تشهد سوق التسويق العقارية فى مصر نموًا غير مسبوق خلال الفترة الأخيرة، إذ أصبحت شركات الوساطة مسؤولة عن نحو %75 من مبيعات العقارات سنويًا، مما يعكس دورها الحاسم فى ربط المطورين بالمشترين، ومع ذلك، تواجه تلك الكيانات منافسة شرية داخليًا ما يدفعها إلى تبنى استراتيجيات تسويقية مبتكرة للحفاظ على مكانتها وتعزيز تنافسيتها.
وتأتى فى صدارة الشركات التى تقود هذا القطاع وفقًا لتقرير “ذا بورد كونسالتنج” الصادر عن القطاع العقارى فى عام 2024، “ذا أدريس” التى حققت مبيعات قياسية بلغت 128.4 مليار جنيه، مدعومة بأكثر من 4 آلاف مستشار مبيعات، ما يجعلها واحدة من أكبر شركات الوساطة العقارية فى الشرق الأوسط.
تليها شركة “بى تو” التى تواصل توسعها القوي، حيث تعتمد على 2,360 مستشار مبيعات وحققت مبيعات بقيمة 79.2 مليار جنيه، مما عزز مكانتها كواحدة من أهم اللاعبين فى السوق.
أما شركة ناوي، فتُعد الكيان الوحيد الذى يعتمد على التكنولوجيا بالكامل، وسجلت مبيعات بلغت 65 مليار جنيه عبر 750 مستشار مبيعات، مستفيدة من نهجها الرقمى المبتكر، مما ساعدها على التوسع بشكل كبير خلال 2024.
من بين الشركات الأكثر خبرة فى السوق، نجد “Coldwell Banker”، التى حققت مبيعات بلغت 51.3 مليار جنيه عبر 1500 مستشار ، مستفيدة من علاقاتها القوية مع كبار المطورين وشبكة واسعة من العملاء.
فيما حققت شركة ريد نموًا استثنائيًا، حيث توسعت من 6 إلى 65 فرعًا خلال أربع سنوات، وعقدت أكثر من 60 شراكة، الأمر الذى ساعدها على تحقيق مبيعات بلغت 21.08 مليار جنيه عبر 950 مستشار مبيعات.
أما “رى ماكس”، فقد تميزت بنموذج الامتياز التجاري، حيث تدير 42 مكتبًا، ما منحها تفردًا فى السوق العقارية، وحققت مبيعات بقيمة 19.1 مليار جنيه، مدعومة بأكثر من 900 مستشار مبيعات.
فى المقابل، أثبتت “New Avenue” كفاءتها العالية بثقافتها المؤسسية القوية، حيث تمكنت من تحقيق مبيعات بلغت 17 مليار جنيه، مما جعلها واحدة من أكثر شركات الوساطة كفاءة فى السوق.
منافسة شرسة
بداية قال عبدالرحمن خليل، الخبير والمطور العقاري، إن شركات التسويق العقارى تلعب دورًا محوريًا فى السوق المصرية، حيث أصبحت تشكل %75 من إجمالى مبيعات العقارات سنويًا، ما يعكس تأثيرها القوى فى ربط المطورين بالمشترين.
ورغم ذلك فقد رأى أن هذه الشركات تواجه منافسة شرسة وتحديات متزايدة فى ظل التغيرات الاقتصادية والتشريعية، ما يدفعها إلى الابتكار واعتماد أساليب غير تقليدية للحفاظ على مكانتها فى السوق وتعزيز قدرتها التنافسية.
وأوضح أن قطاع التسويق العقارى يشهد دخول لاعبين جدد باستمرار، لكن فى المقابل، هناك العديد من الكيانات التى لا تستطيع الصمود أمام حدة المنافسة، ما يضطرها إلى التوقف عن العمل، ونتيجة لذلك، تبحث الشركات الكبرى عن أساليب جديدة لتمييز نفسها عن الآخرين، وهو ما دفع بعض الشركات إلى تطوير نماذج استثمارية مبتكرة تجذب شريحة أوسع من العملاء.
وأشار إلى نموذج “ناوى شيرز”، الذى أطلقته منصة “ناوي”، والذى يعتمد على فكرة الاستثمار الجزئى فى الوحدات العقارية، حيث يتيح للمستثمرين شراء حصص صغيرة فى العقارات بدلًا من شراء وحدات كاملة، مما يسهل عليهم الدخول إلى السوق بأموال أقل.
وأضاف أن هذه الفكرة لم تعد مقتصرة على “ناوي” فقط، بل بدأت تلقى رواجًا بين العديد من الشركات الأخرى، التى تبحث عن وسائل أكثر مرونة وشمولية لجذب شرائح جديدة من العملاء، خاصة فى ظل الظروف الاقتصادية الحالية.
العامل الأهم
وذكر خليل أنه بجانب المنافسة المحتدمة، تواجه شركات التسويق العقارى ضغوطًا تنظيمية وتشريعية تؤثر على قدرتها على الوصول إلى العملاء، ومن أبرزها قرارات الجهاز القومى لتنظيم الاتصالات الأخيرة، التى أوقفت عددًا كبيرًا من خطوط الهواتف المستخدمة فى التسويق العقاري، وهو ما شكل تحديًا كبيرًا للقطاع.
ورأي، أن القرار لم يؤثر على شركات التسويق العقارى فقط، بل امتد تأثيره ليشمل أيضًا بعض المطورين العقاريين الذين يعتمدون على هذه القنوات للوصول إلى عملائهم، لذا، أصبح من الضرورى على الشركات إعادة النظر فى استراتيجياتها التسويقية، والبحث عن وسائل أكثر استدامة وكفاءة للتواصل مع العملاء، مثل التسويق الرقمي، الإعلانات المستهدفة عبر الإنترنت، واستخدام قواعد بيانات متطورة لتحليل سلوك العملاء واحتياجاتهم.
وفيما يتعلق بالمنافسة بين شركات التسويق العقاري، شدد على أن العامل الأهم فى نجاح أى شركة ليس حجم الإعلانات التى تنشرها أو عدد المكالمات التى تجريها مع العملاء، بل بناء الثقة معهم على المدى الطويل.
قيمة مضافة
وأضاف خليل، العميل الذى يثق فى شركة معينة لا يقتصر تعامله معها على عملية شراء واحدة، بل يعود إليها مجددًا طلبًا للاستشارة حول الفرص الاستثمارية الجديدة، مما يحوّل الشركة من مجرد وسيط بيع إلى شريك استثمارى حقيقي.
وأكد أن الشركات التى تسعى لتحقيق استدامة فى السوق يجب أن تقدم قيمة مضافة حقيقية لعملائها، سواء من خلال توفير أفضل الفرص الاستثمارية، وتقديم استشارات مالية دقيقة، أو تحقيق أعلى عوائد ممكنة على الاستثمار.
وأوضح أن الشركات التى تركز على هذه الجوانب ستكون قادرة على التكيف مع التقلبات الاقتصادية والاستمرار فى السوق رغم التحديات التى تواجهها.
وأشار إلى أن المستقبل القريب سيشهد تحولًا كبيرًا نحو التسويق الرقمى فى قطاع العقارات، حيث ستصبح التكنولوجيا هى العنصر الأساسى فى نجاح الشركات.
ولفت إلى أن الشركات التى تستطيع مواكبة هذه التغييرات، وتطوير استراتيجيات تسويق رقمية متكاملة تعتمد على الذكاء الاصطناعي، تحليل البيانات، وتقنيات التسويق الإلكتروني، ستكون الأكثر قدرة على البقاء والتوسع فى السوق المصرية.
وأضاف أن المرحلة المقبلة ستشهد أيضًا اعتمادًا أكبر على التسويق عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وتطبيقات العقارات الذكية، والمنصات الرقمية التى تتيح تجربة تفاعلية للعملاء، ما يسهل عليهم اتخاذ قرارات الاستثمار والشراء بسرعة وفاعلية.
منافسة قوية تغيرات جوهرية
فيما أكد المهندس محمد دغيدي، رئيس مجلس إدارة ريماكس المهاجر للتسويق العقاري، أن قطاع التسويق العقارى فى مصر شهد خلال عام 2024 تغيرات جوهرية، حيث أصبح الاعتماد على الأساليب التقليدية غير كافٍ لتحقيق النجاح فى ظل المنافسة المتزايدة.
وأوضح أن العديد من الشركات اضطرت للجوء إلى الحملات الإعلانية المدفوعة بشكل مكثف لتعويض تراجع فعالية الأساليب التقليدية.
وحول توقعاته للعام الحالي، أشار دغيدى إلى أن الشركات التى ستتمكن من التفوق على منافسيها ستكون تلك القادرة على تبنى أدوات تسويق رقمية مبتكرة، والاستفادة من المنصات المتخصصة فى العقارات، والتى تفتقر السوق المصرية إلى منصة موثوقة منها حتى الآن.
وأكد أن وجود منصة عقارية ذات مصداقية كان من الممكن أن يغير المشهد تمامًا، ويخلق فرصًا تنافسية جديدة للشركات والمطورين العقاريين.
وعن تأثير قرارات الجهاز القومى للاتصالات على السوق، أوضح دغيدى أن هذه القرارات جاءت للحد من الإزعاج الناتج عن الحملات الإعلانية المكثفة، لكنها فى الوقت ذاته فرضت تحديات جديدة على الشركات، التى أصبحت بحاجة إلى استراتيجيات تسويق أكثر استهدافًا ودقة للوصول إلى العملاء المحتملين دون انتهاك القوانين الجديدة.
ولفت إلى أن مستقبل التسويق العقارى فى مصر مرهونًا بقدرة الشركات على التكيف مع التغيرات الرقمية، وتقديم محتوى إعلانى موثوق وجذاب.
وأشار إلى أن الشركات التى ستستثمر فى الحلول التكنولوجية المتقدمة، مثل الذكاء الاصطناعى وتحليل البيانات، ستكون الأقدر على تحقيق نمو مستدام فى سوق يشهد منافسة متزايدة عامًا بعد عام.
نيو أفنيو
فى حين حققت شركة نيو أفنيو للتسويق العقارى على مدار 10 سنوات مبيعات تقدر بنحو 50 مليار جنيه لصالح كبار مطورى القطاع العقارى التى قامت الشركة بالترويج لمشروعاتهم.
وقال أحمد الدسوقي، المدير التنفيذى لشركة نيو أفنيو للتسويق العقاري، إنها حرصت منذ انطلاقها فى عام 2015 على ابتكار آليات تسويقية ساهمت فى الوصول الى أكبر قاعدة من العملاء المستهدفين مع الحفاظ على الجدية والإلتزام بما ساهم فى اكتساب ثقة العملاء والحفاظ عليها على مدار السنوات العشرة الماضية .
وأضاف أن مبيعات الشركة شهدت تطورات على مدار الـ 10 سنوات الماضية وتحديدًا فى آخر 3 سنوات والتى بلغت بهم إجمالى المبيعات المحققة لصالح المطورين 30 مليار جنيه.
وأوضح أن الشركة حققت فى 2024 مبيعات لصالح المطورين تقدر بـ 17 مليار جنيه بزيادة قدرها %48 عن المبيعات المحققة فى عام 2023 والتى بلغت 11.5 مليار.
وأشار إلى حرص الشركة على اتباع آليات توسعية مدروسة خلال السنوات الماضية، لافتًا إلى أن عدد العاملين بها حاليًا 500 موظف بينهم 350 مستشارًا عقاريًا بعدما كان لديها 25 موظفًا فقط فى 2015.
وأكد على أن الشركة تحرص على مساعدة العملاء فى اتخاذ القرارات التى تتعلق بشراء العقارات سواء بغرض السكن أو الاستثمار، واختيار المنتج المناسب لهم، ولايقتصر دور نيو أفنيو على بيع للوحدات العقارية، كما تتبنى أعلى قدر من تحقيق الشفافية فى التعامل مع العملاء، وهو ما جعلها تحظى بثقة واسعة فى السوق.
جذب العملاء
وأوضح الدسوقي، إن علاقة الشركة بالعميل لا تنتهى بمجرد شراء الوحدة، بل تمتد على مدار سنوات، حيث تقدم الشركة خدمات مثل إعادة البيع والإيجارات، لضمان تحقيق أفضل عائد على استثمارات عملائها.
وفيما يتعلق بطرق التسويق، أشار إلى أن الشركة لا تعتمد على المعارض المحلية، بل تركز على التسويق الإلكترونى كوسيلة رئيسية لجذب العملاء، كما تولى اهتمامًا كبيرًا بالمشاركة فى المعارض العقارية بالخارج، حيث شاركت خلال السنوات الماضية فى معارض من بينها سيتى سكيب قطر، ومعارض كبرى بالكويت والإمارات، بهدف الترويج للعقارات المصرية وجذب الاستثمارات الخارجية.
وأوضح أن الشركة تعمل على تطوير تقارير استثمارية دقيقة توضح العائد المتوقع على الاستثمار العقارى فى مصر خلال فترة 3 إلى 5 سنوات، لمساعدة المستثمرين الأجانب والمصريين فى اتخاذ قرارات مبنية على بيانات دقيقة، مشيرًا إلى أنه أكثر من %60 من مبيعات الشركة لصالح المطورين خلال العام الماضى جاءت من المصريين العاملين بالخارج.
تنظيم المهنة
قال جون سعد خبير الاستثمار العقاري، إن الشركات عليها ابتكار آليات تسويقية متنوعة فى الترويج، بجانب المؤتمرات والمعارض العقارية.
ونصح الشركات بالتركيز على استهداف مختلف شرائح العملاء وخاصة العملاء الأجانب لزيادة حجم التصدير، بالتزامن مع محاولة التواجد مبكرًا فى السوق السعودية والذى يتميز بوجود طلب كبير، مع زيادة القوة الشرائية.
وتوقع ارتفاع أسعار العقارات بكل أنواعها سكنى وتجارى وإدارى وفندقي، بنسبة تتراوح بين %15 و%40 خلال العام الحالي.
ودعا الحكومة للعمل على تأسيس هيئة خاصة بشركات التسويق، لتنظيم هذه المهنة الحيوية، بخلاف سرعة توثيق شركات التسويق العقارى العاملة بالسوق، وتنظيم السوق العقارية من خلال وجود هيئة أو غرفة خاصة بالمسوقين للحفاظ على حقوق العملاء.
وأضاف أن السوق العقارية فى حاجة للتنظيم فى الجزء التسويقى بشكل خاص، للقضاء على عدد من الظواهر التى أضرت كثيرًا بالقطاع العقارى من ضمنها الكاش باك، والعروض الترويجية الوهمية.
أحدث المنضمين
فى نفس السياق، بدأت شركة “ماركت ستاندرد” للتسويق العقاري، التى تتخذ من لندن مقرًا لها، العمل رسمياً فى السوق العقارية المصرية بخبرات ممتدة من النجاح فى السوق البريطانية، كما تستهدف تحقيق مبيعات لصالح الغير فى مصر بقيمة 30 مليار جنيه خلال 2025.
وقال المهندس أبو الفتوح غراب، رئيس مجلس الإدارة، إن السوق العقارية المصرية تعد أولى خطوات الشركة للتوسع فى أسواق رئيسية بالمنطقة مثل الرياض وأبو ظبى والمغرب واليونان، لافتًا إلى أن اختيار مصر لتكون بوابة انطلاق الشركة فى منطقة الشرق الأوسط يعكس إيمانها العميق بإمكانات السوق المصرية وقدرتها على استيعاب نموذج عمل عصرى يتماشى مع المعايير العالمية.
وأشار إلى أن شركته تعتمد فى عملها على 3 ركائز رئيسية، وهى تقديم منهجية تسويقية تواكب الاتجاهات العالمية، وشبكة العلاقات الواسعة ومحفظة العملاء من مختلف دول العالم التى تمتلكها والتى تتيح فرصًا استثنائية توفرها سواء لعملائها أو للمطورين العقاريين.
ولفت إلى أن الشركة تطمح فى إحداث تأثير إيجابى فى السوق المصرية من خلال تقديم نموذج عمل متطور يجمع بين المعايير العالمية والفهم العميق لاحتياجات السوق المحلية، مع استهداف تحقيق مبيعات تصل إلى 30 مليار جنيه فى العام الحالي، مع خطط للتوسع فى الخليج بحلول عام 2026.
وأكد غراب أن “ماركت ستاندرد” تقدم حلولاً عقارية متكاملة تشمل المشاريع السكنية والتجارية، إلى جانب الاستشارات الاستثمارية وإدارة الممتلكات، كما تركز على بناء شراكات استراتيجية مع المطورين والمستثمرين لتوفير فرص استثنائية.
دغيدى: الاعتماد على الأساليب التقليدية غير كافٍ لتحقيق النجاح
خليل: المستقبل القريب سيشهد تحولًا كبيرًا نحو الرقمنة
الدسوقي: «نيو أفنيو» تراهن على خدمات ما بعد البيع والمشاركة بالمعارض
سعد: الحكومة عليها الإسراع فى تنظيم وتقنين هذه المهنة الحيوية
ذا بورد كونستالتنج: «ذا أدريس» تتصدر المشهد بفارق كبير عن «تو بى»
«ماركت ستاندرد» تستعين بخبراتها فى لندن لاقتناص حصة سوقية بمصر
