«سنة الأساس» تهوي بالتضخم في مصر.. وترجيحات بمعاودة الارتفاع والبدء في دورة تيسير نقدي

Ad

شهدت مصر انخفاضًا ملحوظًا فى معدل التضخم السنوى خلال شهر فبراير الماضى، حيث تراجع إلى %12.8 مقارنة مع %24 فى يناير 2025، وفقًا لبيانات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، وهو ما يمثل تحولًا إيجابيًا فى مسار الاقتصاد المصرى بعد سنوات من الضغوط السعرية.

وأرجع عدد من الخبراء المصرفيين هذا الانخفاض الحاد فى معدلات التضخم إلى تأثير "سنة الأساس"، وهى الفترة الزمنية التى يتم مقارنة المؤشرات الاقتصادية بها، وأوضحوا أنه عندما تكون سنة الأساس قد شهدت ارتفاعًا غير طبيعى فى الأسعار، فإن المقارنة معها قد تظهر انخفاضًا كبيرًا فى معدل التضخم، حتى لو كانت الأسعار لا تزال مرتفعة.

وأضافوا - فى تصريحات لـ «المال» - أنه على الرغم من هذا التراجع الظاهرى فى معدلات التضخم، فإن الخبراء يحذرون من التفاؤل المفرط، فهم يرون أن هذا الانخفاض قد لا يعكس تحسنًا حقيقيًا ومستدامًا فى الوضع الاقتصادى، بل قد يكون نتيجة لتأثيرات مؤقتة ناجمة عن المقارنة مع فترة كانت الظروف فيها استثنائية، وبالتالى، فإنهم يدعون إلى ضرورة مراقبة المؤشرات الاقتصادية الأخرى، مثل التضخم الأساسى ومعدلات النمو، قبل اتخاذ أى قرارات بشأن السياسة النقدية.

وقال محمد عبد العال الخبير المصرفى إن الانحسار الحاد الذى حدث على صعيد معدلات التضخم (العام والأساسي) جاء مدفوعًا بتأثير سنة الأساس، لافتًا إلى أنه من الناحية العملية والإحصائية قد لا يكون صحيحًا الاعتماد فى احتساب التضخم على سنة أساس شابها الكثير من العوامل غير الطبيعية، والتى أدت إلى ارتفاع معدلات التضخم إلى مستويات غير مسبوقة.

وأوضح أن سنة الأساس هى الفترة الزمنية التى تُستخدم كنقطة مرجعية سابقة عند حساب التغيرات فى المؤشرات الاقتصادية. وعندما يكون التضخم مرتفعًا بشكل غير عادى فى سنة الأساس، فإن التغيرات اللاحقة فى الأسعار قد تبدو أقل حدة عند مقارنتها بتلك السنة المرتفعة.

وتابع أنه إذا كان التضخم مرتفعًا بشكل غير اعتيادى فى سنة الأساس بسبب أحداث استثنائية (مثل أزمة اقتصادية أو كوارث أو صدمات اقتصادية محلية أو خارجية)، فإن المقارنة مع هذه السنة قد تظهر انخفاضًا كبيرًا - غير واقعى - فى معدل التضخم فى السنة الحالية حتى لو كان التضخم لا يزال مرتفعًا، ولذلك يجب احتساب تأثير سنة الأساس واقعياً، والأخذ فى الاعتبار الوضع الاقتصادى خلالها وتحليل العوامل غير الاعتيادية التى قد تكون أثرت فيها.

توقعات أسعار الفائدة

وأكد "عبدالعال" أن الانخفاض فى معدل التضخم تحت تأثير سنة الأساس قد لا يعكس بالضرورة تحسنًا حقيقيًا أو مستدامًا فى الوضع الاقتصادى، بل قد يكون انعكاسًا لتأثيرات زمنية مؤقتة ناجمة عن المقارنة مع فترة كانت الظروف فيها استثنائية.

وأفاد بأن البنوك المركزية لا تعتمد فقط على معدلات التضخم السطحية التى تتأثر بسنة الأساس لاتخاذ قرارات تتعلق بالسياسة النقدية مثل خفض أسعار الفائدة، ولكنها تأخذ فى اعتبارها مجموعة من المؤشرات الاقتصادية، بما فى ذلك التضخم الأساسى (الذى يستبعد العناصر المتقلبة)، وتقارير النمو الاقتصادى، وسوق العمل، واستقرار الأسعار، والاتجاهات الاقتصادية العالمية قبل الانتقال إلى سياسات تيسيرية.

وفيما يتعلق بتوقعات توجهات لجنة السياسة النقدية بالنسبة لأسعار الفائدة، فعلينا الانتظار فالاجتماع المقبل سوف ينعقد يوم 17 أبريل المقبل، وأمامنا متسع من الوقت لمشاهدة معدل التضخم لشهر مارس، والأفضل الانتظار لرؤية سلسلة متسقة واقعية من معدلات التضخم المتباطئة التى يمكن أن تمهد للتحول للتيسير النقدى.

تحريك أسعار الوقود

من جانبه، أوضح محمد البيه الخبير المصرفى أن التراجع الحاد فى معدلات التضخم خلال قراءة فبراير الماضية إنما جاء مدفوعا فى المقام الأول بتأثير سنة الأساس.

وأضاف أن هناك بعض الضغوط التضخمية التى من المحتمل تولدها خلال الفترة المقبلة، خاصة إذا حدث تحريك فى أسعار الوقود.

وفى شهر أكتوبر الماضى، اتخذت لجنة تسعير المواد البترولية قرارًا بزيادة أسعار الوقود، وشملت هذه الزيادة جميع أنواع البنزين والسولار وغاز السيارات، وارتفع سعر لتر بنزين 80 إلى 13.75 جنيه، وبنزين 92 إلى 15.25، أما بنزين 95، فقد أصبح سعره 17.

ولم يقتصر الأمر على البنزين فقط، بل شمل أيضًا السولار الذى ارتفع سعره إلى 13.5 جنيه للتر، وبالنسبة لغاز السيارات، فقد تم تحديد سعر المتر المكعب عند 7 جنيهات. وأوضحت اللجنة أن هذه الزيادات جاءت نتيجة للتغيرات العالمية فى أسعار النفط، وتكاليف الإنتاج.

وأشار الخبير المصرفى إلى أنه فى حال حدوث تحريك جديد فى أسعار الوقود فإن معدلات التضخم قد تعاود الارتفاع مجددًا.

ورأى الخبير المصرفى محمد عبد العال أن أسعار الوقود قد لا تكون ذات أثر حاسم على معدلات التضخم، إلا أن هذه الأخيرة مرشحة للزيادة خلال الفترة المقبلة، بمعنى أنها ستعود لمعدلات طبيعية، لا سيما وأن الهبوط الحاد فى معدلات التضخم لم يكن منطقيا، كما تم بيانه أعلاه.

مسار التضخم

وغلبت حالة من التأرجح على معدلات التضخم الأساسى فى مصر خلال العام الماضى، مفتتحًا العام عند %29.01 ثم عاود الارتفاع فى الشهر التالى مباشرة مسجلًا نحو %35.12، قبل أن يتراجع إلى %33.66 بنهاية مارس الماضى.

وواصل التراجع خلال أبريل الماضى إلى مستوى %31.81، ثم تهاوى إلى %27.13 بنهاية مايو الماضى، وتراجع بشكل طفيف إلى %26.64 خلال يونيو الماضى.

وانخفض إلى %24.38 خلال يوليو من 2024، قبل أن يرتفع بشكل طفيف إلى %25.12 أغسطس الماضى، وسجل نحو %25 بنهاية سبتمبر الماضى.

وهبط إلى مستوى %24.4 خلال أكتوبر الماضى، ثم إلى %23.7 بنهاية نوفمبر، قبل أن ينهى العام عند مستوى %23.2.

وعلى أساس سنوى، سجل معدل التضخم الأساسى %10.0 فى فبراير الماضى مقابل %22.6 فى يناير 2025.

وسجل معدل التغير الشهرى فى الرقم القياسى الأساسى لأسعار المستهلكين، الذى يعده البنك المركزى المصرى، %1.6 فى فبراير الماضى مقابل %13.2 فى فبراير 2024 و%1.7 فى يناير 2025.

وسجل معدل التغير الشهرى فى الرقم القياسى العام لأسعار المستهلكين للحضر، الذى أعلنه الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، %1.4 فى فبراير الماضى مقابل %11.4 فى فبراير 2024 و%1.5 فى يناير 2025.

وعلى أساس سنوى، سجل معدل التضخم العام للحضر %12.8 فى فبراير 2025 مقابل %24.0 فى يناير 2025.

وقال الدكتور حازم وجدى زيدان، الخبير المصرفى، إن تراجع التضخم الشهر الماضى بشكل ملحوظ يلقى بظلال إيجابية على توقعات مساره فى الفترة المقبلة.

أسباب تراجع التضخم الشهر الماضي

وأوضح أن أسباب تراجع التضخم تعود إلى المقارنة مع سنة الأساس، لافتًا أنه فى الربع الأول عام 2024، تم تنفيذ مجموعة الإجراءات الاقتصادية مثل تخفيض قيمة الجنيه، مما أثر تأثيرا واضحًا لمقارنة البيانات مع عام الأساس 2024، الذى كان قد شهد ارتفاعات تضخمية ملحوظة بسبب الأزمات الاقتصادية العالمية مثل الحرب الروسية الأوكرانية وأزمة سلاسل الإمداد.

وبالتالى، مع مقارنة بيانات التضخم لفبراير الماضى مع نفس الشهر فى العام السابق، لوحظ تراجع ملحوظ فى المعدل السنوى للتضخم بسبب القاعدة المرتفعة التى بدأ منها عام 2024، مما يعزز من ظهور آثار المقارنة للزيادة الكبيرة فى الأسعار فى تلك الفترة، وفقًا للخبير المصرفى.

تأثير السياسات الاقتصادية

وأفاد بأنه من ضمن السياسات التى ساهمت فى التراجع التدريجى للتضخم رفع أسعار الفائدة بشكل متتابع من قبل البنك المركزى المصرى، والتى تهدف إلى تقليص الطلب الكلى على السلع والخدمات، مما ساهم فى الحد من الضغوط التضخمية.

وأضاف أنه مع استقرار سعر الجنيه جزئيًا أمام العملات الأجنبية، انخفضت تكلفة الواردات، وهو ما ساهم فى تخفيف الضغط على الأسعار المحلية لبعض السلع.

وتابع أنه من ضمن الأسباب أيضَا استقرار أسعار بعض السلع العالمية؛ مثل النفط والمواد الغذائية، وخاصة الحبوب، حيث بدأت بعض السلع التى شهدت زيادات حادة فى 2022 و2023 و2024 فى العودة إلى مستويات أكثر استقرارًا، وهو ما ساعد فى تخفيف الضغوط التضخمية.

التوقعات لمسار التضخم فى المستقبل

وأوضح أن التوقعات المستقبلية تشير إلى أنه لا يزال هناك بعض المخاطر التى قد تؤثر فى التضخم، مثل ارتفاع أسعار النفط مجددًا، والضغوط الناتجة عن أسعار الغذاء العالمية، هذه العوامل قد تؤدى إلى وتيرة أقل لانخفاض التضخم فى الأشهر المقبلة.

وبالنظر إلى البيانات الاقتصادية التى عرضها صندوق النقد الدولى، فإن التوقعات على المدى الطويل تشير إلى أن التضخم فى مصر قد يواصل انخفاضه، خاصة إذا استمرت السياسات النقدية الصارمة فى كبح الطلب المحلى.

ووفقًا لتوقعات البنك المركزى المصرى، قد ينخفض التضخم السنوى إلى مستويات أقل مع نهاية عام 2025 مقارنة مع السنوات السابقة.

وعن السياسات الواجب اتباعها لضمان استمرار تراجع التضخم، أوصى "زيدان" بتعزيز الإنتاج المحلى الزراعى والصناعي؛ لتقليل الاعتماد على الواردات التى تتأثر بالأسعار العالمية.

وأضاف أنه يجب العمل على إصلاح برامج الدعم بحيث تكون أكثر استهدافًا للفئات الأكثر احتياجًا، وتطبيق الدعم النقدى ومن ناحية أخرى تقليل دعم المحروقات والمواد البترولية، مما يقلل من الضغوط المالية على الدولة ويسهم فى استقرار الأسعار.

استمرار السياسات النقدية الفعالة

وأكد ضرورة أن يستمر البنك المركزى المصرى فى رفع أسعار الفائدة إذا استدعت الحاجة لمواجهة التضخم، وفى الوقت ذاته متابعة المؤشرات الاقتصادية لتحديد الوقت المناسب للخفض التدريجى للفائدة، إذا استقر التضخم فى نطاق مقبول.

تأثير التضخم على استقرار سعر الصرف

وأوضح الخبير المصرفى أنه إذا استمرت السياسات الاقتصادية فى كبح التضخم، فإن ذلك قد يسهم فى تقوية الجنيه المصرى، فالتضخم المنخفض يعنى استقرارًا أكبر فى الأسعار، مما يعزز الثقة فى العملة المحلية، وبالتالى استقرار سعر الصرف.

قرارات البنك المركزى بشأن أسعار الفائدة

وأضاف أنه إذا استمر التضخم فى التراجع كما هو متوقع، قد يقرر البنك المركزى المصرى تقليل أسعار الفائدة تدريجيًا لتحفيز النشاط الاقتصادى وتعزيز النمو، خاصةً فى القطاعات الإنتاجية.

ووفقًا للبيانات الصادرة عن البنك المركزى المصرى، تشير التوقعات إلى أن قرارات "المركزي" بشأن الفائدة ستظل مرهونة بمستويات التضخم فى الفترة المقبلة.

ويرى أحمد عادل أبو الخير، الخبير المصرفى، أن هذا التراجع فى التضخم يأتى نتيجة إلى جملة من العوامل المتكاملة؛ أبرزها تأثير سنة الأساس كعامل رئيسى، فقد سجل الاقتصاد المصرى خلال عام 2024 مستويات تضخم مرتفعة نتيجة الصدمات الخارجية وارتفاع أسعار الصرف، مما أدى إلى تسجيل معدلات تضخم سنوية مرتفعة.

ومع انتهاء تأثير هذه الصدمات، انعكس ذلك فى صورة انخفاض سنوى حاد فى معدل التضخم خلال 2025، أيضا ساهم استقرار سعر الجنيه المصرى، بدعم من زيادة التدفقات النقدية الأجنبية من الاستثمارات والسياحة، فى تقليل الضغط على أسعار السلع المستوردة، خاصة المواد الغذائية والخام، وفقًا للخبير المصرفى.

وأكد أن جهود الحكومة لعبت دورًا كبيرًا فى تعزيز المعروض السلعى عبر المجمعات الاستهلاكية والمعارض، مما أدى إلى استقرار أسعار السلع الأساسية التى تشكل جزءًا كبيرًا من سلة المستهلك.

سياسات نقدية مشددة

إضافة إلى ذلك، أوضح "أبو الخير" أن البنك المركزى حافظ على سياسات نقدية مشددة، مع أسعار فائدة مرتفعة (%27.25 للإيداع و%28.25 للإقراض)، لضبط الطلب الاستهلاكى والحد من التضخم، كما ساهمت تراجعات عالمية فى أسعار السلع مثل الحبوب والنفط فى خفض تكاليف الاستيراد، مما انعكس إيجابيًا على الأسعار المحلية.

وتشير التوقعات وفقًا للخبير المصرفى إلى أن التضخم قد يواصل الانخفاض خلال النصف الأول من 2025، مع احتمال استقراره بين (10 – %12) بحلول منتصف العام، وربما الاقتراب من خانة الآحاد (أقل من %10) بنهاية 2025 أو بداية 2026.

استمرار انخفاض التضخم

لكن اشترط "أبو الخير" أن يظل هذا المسار مرهونًا باستمرار استقرار سعر الصرف وزيادة التدفقات النقدية الأجنبية، ومع ذلك، قد تواجه هذه التوقعات تحديات مثل ارتفاع أسعار المواد البترولية فى إطار خطة الدولة لرفع الدعم عن الوقود تماما بنهاية العام الحالى، أو تقلبات عالمية مفاجئة فى أسعار السلع.

ولضمان استمرار انخفاض التضخم والحفاظ على الاستقرار الاقتصادى، قال إنه يجب تنفيذ مجموعة من السياسات النقدية والمالية المتكاملة، ومنها التدرج فى خفض أسعار الفائدة لتجنب عودة الضغوط التضخمية، مع مراقبة تأثيره على النمو الاقتصادى والاستثمار.

وأضاف أيضًا تحفيز الإنتاج المحلى خاصة فى القطاعات الزراعية والصناعية مما يقلل الاعتماد على الواردات، ويساهم فى استقرار الأسعار والحد من التضخم المستورد، بالإضافة إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة لتقليل عجز الموازنة وخفض مستويات الدين العام مما يخفف الضغط على السيولة النقدية ويساعد فى السيطرة على التضخم على المدى الطويل.

وأوضح أن تراجع التضخم يسهم فى تعزيز الثقة بالاقتصاد المصرى، مما يجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية ويدعم استقرار الجنيه، فبينما يخفف تراجع الضغوط التضخمية من الحاجة إلى الدولار، يساهم تحسن المعروض السلعى فى تقليص تكاليف الاستيراد.

لكن شدد أن أى تحركات غير مدروسة، مثل خفض كبير فى أسعار الفائدة، قد تؤدى إلى خروج "الأموال الساخنة"، مما يهدد استقرار العملة إذا لم يتم تعويضه بتدفقات كافية.

كما يمنح هذا التراجع البنك المركزى مساحة لتخفيف سياسته النقدية فى اجتماع أبريل المقبل، حيث توقع الخبير المصرفى أن يبدأ بخفض تدريجى لأسعار الفائدة بنسبة 1 - %2 كخطوة أولية لضمان التوازن بين النمو والاستقرار ولتحفيز الاستثمار والاستهلاك، مع الحذر لتجنب ارتداد التضخم أو تقلبات فى سعر الصرف.

زيدان: استقرار أسعار السلع العالمية يسهم فى تخفيف الضغوط

أبو الخير: «المركزي» يحافظ على سياسات مشددة لضبطه