة الحالية ليست مجرد مشكلة مؤقتة، بل هى نتاج مجموعة من العوامل المتشابكة، أو ما وصفته بـ”العاصفة المثالية”. فمع تغير أنماط المشاهدة وانتقال الجمهور نحو المنصات الرقمية مثل “يوتيوب” وخدمات البث، ارتفعت تكاليف الإنتاج بشكل ملحوظ، فى حين تراجعت عائدات الإعلانات للقنوات التلفزيونية العامة، كما انخفضت القيمة الفعلية لرسوم ترخيص “BBC” بنحو %30 منذ عام 2010.

وأوضحت مردوخ أن القنوات العامة مثل “BBC” توفر محتوى بريطانيًا بنسبة %80، بينما يقتصر المحتوى البريطانى على منصات البث على %10 فقط، وهذا يؤكد أهمية دور القنوات التقليدية فى دعم الثقافة المحلية، إلا أن قدرتها على الاستمرار فى ظل الظروف الحالية باتت موضع شك.

وترى مردوخ أن جميع الخيارات يجب أن تُدرس بعناية، مؤكدة أن فقدان الثقة فى الصناعة يعنى تراجع الاستعداد للمخاطرة، وهو ما قد يؤدى إلى اختفاء الأعمال الإبداعية التى شكلت هوية التلفزيون البريطانى مثل “Happy Valley”، و”Shameless”، و”Fleabag”، و”Skins”، وLife on Mars.

البث العام.. حصن السرديات الأصيلة «على المحك»

أكد المخرج البريطانى الشهير بيتر كوزمينسكى أن الهيئات الإعلامية العامة، مثل BBC وITV، لم تعد قادرة على تحمل تكاليف إنتاج الدراما البريطانية الراقية، وهو ما يمثل تهديدًا خطيرًا لمستقبل الإنتاج التلفزيونى المحلى.

وكشف المخرج الحائز على جائزة الأكاديمية البريطانية للأفلام BAFTA وGolden Globe أن الجزء الثانى من المسلسل الدرامى التاريخى “وولف هول”، الذى عرض العام الماضى، كاد أن يتم إلغاؤه قبل أسابيع من بدء التصوير بسبب الضغوط المالية.

وأوضح فى مقابلة مع برنامج “نيوزنايت” على قناة BBC 2 أنهم اضطروا فى النهاية إلى إلغاء المشاهد الخارجية المكلفة فى الجزء الجديد “المرآة والنور”، مما جعل المشاهد تقتصر بشكل كبير على حوارات داخل القاعات والغرف.

وأوضح المخرج أن النص الأصلى كان يتضمن مشاهد خارجية متعددة، ومشاهد تتطلب استخدام الخيول، إضافة إلى مشهد مبارزة ضخمة استوحتها الكاتبة الأصلية للعمل هيلارى مانتل، ولكن جميع هذه المشاهد تم إلغاؤها بسبب القيود المالية، مما أثر على رؤية المسلسل بشكل عام.

وذكر كوزمينسكى أنه قبل 6 أسابيع من بدء التصوير، وبعد تخفيض النفقات على الديكورات، والأزياء، وعدد الممثلين، واختيار مواقع التصوير، اكتشف الفريق أن العجز المالى لا يزال كبيرًا، مما كاد أن يدفعهم إلى إلغاء المشروع بالكامل.

وأضاف: “لم يسبق لى طوال مسيرتى أن اضطررت إلى إيقاف إنتاج عمل قبل أسابيع قليلة من التصوير بسبب الميزانية”.

وأضاف كوزمينسكى: “أنا فخور جدًا بما أنجزناه، وكان استقبال الجمهور إيجابيًا بشكل كبير، لكننا اضطررنا إلى التضحية بجوانب مهمة من القصة، حيث كان التصور الأصلى يتضمن مشاهد تبرز حياة المجتمع التودورى فى العالم الخارجى، وليس فقط داخل القصور الفاخرة”.

وقد وافق الممثل مارك رايلانس، الذى جسد شخصية السير توماس كرومويل (رجل دولة إنجليزى شغل منصب وزير الملك هنرى الثامن 1532-1540)، إلى جانب المنتج التنفيذى كولين كالندر، وكاتب السيناريو الحائز على جائزة الأوسكار بيتر ستروغان، على تخفيض أجورهم لضمان استكمال المسلسل.

وأكد المخرج أن الوضع أصبح أسوأ منذ تصوير المسلسل، مشيرًا إلى أن BBC وITV لن تكونا قادرتين اليوم على تمويل إنتاج أعمال مماثلة مثل “وولف هول” أو حتى مسلسل “السيد بيتس ضد البريد الملكي”، الذى تناول فضيحة البريد الملكى.

وحذر كوزمينسكى من أنه فى المستقبل القريب، قد يلاحظ الجمهور البريطانى اختفاء هذا النوع من الدراما تمامًا بسبب عدم قدرة المؤسسات الإعلامية التقليدية على المنافسة فى ظل هيمنة منصات البث الرقمى.

وأشار المخرج إلى أن إنتاج مسلسل “المراهقة”، الذى تبثه Netflix ويتناول قصة مراهق متهم بالقتل، كان سيكون مستحيلًا بتمويل من BBC أو ITV.

وفى هذا السياق، قال جاك ثورن، كاتب المسلسل، إن القنوات التقليدية ربما كانت ستتمكن من إنتاجه، لكن بميزانية محدودة كانت ستفرض تغييرات كبيرة على العمل.

وأضاف: “فى الحلقة الثانية، كتبت مشهدًا للتدريب على الإخلاء يتطلب 300 ممثل إضافى، تم توظيفهم لمدة 10 أيام، وهو ما كلف ميزانية ضخمة، لو كان الإنتاج تابعًا لقناة تقليدية، لكان من الصعب تحقيق هذا المشهد”.

وأشار ثورن إلى أن أى إنتاج بهذا الحجم كان سيحتاج إلى تمويل مشترك من جهات دولية، ولكن فى ظل الظروف الراهنة، انخفضت مصادر التمويل الخارجية بشكل كبير.

وأوضح باتريك سبينس، المنتج التنفيذى لمسلسل “السيد بيتس ضد البريد الملكي”، أن الأزمة وصلت إلى مستوى خطير، قائلًا: “ليس فقط أن المسلسل لم يكن ليحصل على تمويل اليوم، بل حتى تطويره من الأساس لم يكن ليحدث”.

من جانبه، أكد آلان بيتس، الشخصية الحقيقية التى استند إليها المسلسل، أن عدم القدرة على إنتاج هذا النوع من الدراما سيكون “خسارة فادحة”، مشيرًا إلى أن المسلسل ساعد فى كشف حجم الظلم الذى تعرض له موظفو البريد فى بريطانيا.

من الفن إلى «الكاشير».. مصير مؤلم لمبدعين دهستهم «المنصات»

كشف تقرير لصحيفة “الجارديان” أن بعض الشخصيات التلفزيونية المخضرمة باتت تعمل فى وظائف بعيدة تمامًا عن مجالها، مثل ترتيب البضائع فى المتاجر ومراقبة مواقف السيارات والعمل فى الحانات، بينما اضطر آخرون إلى بيع منازلهم، فى الوقت نفسه، يضطر بعض العاملين فى القطاع إلى تحمل مسؤوليات تفوق قدراتهم بسبب نقص التمويل والموظفين.

ستيف لوغرى، منتجة تحرير وبرامج تلفزيون الواقع، وجدت نفسها تتألم فى عملها بمتجر HMV، بعد 17 عامًا من العمل فى التلفزيون، حيث وجدت نفسها فجأة بلا عمل فى صيف 2023، واضطرت لقبول وظائف بأجور أقل، ومع تصاعد الضغوط المالية وارتفاع أقساط الرهن العقارى، لجأت إلى العمل فى متجر التجزئة.

وقالت لوغرى: “وصلت إلى مرحلة كان عليّ أن أفعل شيئًا، لم أعتقد أبدًا أننى أفضل من هذه الوظائف، فأنا أحب التفاعل مع الناس، لكن بعد 17 عامًا من الخبرة، لم يكن هذا ما خططت له، إنها وظيفة بالحد الأدنى للأجور، مما جعلنى أستنزف مدخراتى بسرعة”.

ومع استمرار تراجع فرص العمل فى التلفزيون، تستعد لوغرى الآن للعمل كموظفة دعم، وهو دور ترى أنه يتناسب مع مهاراتها، لكنها تعترف بأن خسارة عملها فى التلفزيون لم تكن مجرد أزمة مالية، بل أزمة هوية أيضًا، قائلة: “أحب التلفزيون، وما زلت أحاول اكتشاف من أكون بدونه”.

ولم تكن لوغرى الوحيدة التى واجهت هذا المصير، إذ تواصل العديد من العاملين فى المجال مع صحيفة “الجارديان” للتعبير عن معاناتهم، حيث تحول البعض إلى العمل كمساعدى مبيعات، أو موظفى مواقف سيارات، أو حتى العمل فى الحانات.

وتعزو التقارير هذا الانهيار إلى عدة عوامل، منها انتقال الجماهير إلى المنصات الرقمية، واهتمام القنوات التلفزيونية الكبرى بإنتاج دراما عالية التكلفة على حساب البرامج الواقعية والوثائقية التى كانت تشكل العمود الفقرى للبرامج التلفزيونية التقليدية.

كيم لاسك، منتجة برامج الواقع والتسلية، والتى تمتلك 20 عامًا من الخبرة، كانت تعمل لدرجة أن طلب منها العمل أثناء إجازة الأمومة، لكنها منذ نوفمبر 2024 لم تتمكن من تأمين وظيفة دائمة، واضطرت للعمل فى حانة وسوبرماركت “ليدل”، حيث تقوم بأعمال ترويجية.

وتقول لاسك: “لقد اعتدت على العمل فى بيئة اجتماعية، والتلفزيون مجال ديناميكى مليء بالتفاعل، لذا كان من الغريب أن يتوقف كل شيء فجأة أشعر أننى تائهة، وغير متأكدة مما يحمله المستقبل، هل أستمر فى المحاولة، أم أغيّر مسارى المهنى تمامًا؟”.

الأزمة لم تقتصر على الجوانب المالية فقط، بل كان لها أثر نفسى عميق على العاملين فى القطاع، “بن سيل”، مخرج ومنتج يبلغ من العمر 35 عامًا، وجد نفسه بدون عمل فى منتصف عام 2023، وهو ما وصفه بأنه “مدمر للروح”.

وقال: “قضيت 10 سنوات فى بناء مسيرتى المهنية، ثم فجأة وجدت نفسى بلا عمل، وكانت تلك أصعب فترة فى حياتي”.

واضطر سيل إلى العمل “كاشير” فى متجر “ماركس آند سبنسر” خلال موسم الأعياد، لكنه لم ينسَ تعليقًا مؤلمًا من أحد العملاء: “أخبرنى أننى سيئ فى عملى ولا أعرف ما أفعله، كان ذلك بمثابة ضربة قوية وأنا بالفعل فى وضع سيئ”.

فى نهاية المطاف، تمكن سيل من الانتقال إلى إدارة قناة يوتيوب لشركة ما، لكنه يعترف بأن ذلك جاء مع تضحيات، قائلاً: “لقد خفضت راتبى بشكل كبير مقارنة بما كنت أتقاضاه فى التلفزيون، لكنه منحنى بعض الاستقرار، ومع ذلك، يدرك أن وضعه كان أفضل من غيره، مضيفًا: “لم أفقد منزلى أو علاقاتى، ولم يكن لدى أطفال أعيلهم، هناك زملاء يمرون بأسوأ من ذلك بكثير”.