تمضى الصين بثبات فى طريق تعزيز هيمنتها كقوة ضاربة شبه محتكرة للطاقة النظيفة، لتعيد تشكيل خرائط واحدة من أهم أدوات الهيمنة العالمية فى المستقبل، بينما تغرق دول غربية متقدمة فى أسر الوقود الأحفورى مع عجزها الواضح عن الوفاء بوعودها التاريخية المتعلقة بخفض الانبعاثات وحفظ المناخ.
فى عام 2024 وحده، ضخت الصين استثمارات فى قطاع الطاقة النظيفة ناهزت 940 مليار دولار، وتفوقت على أوروبا والولايات المتحدة فى معدل الاستثمار فى الطاقة المتجددة للفرد.
ومن عام 2020 إلى عام 2024، قطعت الصين خطوات كبيرة فى بناء البنية التحتية للطاقة المتجددة نسبة إلى عدد سكانها، وهى مهمة أكثر تحديًا مقارنة بالولايات المتحدة وأوروبا الأقل سكانًا.
وفى عام 2023، قامت الصين بتركيب سعة شمسية أكبر مما حققه بقية العالم مجتمعًا فى عام 2022، ويعزز هذا الحجم زعامة الصين فى تبنى الطاقة الخضراء ويضمن التقدم المستمر فى قدراتها التصنيعية.
وقد رسخت الصين لنفسها موقعا لا مثيل له فى الطاقة النظيفة، حيث تجمع بين هيمنة التصنيع والاستثمارات الكبيرة والسياسات الاستراتيجية لدفع الاستدامة.
تنتج الصين حاليا ما يقدر بنحو %80 من الألواح الشمسية فى العالم، إلى جانب حصة كبيرة من توربينات الرياح وبطاريات الليثيوم أيون الأساسية للسيارات الكهربائية، وهذه الهيمنة ليست مصادفة؛ إنها تنبع من قدرة الصين على إنشاء سلاسل قيمة متكاملة وفعالة.
وتعمل هذه الكفاءة على تقليل تكاليف الإنتاج، مما يجعل التقنيات المتجددة أكثر بأسعار معقولة فى جميع أنحاء العالم.
يأتى ذلك بينما تقود أغنى دول العالم والملزمة بموجب اتفاقيات باريس - بقيادة التحول بعيدًا عن الوقود الأحفورى إلى مصادر طاقة أنظف – أحدث موجة حفر وتنقيب عن النفط رغم تضاؤل الاحتياطيات التى يسهل الوصول إليها، حيث أصدرت 825 ترخيصًا جديدًا فى عام 2023، وهو أكبر عدد منذ بدأ إحصاء هذه التراخيص.
واستمر الارتفاع الكبير فى عمليات استكشاف النفط والغاز الجديدة خلال عام 2024 مهددا بإطلاق ما يقرب من 12 مليار طن من انبعاثات الاحتباس الحرارى، بقيادة الولايات المتحدة والمملكة المتحدة.
ويسلط هذا التناقض الضوء على الانتقادات التى طالما طالت «الدول البترولية الكلاسيكية» مثل السعودية أو روسيا - والتى تعتمد بشكل كبير على عائدات النفط والغاز لضبط ميزانياتها - بسبب تباطؤ العمل بشأن أزمة المناخ، ومع ذلك، فإن بعض الخبراء يعتبرون دولًا بما فى ذلك المملكة المتحدة والولايات المتحدة وكندا والنرويج وأستراليا «دولًا بترولية أخرى»، نظرًا لقدرتها على الوصول إلى الموارد المالية والتكنولوجية التى يمكنها تعزيز التحول المستدام للطاقة باقل قدر من الاضطرابات.
940 مليار دولار استثمارات فى 2024.. بكين تعزز وضعها الرائد
ضخت الصين استثمارات ضخمة فى قطاع الطاقة النظيفة خلال عام 2024 بلغت قيمتها 6.8 تريليون يوان (940 مليار دولار)، مقتربة من إجمالى الاستثمارات العالمية فى قطاع الوقود الأحفورى التى بلغت 1.12 تريليون دولار، وفقاً لتحليل منظمة «كاربون بريف» البحثية فى المملكة المتحدة.
ويأتى ذلك رغم تباطؤ نمو استثمارات الصين فى الطاقة النظيفة إلى %7 مقارنة مع %40 فى عام 2023 نتيجة فائض الإنتاج، إلا أن أكثر من نصف هذه الاستثمارات جاءت من قطاعات السيارات الكهربائية والبطاريات والطاقة الشمسية المزدهرة فى البلاد.
ووفقاً للتقرير، ارتفعت مساهمة قطاع الطاقة النظيفة فى الناتج المحلى الإجمالى للصين إلى %10 فى 2024 مقارنة مع %9 فى العام السابق.
ورغم نمو الطاقة النظيفة بمعدل يفوق نمو الاقتصاد الصينى بثلاثة أضعاف، فإن مساهمتها فى النمو الاقتصادى انخفضت إلى %26 من الناتج المحلى الإجمالى مقارنة مع %40 فى عام 2023 بسبب تباطؤ نمو الاقتصاد الأخضر.
وبلغ إجمالى إنفاق الصين على طاقة الرياح والطاقة الشمسية نحو 400 مليار دولار فى عام 2023، مرتفعاً من 150 مليار دولار فى عام 2020، متجاوزاً بذلك إجمالى الاستثمارات فى باقى دول العالم.
ومع ذلك، يتوقع المحللون أن الفجوة بين الصين وبقية الدول ستبدأ فى التقلص بحلول نهاية العام، وربما تختفى تماماً بحلول عام 2027 مع تزايد الاستثمارات فى مناطق أخرى من العالم.
وكانت صناعة السيارات الكهربائية الأسرع نمواً والأكثر مساهمة فى الناتج المحلى الإجمالى، حيث حققت 3 تريليونات يوان من إنتاج السيارات الكهربائية والهجينة، إلى جانب 1.4 تريليون يوان من الاستثمارات فى المصانع، كما ساهمت البنية التحتية لمحطات الشحن بمبلغ 122 مليار يوان.
ويتوقع الباحثون استمرار النمو السريع فى استثمارات الطاقة النظيفة حتى عام 2025، وهو العام الأخير من الخطة الخمسية الحالية، إلا أنهم أشاروا إلى ضرورة وضع أهداف أكثر طموحاً فى الخطة المقبلة (2026 - 2030) للحفاظ على مستويات التوسع الحالية فى قطاع الطاقة النظيفة.
صدارة الاستثمار لكل فرد
لم يقتصر التفوق الصينى على حجم الاستثمار فحسب، بل امتد أيضاً إلى نصيب الفرد، حيث استثمرت الصين بكثافة فى البنية التحتية للطاقة المتجددة مقارنة مع عدد سكانها، متجاوزة بذلك مناطق رئيسية مثل أوروبا والولايات المتحدة بين عامى 2020 و2024، ورغم أن أوروبا والولايات المتحدة تعملان على زيادة إنفاقهما الرأسمالى فى هذا القطاع، فمن المرجح أن تظل الصين فى الطليعة حتى نهاية العقد.
وقد أدى التوسع الضخم للصين فى قطاع الطاقة النظيفة إلى إحداث تغيير جذرى فى مشهد الطاقة العالمى، حيث ساهم النمو السريع فى القدرات الإنتاجية وانخفاض أسعار المعدات الصينية فى تسريع الاستثمارات فى الطاقة المتجددة فى مناطق أخرى من العالم كما دفع هذا التوسع الشركات فى جميع أنحاء العالم إلى زيادة إنتاجها فى مجال التكنولوجيا النظيفة، مما أدى إلى طفرة صناعية عالمية مدفوعة بالتنافسية.
هيمنة محورية على سلاسل توريد الطاقة الشمسية والبطاريات
تعتمد الهيمنة الصينية فى قطاع التكنولوجيا النظيفة على قدراتها التصنيعية والبنية التحتية المتطورة، حيث تسيطر الصين على نحو %80 من سلسلة توريد الألواح الشمسية فى العالم.
كما أنتجت الصين %90 من المكونات الشمسية العالمية خلال العام الماضى ومن المتوقع أن تستمر هذه الهيمنة، حيث تخطط الصين لزيادة إنتاجها بنسبة %150 بحلول عام 2030.
لكن عام 2027 قد يمثل نقطة تحول، حيث من المتوقع أن تبدأ الدول الأخرى فى تجاوز الصين فى التصنيع بفضل تزايد الاستثمارات، خصوصاً فى الولايات المتحدة، ما لم يحدث متغيرات أخرى مرتبطة بعودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض ودفعه نحو زيادة إنتاج النفط والتخلى عن تحفيز الطاقة المتجددة.
وتعمل مناطق مثل أوروبا والولايات المتحدة والهند على تعزيز قدراتها فى تصنيع الألواح الشمسية بهدف تقليل الاعتماد على الصين وتطمح الولايات المتحدة والهند إلى تحقيق الاكتفاء الذاتى فى تصنيع الخلايا الشمسية وتجميع الوحدات بحلول عام 2026.
لكن تظل التكلفة تحدياً رئيسياً، حيث تبلغ تكلفة الألواح الصينية حوالى 0.10 دولار لكل واط، فى حين تصل التكلفة فى الولايات المتحدة إلى 0.30 دولار لكل واط، مما يؤثر على الجدوى الاقتصادية للمشروعات ويبطئ وتيرة التحول الطاقى.
ويمثل توسع الصين فى إنتاج التكنولوجيا النظيفة تحدياً معقداً أمام الدول الأخرى، إذ تسعى الحكومات إلى بناء صناعات محلية لتعزيز الاستقلالية وخلق فرص عمل ودعم الابتكار، لكنها تواجه صعوبة فى منافسة الأسعار الصينية المنخفضة.
فى الوقت ذاته، تعتمد العديد من الدول على سلاسل التوريد الصينية لتحقيق أهدافها المناخية، مما يخلق معضلة: هل تستثمر فى التصنيع المحلى لدعم اقتصادها، أم تعتمد على واردات أرخص وأسرع من الصين لتحقيق التحول الطاقي؟.
وقد لعبت الإعانات الحكومية والسياسات التجارية دوراً محورياً فى تشكيل ملامح التحول الطاقى وتطور التكنولوجيا النظيفة فى مختلف أنحاء العالم.
ففى الولايات المتحدة والهند والاتحاد الأوروبى، تميل السياسات الحالية إلى فرض تعريفات وإجراءات حماية ضد الواردات الصينية، حيث رفعت إدارة الرئيس الأمريكى السابق جو بايدن الضريبة على السيارات الكهربائية الصينية من %25 إلى %100، ليصل إجمالى الرسوم الجمركية إلى %102.5 كما اقترح الاتحاد الأوروبى فرض تعريفات تتراوح بين %17 و%36.3 على السيارات الكهربائية الصينية، فى محاولة للحد من الممارسات التجارية التى يعتبرها غير عادلة هذه القيود قد تؤدى إلى تباطؤ التحول العالمى نحو الطاقة النظيفة مقارنة بوجود تدفقات تجارية أكثر انفتاحاً.
ومن المتوقع أن يستمر هذا التوجه فى ظل إدارة ترامب الهادفة إلى وزيادة الرسوم الجمركية على الصين.
صادرات «التنين» من التقنيات المتجددة تعادل نفط السعودية والإمارات معا!
لقد حول مناخ السياسة المواتى للغاية وتكاليف الإنتاج المنخفضة الصين إلى قوة تصنيع عالمية للطاقة النظيفة.
وتقدر وكالة الطاقة الدولية أن صادرات الصين من التكنولوجيا النظيفة ستتجاوز 340 مليار دولار فى عام 2035، إذا استمرت اتجاهات السياسة الحالية.
ولوضع هذا المبلغ الضخم فى المنظور الصحيح، فهو يعادل تقريبًا عائدات تصدير النفط فى المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة مجتمعتين فى عام 2024، وفقا لموقع oilprice.
ففى عام 2023، أنفقت الصين وحدها أموالاً أكثر على تقنيات الطاقة النظيفة من أكبر 10 مستثمرين مجتمعين، إضافة إلى التحكم فى سلاسل التوريد للتقنيات المستخدمة على نطاق واسع مثل الألواح الشمسية وبطاريات المركبات الكهربائية، فضلاً عن المكونات الحاسمة لتصنيعها.
والصين أيضًا فى طليعة تطوير تقنيات الطاقة النظيفة المبتكرة مثل الهيدروجين النظيف وتخزين الطاقة، وهذا يعنى أن الصين، التى تهيمن بالفعل على أسواق تقنيات الطاقة النظيفة العالمية، لن تعمل إلا على تعزيز قدرتها التنافسية فى المستقبل.
ومع أن إدارة الرئيس الأمريكى السابق بايدن حققت تقدماً كبيراً فى التحول بعيداً عن الاعتماد على الواردات الصينية، بل إنها بذلت محاولات لتصبح قادرة على المنافسة مع الصين فى الأسواق العالمية، ولا سيما من خلال قانون خفض التضخم الشامل، إلا أن المليارات من الدولارات التى تم توجيهها إلى قطاع الطاقة النظيفة فى الولايات المتحدة من خلال القانون لم تكن سوى قطرة فى دلو مقارنة بالإنفاق الصينى.
وعلاوة على ذلك، فإن المناخ السياسى فى الولايات المتحدة والذى تغير بشكل كبير، يؤكد أن الإنفاق المحلى على الطاقة النظيفة سوف ينخفض فى السنوات القادمة.
وفى حين أن الولايات المتحدة على استعداد لفرض تعريفات جمركية كبيرة على الواردات الصينية، فمن غير المرجح أن يحدث ذلك تأثيراً كبيراً على الوجود الهائل للصين فى السوق العالمية.
ووفقاً للمنتدى الاقتصادى العالمى، فإن الصين هى أرخص موقع فى العالم اليوم لتصنيع تقنيات الطاقة النظيفة الرئيسية، حيث تكلف إنتاج وحدات الطاقة الشمسية الكهروضوئية، وطواحين الهواء، وتقنيات البطاريات ما يصل إلى %40 أكثر فى المتوسط فى الولايات المتحدة، وما يصل إلى %45 أكثر فى الاتحاد الأوروبى، وما يصل إلى %25 أكثر فى الهند».
بالإضافة إلى تكاليف التصنيع الرخيصة، تغمر الصين السوق بسلعها، واتهمت العديد من القوى العالمية بكين بالإفراط فى الإنتاج، على حساب الاقتصاد العالمى، وبينما يتباطأ اقتصاد الصين، كانت الاستجابة الاستراتيجية لبكين هى مضاعفة التصنيع وزيادة إمكانات التصدير مع تشبع السوق المحلية.
ومع تكدس السلع الفائضة فى سوق محلية متضائلة، من المرجح أن تحاول الصين دفع كل تلك الألواح الشمسية والسيارات الكهربائية وغيرها من المنتجات غير الضرورية إلى السوق العالمية بخصم كبير، وهو خبر سيئ لأى منافسين محتملين، سواء برسوم جمركية أو بدون رسوم جمركية.
بالإضافة إلى ذلك، قد تضر الرسوم الجمركية على التقنيات الصينية بالتنمية الاقتصادية الأمريكية بقدر ما تساعد، ستؤدى الحرب التجارية الحالية لإدارة ترامب مع الصين إلى ارتفاع أسعار السلع التى لا يملك المستهلكون الأمريكيون خيارًا سوى شرائها، حيث تسيطر الصين على العديد من سلاسل التوريد الحيوية، وهناك حقيقة أخرى وهى أن الصين رائدة فى مجال التكنولوجيات التى لا يتم تطويرها فى أى مكان آخر.
وتقدر وكالة الطاقة الدولية أن إنفاق الصين على البحث والتطوير لتكنولوجيات الطاقة النظيفة تجاوز المتوسط العالمى بعامل 2.5 فى عام 2023، ومن المرجح أن يصبح الهيدروجين الأخضر وتخزين الطاقة قريبًا من التقنيات الحاسمة فى مشهد الطاقة العالمى المتغير بسرعة، والصين فى طليعة هذه التطورات، إن السماح لبكين بمواصلة احتكار قطاعات الطاقة الحيوية تقريبًا فى المستقبل يشكل حقل ألغام جيوسياسى، ولكن حتى يتقدم المزيد من المنتجين للتنافس، فلن يتبقى للمشترين أى بديل.
«السكك الحديدية».. تقود التحول الأخضر
ساهم قطاع النقل بالسكك الحديدية فى الصين بنسبة %14 من إجمالى قيمة قطاعات الطاقة النظيفة خلال عام 2024، حيث كانت إيرادات نقل الركاب أكبر مصدر للقيمة فى هذا القطاع.
ومع تباطؤ النمو مقارنة بالانتعاش القوى بعد جائحة كورونا فى 2023، والذى سجل نمواً بنسبة %39، تراجع معدل النمو إلى %3 فقط، لكن عدد الركاب زاد بنسبة %11.9 على أساس سنوى وكان أكبر محرك لهذا النمو هو الاستثمار فى البنية التحتية للسكك الحديدية، الذى ارتفع بنسبة %11 سنويا، حيث أضافت الصين 3000 كيلومتر من خطوط السكك الحديدية الجديدة، ليصل إجمالى طول الشبكة إلى 162٫000 كيلومتر، وشمل ذلك افتتاح خط السكك الحديدية السريع بين شنغهاى وسوتشو وهوتشو فى نهاية العام.
وتواصل الصين تعزيز بنيتها التحتية للنقل السريع، حيث تخطط لافتتاح 12٫000 كيلومتر إضافى من السكك الحديدية عالية السرعة بحلول عام 2030، مع هدف طموح لإنشاء دائرة سفر وطنية «1-2-3 ساعة» بحيث تستغرق الرحلات بين المدن داخل نفس المنطقة الحضرية ساعة واحدة، وبين المدن المجاورة ساعتين، وبين المدن الكبرى ثلاث ساعات كما تعمل الصين على ربط ساحلها بالكامل بشبكة قطارات فائقة السرعة تسير بسرعة 350 كيلومترا فى الساعة بحلول عام 2028، إلى جانب تطوير شبكة رئيسية من ثمانية خطوط رئيسية تمتد من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.
نمو هائل فى قدرات التخزين
استحوذ قطاع نقل وتخزين الكهرباء فى الصين على %9 من إجمالى قيمة قطاعات الطاقة النظيفة فى 2024، محققاً نموا حقيقيا بنسبة %19 وكان الاستثمار فى شبكات الطاقة هو القطاع الفرعى الأكثر قيمة، يليه الاستثمار فى تخزين الطاقة، بما فى ذلك الطاقة الكهرومائية المخزنة، وتخزين البطاريات الموصولة بالشبكة، وإنتاج الهيدروجين كما ارتفع نقل الطاقة النظيفة بنسبة %17 تقريباً نتيجة للنمو السريع فى توليد الطاقة المتجددة.
ولأول مرة فى التاريخ، حقق نمو قدرة تخزين الكهرباء فى الصين مستويات تضاهى التوسع فى قدرة توليد الطاقة من الفحم والغاز، حيث تمت إضافة حوالى 50 جيجاواط من سعة تخزين البطاريات والطاقة الكهرومائية والهيدروجين، بينما زادت قدرة محطات الطاقة القائمة على الوقود الأحفورى بمقدار 54 جيجاواط وتمت إضافة ما يقرب من 40 جيجاواط من سعة تخزين البطاريات، بزيادة %70 على أساس سنوى، لتصل إلى 74 جيجاواط كقدرة إجمالية متصلة بالشبكة.
كما بلغت قدرة التشغيل للطاقة الكهرومائية المخزنة 59 جيجاواط، مع إضافة 8 جيجاواط جديدة خلال العام ودخول 30 جيجاواط أخرى مرحلة الإنشاء وارتفعت القدرة قيد الإنشاء إلى 189 جيجاواط، بزيادة %13 سنوياً، مما يشير إلى أن وتيرة الإضافات الجديدة ستتسارع بشكل كبير خلال السنوات المقبلة.
الهيدروجين.. محرك جديد يتكامل مع نمو الصناعة والبنية التحتية
شهدت الاستثمارات فى مشاريع التحليل الكهربائى للهيدروجين نمواً كبيراً، حيث تضاعفت القدرة السنوية من 1.8 جيجاواط فى 2023 إلى ما بين 3-4 جيجاواط فى 2024.
وبحلول نهاية العام، امتلكت الصين 42 خط نقل كهربائى طويل المدى وعالى الجهد قيد التشغيل، بطول إجمالى يزيد عن 40٫000 كيلومتر وقدرة نقل تتجاوز 300 جيجاواط، مع وجود 12 خطاً إضافياً قيد الإنشاء.
ومن بين المشاريع الرئيسية التى اكتملت خلال العام، كان هناك خط نقل عالى الجهد يربط منغوليا الداخلية وشمال خبى بمراكز الطلب فى بكين وتيانجين وشاندونغ وجيانغسو، مما يعزز الربط بين مصادر الطاقة المتجددة والمناطق الصناعية الكبرى.
ورغم النمو السريع لقطاعات الطاقة النظيفة، تواجه الصناعات التحويلية تحديات حقيقية، حيث أدت وفرة المعروض إلى انخفاض الإيرادات وتباطؤ نمو الأرباح ففى قطاع تصنيع الألواح الشمسية، على سبيل المثال، تراجع إجمالى القيمة الاسمية للإنتاج بنسبة %41 رغم استمرار ارتفاع أحجام الإنتاج، لكن القيمة الاسمية للاستثمارات فى مشاريع الطاقة الشمسية ظلت ثابتة، حيث زادت المشاريع المنجزة بشكل كبير.
بينما تراجعت تكلفة الألواح الشمسية، التى تشكل أقل من ثلث إجمالى تكلفة مشاريع توليد الطاقة الشمسية وارتفعت القيمة الاسمية للكهرباء المولدة من الطاقة الشمسية بنسبة %40، مما ساعد على إبقاء مساهمة قطاع الطاقة الشمسية إيجابية فى نمو الناتج المحلى الإجمالى الأسمى.
ونما إجمالى القيمة المضافة لقطاعات الطاقة النظيفة بنسبة %8.5 بالقيم الاسمية، وهو معدل أبطأ من النمو الحقيقى البالغ %15، لكنه يظل أسرع بكثير من معدل نمو الناتج المحلى الإجمالى، حيث ساهمت هذه القطاعات بنسبة %17 من نمو الناتج المحلى الإجمالى الاسمى وفى ديسمبر 2024، دعت الاجتماعات السنوية للسياسات الاقتصادية إلى خلق بيئة صحية لتطوير الصناعات الخضراء ومنخفضة الكربون، مما يشير إلى احتمال تقديم إجراءات حكومية لمعالجة فائض الإنتاج وتحسين ربحية القطاع.
ومع استمرار قطاعات الطاقة النظيفة فى لعب دور محورى فى تحقيق الأهداف الاقتصادية للصين، فإن التوسع السريع فى المعروض وانخفاض الأسعار يسرّع من الاعتماد على الطاقة المتجددة بمعدل غير متوقع، ليس فقط فى الصين ولكن فى الأسواق العالمية أيضاً ومن المتوقع استمرار هذا الزخم خلال 2025، مدفوعاً بتنفيذ مشاريع كبرى قبل نهاية الخطة الخمسية الحالية.
بينما يعتمد تطور القطاع بعد عام 2025 على الأهداف والسياسات التى سيتم تحديدها فى الخطة الخمسية الجديدة للفترة 2026 - 2030 ومع التوسع السريع خلال السنوات الأخيرة، تعانى الصناعات التحويلية للطاقة النظيفة من ضعف الربحية وفائض الإنتاج، مما يجعل الحفاظ على الطلب القوى محلياً ومعالجة تحديات الطاقة الشمسية أمرين ضروريين للحفاظ على نمو القطاع وقد يشكل وضع أهداف أقل طموحاً خلال الفترة المقبلة خطراً يتمثل فى تحول الطاقة النظيفة من محرك للنمو إلى عبء اقتصادى، ما لم يتم تحديد سياسات قوية للحفاظ على مساهمتها الإيجابية فى الاقتصاد الصينى.
الهند على الطريق.. أولوية رئيسية لتلبية الطلب المحلى ذاتياً
شهدت الهند أيضا طفرة اقتصادية استثنائية فى عام 2023، محققة معدل نمو للناتج المحلى الإجمالى بلغ %7.8، مما جعلها أسرع الاقتصادات الكبرى نموًا فى العالم.
واحتلت الهند المركز الخامس عالميًا من حيث حجم الاقتصاد، ومن المتوقع أن تصبح ثالث أكبر اقتصاد بحلول عام 2030 بعد الولايات المتحدة والصين، رغم أن نصيب الفرد من الدخل لا يزال أقل من نصف المتوسط العالمى، مما يجعل التنمية المستدامة والأولويات الاجتماعية مثل الحد من الفقر وتوفير فرص العمل وبناء البنية التحتية على رأس الأجندة الوطنية.
مع تسارع التحضر، وتوسع المساحات المبنية، وزيادة الطلب على الكهرباء والمواد الأساسية مثل الأسمنت والصلب، من المتوقع أن يتجاوز نمو الطلب على الطاقة فى الهند جميع مناطق العالم الأخرى بحلول عام 2050.
هذا النمو السريع قد يؤدى إلى ضغوط كبيرة على نظام الطاقة فى البلاد، والذى يعتمد حاليًا بشكل أساسى على الوقود الأحفورى المستورد، خاصة النفط الخام والغاز الطبيعى، مما يرفع من احتمالات زيادة الانبعاثات الكربونية نتيجة للاعتماد المتزايد على الوقود الأحفورى فى النقل وتوليد الطاقة والصناعات الثقيلة.
ولمواجهة هذه التحديات، وضعت الهند خططًا طموحة لإزالة الكربون وتنويع مصادر الطاقة، حيث تستهدف تحقيق صافى انبعاثات صفرية بحلول عام 2070، وتم تكثيف الاستثمارات فى الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، إلى جانب إطلاق تدابير لتعزيز سلاسل التوريد المحلية للطاقة النظيفة، مثل برنامج الحوافز المرتبطة بالإنتاج الذى تم الإعلان عنه فى 2020 لدعم التصنيع المحلى للوحدات الشمسية والبطاريات والمعدات الأخرى للطاقة النظيفة، إضافةً إلى برامج طويلة الأمد لكفاءة الطاقة وسياسات جديدة للهيدروجين منخفض الكربون.
فى يناير 2023، أطلقت الهند أول إصدار لها فى سوق السندات الخضراء السيادية، حيث تم طرح شريحتين بقيمة إجمالية بلغت 1 مليار دولار (80 مليار روبية هندية)، تم توجيه عائداتها لدعم مشاريع الطاقة المتجددة، وتوسيع شبكة مترو الأنفاق، وإنتاج الهيدروجين منخفض الكربون، وسط إقبال تجاوز حجم الطرح بأكثر من أربع مرات.
وساهمت هذه المبادرات فى دفع استثمارات الهند فى قطاع الطاقة النظيفة إلى مستويات غير مسبوقة، حيث بلغت 68 مليار دولار فى عام 2023، مسجلة نموًا بنسبة %40 مقارنة بمتوسط الفترة 2016-2020.
واستحوذ قطاع توليد الكهرباء منخفض الانبعاثات، خاصة الطاقة الشمسية، على ما يقارب نصف هذه الاستثمارات، بينما ارتفعت استثمارات الوقود الأحفورى بنسبة %6 لتصل إلى 33 مليار دولار، مدفوعة بزيادة الطلب على الوقود الأحفورى وتوليد الطاقة من الفحم.
ومن المتوقع أن تتضاعف استثمارات الطاقة النظيفة بحلول 2030 وفقًا للسياسات الحالية، ولكنها ستحتاج إلى زيادة إضافية بنسبة %20 للوصول إلى أهداف الهند فى مجال الطاقة والمناخ، مع ضرورة معالجة المخاطر التى تزيد من تكلفة رأس المال.
بوابة كبرى لتعزيز التواجد الودود فى الشرق الأوسط
فى الصحراء العربية حيث كانت هيمنة النفط بلا منازع، بدأ مصدر جديد للطاقة يتشكل مع لمعان الألواح الشمسية تحت أشعة الشمس الحارقة.
المشهد ليس خيالاً بل حقيقة تتكشف بسرعة، مدفوعة بتحالف يعيد تشكيل مستقبل الشرق الأوسط فى شراكته مع الصين.
وفق لموقع chinadaily فإنه بحلول عام 2024، أصبحت الصين والشرق الأوسط شريكان وثيقان فى مجال الطاقة الخضراء، على نحو يتناسب مع تطلعات المنطقة إلى تنويع اقتصادها بخبرة الصين فى تكنولوجيات الطاقة المتجددة.
وتعمل الشراكة، التى تشمل الطاقة الشمسية وإنتاج الهيدروجين والمركبات الكهربائية، على إعادة تشكيل ديناميكيات «القوة» فى المنطقة.
فى صحراء الظفرة، تقف أكبر محطة للطاقة الشمسية فى العالم فى موقع واحد - والتى بنتها شركة هندسة الآلات الصينية - كدليل على هذه الشراكة الإنتاجية، حيث توفر 2100 ميغاواط من الطاقة، وتضيء 200 ألف منزل فى الإمارات وتخفض انبعاثات الكربون بمقدار 2.4 مليون طن مترى سنويًا.
والإمارات ليست فريدة من نوعها فى تحقيق تقدم فى مجال الطاقة الخضراء بالمنطقة، حيث هناك مشروع الطاقة الشمسية المركزة «نور» فى المغرب، وهو واحد من أكبر مزارع الطاقة الشمسية المركزة فى العالم وقد تم بناء مرحلتيه الثانية والثالثة من قبل شركات صينية.
وهناك مشروع الطاقة الشمسية «عبري»، أكبر مشروع للطاقة المتجددة فى عمان؛ وأيضا مشروع «بيشة» أكبر شبكة تخزين الطاقة الكهروضوئية فى العالم على ساحل البحر الأحمر فى السعودية.
وبالإضافة إلى الزخم، أعلنت شركتا Jinko Solar وTCL Zhonghuan العملاقتان الصينيتان عن مشاريع مشتركة مع صندوق الاستثمار العام السعودى فى يوليو 2024. وبقيمة استثمارات تزيد عن 3 مليارات دولار، تهدف هذه المشاريع إلى توطين تصنيع الطاقة الشمسية والمساعدة فى تحويل السعودية إلى مركز عالمى لصادرات الطاقة المتجددة.
وقال بيان صادر عن صندوق الاستثمار العام: «لن تعمل هذه الاتفاقيات على تعزيز القدرات المحلية فحسب، بل ستعمل أيضًا على ترسيخ دور السعودية فى التحول العالمى للطاقة».
وبينما يتم توصيل الطاقة الشمسية إلى منازل الشرق الأوسط، تنطلق المركبات الكهربائية المصنوعة فى الصين على الطرق. فى الرياض ودبى، لم تعد المركبات الكهربائية جديدة ولكنها نذير لتغيير جذرى لمركبات الطاقة الخضراء.
وتقدم رؤية المملكة 2030 استثمارًا بقيمة 50 مليار دولار فى إنتاج المركبات الكهربائية، مع خروج أول المركبات الكهربائية المصنوعة فى السعودية من خط الإنتاج فى عام 2025.
وفى الإمارات، أطلقت شركة صناعة السيارات الصينية Nio، بالشراكة مع CYVN Holdings، سيارة Nio Mena فى أكتوبر. ويقدم المشروع المشترك نماذج المركبات الخاصة بشركة نيو ويؤسس مركزًا للبحث والتطوير يركز على التقنيات التى تعتمد على الذكاء الاصطناعى، ولا سيما القيادة الذاتية.
وفى عام 2023، كشفت وزارة الطاقة والبنية التحتية فى الإمارات عن خطة لزيادة حصة المركبات الكهربائية والهجينة إلى %50 بحلول عام 2050، وإنشاء 10000 محطة شحن بحلول عام 2030 فى جميع أنحاء البلاد.
كما تحتضن مصر وتركيا ثورة المركبات الكهربائية، حيث أنشأت شركات صناعة السيارات الصينية مصانع تجميع أو شكلت شراكات لتعزيز إنتاج المركبات الكهربائية المحلية.
كما تكتسب العلامات التجارية الصينية للسيارات الكهربائية، مثل BYD وGeely وMG، زخمًا فى جميع أنحاء الشرق الأوسط.
وفى الأردن، كانت %87 من المركبات الكهربائية التى تم تخليصها من منطقتها الحرة فى عام 2023 من الصين، وفقًا لهيئة المستثمرين فى المناطق الحرة فى الأردن.
كما رحبت هيئة الطرق والمواصلات فى دبى مؤخرًا بحافلات كهربائية صينية الصنع فى شبكة النقل العام الخاصة بها.
اليابان وكوريا.. توسع آسيوى يواكب الحياد الكربونى
تشكل اليابان وكوريا الجنوبية معًا %5 من الناتج المحلى الإجمالى العالمى، مع ناتج محلى للفرد يفوق المتوسط العالمى بمقدار 2.5 مرة، حيث تمثل استثمارات الطاقة حوالى %1.5 من الناتج المحلى، بينما يبلغ حجم الاستثمار فى الطاقة النظيفة 9.8 ضعف الاستثمار فى الوقود الأحفورى، وهو ما يفوق المتوسط العالمى بخمس مرات.
سجلت استثمارات الطاقة النظيفة نموًا ملحوظًا فى الفترة 2021 - 2023، حيث ارتفعت بنسبة %40 فى اليابان و%10 فى كوريا مقارنة بالفترة 2016-2020، فى إطار السعى للوصول إلى الحياد الكربونى بحلول عام 2050.
ورغم أن جنوب شرق آسيا تمثل %9 من سكان العالم و%6 من الناتج المحلى الإجمالى العالمى، إلا أن استثمارات الطاقة النظيفة لا تزال تشكل %2 فقط من الإجمالى العالمى، حيث بلغ متوسط الاستثمارات السنوية للطاقة فى المنطقة 72 مليار دولار خلال السنوات الثلاث الماضية، وهو رقم بعيد عن المستوى المطلوب البالغ 130 مليار دولار بحلول نهاية العقد الحالى لتحقيق الأهداف المناخية المعلنة.
فى الأثناء، تعتمد منطقة أوراسيا بشكل كبير على الوقود الأحفورى، لكنها تواجه تحديات كبرى بسبب البنية التحتية القديمة للغاز وعدم وضوح السياسات الاستثمارية، استقرت استثمارات الطاقة فى المنطقة عند حوالى 110-120 مليار دولار سنويًا، يذهب %80 منها للوقود الأحفورى، فى حين لم تتجاوز استثمارات الطاقة النظيفة 20 مليار دولار سنويًا، وهو أقل بكثير من إمكانياتها.
مع ذلك، أدى ارتفاع أسعار الطاقة إلى زيادة الاهتمام بالاستثمارات النظيفة، حيث استضافت أذربيجان قمة COP29 للمناخ فى 2024، مما أتح فرصة لتعزيز تحول الطاقة وتقليل الانبعاثات.
