شهدت سوق التأمين الرياضى فى مصر تطورًا ملحوظًا فى السنوات الأخيرة، مع ظهور وثائق تأمينية متخصصة تستهدف حماية الرياضيين خلال مسيرتهم الاحترافية، فبعد أن كان التأمين مقتصرًا على الحوادث الشخصية والحياة، أصبحت هناك وثائق تغطى إصابات الملاعب، بما يشمل التدخلات الجراحية والتأهيل والتعويض فى حالات العجز أو الوفاة.
على الرغم من ذلك لا تزال هناك فجوة بين السوق المصرية ونظيرتها العالمية، والتى يشكل التأمين فيها جزءًا أساسيًا من عقود اللاعبين، إذ تحصل الأندية على تعويضات فى حال إصابة نجومها، وتتوفر أنظمة تأمين تمتد لما بعد الاعتزال، وهو ما لم يتحقق بعد فى السوق المصرية.
وفى ظل غياب التأمين الإلزامى، يواجه العديد من الرياضيين مخاطر فقدان مصدر دخلهم حال تعرضهم لإصابة خطيرة، وهو ما يجعل الحاجة ملحّة لإعادة النظر فى سياسات التأمين الرياضى بمصر، لضمان استقرار اللاعبين وتأمين مستقبلهم داخل وخارج الملاعب.
فى هذا التحقيق، نستعرض أبرز ملامح سوق التأمين الرياضى فى مصر، والفرص المتاحة لتطويرها، والتحديات التى تعرقل انتشارها، من خلال آراء الخبراء حول طبيعة التغطيات المتوفرة، وأوجه القصور التى يجب معالجتها لضمان حماية أفضل للرياضيين خلال مسيرتهم وبعد الاعتزال.
أكد محمد مرسى، مدير إدارة تطوير الأعمال وكبار العملاء بشركة «كونتكت» للوساطة التأمينية، أن خيارات التأمين المتاحة للرياضيين شهدت تطورًا ملحوظًا فى السنوات الأخيرة.
وأضاف، كان التأمين يقتصر فى السابق على الحوادث الشخصية وتأمين الحياة، وظهرت مؤخرًا وثائق متخصصة تحت مسمى «إصابات الملاعب»، والتى توفر تغطية أوسع تشمل التدخلات الجراحية الناتجة عن الإصابات، إضافة إلى التعويض فى حالات الوفاة أو العجز الكلى، فضلًا عن تكاليف الإقامة بالمستشفى، وإعادة التأهيل والتدريب، وحتى إصابات الأسنان.
وأوضح أن وثائق التأمين الخاصة بالرياضيين بعد الاعتزال متاحة عالميًا، لكنها غير متوفرة فى السوق المصرية نظرًا لارتفاع تكلفتها، مشيرا إلى أن الشركات المحلية عند دراسة إمكانية تقديم مثل هذه الوثائق، حرصت على إبقاء التكاليف فى متناول الأندية ذات الموارد المحدودة، إلا أن العديد من التغطيات التى تقدمها الأسواق العالمية لا تزال غير متاحة محليًا.
كما لفت إلى أن الوثائق التأمينية الدولية تتضمن مزايا إضافية مثل تعويض الأندية عن عقود اللاعبين فى حال تعرضهم لإصابات خطيرة، إضافة إلى أنظمة تعويض شبيهة بالمعاشات عند الاعتزال، وهى مميزات لم تُطبق بعد فى مصر.
وأكد أن أحد العوامل الرئيسية التى تعيق انتشار التأمين على الرياضيين فى مصر هو ضعف إدراك الأندية والاتحادات الرياضية لأهمية هذا النوع من الوثائق.
وأوضح أن عملية تسعير وثائق التأمين تخضع لعدة عوامل، من بينها الجهة المستفيدة، سواء كانت اتحادًا رياضيًا أم ناديًا، بالإضافة إلى طبيعة الرياضة المراد تغطيتها، ومدى خطورتها، وغيرها من العوامل التى تؤثر على تكلفة الوثيقة، لافتا إلى أن عدد المشتركين ونوع الرياضة من أبرز المحددات فى عملية التسعير.
وأضاف مرسى، أن شركات التأمين تعتمد على قانون الأعداد الكبيرة فى تقييم وإدارة المخاطر، مما يعنى أنه كلما زاد عدد المستفيدين من الوثيقة، زادت القدرة على التحكم فى معدلات الخطر.
وأوضح أن كل رياضى يمثل حالة تأمينية مستقلة، بخلاف التأمين على الممتلكات مثل تأمينات الحريق، إذ يكون لكل فرد حد أقصى للتغطية وفقًا لمستوى المخاطر المرتبطة به، وبالتالى فإن زيادة عدد المؤمن عليهم تساهم فى تحقيق توازن يسمح بتغطية المخاطر الفردية بشكل أكثر كفاءة.
وأشار إلى أن السوق المصرية تضم حاليًا نحو ثلاث شركات تأمين تقدم وثائق مخصصة للرياضيين، مؤكدًا أن هذا المجال لا يزال فى طور النمو والتوسع.
وأوضح أن غياب التأمين يؤثر بشكل مباشر على الرياضيين خلال مسيرتهم المهنية وبعد الاعتزال، وأن أى إصابة خطيرة قد تعيق اللاعب عن استكمال مشواره، وفى حال عدم قدرته على تحمل تكاليف العلاج والجراحة اللازمة، فإنه يواجه خطر فقدان مصدر رزقه بشكل دائم.
وأشار إلى أن التأمين الرياضى لا يقتصر فقط على تغطية الإصابات أثناء النشاط الرياضى، بل يمكن أن يوفر دعمًا ماليًا بعد الاعتزال، مما يسهم فى تقليل المخاطر التى يواجهها اللاعبون خلال مسيرتهم المهنية وبعد انتهائها، وأن وجود وثائق تأمينية متخصصة من شأنه أن يضمن للرياضيين الحماية اللازمة سواء أثناء ممارسة النشاط أو بعد التقاعد.
وفيما يتعلق بإمكانية جعل التأمين على الرياضيين إلزاميًا فى مصر خلال الفترة المقبلة، توقع أن يتم إنشاء «مجمعة تأمينية» تغطى الرياضيين والنشاط الرياضى بشكل عام، وذلك نظرًا للعدد الكبير من الرياضيين فى مصر، مؤكدا أن تطبيق هذا النظام سيسهم فى تحقيق حجم أقساط تأمينية كبير، مما يساعد فى توفير تعويضات مناسبة تدعم استمرارية الرياضيين وحمايتهم ماليًا.
وبدوره أكد أسامة منصور، رئيس مجلس إدارة شركة «كابيتال» للوساطة التأمينية، أن وثائق تأمين الحوادث والتأمين على الحياة متاحة بالفعل، مشيرًا إلى أن بروتوكول التعاون الذى وقعه صندوق «البركة كابيتال» مع «استادات مصر» لتمويل الاستادات والرياضة خطوة إيجابية، مشددا على أهمية إدراج التأمين ضمن مصادر تمويل هذا الصندوق.
وأوضح أن هناك تحديات تواجه تطبيق التأمين الرياضى، أبرزها مستوى الوعى العام، والإرادة الإدارية، ومدى إدراك رؤساء الأندية لأهمية التأمين على اللاعبين.
وأشار إلى أن التأمين الطبى على اللاعبين متاح حاليًا، ولكن الباقات التأمينية تُعد باهظة الثمن، كما أن قيمة التأمين لا تشكل نسبة كبيرة مقارنة بالمصاريف الضخمة التى تُنفق على اللاعبين.
ولفت إلى أن أحد التحديات التى تواجه التأمين على اللاعبين هو سرعة انتقالهم بين الأندية، ما يجعلهم غير مدركين لقيمة مبالغ التأمين المستحقة لهم، موضحا أن الأندية لم تعقد ورش عمل مع شركات التأمين للوصول إلى تغطيات مناسبة بأسعار ملائمة.
وأكد أن هناك قصورًا من جميع أطراف المنظومة، إذ لا يتم مناقشة هذا الملف بالشكل الكافى، رغم أهميته، وأن الرياضيين يتمتعون بنمط حياة صحى، مما يجعلهم يستبعدون احتمالات المرض أو الإصابة، إلا أن الواقع يؤكد أن أى شخص معرض لهذه المخاطر، بغض النظر عن حالته الصحية.
وشدد رئيس مجلس إدارة شركة كابيتال للوساطة التأمينية، على ضرورة تكاتف جميع أطراف المنظومة، من أندية ووزارة الشباب والرياضة، وشركات التأمين، لمناقشة آليات تطوير التأمين الرياضى، باعتباره جزءًا أساسيًا من صناعة الرياضة التى تتبناها الدولة فى رؤيتها للنهوض بالمجال محليًا وإقليميًا ودوليًا.
وأكد أن إدراج التأمين ضمن العقود الرياضية يعد عنصرًا تكامليًا يسهم فى استقرار الأندية وضمان مستقبل اللاعبين، مما يعزز استمرارية الصناعة الرياضية.
ولفت إلى أن غياب التأمين قد يشكل عائقًا أمام احتراف الشباب، إذ يواجهون ضغوطًا أسرية تدفعهم إلى التركيز على مسار أكاديمى آمن بدلاً من المخاطرة بمستقبلهم الرياضى.
وأضاف أن توفير وثائق تأمين للاعبين سيمنح أسرهم الطمأنينة، مما ينعكس إيجابًا على دعمهم النفسى ويحفزهم على مواصلة مسيرتهم فى المجال الرياضى، وهو جانب ينبغى أن تضعه الأندية فى اعتبارها عند وضع استراتيجياتها المستقبلية.
كما أكد أن التأمين يعد عنصرًا أساسيًا فى عقود الرياضيين فى أوروبا وأمريكا، ويُدرج ضمن البنود الإلزامية لضمان حقوق اللاعبين والأندية على حد سواء، مشيرا إلى أن تطبيق هذا النموذج فى مصر سيسهم فى تطوير المنظومة الرياضية بشكل كبير، ويدفع الرياضة المصرية نحو المنافسة فى أكبر البطولات العالمية خلال فترة قصيرة.
وحول أهمية فرض التأمين الإجبارى على اللاعبين لضمان مستقبلهم، شدد على أن الأمر لا يقتصر فقط على الحماية المالية، بل يُعد استثمارًا حقيقيًا فى العنصر البشرى.
وأشار إلى أن اللاعبين، مثل أى أفراد آخرين، لديهم احتياجات ومخاوف يجب العمل على تلبيتها لضمان استقرارهم النفسى والمعنوى، مما ينعكس إيجابيًا على أدائهم داخل الملعب واستمراريتهم فى المجال الرياضى.
وأكد محمد حسن، رئيس مجلس إدارة الشركة «الدولية للوساطة التأمينية»، أن هناك عدة أنواع من التأمين المتاحة للرياضيين فى مصر، من بينها التأمين الطبى (Medical Insurance) والتأمين ضد الإصابات التى قد تؤدى إلى اعتزال اللاعب نهائيًا.
وأوضح أن إصابات الملاعب بشكل عام يتم تغطيتها بوثائق تأمين معينة، تشبه إلى حد ما وثائق المسئولية المهنية، إذ توفر الحماية خلال فترة ممارسة النشاط الرياضى، بينما تختلف الأمور تمامًا بعد انتهاء المسيرة الرياضية.
وأضاف أن أى إصابة يتعرض لها اللاعب خلال فترة سريان عقده، سواء أثناء المباريات أو التمارين، تُصنف كإصابة ملاعب، ويتم التعامل معها وفقًا لبنود الوثيقة التأمينية.
وعن أسباب ضعف انتشار تأمين الرياضيين فى مصر، أشار إلى أن ارتفاع مستوى الخطر المرتبط بإصابات الرياضيين يجعل شركات التأمين تتردد فى الاكتتاب بهذه الوثائق، خاصة مع ارتفاع قيمة التعويضات مقارنة بالفترات السابقة، وهو ما يشكل تحديًا أمام توفير تغطية تأمينية شاملة لإصابات الملاعب.
وأكد أن تعويضات اللاعبين فى حالة الإصابة تُحدد بناءً على المبلغ التأمينى المتفق عليه فى العقد، وتختلف باختلاف مستوى الاحترافية والبطولات التى يشارك فيها اللاعب.
كما أوضح أنه كلما زاد احتراف اللاعب، زادت قيمة عقده التأمينى، فعلى سبيل المثال إذا كان لاعب محلى يتقاضى 10 ملايين جنيه سنويًا، فإن وثيقة التأمين الخاصة به قد تغطيه لمدة ثلاث سنوات بعد الإصابة، بينما فى حالة اللاعبين المحترفين خارج مصر، قد تصل قيمة عقودهم إلى 150 مليون دولار سنويًا، ما يعنى أن التعويضات تكون أعلى بكثير.
وأوضح حسن أن شركات التأمين تحدد سياستها تجاه الرياضات ذات معدلات الخطر العالية بناءً على دراسة دقيقة للمخاطر، وكلما ارتفع معدل الخطر ارتفعت قيمة القسط التأمينى وفقًا للحسابات الاكتوارية، وذلك نتيجة لزيادة احتمالات الإصابة، مما يؤدى إلى ارتفاع تكلفة التأمين مقارنة بالأنشطة الأقل خطورة.
وأشار إلى أن هناك فروقًا واضحة بين التأمين على الرياضيين فى مصر مقارنة بأوروبا وأمريكا، ويتمثل الاختلاف الأساسى فى قيمة التأمين ونطاق التغطية المتاحة.
وأوضح أن اللاعبين المحترفين عالميًا يحصلون على تأمين يختلف تمامًا عن التأمين المقدم للاعبين المحليين، كما أن شركات التأمين فى مصر غالبًا لا توفر تغطية تأمينية كاملة لهذا النوع من المخاطر، إما لعدم اعتيادها على ذلك أو لعدم امتلاكها القدرة على الاكتتاب فيه، على عكس نظيراتها فى الخارج التى تتمتع بخبرة واسعة فى هذا المجال، لذلك عند إصدار وثائق التأمين الرياضى فى مصر، يتم اللجوء غالبًا إلى إعادة التأمين مع شركات عالمية لضمان توفير التغطية المطلوبة.
وعن توفر وثائق تأمين متخصصة للرياضيين فى مصر، أكد أن هناك بالفعل بعض الشركات التى بدأت فى تقديم هذه الوثائق، مشيرًا إلى أنه تم استحداث برامج تأمينية تشمل إصابات الملاعب، كما هو الحال فى وثائق التأمين الخاصة بالطيارين، وكان هناك تحفظ سابق من بعض الشركات على تغطية هذه المخاطر، لكن الأمر تطور حاليًا ليشمل تغطيات أكثر شمولًا.
فى الختام، إن التأمين الرياضى لا يعد مجرد حماية مالية للاعبين، بل هو عنصر أساسى فى استدامة المنظومة الرياضية ككل، فالأسواق العالمية أثبتت أن وجود وثائق تأمين متطورة يعزز من استقرار الأندية، ويوفر حماية للرياضيين سواء خلال مسيرتهم أو بعد الاعتزال.
ومع تصاعد أهمية الرياضة كصناعة مؤثرة فى الاقتصاد، يصبح من الضرورى العمل على تطوير منظومة التأمين الرياضى فى مصر، سواء من خلال إدخال وثائق جديدة، أو رفع مستوى الوعى بين الأندية والاتحادات، أو حتى التفكير فى حلول تأمينية جماعية تغطى أكبر عدد من الرياضيين، فبدون تأمين شامل، سيظل مستقبل اللاعبين محفوفًا بالمخاطر، وقد تخسر الرياضة المصرية العديد من المواهب الواعدة بسبب غياب الحماية المالية اللازمة.
