سوق الدواء المصرية حائرة بين التقلبات والتحديات

Ad

شهد قطاع الدواء فى مصر خلال عام 2024 تقلبات حادة على مستويات مختلفة، بدء من تحديات نقص الأدوية وتراجع حجم المبيعات، وصولا إلى تحقيق نمو غير مسبوق فى المبيعات، متأثرا بعمليات إعادة التسعير لما يقرب من 4 آلاف صنف دوائي.

وبينما أعلنت هيئة الدواء المصرية عن نجاحها فى التغلب على أزمة نقص الأدوية، كشفت تقارير مؤسسات متخصصة عن تناقضات واضحة بين تصريحات المسؤولين والبيانات الفعلية حول أداء السوق ، سواء من حيث الكميات المتداولة أو القيمة المالية للمبيعات.

تحديات سوق الدواء فى 2024 والتغلب عليها فى 2025

الدكتور على الغمراوي، رئيس هيئة الدواء المصرية، أكد فى وقت سابق أن عام 2024 كان صعبا بالنسبة لصناعة الدواء بسبب مشكلات توفير العملة الصعبة ونقص المواد الخام اللازمة للإنتاج، مما أدى إلى تراجع عدد العبوات الدوائية المتداولة من 3.7 مليار فى 2023 إلى 3.5 مليار فى 2024، بانخفاض بلغ %4.8.

ومع ذلك، صرح الغمراوى بأن هذه الأزمة تم تجاوزها فى 2025، مشيرا إلى أن النواقص الحالية “طبيعية” وتحدث فى مختلف الأسواق، بعضها نتيجة لتأخر التوريدات وليس بسبب أزمات حقيقيةأو كبرى.

لكن اللافت فى هذه التصريحات أنها تبرز حجم ارتفاع القيمة السوقية لمبيعات الدواء بنسبة 40%، حيث قفزت من 216 مليار جنيه فى 2023 إلى 307 مليارات فى 2024، مما يثير تساؤلات حول عدد الأصناف التى استفادت من عمليات إعادة التسعير.

تراجع حجم المبيعات وارتفاع قيمتها.. تضخم أم نمو حقيقي

بحسب تقرير مؤسسة “آى كيوفيا” المتخصصة فى تحليل سوق الدواء، فإن إجمالى المبيعات فى مصر خلال 2024 بلغ 214.5 مليار جنيه، بزيادة قدرها %46 مقارنة بعام 2023، بينما استقر عدد العبوات المباعة عند 2.94 مليار عبوة، وهو ما يتناقض مع تصريحات رئيس هيئة الدواء حول تداول 3.5 مليار عبوة.

ويرى خبراء فى الصناعة أن السبب الرئيسى وراء هذا النمو فى قيمة المبيعات رغم ثبات حجمها يعود إلى قرار البنك المركزى بتحرير سعر الصرف فى مارس 2024، مما أدى إلى رفع أسعار الأدوية بنسب تراوحت بين %25 و%40.

وهو ما أكده محمود فؤاد، رئيس المركز المصرى للحق فى الدواء، حيث أشار إلى أن هذه الزيادات السعرية ساهمت فى تحقيق الشركات أرباحا قياسية دون زيادة حقيقية فى عدد العبوات المباعة، مما يعنى أن السوق سجلت تراجعا فى الطلب.

وطالب فؤاد بضرورة العمل وبشكل جاد على توطين صناعة الأدوية الحيوية، خاصة مرتفعة السعر، وجميعها مرتبط بعلاجات الأورام والأمراض النادرة، والصدر، والمناعة.

وأشار رئيس المركز المصرى للحق فى الدواء، إلى أن السوق المصرية باتت مؤهلة للدخول بقوة لمنافسة الشركات العالمية، شريطة أن يتم دعم عمليات البحث والتطوير بشكل كبير، حتى تتمكن الشركات المحلية من الدخول للسباق وتحقيق نتائج جيدة.

هيمنة الشركات الأجنبية على السوق المصرية

وكشف تقرير “آى كيوفيا” عن أن أكبر 10 شركات أدوية أجنبية عاملة فى مصر استحوذت على ما يفوق الـ %30 من إجمالى مبيعات السوق خلال 2024، بقيمة بلغت 65.3 مليار جنيه، وهو ما يعكس النفوذ الكبير لهذه الشركات رغم أن مصر تنتج %90 من احتياجاتها الدوائية محليًا.

وتصدرت شركة “جلاكسو سميثكلاين” البريطانية السوق بمبيعات بلغت 10.48 مليار جنيه، تلتها “سانوفي” الفرنسية بـ10.28 مليار ، ثم “نوفارتس” السويسرية 7.29 مليار.

بينما جاءت شركة “آمون” للصناعات الدوائية فى المركز الرابع بمبيعات 6.2 مليار جنيه.

ويرجع فؤاد هذه السيطرة إلى امتلاك هذه الشركات محفظة دوائية واسعة تضم أدوية أصلية مرتفعة الثمن مثل “ علاجات الأورام والقلب والمضادات الحيوية والأمراض النادرة”، والتى تحظى بثقة المستهلكين رغم توفر بدائل لبعضها محلية الصنع بأسعار أقل.

مشروع التتبع الدوائي.. خطوة نحو الشفافية أم حل جزئي؟

أعلن الدكتور على الغمراوى أن هيئة الدواء المصرية تعمل على تنفيذ مشروع “التتبع الدوائي”، الذى يهدف إلى وضع رقم قومى لكل عبوة دواء، بما يتيح تتبعها من الإنتاج حتى البيع النهائي، فى خطوة تستهدف مكافحة الأدوية المغشوشة والممارسات غير القانونية فى السوق.

لكن رغم أهمية هذا المشروع، فإن هناك مخاوف من أن يظل تأثيره محدودا إذا لم يتزامن مع سياسات صارمة لضبط الأسعار وضمان توفر الأدوية الحيوية مثل علاجات السكرى والضغط، والتى أكد الغمراوى أن الهيئة تسعى حاليا إلى توفير مخزون استراتيجى منها يكفى لمدة 6 أشهر.

تناقضات فى أرقام المبيعات والتوزيع

فيما يتعلق بشركات التوزيع، أظهرت البيانات الصادرة عن مؤسسة“آى كيوفيا “أن شركة “ابن سينا فارما” تصدرت سوق التوزيع فى مصر بحصة بلغت %30.8 خلال 2024، محققة مبيعات سنوية بقيمة 292 مليار جنيه، مقارنة مع 206 مليارات فى 2023، وهو ما يمثل نموًا بنسبة %42.

لكن المثير للجدل أن هذه الأرقام تختلف عن تقديرات رئيس شعبة الأدوية باتحاد الغرف التجارية، على عوف، الذى توقع أن تصل مبيعات الأدوية فى 2025 إلى ما بين 250 و260 مليار جنيه، وهو ما يعنى أن الأرقام المعلنة حول 2024 قد يكون مبالغا فيها أو غير دقيقة.

الأدوية المثيرة للجدل .. مبيعات قياسية رغم المخاطر

من أبرز القضايا التى أثيرت خلال 2024، كانت مبيعات الأدوية المحتوية على مادة “جابابنتين”، التى بلغت ما يقرب من 6 مليارات جنيه، إجمالى العلامات التجارية المتداولة فى السوق منها، 3.57 مليار ، حققتها 4 شركات فقط.

وفى الوقت الذى زادت فيه المخاوف المتعلقة بتأثيرها الإدماني، إلا أن انتشار المادة وتداولها على نطاق واسع، بات أمرا بالغ الأهمية لما لها من تأثيرات سلبية على المجتمع.

وبحسب أرقام المبيعات فإن شركة “ماش فارما” تصدرت السوق بمبيعات بلغت 1.6 مليار جنيه من مستحضر “جابيماش”، تلتها “إيفا فارما” 1.24 مليار من مستحضر “كونفنتين”.

فيما احتلت “دلتا فارما” المركز الثالث بمستحضر “جابتين” الذى حقق مبيعات بلغت 651 مليون جنيه، بعدد وحدات بلغ 5.6 مليون عبوة خلال العام الماضي، بينما بلغ إجمالى مبيعات الشركة 1.4 مليار.

وحققت شركة “ڤياترس” مبيعات بقيمة 83.1 مليون جنيه من مستحضر “نيورونتين” خلال عام 2024، بعدد وحدات بلغ نحو 1.012 مليون عبوة، بينما سجلت الشركة إجمالى مبيعات بلغ 2.4 مليار.

ورغم القيود التى تفرضها العديد من الدول على تداول هذه المادة، إلا أن السوق المصرية شهدت زيادة فى استهلاكها، مما يثير تساؤلات حول مدى الرقابة على وصفها للمرضى، خاصة مع التقارير التى تربطها بارتفاع معدلات العنف والجريمة عالميا.

وفى عام 1993 اعتمدت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية “إف دى إيه”، مادة “جابابنتين”، لعلاج مجموعة متنوعة من الحالات بما فى ذلك النوبات الجزئية لمرضى الصرع وآلام الأعصاب الناتجة عن إصابة الحبل الشوكى والاستخدامات المعتمدة الأخرى لآلام العضل الليفى و متلازمة تململ الساقين.

استمرار التضخم أم انتعاش حقيقي

الدكتور محى عبيد النقيب السابق لنقابة الصيادلة، قال إنه مع دخول عام 2025، يظل مستقبل سوق الدواء المصرية مرهونًا بعدة عوامل، أبرزها استقرار سعر الصرف، وقدرة الحكومة على توفير المواد الخام، بالإضافة إلى نجاح مشروع التتبع الدوائى فى ضبط السوق.

ولفت عبيد فى تصريحات لـ”المال” إلى أنه رغم تأكيدات هيئة الدواء عن تمكنها من تجاوز أزمة نقص الأدوية، فإن الأرقام والبيانات تكشف عن استمرار مشكلات فى التوافر والتوزيع، خاصة مع ارتفاع أسعار المستحضرات الدوائية، مما قد يؤثر سلبا على قدرة المواطنين على شراء الأدوية الأساسية.

وأشار من خلال تحليل تصريحات المعنيين ومقارنة الأرقام الصادرة عن المؤسسات البحثية، يتضح أن هناك تناقضات واضحة بين حجم المبيعات الفعلية ونسب النمو المعلنة.

وأضاف أنه بينما تشير الهيئة إلى تحسن الأوضاع وتجاوز الأزمات، فإن الواقع يكشف عن تحديات كبيرة لا تزال تواجه سوق الدواء فى مصر، سواء من حيث التسعير، أو نقص الأدوية الحيوية، أو هيمنة الشركات الأجنبية على الحصة الكبرى من المبيعات.

واعتبر عبيد، أنهفى ظل هذه المعطيات، يبقى السؤال الأهم: هل تشهد السوق فى 2025 تحسنا حقيقيا، أم أن الأرقام ستظل تعكس تحسنا ظاهريا دون حلول جذرية لمشكلات القطاع؟.

توقعات 2025 للسوق الدوائية

الدكتور على الغمراوى قال فى تصريحات سابقة لـ”المال” إنه يتوقع أن تنمو قيمة سوق الدواء فى مصر بنحو %15 خلال عام 2025، لتسجل ما يقرب من 353 مليار جنيه مقابل 307 مليارات العام الماضي.

وأضاف أن أكثر من %91 من الأدوية المباعة فى السوق المصرية يتم تصنيعها محليا، ونعمل فى الوقت الحالى على زيادة النسبة، مشيرا إلى أن مصر تعد حاليا هى الدولة الأولى فى تصنيع الدواء بأفريقيا والشرق الأوسط، بما تمتلكه من مصانع بلغ عددها 178 مصنعا.

زيادات جديدة فى أسعار ما يقرب من 1200 صنفًا دوائيًا

بحسب مصدر مطلع فى هيئة الدواء المصرية، فإنه من المتوقع أن يشهد العام الجارى 2025، زيادة جديدة فى أسعارالأدوية، مؤكدا أن عدد الأصناف التى تخضع للزيادة ربما يتجاوز الـ 1200 صنفًا دوائيًا.

ولفت المصدر فى تصريحات لـ”المال” إلى أن الهيئة قامت خلال المرحلة الماضية على تحقيق التوزان، من خلال الموافقة على زيادة عدد من الأصناف لصالح الشركات بينما أرجأت الموافقة على زيادات لأصناف أخرى للعام الجاري.

واعتبر المصدر أن الهيئة لم يكن بمقدورها الموافقة على زيادة أسعار كافة الأصناف والتى هى بالفعل تستحق ذلك، نظرا لارتفاع قيمة تكلفة إنتاجها حتى أن بعضها بات يحقق خسائر فعلية.

اعتماد الصحة العالمية وارتفاع الصادرات

مع حصول مصر ممثلة فى هيئة الدواء المصرية، على اعتماد منظمة الصحة العالمية “مستوى النضج الثالث” بعد عدد من برامج الدعم التى قدمتها الحكومة للارتقاء بالقطاع الدوائي، وتعزيز قدرة المؤسسات الوطنية على الحصول على الاعتمادات الدولية، يتوقع المعنيون بالملف أن يكون للخطوة نتائج كبرى.

وبحسب الخبراء، فإن اعتماد الصحة العالمية، يمنح المنتجات المصرية من الأدوية موثوقية لدى المستهلكين والمرضى فى كافة دول العالم، خاصة وأن الاعتماد لا يمنح إلا بعد عدد من الإجراءات والاشتراطات التى يجب توافرها، بدء من عمليات استيراد الخام مرورا بعمليات الصناعة وصولا للتوزيع والرقابة على السوق.

وعلى الرغم من أهمية الخطوة والتى يتوقع أن تساهم فى ارتفاع فاتورة التصدير، إلا أن العديد من الأصوات تطالب بضرورة العمل للحصول على اعتماد عدد من الكيانات الكبرى المعترف بها دوليا، وهو ما يضيف ميزة تنافسية للشركات المحلية فى محيطها الإقليمى والعالمي.

اجتماعات ولقاءات ومذكرات تفاهم دون نتائج على الأرض

شهدت الأشهر الماضيةعقد الدكتور خالد عبدالغفار، نائب رئيس الحكومة ووزير الصحة والسكان، سلسلة من الاجتماعات مع عدد من ممثلى كبرى شركات الأدوية العاملة فى السوق المصرية والدولية، لبحث فرص الاستثمار فى القطاع وتعزيز جهود توطين الصناعة ، بما يتماشى مع استراتيجية الدولة لتحقيق الأمن الدوائي.

وبحسب البيانات المتكررة لوزارة الصحة، أكد الوزير خلال اللقاءات حرص الحكومة على تهيئة بيئة استثمارية جاذبة لشركات الأدوية العالمية، من خلال تقديم حوافز استثمارية وتسهيلات تنظيمية، بغرض توسيع خطوط الإنتاج المحلية وتقليل الاعتماد على الواردات، لا سيما فى الأصناف الحيوية التى تمثل أولوية للقطاع الصحي.

كما شدد على أهمية الشراكة بين القطاعين العام والخاص فى دعم توطين صناعة الأدوية، مع التركيز على نقل التكنولوجيا الحديثة وتدريب الكوادر الفنية لضمان استدامة الإنتاج المحلى وفق أعلى معايير الجودة.

وتم خلال الاجتماعات بحث سبل التعاون مع هيئة الدواء المصرية وهيئة الشراء الموحد لضمان تسريع عمليات التسجيل والتوريد، بما يسهم فى تحقيق الاستقرار للمستثمرين الجدد، ويحفزهم على التواجد والتوسع بشكل كبير داخل السوق المصرية.

اللقاءات التى عقدها الوزير تتناول دائما خطط إنشاء مصانع جديدة فى المناطق المتخصصة، لتوفير بيئة إنتاج متكاملة تدعم التصدير للأسواق الإقليمية والدولية، إلا أن نتائج اللقاءات لم تؤتى ثمارها حتى الآن وسط مطالبات بضرورة وجودة مرونة فى عمليات التسعير.

عدد من الخبراء فى قطاع الدواء، أكدوا أن عدد استقرار سعر الصرف، مع ما يشهده المحيط الاقليمى من تقلبات، يدفع عدد من الكيانات الكبرى لتأجيل خطط الدخول للسوق المحلية، واعتبر الخبراء أن السوق المصرية تعد أحد أكبر الأسواق جذبا فى العالم.

توقعات بارتفاع الصادرات بعد اعتماد الصحة العالمية

«جابابنتين»: مبيعات قياسية رغم المخاطر

محمود فؤاد: دعم البحث والتطوير يؤهلنا للمنافسة

محيى عبيد: هل يشهد 2025 تحسنا حقيقيا أم مجرد أرقام ظاهرية؟

مصدر حكومى: نرجح زيادة أسعار 1200 صنف العام الجارى