قبل حملة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب ضد برامج التنوع والمساواة والشمول (DEI)، بدأت كبرى الشركات الأمريكية بالفعل بتقليص جهودها أو التخلى عن الوفاء بالتزاماتها الاقتصادية والاجتماعية، مما يعكس تحولًا فى أولويات الشركات نحو قضايا أخرى.
هذا التراجع - الذى شمل أسماء بارزة مثل “ميتا» و”وولمارت» و”ستاربكس» و”أمازون» - أتى فى وقت لا تزال فيه الفجوة بين الجنسين وعدم التمثيل الكافى للأقليات العرقية قائمة فى الأدوار الإدارية الرئيسية، رغم الوعود السابقة بتحقيق تقدم ملموس.
فى يناير الماضى، أصدر ترامب أوامر تنفيذية لإلغاء برامج DEI على الصعيد الوطنى، ضاغطًا على القطاع الخاص لتبنى نفس النهج، لكن تقارير جديدة أظهرت أن العديد من الشركات الكبرى كانت قد بدأت هذا التوجه منذ أشهر، لتُظهر بيانات لجنة تكافؤ فرص العمل الأمريكية أن تسع شركات بارزة، منها “أمازون» و”فورد» و”بوينغ”، قدمت تقدمًا طفيفًا فقط فى زيادة نسبة النساء فى المناصب الإدارية منذ جائحة “كورونا - كوفيد 19”، وفقا لتقارير وكالة “رويترز”.
على سبيل المثال، ارتفعت نسبة النساء فى المناصب الإدارية المتوسطة فى “أمازون» من %29.5 عام 2020 إلى %32 عام 2023.. أما فى شركة “ديير”، فكانت الزيادة هامشية من %27.2 إلى %28.4 خلال نفس الفترة.
وعلى الرغم من هذه الزيادات البسيطة، ظلت النساء من أصول لاتينية وأفريقية ممثلات بنسب ضئيلة للغاية، ففى عام 2023، لم تتجاوز نسبة النساء من أصول أفريقية ولاتينية فى المناصب الإدارية المتوسطة %5 فى المتوسط عبر الشركات التى شملها التقرير.
التوجه نحو تقليص برامج التنوع لم يقتصر فقط على الأدوار الإدارية، فى بعض الشركات مثل “ميتا» و”فورد» انخفضت نسبة النساء فى المناصب الإدارية المتوسطة، مقارنة مع ما كانت عليه قبل سنوات، ومع ذلك شهدت نفس الشركات زيادات طفيفة فى نسبة النساء بالمناصب التنفيذية العليا، مما يعكس تطورًا غير متوازن فى المشهد العام للتنوع.
ورغم هذه التراجعات، لا تزال بعض الشركات الكبرى مثل “آبل» و”كوستكو» متمسكة ببرامج التنوع.. ففى يناير أوصت “آبل» مساهميها برفض اقتراح لإلغاء برامج التنوع لديها، بينما رفض مساهمو “كوستكو» بشكل كبير إجراءً مشابهًا.
التقارير تشير إلى أن %39 من المناصب الإدارية فى الشركات الأمريكية الكبرى كانت تشغلها النساء عام 2024، بزيادة طفيفة عن السنوات السابقة، ومع ذلك فإن التقدم ما زال بطيئًا للغاية، مقابل كل 100 رجل يتم ترقيتهم إلى منصب إدارى 81 امرأة فقط، مما يعكس استمرار فجوة التقدم المهنى بين الجنسين.
توازن بين التصريحات والإجراءات
فى الوقت الذى استعد فيه صانعو السياسات الاقتصادية العالمية لمواجهة عاصفة اقتصادية محتملة بفعل سياسات الإدارة الأمريكية الجديدة، جاءت بداية دونالد ترامب الرئاسية أكثر اعتدالا مما كان متوقعا، رغم الخطاب الحاد الذى تميز به منذ حملته الانتخابية، إلا أن الإجراءات الفعلية ركزت بشكل رئيسى على أجندته الداخلية، بينما ظلت الساحة التجارية العالمية دون تغييرات جذرية.
الوعود الانتخابية لترامب كانت تتضمن فرض تعريفات جمركية صارمة تصل إلى 25% على الواردات من كندا والمكسيك، مما أثار المخاوف من عودة التضخم، ولكن التراجع النسبى فى تنفيذ هذه السياسات حتى الآن، أعطى الأسواق العالمية شعوراً حذراً بالثقة، كما أن تصريحاته الأخيرة حول إمكانية التوصل إلى اتفاق مع الصين عقب محادثاته مع الرئيس الصينى شى جين بينغ، أضفت بعض الإيجابية على المشهد، إذ وصف المحادثة بأنها “ودية للغاية”، مشيراً إلى أنه يفضل عدم اللجوء إلى التعريفات الجمركية كأداة ضغط.
هذا التحول المفاجئ خفف الضغوط على البنوك المركزية حول العالم، وبات بإمكانها الاستمرار فى خفض معدلات الفائدة، ووسط تراجع مخاوف التضخم شهدنا مؤشرات على ذلك من خلال قرارات مثل رفع الفائدة فى اليابان وتخفيف السياسة النقدية فى سنغافورة.
فى الولايات المتحدة، يظل الاحتياطى الفيدرالى حذرا فى اتخاذ أى خطوات متسرعة بشأن تخفيض أسعار الفائدة، رغم الضغوط المتزايدة من ترامب هذا الحذر ينبع من قوة الاقتصاد الأمريكى الذى لا يزال يحقق أداءً يفوق التوقعات، مما يدفع التضخم للانخفاض بشكل بطيء.
