المهندس محمد الباز يكشف فى حوار مع «CEO شهدت الحلقة الأخيرة من “CEO LEVEL PODCAST”- الذى يقدمه حازم شريف- رئيس تحرير جريدة المال، حوارًا ممتعًا مع إحدى الشخصيات الاستثنائية فى عالم الأعمال، والتى نجحت فى أن تجمع بين الابتكار والطموح والعمل الجاد لتصنع قصة نجاح يعتبرها الكثيرون ملهمة.
ضيفنا اليوم هو المهندس محمد الباز، رائد أعمال ومؤسس مجموعة من الشركات، والذى استطاع، على مدار سنوات، أن يترك بصمة فى قطاعات متنوعة؛ من التكنولوجيا والبرمجيات، إلى التعليم والتغذية الصحية، بل حتى التطوير العقاري.
فى هذه الحلقة، سنتعرف على البدايات الأولى للمهندس محمد الباز؛ كيف شق طريقه فى عالم ريادة الأعمال منذ كان طالبًا فى الجامعة، عندما أسس أول شركة له بمجال البرمجيات، فى وقت كانت أجهزة الكمبيوتر تُعَد ترفًا للأغنياء فقط.
كما سنتناول محطات فارقة فى حياته، مثل إدراجه أولى شركاته فى بورصة النيل، وكيف استطاع تحقيق التوسع، رغم الأزمات الاقتصادية والتغيرات السياسية التى شهدتها مصر بعد ثورة 2011. وسنلقى الضوء أيضًا على رؤية الباز عندما أطلق مبادرة «اعمل بيزنس»، التى بدأت بصفتها عملاً تعليميًّا يهدف إلى تطوير مهارات الشباب فى الإدارة، وسرعان ما تحولت إلى أكاديمية تضم آلاف المشتركين ومئات الكورسات المعتمَدة.
سنكتشف أيضاً كيف قرر المهندس محمد الباز اقتحام عالم الغذاء الصحي، من خلال تأسيسه شركة “Healthy and Tasty”، التى أصبحت رائدة فى تقديم المنتجات الصحية بالسوقين المصرية والخليجية، وكيف استطاع الجمع بين الطعم الجيد والجودة العالية، مقدمًا منتجات تُنافس العالمية، وإلى نص الحوار المتاح للجمهور على قناة ALMAL TV
بموقع يوتيوب ومنصات البودكاست:
● حازم شريف: ضيفنا، اليوم، شخصية مميزة وهو أحد رجال الأعمال الشباب الذين ظهروا فى السنوات الأخيرة. أُرحب بالمهندس محمد الباز، مؤسس مجموعة شركات الباز.
محمد الباز: أهلًا وسهلًا بحضرتك.
● حازم شريف: من محمد الباز؟ ما الذى درسته؟ أين تخرجت؟ وكيف تطورت مسيرتك حتى وقتنا الحالي؟
محمد الباز: تخرجت فى كلية الهندسة، قسم اتصالات دفعة 1999، بدأت رحلتى فى مجال الأعمال منذ كنت طالبًا بالجامعة، تحديدًا فى عام 1998 أسست شركتى الأولى، وكانت شركة برمجيات.
● حازم شريف: لماذا قررت تأسيس شركة وأنت لا تزال فى السنة الثالثة بكلية الهندسة؟
محمد الباز: الحقيقة، الأمر كان أشبه بالإجبار، أو بمعنى أدق، كان شيئًا خارجًا عن إرادتي، بدأت اهتمامى بتجميع أجهزة الكمبيوتر وصيانته منذ السنة الإعدادية بكلية الهندسة، وكنت أذهب إلى شركات البترول بالإسكندرية التى كانت تقوم دورياً بتحديث برامجها الحاسوبية.
كانت الأجهزة القديمة لا تتحمل البرمجيات الجديدة، لذا كانوا يتخلصون منها وأقوم بدورى بشرائها وصيانتها وتجديدها، وإعادة بيعها مجددًا.
فى الماضي، كان جهاز الكمبيوتر يُعد شيئًا باهظ الثمن جدًّا، على سبيل المثال، كانت سيارة “لادا” تُباع بـ6000 جنيه، بينما كان جهاز الكمبيوتر يتراوح سعره بين 4000 و5000 جنيه، واستطعت توفير أجهزة مستعملة فى حدود 1500 جنيه، وهو ما كان شيئًا مناسبًا جدًّا للطلاب وزملائى بالكلية، حيث وفر عليهم الكثير من المصاريف.
بدأت تكوين شبكة علاقات من زملائى فى الكلية والمعارف، وفى السنة الثالثة تحديدًا، بدأت أتلقى طلبات من أشخاص آخرين يأتون إلى منزلى لشراء الأجهزة.
وكان والدي، رحمه الله، مهندسًا ويمتلك ورشة صغيرة لتصليح أجهزة التليفزيون عندما كان فى الكلية، وكانت مغلقة منذ وفاته، لذا قررت استغلالها لتكون مقرًّا للعمل على أجهزة الكمبيوتر.
حصلت على سِجل تجارى وبطاقة ضريبية، وبدأت أستقبل العملاء بها. فى البداية كنت أعمل على الأجهزة المستعملة، ثم أضفت نظيرتها الجديدة أيضًا، وكان الأمر أشبه بالصدفة ولم يكن مخططًا له.
● حازم شريف: تخرجت ولديك شركة بالفعل، ماذا فعلت بعد ذلك؟
محمد الباز: نعم، من 1998 حتى 2010 كنت أعمل فقط فى هذا المجال. تحت مُسمى «المؤشر للبرمجيات»، وهى ما زالت قائمة حتى اليوم.
● حازم شريف: إذن كنت تعمل فى مجال البرمجيات وأجهزة الكمبيوتر فقط، كيف تطورت الشركة؟
محمد الباز: تطورت الأمور لاحقًا، فى البداية عملنا فى البرمجيات وأجهزة الكمبيوتر الجديدة والمستعملة، ثم توسعنا إلى العمل فى الموبايلات، لاحقًا بدأت أركز على شيء مختلف تمامًا وهو خدمات الإنترنت.
● حازم شريف: هل كان قطاع الموبايلات هو النقلة النوعية لك، أو كما يقال فى مجالنا التراكم الرأسمالي؟
محمد الباز: يمكننا القول إن النقلة النوعية الحقيقية حدثت عندما دخلنا قطاع خدمات الإنترنت (ISP - Internet Service Provider)، وهو ما أسهم فى تحقيق تراكم رأسمالى كبير.
فى عام 1999-2000، بدأنا مجال خدمات توصيل الإنترنت (ISP) كانت فكرة الإنترنت فى الماضى تعتمد على الكروت أو الاشتراكات السنوية بشكل شخصي؛ أى تحصل على اسم مستخدم وكلمة مرور خاصة بك، وبدأنا بالعمل فى هذا المجال من خلال امتلاك سيرفرات، عملنا مع جهات كبرى مثل مجلس الوزراء، وتوسعنا تدريجيًّا فى تقديم الخدمة.
بدأنا فى محافظة واحدة هى الغربية، ثم توسعنا للعمل فى ست محافظات؛ منها الدقهلية، وبورسعيد، والسويس، والإسماعيلية، والإسكندرية، وفى عام 2002 عندما أصبح الإنترنت مجانًا فى مصر، كان هناك نحو 40 شركة إنترنت بعد ذلك، معظم الشركات توقفت عن العمل، ولم يبق سوى شركتين تقريبًا، والحمد لله كنا واحدة منهما توسعنا للعمل على مستوى الجمهورية،
● حازم شريف: هل عملتم فى المجال نفسه؟
محمد الباز: نعم فى الـISP بدأنا بتقديم خدمة أرقام الإنترنت، مثل “0777”، لكن كنا نقدم خدمة عبر رقم “0001”.
وأذكر أننا قد استعنا بالفنان شعبان عبد الرحيم، رحمه الله، ليغنّى لنا إعلانًا، وصممنا فيديو ثلاثى الأبعاد (3D Animation) للأغنية، وعُرض الإعلان فى القنوات التليفزيونية والراديو.
● حازم شريف: أنت مهندس فهل درست شيئًا إضافيًّا بجانب الهندسة لدخول هذه المجالات المتنوعة؟
محمد الباز: نعم، فى عام 2006 قررت دراسة دبلومة فى التسويق، وفى 2012 حصلت على ماجستير إدارة الأعمال (MBA) من جامعة أسترالية عبر فرعها فى مصر، وهى من أفضل الجامعات الأسترالية، وحتى الآن ترسل لنا إشعارات عن خريجين بارزين، لكن للأسف فى 2012 أغلقت ذلك الفرع بسبب مشاكل إدارية.
كان الأسلوب مختلفًا تمامًا عن المناهج التقليدية، وهذا ما قمت بتطبيقه لاحقًا فى أكاديمية «اعمل بيزنس»، لم يكن التركيز على الحفظ، بل على التطبيق، كان النظام يعتمد على حل المشكلات العملية. على سبيل المثال، فى الامتحانات، يُطرَح سؤال مثل: “لو كنت مديرًا لتويوتا وواجهت مشكلة اضطررت بسببها إلى سحب السيارات من السوق، فكيف ستتصرف؟” كانت هذه هى نوعية الأسئلة، وهو ما أثَّر فى طريقة تفكيرى بعد ذلك.
● حازم شريف: سنعود للحديث عن الأكاديمية لاحقًا، لكن الآن دعْنا نستكمل مسار الشركة وعملك فى مجال ISP، إلى متى استمر الوضع كما هو عليه؟
محمد الباز: استمر الوضع كما هو تقريبًا حتى عام 2008، فى تلك الفترة كنا دائمًا ضمن قائمة “TOP10” لشركات الإنترنت فى مصر. كان الجهاز القومى لتنظيم الاتصالات ينشر ترتيب الشركات شهريًّا، وكنا نحصل على مراكز متقدمة، مثل الخامس أو السادس أو السابع.
وانعكس ذلك بشكل كبير على حجم الأعمال ورأس المال، إذ ارتفع بشكل ضخم. على سبيل المثال، فى ذلك الوقت كنا نحقق إيرادات تصل إلى 5 ملايين جنيه سنويًّا، وهو ما يعادل مليون دولار حينها.
وكنا نتحصل على مستحقاتنا من الشركة المصرية للاتصالات بشكل شهري. وبفضل هذا الأداء، استطعنا زيادة رأسمال الشركة.
● حازم شريف: متى حدث ذلك؟
محمد الباز: فى عام 2010.
● حازم شريف: هل كنتم تعملون فقط فى خدمات الإنترنت آنذاك؟
محمد الباز: كنا نعمل فى عدة مجالات، منذ عام 1998، منها برامج المحاسبة التى تُعرَف الآن بنظم “ERP”، كما قدمنا برامج لمتابعة تداولات البورصة.
● حازم شريف: إذن، بدأتم الانتقال من العمل فى الهاردوير إلى الخدمات والبرمجيات؟
محمد الباز: نعم، يمكن القول بذلك، لكن الهاردوير والخدمات والبرمجيات كانت تسير معًا لفترة، لكن فى عام 2002 اتخذنا قرارًا بإيقاف العمل فى مجال الهاردوير نهائيًّا؛ لأن السوق أصبحت مشبعة، فجأة الجميع بدأ يفتح النشاط نفسه، حدث ذلك معنا أكثر من مرة؛ نبدأ نشاطًا جديدًا، ونحقق فيه نجاحًا، ثم يتحول إلى سوق مزدحمة، مما يضطرنا للانتقال إلى نشاط آخر، حدث ذلك معنا فى مجال الهاردوير، ثم الموبايلات؛ والذى ربحنا منه بشكل جيد، وأيضًا فى “Internet café”، كان فى وقتٍ ما الساعة بـ7 جنيهات، ثم أصبحت بـ1.5 و2 جنيه للساعة الواحدة.
● حازم شريف: كيف تسير دورة حياتك فى هذه القصة؟ يبدو أنك مررت بهذه التجربة مرات عدة، وفى النهاية تقرر إغلاق النشاط، ماذا تفعل حينها؟ هل تبدأ من جديد كما تقول دائمًا؟
محمد الباز: بصراحة، أذكر أننى عندما قررت دخول مجال الكمبيوتر فى عام 1998، ذهبت إلى أحد الأشخاص الذين كانوا يدرسون لى دورة صيانة الأجهزة، قلت له إننى أريد فتح شركة كمبيوتر، الجميع وقتها كانوا يقولون أشياء مثل: “لماذا تفتح شركة كمبيوتر؟ هل ستترك الناس أعمالها ليجلسوا بجانب الكمبيوتر؟”.
وسألت أحدهم ممن لديهم شركة كمبيوتر: كيف ترى السوق؟ قال لي- نصًّا: السنة الماضية كنت أبيع جهاز كمبيوتر واحدًا فى الشهر، وكان يزورنى 5 عملاء للاستفسار، أما هذه السنة فأبيع جهازين، ويزورنى ثمانية عملاء، فكرت وقلت: هل يمكننا أن نصل إلى مرحلة نبيع فيها جهازًا كل شهر؟
قال لي: “بإذن الله، وربنا يوفقك”. كانت الفكرة أن بيع جهاز واحد، كل شهر، كان يُعدّ إنجازًا.
بعد ذلك، ومع مرور الوقت، وصلنا إلى مرحلة كنا نبيع فيها عشرة أجهزة فى الشهر، ثم تطوَّر الأمر لنبيع عشرة أجهزة فى اليوم، التطور نفسه حصل مع الهواتف المحمولة.
فى البداية، قضينا ستة أشهر دون أن نتمكن من بيع أى هاتف، ثم فجأة، أصبح الناس يصطفون لشراء الهواتف. كان التعبير فعليًّا: “الناس تصطف بالطوابير”.
● حازم شريف: متى تعرف أن هذه السوق انتهى دورك فيها “اتضربت”؟
محمد الباز: لا، النقطة الأهم هى معرفة ما إذا كانت سوقاً معينة ستصعد ، هذا هو التحدي، ففى الإنترنت أتذكر أننا فى عاميْ 1999 و2000 بدأنا بعدد قليل من المشتركين، نحو 800 مشترك فى السنة الأولى، وفى السنة الثانية وصلنا إلى 2000 مشترك، ثم فى عام 2002 عندما أصبح الإنترنت مجانيًّا، قفز العدد ليصل إلى 200 ألف مشترك، الفارق كان كبيرًا جدًّا، وهذا يشبه ما حدث مع أجهزة الكمبيوتر والهواتف المحمولة.
وتكرَّر لاحقًا فى الأعمال عبر الإنترنت أو الكورسات الأونلاين، ثم حدث فى “healthy & tasty”، وأرى أن معظم الأعمال التى أخوضها لا تحقق النجاح عندما تكون تقليدية، ربما يعود السبب إلى أن الأعمال التقليدية تتطلب أن تكون مركِّزًا تمامًا على التكاليف، حريصًا بشكل كبير على المصاريف، وأحيانًا تضطر لاتخاذ قرارات صارمة فيما يتعلق بالموظفين والإدارة.
● حازم شريف: متى يدق جرس ترك مجال معين؟
محمد الباز: الجرس يدق عندما يزداد عدد المنافسين، أول علامة تحذيرية تظهر عندما تبدأ الأسعار الانخفاض بسبب التنافس الشديد، وعندها تعرف أن هذا العمل لن يستمر على الأقل لفترة معينة، أو سيواجه تحديات كبيرة لمدة خمس أو ست سنوات، ثم تنتهى المعركة ببقاء واحد أو اثنين أو ثلاثة فقط من المنافسين الذين يستطيعون الصمود، وهنا عليك أن تختار.
● حازم شريف: هل تريد أن تكون ضمن هؤلاء القلائل الذين يصمدون أم أنك ستنسحب للبحث عن مجال جديد؟
محمد الباز: يعتمد هذا على مكانتك بهذه السوق، بمعنى أنه فى البداية، بسبب قلة الخبرة والإمكانيات، كنا نميل إلى الدخول فى الأعمال السهلة التى تحقق الربح بسرعة، لكننا كنا نكتشف لاحقًا أننا اخترنا مجالًا يمكن للآخرين تقليده بسهولة، مما يؤدى إلى تدهور العمل على الجميع، لذلك بدأت أختار الدخول فى مجالات أكثر صعوبة، على سبيل المثال، المشاريع الحديثة، مثل الأكاديمية، تُعدّ عملًا معقدًا جدًّا.
و” healthy & tasty”، هى مثال العمل الصعب، بمعنى أن هذا البيزنس لن تستيقظ فى الصباح تجد نفسك ناجحًا فيه، على عكس مشروعات أخرى، يمكن فيها لأى شخص يمتلك نصف مليون أو مليون جنيه أن ينافسك، أنا لم أعد أدخل فى مثل هذه الأعمال، أما إذا كانت هذه المشاريع تتطلب تحديات ضخمة سواء فى رأس المال، أم التكنولوجيا، أم الإدارة، فذلك يجعل دخولها صعبًا جدًّا على الجميع.
حاليًّا، أصبحت أميل إلى الأعمال التى تتطلب رؤية طويلة المدى، والتى لا يستطيع أى شخص برأسمال صغير أو متوسط تقليدها بسهولة، فالعمل الذى يمكن لأى شخص الدخول فيه بسهولة وتحقيق الربح سريعًا، يكون معرضًا أيضًا للخروج بسهولة.
● حازم شريف: فى 2010 تم قيد شركة المؤشر ببورصة النيل، وكانت الأنشطة الخاصة بها هى البرمجيات... هل كانت هناك مجالات أخرى؟
محمد الباز: البرمجيات وشاشة متابعة البورصة، التى كانت فى ذلك الوقت شيئًا صعبًا جدًّا من الناحية البرمجية.
وأيضًا البرمجيات المتعلقة بإدارة الحسابات، وبرامج إدارة الصيدليات، وإدارة الحسابات، أشياء من هذا القبيل.
● حازم شريف: كم كان رأسمال الشركة وقتها؟
محمد الباز: 7 ملايين جنيه.
● حازم شريف: عند قيدك شركة المؤشر فى البورصة، هل كانت لديك أعمال خارجية؟! أو بعبارة أخرى متى بدأت التنوع؟
محمد الباز: التنوع بدأ يظهر بسبب الثورة التى حدثت فى 2011، وبعدها بدأنا نفكر كيف ننطلق خارج مصر؟ وكيف نقدم خدمات يمكن تصديرها خارج مصر.
بالطبع فى هذه الفترة أيضًا، درست CBM “ Certified Brand Manager” وكنت تقريبًا المهندس الوحيد فى الدفعة.
بدأنا ننظر للخارج، وقتها، مثلًا كان الوضع مختلفًا فى مصر مقارنةً بالسعودية، فالعمل فى مصر والعمل فى السعودية، أو كما فى الخليج، كان مختلفًا، حيث كان الدرهم يعادل جنيهًا و80 قرشًا، أو جنيهًا و70 قرشًا، فلم تكن هناك تلك الفجوة الكبيرة التى نحن فيها الآن، والتى تجعل من الصعب عليك، اليوم، خدمة العميل المصرى بشكل جيد، ومن ثم تُضطر أو تُجبرك الظروف على التوجه لجذب عملاء فى الخليج أو فى أوروبا أو أمريكا؛ لأن الفجوة أصبحت ضخمة جدًّا، والقوة الشرائية مرتبطة بدخل الفرد وليس بقوة العملة.
على سبيل المثال، دائمًا ما أقول: إذا كنت سأبيع اشتراكًا سنويًّا بـ900 جنيه لشخص دخله 5000 جنيه، وقارنت ذلك بشخص آخر فى الخليج يشترى اشتراكًا سنويًّا بـ900 ريال، ودخله 5000 ريال، فإن القدرة الشرائية واتخاذ القرار متساويان، لكن الفرق أن 900 ريال أصبحت تعادل 12 ألف جنيه، فأنت كشركة، بعد فترة من الزمن، تجد أنك غير قادر على خدمة العميل بالكفاءة نفسها، خاصة إذا ما كانت التكلفة واحدة، فاستهلاك السيرفرات هو نفسه، وخدمة العملاء أيضًا، فتجد نفسك تقول: لا، لقد انتهى الأمر، لن أعمل فى مصر لأننى لن أستطيع تقديم هذه الخدمة، حتى اليوم أنا أدفع على كل عميل أو كل اشتراك ما يعادل 4 دولارات شهريًّا؛ أى 50 دولارًا سنويًّا، وإذا أخذت اشتراكًا، فقد ينتهى الأمر بخسارتي.
● حازم شريف: كيف بدأت التنويع؟ وإلى أين اتجهت؟
محمد الباز: بعد حصولى على درجة الماجستير و””cbm باتت لديَّ فكرة واضحة عن المشكلة الكبيرة التى نواجهها فى العالم العربي؛ وهى كيفية إدارة الشركات. وشخصيًّا، كنت أدير عملى من قبل بناءً على اجتهادى وخبرتى الشخصية.
لكن حين بدأت أتعرف على الأسس الحقيقية التى تقوم عليها الشركات، اكتشفت اختلافًا كبيرًا، لذلك أطلقنا فى عام 2012 مبادرة تحت اسم “اعمل بيزنس”، كانت هذه المبادرة تهدف إلى تعليم الشباب العربى أسس الإدارة بشكل مجانى بالكامل فى بدايتها.
بدأت المبادرة بالتركيز على إنشاء محتوى تعليمى عبر منصات التواصل الاجتماعي، كان ذلك من خلال فيديوهات تعليمية، ومنشورات توعوية، وجلسات تعليمية مباشرة عبر الإنترنت، فى تلك الفترة كان هناك برنامج يتيح اجتماعَ ما يصل إلى 100 شخص فى وقت واحد، وكنا نستخدمه لإقامة هذه الجلسات، ووصل عدد متابعينا إلى ثلاثة ملايين شخص.
فى عام 2016، قررنا أن نأخذ خطوة أكبر، فبدأنا تنظيم لقاءات مباشرة فى أماكن محددة لتعليم الإدارة للشباب العربي، كانت هذه اللقاءات مجانية أيضًا، وكنا نلتقى فى أماكن مثل المعادي، أتذكر أن أحد الحاضرين أخبرنى أنه جاء من قنا خصوصًا لحضور الجلسة، وبات فى القاهرة، مما جعلنى أدرك صعوبة الوصول للجميع.
لذا قررنا أن نحوِّل الأمر إلى منصة تعليمية عبر الإنترنت باشتراكات مدفوعة، وبدأنا نفكر أيضًا فى توسيع نطاق المبادرة لتشمل جوانب أكثر تخصصًا فى الإدارة، وبدأنا الاستعانة بخبراء آخرين؛ لأن خبرتى الشخصية مهما كانت لا تغطى كل التخصصات.
فبدأنا نستقطب أشخاصًا ونضع بعض المحاور والمبادئ الأساسية. كان أولها أن نركز على مفهوم “التعليم المستمر”؛ بمعنى أننا لا نبيع كورسات منفصلة، بل نقدم اشتراكًا يتيح للمشترك الوصول إلى المنصة التى تحتوى الآن على 800 كورس، أى شخص يدخل يمكنه الاستفادة من الكورسات المتاحة، وإذا لم يجد ما يفيده اليوم، فقد يجد كورسًا غدًا يحقق له الفائدة، الفكرة هى التعليم المستمر.
وفى الوقت نفسه، يجب أن يكون الاشتراك مقبولًا ماديًّا، وأن يكون الطرح عمليًّا، نحن لا نقدم الأسلوب الأكاديمى التقليدى نفسه الذى درسته مثلًا فى أستراليا، لا نريد شخصًا يقرأ من كتاب ويتحدث، إذا كنت تقدم كورسًا فى التسويق، فيجب أن تكون لديك خبرة فعلية فى السوق، لا يكفى أن تكون دكتورًا جامعيًّا دون أى خبرة عملية، هناك فرق واضح بين الأكاديمى والتطبيقي.
● حازم شريف: هذه مشكلة كبيرة موجودة فى مصر، حيث يحدث فصل بين التعليم الأكاديمى والخبرة العملية.
محمد الباز: نعم، والحمد لله، نجحنا أيضًا فى تقديم المحتوى بلغات مختلفة، بدأنا باللغة العربية، ووسَّعنا نطاقنا ليشمل الإنجليزية، والفرنسية، والإندونيسية.
● حازم شريف: هل الكورسات تُقدَّم بكل هذه اللغات؟
محمد الباز: بالضبط، لكن كل لغة لها نصيبها من المحتوى. مثلًا، المحتوى العربى تجاوز 800 كورس، وقد نصل قريبًا إلى 1000. بينما المحتوى بالإنجليزية يحتوى على 150 كورسًا، والإندونيسية 120 كورسًا، وهكذا، هذا كان جانبًا من عملنا.
● حازم شريف: سأتوقف هنا قليلًا عند موضوع المبادرات. لأكنْ صريحًا معك، شخصيًّا حين أسمع كلمة “مبادرة” أشعر ببعض التحفظ وأتحسس مسدسي؛ لأن كلمة “مبادرة” أصبحت تُستخدم كثيرًا بلا جدوى أحيانًا، لكن فى حالتك، يبدو أن الهدف كان واضحًا، أنت شعرت بأن التعليم غيَّر حياتك، وقررت أن تنقل هذه التجربة للآخرين، وهذا شيء جميل، هناك أشخاص درسوا فى جامعات مرموقة مثل هارفارد وستانفورد وشعروا بالإحساس نفسه؛ وهو أنهم تعلموا شيئًا فارقًا وأرادوا مشاركته مع الآخرين، هدفك كان واضحًا: أن تصل لأكبر عدد من الناس لتشارك خبراتك وتجعلهم يستفيدون، كيف تحولت المبادرة إلى مشروع تجارى؟
محمد الباز: بالنسبة لي، المبادرة كانت بمثابة رسالة ومهمة شخصية، عندما بدأت فى مشروع «اعمل بيزنس» عام 2012، كان ذلك مدفوعًا بإحساسى العميق بأننا كأفراد وشركات فى العالم العربى نفتقر إلى المعرفة الحقيقية بكيفية الإدارة الفعّالة.
عندما كنت أدرس فى برنامج الـMBA (ماجستير إدارة الأعمال)، أدركت شيئين أساسيين:
1. نحن نفتقر إلى مبادئ الإدارة الواضحة والممنهجة.
2. ان لديَّ موهبة فى التدريس، والذى كنت امارسه من خلال دراسة الماجستير نفسه، حيث كنت أشرح لزملائى بشكل عملى ما تعلّمناه، وكانوا يخبروننى بأنهم استفادوا من شروحى أكثر من المحاضرات الأكاديمية. الفكرة بدأت كمبادرة مجانية تمامًا، رغبةً فى تعليم الشباب العربى الإدارة باللغة العربية.
ولم يكن مخططًا أن تصل المبادرة لما وصلت إليه الآن، الأمور بدأت بشكل بسيط. فى عام 2016، بدأتُ باستغلال مهاراتى وخبراتي، وشاركتها مع الناس من خلال منصات مختلفة، الفكرة كانت أن أقدم مبادئ وأساسيات لموضوعات معينة بشكل مجاني، لكن كان من الصعب أن أتفرغ لها بالكامل، مما جعل الناس يشعرون بأن المحتوى غير مكتمل، وأنه ينقصه العمق والنهايات.
هذا الأمر دفعنى إلى التفكير فى تحويل الفكرة إلى شيء أكثر تنظيمًا ومؤسسيًّا، وهنا بدأنا تطوير المبادرة لتصبح كيانًا مفيدًا ومستدامًا.
● حازم شريف: كيف تحوَّل الشكل؟
محمد الباز: بدلًا من أن أقوم بكل شيء بنفسي، بدأنا تقسيم العمل إلى أقسام. على سبيل المثال، فى البداية كان قسم التدريب هو المسئول عن التصوير والمونتاج والمراجعة وكل شيء آخر، أما الآن فقد أصبح لدينا أقسام مستقلة، وكل قسم مسئول عن جزء معين.
- قسم التصوير: لدينا ثلاثة استديوهات ومدير استديوهات يشرف على فريق من المصورين.
- قسم المونتاج: مسئول عن تحرير المحتوى وإخراجه بأفضل صورة.
- قسم التدريب: يعمل على اختيار المدربين، وتقييم إنتاجهم الفكري، والتفاوض معهم ماليًّا، كل جزئية أصبحت قسمًا مستقلًّا يديرها فريق متخصص.
● حازم شريف: كيف بدأت هذا؟ ومتى؟
محمد الباز: فى يناير 2017، أطلقنا شركتنا بشكل رسمي، بدأنا بموقع إلكترونى يحتوى على دورتين تدريبيتين فقط، كنا نعمل بنظام بسيط جدًّا: صفحة على وسائل التواصل الاجتماعى للإعلان، والناس تسجل، ثم يتواصل فريق المبيعات معهم، وقتها كان لدينا أربعة بائعين فقط لإدارة الاشتراكات والتواصل مع العملاء.
هكذا تطورت الفكرة من مجرد مبادرة بسيطة إلى أكاديمية متكاملة تضم 16 قسمًا الآن، مع هيكل تنظيمى متين وأقسام متخصصة لكل جانب من جوانب العمل.
● حازم شريف: كم عميلًا كان لديكم؟
محمد الباز: فى البداية كانوا 106 عملاء.
● حازم شريف: وهذا لم يكن ليغطى المصاريف؟
محمد الباز: بالطبع لا، نحن جلسنا ثلاث سنوات ربما، لم نربح، وحتى عام 2020 كانت لدينا صعوبة فى اعتماد محتوى إلكتروني. وكلمة “أونلاين” كانت بالنسبة للناس كلمة صعبة.
ومع وقوع جائحة كورونا، بدأ الناس الذين كنا نحاول الوصول إليهم- وكانوا يرفضون اعتماد أو حتى التحدث إلينا-، بدأوا هم التواصل معنا، “يا جماعة، كم دورة لديكم؟ وكيف يمكننا اعتمادها؟” وهكذا بدأنا تقديم جميع أنواع المحتوى؛ من دورات تدريبية أو دبلومات أو ماجستير أو دكتوراه معتمَدة من جهات خارجية، أعنى نحن نقدم المحتوى أولًا، ثم نذهب إلى الجامعات ونقول لهم: “يا جماعة، هذا هو المحتوى الخاص بنا، هل يمكن اعتماده معكم؟” فيبدأون بالقول: “نعم، لكن عليكم تعديل أو إضافة كذا وكذا”، هناك جامعات تقول: “لا بأس، سأعتمد لك، لكن مَن ينهى معك يجب أن يأخذ مادتين معي، وبعد ذلك، سأمنحهم شهادة بناءً على تكامل المحتوى”.
● حازم شريف: كم جامعة لديك الآن؟
محمد الباز: نحن نتحدث عن نحو 16 جهة، هذه الجهات تتنوع بين جامعات وجمعيات إدارية، وهنا فى مصر، مثل المركز القومى للجودة، وهكذا.
وهناك جامعة تُسمى “مارة”، وهى رقم أربعة فى ماليزيا، والميزة الأساسية لدينا معها، ميزة جيدة جدًّا هى أنها معتمَدة من «الخارجية» السعودية، ومعظم العملاء لدينا من الخليج.
ولدينا أيضًا جامعة عجمان فى الإمارات، وهذه مؤسسة قوية جدًّا.
وقمنا بشراكات مع جامعات محلية، لكن معظم عملائنا من الخليج أكثر من مصر، وأريد أن أقول إن التكلفة التى تفرضها هذه الجامعات قد تكون مرتفعة جدًّا بالنسبة لمصر.
● حازم شريف: كم نسبة الإيرادات التى تأتى من الجامعتين؟
محمد الباز: نحو %30.
● حازم شريف: وكم نسبة الربح؟
محمد الباز: ربما يكون الربح أقل؛ لأننا نضحى أيضًا بجزء من أرباحنا مقابل اعتماد المحتوى الخاص بنا من تلك الجامعات.
● حازم شريف: حسنًا، فى عام 2020 حدث تحول دراماتيكي.
محمد الباز: نعم، الأكاديمية كانت تخسر لمدة ثلاث سنوات؛ من 2017 حتى 2020، وكانت أول سنة تحقق فيها تعادلًا ماليًّا هى 2020، سنة كورونا، عندما بدأ الناس يتعلمون ويفهمون أن هناك شيئًا يسمى «أون لاين».
نحن، أيضًا، استمررنا فى المبادرة التى تقدم تسجيلًا ومحتوى كتابيًّا مجانيًّا، استمررنا فيها بشكل عادي، وهذا من أسباب قلة عدد عملائنا هنا فى مصر؛ لأننا نقدم على السوشيال ميديا محتوى ربما يكون كافيًا لهم، أعني، محتوى مجانيًّا يكفيهم. حسنًا، وكانت هناك فكرة، حتى داخل الشركة؛ أن نُوقف المحتوى المجاني، لكى نُجبر الناس على الاشتراك، لكن أنا رفضت؛ لأننا بهذا الشكل سنفقد مصداقيتنا.
● حازم شريف: حسنًا، كان هناك حديث؛ أن الأكاديمية نفسها ستُباع؟ هل هذا صحيح؟ أو سيحدث استحواذ؟
محمد الباز: نعم، حدثت اتصالات سابقًا، حين كنا نمضى فى تسجيلها بالبورصة، وتلك الاتصالات جاءت نتيجة قدرتنا على الوصول إلى العملاء، فى الخليج. وذات مرة حدث موقف لطيف، أحد الشيوخ السعوديين اتصل بى وقال لي: “أريد أن آتى إليك”، فلم أستوعب، قال لي: “غدًا سأكون عندك”، وفعلًا جاء وشرَّفنا.
فقلت له: ما الذى جعلك تأتى بهذه السرعة مهتمًّا جدًّا؟، وهكذا، فكان رجلًا لطيفًا جدًّا، لديه تقريبًا 2 أو 3 ملايين متابع على تليجرام، وهكذا، قال لي: “انظر، أنا أدرِّس إدارة، ولديَّ 3 ملايين متابع مجانًا، ولديَّ 60 ألف عميل يدفعون لى مالًا، وفى النهاية أجد زوجتى ذهبت واشتركت معكم”. فالحمد لله، سُمعتنا قوية جدًّا.
عندما بدأنا فى هذا المجال، كما ذكرت، تم طرح فكرة أن نكون أقوياء فى هذا القطاع، فبدأنا نركز على تقوية أنفسنا، الحمد لله، فهمنا الموضوع جيدًا، لم يكن لدينا مقر فى السعودية أو الإمارات، لذا بدأنا إنشاء مقر، وقد قمنا بالاستحواذ على شركة سعودية تمتلك التراخيص اللازمة التى تسمح لنا بتقديم خدماتنا هناك.
● حازم شريف: كم كان مبلغ الاستحواذ؟
محمد الباز: تم الاستحواذ على الشركة بمبالغ مثل 500 ألف ريال أو 600 ألف ريال، وهذه كانت تكاليف التراخيص؛ بمعنى آخر، كنا نحصل على مكان لأداء خدماتنا، تكلفتنا الإجمالية لهذه العملية كانت تُقارب المليون ريال، شاملة المقر والتجهيزات وكل ما يتعلق بذلك، وبذلك أصبح لدينا كيان قانونى فى السعودية، حيث إننا شركة مصرية تعمل فى السعودية كاستثمار أجنبي، وقبل ذلك كنا نتعامل عبر المراسلات لتحويل الأموال عبر البنك، لكن الآن تحولت العمليات المالية لتتم عبر السعودية مباشرة.
عندما أصبحنا كيانًا قانونيًّا معتمَدًا فى السعودية، بدأنا توقيع ثلاث اتفاقيات إستراتيجية مع شركات التقسيط، وكان لذلك تأثير كبير على نشاطنا. على سبيل المثال، إذا أراد العميل شراء خدمة بقيمة 1200 ريال، لم يعد بحاجة إلى دفع المبلغ بالكامل دفعة واحدة؛ يمكنه الآن تقسيطه بسهولة، وهو ما شجع العديد من العملاء على التعامل معنا.
كما قمنا باعتماد الشركة لدى الجهات المعنية. الآن، السعودية والخليج بشكل عام أصبحا منظمين جدًّا، وكل شيء له جهة مختصة، لديهم مثلًا هيئة مختصة بالمنصات الإلكترونية تقدم كورسات أو خدمات تعليمية. وبحمد الله، تم اعتمادنا من قِبل هذه الهيئة فى بداية يناير 2025، ليصبح لدينا اعتماد رسمى من الهيئات السعودية وشركاتها، لقد أصبحنا الآن جزءًا من الحدث، كما ذكرت.
● حازم شريف: الآن، الشركة التى بدأت كمبادرة صغيرة تهدف إلى تقديم بيزنس وتطويره باسم «اعمل بيزنس»، كيف تحولت إلى شركة حقيقية؟ وماذا عن تقييمها الحالي؟ وماذا عن رأسمالها؟
محمد الباز: لا أرغب فى الحديث عن التقييم، لكن بالنسبة للإيرادات، فى 2024 حققنا نحو 55 أو 56 مليون جنيه.
● حازم شريف: حسنًا، ماذا عن الطموحات المستقبلية فى 2025؟
محمد الباز: نحن نسعى للوصول إلى مستويات جديدة؛ لأننا، الآن، نمتلك الشرعية القانونية ونستطيع تحقيق مبيعات داخل السعودية، سابقًا كنا نعمل بشكل رسمي، لكن العميل فى النهاية يرغب فى التعامل مع كيان قانونى داخل بلده، كيان يمتلك حسابات بنكية داخلية يستطيع التحويل عليها، ويكون معتمَدًا بشكل رسمى داخل الدولة.
النقطة الأساسية التى يمكن أن تُحدث طفرة كبيرة لنا هى وجود مبادرات داخل المملكة تتيح للمتدربين دفع تكلفة الكورس، وبعد اجتيازهم الامتحان بنجاح تقوم الدولة بتغطية تكاليف الكورس بنسبة تتراوح بين «80 - 100»%، الفكرة نفسها تنطبق على الشركات أيضًا.
● حازم شريف: أنت موجود فى السوقين السعودية والمصرية فقط، واتخذت السعودية ومصر مقرين رئيسيين، لكنك أيضًا موجود فى أسواق أخرى مثل عمان والإمارات، لديكم، اليوم، عملاء من كم دولة بالضبط؟
محمد الباز: 60 دولة، على سبيل المثال، إذا كان هناك عرب يعيشون فى أمريكا، فلدينا مشتركون من أمريكا أيضًا، وهكذا.
● حازم شريف: هل ستقوم بتسجيل الشركة فى البورصة؟ أم أنك لن تسجلها؟ هل ستبيع جزءًا منها؟ أم أنك ستسعى للحصول على استثمار خاص عبر إدخال شريك بحصة؟
محمد الباز: من وجهة نظري، البورصة تمنحك فرصة لتطوير الشركة، وفى الوقت نفسه تحتفظ بحصة جيدة فيها، فأنا أرى أن هناك مستقبلًا قويًّا جدًّا للشركة، ما قمنا به خلال السنوات الماضية - وهى تقريبًا 6 أو 8 سنوات - كان بمثابة إعداد، لقد قمنا بتجهيز شيء قوى جدًّا، فإذا خرجت الآن، فهذا يعنى أننى لن أرى النتائج الحقيقية.
ما قمنا به أشبه بتجهيز سيارة مرسيدس، ولكننا لم ندخل السباق بعدُ ونحقق الفوز، أنا أرى أننا جاهزون الآن للانطلاق، والانطلاقة الفعلية ستكون فى عام 2025. كما ذكرت سابقًا، لدينا، الآن، نحو 800 دورة تدريبية، ولدينا تحالفات مع نحو 16 كيانًا، ولدينا اعتمادات والكثير من الإنجازات، أصبح لدينا خريجون، ويمكننى أن أرسل لكم تفاصيل عنهم، مع صور لحفلات التخرج التى أقمناها فى الرياض، هذا العام وفى السنة الماضية أيضًا، ومن ثم أصبح لدينا، الآن، أساس قوى يمكننا الانطلاق منه للوصول إلى العالمية حرفيًّا.
● حازم شريف: إذا عدنا إلى النقاط الرئيسية، شركة «المؤشر» تأسست فى 2010، ثم بدأت مبادرة «اعمل بزنس» فى 2017، والتى تحولت فيما بعد إلى شركة بعد ذلك، دخلت فى أنشطة إضافية. بالنسبة لتسلسل الأحداث، بدأنا كشركة واحدة، ولم تكن هناك مجموعة شركات، لكن مع مرور الوقت تطورت الأمور، كيف سارت الأمور، عندما تعلمت وأكملت دراستك للحصول على MBA، بدأت تستخدم هذا العلم فى تنفيذ أفكار جديدة.
محمد الباز: الحمد لله، حاليًّا، بالنسبة لشركة «اعمل بزنس»، رغم كل الحديث عنها، أنا لستُ جزءًا من إدارتها منذ سنة أو سنة ونصف تقريبًا، أعتقد أن جزءًا من نجاحها يعود إلى أننى تركت إدارتها.
الفريق الموجود الآن أصبح لديه طموح كبير لتوسيع النشاط. على سبيل المثال، لم يعد الأمر مقتصرًا على العمل من مصر، بل أصبح لديهم طموح لفتح فروع بالسعودية، وتأسيس كيانات قانونية هناك، والاستفادة من قوانين الاستثمار الجديدة، مما أسهم فى توسيع نطاق العمل بشكل كبير.
فى عام 2020، كنت أفكر، منذ وقت طويل، فى موضوع الأكل الصحى لأسباب شخصية، وعلى الرغم من أن 2020 كان عامًا مليئًا بالتحديات ولم يكن هناك مجال للعمل سوى فى البرمجيات، لكننا استمررنا فى العمل على “المؤشر للتطوير العقاري”، وهى شركة عقارية تقليدية جدًّا.
● حازم شريف: إذا عدنا بالتسلسل الزمني، فى 2010 بدأت مع «المؤشر للبرمجيات»، وفى 2017 بدأت «اعمل بزنس»، فماذا كان النشاط الثالث؟
محمد الباز: النشاط الثالث كان فى 2016؛ وهو «المؤشر للتطوير العقاري».
● حازم شريف: مهندس اتصالات، لديه عمل وشركات ناجحة ومقيدة بالبورصة، ثم فكر فى الجلوس على منصات التواصل الاجتماعى وصناعة محتوى يتطور فيما بعد ليصبح مبادرة، ثم تتحول المبادرة إلى شركة ما الذى يجعله فجأة يؤسس شركة تطوير عقاري؟
محمد الباز: هذا جزء من التنوع، وجزء من أن هناك مسألة شخصية تخص زوجتى، فهى مهندسة ميكانيكا، ترتكز بشكل كبير جدًّا فى موضوع التطوير العقارى وبدأنا النشاط بالتسويق فقط، ثم أخذنا أراضى لنطورها، لكن كما أقول، الموضوع كانت زوجتى هى المتولية له، حاليًّا هى مديرة التطوير بشركة «اعمل ببزنس»، لكن الموضوع كله فكرة كانت تتعلق بتنويع النشاطات؛ لأن كل الأنشطة كانت أونلاين «هوا يعني»، فأردنا شيئًا مثل العقارات يحتوى على أصول ملموسة، ومن هنا جاءت التجربة، وتم تأسيس «المؤشر للتطوير العقاري».
● حازم شريف: كم رأسمال الشركة وحجم مشروعاتها؟
محمد الباز: الشركة تعمل برأسمال نحو 25 مليون جنيه، وتقوم بشراء الأراضى وتطويرها، ولدينا نحو 25 أو 30 قطعة أرض، تم تسليم أجزاء منها، مثل 10 عمارات، وهكذا، الأمور ليست معقدة، الشركة ببساطة تأخذ الأرض، تبنى العمارة، وتُسلِّمها.
● حازم شريف: هل للشركة نية فى التوسع؟
محمد الباز: ليست لديها نية للتوسع الكبير، لكنها تعمل بخطى ثابتة فى تطوير عدد من المشاريع وتسليمها، دون الدخول فى فلسفات أو تعقيدات كثيرة.
ونرى أن بداية أى مشروع تجارى تكون غير واضحة النهاية، أنا مقتنع بهذا، يعنى الشخص الذى يقول إنه عندما بدأ أول خطوة كان يرى أن المشروع سيكون عالميًّا، لا أعتقد أن هذا النوع من الرؤية دائمًا واقعي.
بالنسبة لي، لا أستطيع التفكير بهذه الطريقة، الأمر يتعلق بالتطوير والوقت، فمع الوقت والتجربة تتضح الأمور تدريجيًّا.
● حازم شريف: تاريخيًّا، فى عام 2016 أسست شركة بمجال العقارات، وفى 2017 بدأت العمل فى «اعمل بيزنس» بشكل أكثر توسعًا، مع الحفاظ على استمرارية مشروع «المؤشر»، فما قصة «healthy & tasty»؟
محمد الباز: دائمًا كنت مفتونًا بمجال اللياقة البدنية، والتغذية، والصحة بشكل عام، هذا الاهتمام ينبع من تجربة شخصية؛ والدي، رحمه الله، تُوفى عن عمر 39 عامًا بسبب مرض السكري، وكان يعانى مشاكل صحية أخرى، فى ذلك الوقت لم تكن هناك بدائل غذائية مناسبة أو توعية كافية حول أهمية التغذية الصحية.
فى عام 2016، أطلقت صفحة على الإنترنت كانت مخصصة للتوعية بالتغذية الصحية تحت اسم ««healthy & tasty، لم أكن أنا من يقدم المحتوى، بل أختي، وهى طبيبة متخصصة فى التغذية، كان المحتوى بسيطًا جدًّا، لكنه كان مباشرًا ومفيدًا، فوجئنا بردود فعل إيجابية جدًّا من الجمهور.
أيضًا، كنت فى العام نفسه (2010) قد شاركت مع أحد الأصدقاء فى فكرة مشروع متعلق بالأكل الصحي، المشروع كان عبارة عن مطعم صغير يقدم أكلات صحية، الفكرة نجحت بشكل كبير، واليوم هذا المشروع يمتلك أربعة فروع، وما زال يعمل بنجاح.
فى عام 2020، قررنا الدخول بشكل أكثر جدية فى هذا المجال، قمنا بالتعاقد مع مصنع لإنتاج مجموعة متنوعة من المنتجات الطبيعية، وبدأنا إنشاء كيان جديد سمّيناه « «healthy & tastyفى البداية، افتتحنا سبعة فروع مباشرة مع انطلاق المشروع، لكن تزامن يوم الافتتاح مع فرض الإغلاق الكامل بسبب جائحة كورونا.
رغم هذا التحدي، رأيت أن أزمة كورونا كانت فرصة أكثر منها عائقًا، فى تلك الفترة ازداد وعى الناس بأهمية الأكل الصحي؛ لأنه كان مرتبطًا بتعزيز المناعة، ومعرفة الناس بأن المناعة تأتى من التغذية السليمة وممارسة الرياضة والنوم الجيد جعلتنا نواصل العمل والتوسع.
بدأنا بـ35 منتجًا فقط فى عام 2020، لكن اليوم، بعد العمل والتطوير، أصبح لدينا نحو 2000 منتج مختلف، بالإضافة إلى سبعة فروع تعمل بكامل طاقتها.
● حازم شريف: كم رأسمال الشركة؟
محمد الباز: رأسمال الشركة فى البداية كان نحو 10 ملايين جنيه، لكن اليوم وصلنا إلى تقييم يقارب مليار جنيه، هذا يعكس تطورًا كبيرًا على مدار السنوات.
بالنسبة للتوسع، لدينا حاليًّا نحو 55 فرعًا داخل مصر، وزادت مبيعاتنا بشكل ملحوظ كل عام. على سبيل المثال، فى العام الماضى 2024، أعتقد أن مبيعاتنا بلغت نحو 250 مليون جنيه.
● حازم شريف: كم رأسمالها الحالي؟
محمد الباز: حجم ما تم ضخه من استثمارات حتى الآن يصل إلى نحو 600 مليون جنيه.
● حازم شريف: هل لديكم قروض؟
محمد الباز: لا.
● حازم شريف: هل لديك شركاء؟
محمد الباز: لدينا شركاء مستثمرون من السعودية ومصر.
● حازم شريف: كم تملك من الشركة؟
محمد الباز: نحو %80 منها، وهدفنا الأساسي، خلال السنوات الماضية، كان تحويل المنتجات إلى خيارات صحية، مع الحفاظ على الطعم الجيد والتكلفة المعقولة، نحن نؤمن بأن الطعام الصحى يجب ألا يكون طعمه سيئًا أو مكلفًا جدًّا.
● حازم شريف: من يقرر أن الطعام صحى وأنه ذو طعم جيد؟
محمد الباز: لدينا قسم للبحث والتطوير يضم أطباء متخصصين يعملون على تقديم منتجات مبتكرة وصحية، كما أن لدينا قسمًا لخدمة العملاء، ونحرص دائمًا على تلبية احتياجات عملائنا من خلال التواصل المستمر معهم، حتى لو استغرق الأمر ساعات طويلة لإيجاد الحلول المناسبة.
فى إحدى المرات، تعاملت مع عميل مصرى مقيم بالولايات المتحدة الأمريكية، حيث التقينا فى دبي، وقضينا خمس ساعات كاملة لنناقش فكرة واحدة: كيف يمكننا تطوير العصير الذى نقدمه؟ كان العصير الذى نصنعه صحيًّا بنسبة %95، لكن الهدف كان أن نجعله %100 صحيًّا، العميل كان مستعدًّا بشكل كبير، ويمتلك معلومات قوية جدًّا لأن مجال عمله الأساسى فى الولايات المتحدة يركز على المواد الخام وتصنيعها.
التحدى لدينا كان مرتبطًا بتجنب استخدام أى نسبة من المواد الحافظة فى العصير، لقد أصر العميل على أن العصير يجب أن يكون طبيعيًّا بالكامل، فطرحنا سؤالًا: كيف يمكننا تحقيق ذلك؟ وكانت الإجابة تكمن فى استخدام تقنية تفريغ الهواء من العصير بالضغط، وهى تقنية متوفرة فى بعض المصانع بمصر، وبالفعل قمنا بتطبيق هذه الفكرة، ونجحت التجربة، وتمكّنا من إنتاج عصير صحى بنسبة %100.
من وجهة نظرى المتواضعة، منذ بداية عملى وحتى اليوم، كنت أعتقد أن نسبة %95، أو حتى %97 أو %98، مقبولة جدًّا، لكن مع مرور الوقت ومع تفاعلنا مع العملاء وخبراتهم، تلقيت نصائح وإرشادات قيِّمة دفعتنا إلى السعى لتحقيق الكمال.
فى أحد الحوارات مع العميل، سألته: “إذا كانت هذه الطريقة موجودة، فلماذا لا تُستخدم بشكل شائع فى المصانع؟” فأجابنى بأن المصانع اعتادت منذ عقود، ربما منذ 40 أو 50 عامًا، استخدام مواد معينة، كانوا يظنون أن عدم استخدام هذه المواد سيؤدى إلى فساد العصير.
وعندما بدأنا تطبيق الطريقة الجديدة فى المصانع التى نتعامل معها، أخبرونا أن الأمر سيكون على مسئوليتنا نحن، ورفضوا تحمُّل أى تبِعات، وبالفعل واجهنا فى البداية بعض التحديات، حيث فسدت بعض الكميات بسبب تجربة الأسلوب الجديد، لكن مع التجربة والخطأ وتصحيح الأخطاء، تمكنا من تحقيق هدفنا فى إنتاج عصير طبيعى وصحى بالكامل.
وأصبح لدينا، الآن، 75 فرعًا، ونحن موجودون فى سبع دول، حيث ندير بأنفسنا فروعنا فى ثلاث دول، ونصدِّر منتجاتنا إلى أربع دول أخرى من خلال وكلاء.
● حازم شريف: هل لديك مصنع أم تصنع عند الغير؟
محمد الباز: الانتاج يتم عن طريق الشراكة مع مصانع أخرى، ولا أرى فى ذلك أى عيب، بل على العكس، أرى أن هذا الأسلوب مناسب جدًّا للنمو، نحن نُصمم منتجاتنا، نُجرى تجاربنا، ثم نتعاقد مع مصانع لإنتاجها بالجودة التى نطلبها، ونضمن توريدها لفروعنا بشكل دقيق.
● حازم شريف: فيما يتعلق بالفروع، لديك 75 فرعًا، ما توزيعتها؟
محمد الباز: موزعة كالتالي: 55 فرعًا داخل مصر، و20 فرعًا خارجها فى السعودية والإمارات. بالإضافة إلى ذلك، نقوم بتصدير منتجاتنا إلى الدول الأخرى من خلال وكلاء يتولون توزيعها على الأسواق والسوبرماركت.
وصلنا حاليًّا إلى تقديم ما بين 60 و70 منتجًا مختارًا بعناية للتصدير، وضِمن خططنا لعام 2025، نطمح للتوسع فى أوروبا وبعض دول جنوب شرق آسيا، بل آسيا بشكل عام، هدفنا هو الوجود فى نحو عشر دول، فى المستقبل.
فى البداية، كنا نعتقد أن كل دولة ندخلها يجب أن نوجد فيها بأنفسنا، لكننا أدركنا أن هذا النهج مكلِّف وغير عملي، لذا قمنا بتغيير إستراتيجيتنا لتركز على انتشار منتجاتنا فى الأسواق المحلية بتلك الدول، بدلًا من الاكتفاء بالفروع الخاصة بنا.
الفكرة الأساسية التى نعمل عليها الآن هى أن منتجاتنا يجب ألا تقتصر على الوجود داخل محلاتنا، مهما قمنا بفتح فروع جديدة، لن نحقق الانتشار الواسع الذى نطمح إليه، هدفنا أن تكون منتجاتنا متوفرة فى آلاف المواقع، وليس فقط فى عشرات الفروع.
● حازم شريف: متى تبيع المنتجات الخاصة بك من خلال فروعك؟ ومتى تبيع المنتجات فقط عبر آخرين؟
محمد الباز: بصراحة، الأمر ممكن أن يكون فى مصر بأننا موجودون وعملنا كبير فى المحلات، وهذا يجعلنا نركز أكثر على فروعنا، لكن الفكرة نفسها، إذا أردنا أن ننقل هذا العمل إلى دول أخرى، فسيستغرق ذلك سنوات طويلة، أما إذا دخلت السوق بصفتك منتجًا فقط، فقد تتمكن من تغطية أى دولة خلال ثلاثة أو أربعة أشهر.
اليوم، عندما يكون لدينا منتجات واضحة خاصة بنا ونتمكن من السيطرة عليها، يبدأ يظهر أمامنا مجال أو بديل للتوسع؛ بمعنى أن يكون لدينا توزيع دائم بحيث تكون المحلات الخاصة بنا تحتوى على كثير من المنتجات، لكنْ عندما نفكر فى التوزيع، لا أتصور أننا يمكننا توزيع منتجات معينة فى مصر بسهولة.
هناك منتجات تحتاج إلى عناية معينة، وشكل معين يجعلنا لا نتمكن من وضعها فى محلات أخرى، وهكذا هناك منتجات كثيرة لا يمكننا فعل ذلك بها، مثل المخبوزات، والآيس كريم.
حتى عندما نكون فى الخارج، كما أخبرتك، اخترنا نحو 60 أو 70 منتجًا فقط، لأنها مناسبة للتوزيع الخارجى. المشكلة فى المنتجات الصحية أنها لا تحتوى على مواد حافظة، من المفترض أنها لا تحتوى على مواد حافظة، ومن ثم تكون صلاحيتها قصيرة، ويجب استهلاكها بسرعة.
هذا ما يجعل هناك الكثير من الأماكن لا تقدم طعامًا صحيًّا أو تصنع طعامًا صحيًّا؛ لأن المسألة تحتاج إلى سرعة، هذه الفلسفة بدأت منذ السبعين عامًا الأخيرة، فى الماضى منذ 70 عامًا، كان الناس يصنعون الطعام ويأكلونه فى المكان نفسه.
لم تكن هناك ثلاجات، ولم تكن هناك صناعات غذائية مثل اليوم، لكن مع ظهور الثلاجات والصناعات الغذائية، أصبح من الضرورى إضافة مواد حافظة وألوان ومُحسّنات للطعم والجودة، وهذا ما تسبَّب فى ظهور السرطان والسكر والضغط، نتيجة المواد الكثيرة التى تُضاف للطعام.
● حازم شريف: هل فتحت العمل بنظام الفرنشايز أم لا؟ إذا كنتُ مواطنًا فى الكويت، مثلًا، وأحببتُ فكرتك بعدما رأيتها على السوشيال ميديا، أو زرتُ مصر وأعجبنى الأمر، فهل يمكننى التعاون معك؟
محمد الباز: نعم، يمكنك، فى الحصول على المنتجات، لكن فيما يتعلق بالفرنشايز لا، حتى الآن، وهذا ليس ضمن أولوياتنا حاليًّا.
أولوياتنا الآن هى أن نغطى أكبر مساحة ممكنة بمنتجاتنا، هذا الهدف سيكون إن شاء الله فى عام 2025، نحن مشاركون فى معرض «جلفود» كعارضين.
● حازم شريف: لماذا لم تتمكن من التواجد فى العام الماضي؟
محمد الباز: لم تكن هناك أماكن متاحة، تخيل أننا كنا قد دفعنا الأموال مسبقًا قبل المعرض السابق، فقط لنضمن مكانًا بمجرد أن يصبح متاحًا، لكن لم نتمكن من ذلك، والحمد لله هذا العام وُفِّقنا.
لدينا، الآن، قسم تصدير منذ عام 2024، وهو يعمل على تحقيق هدفنا المتمثل فى الوصول بمنتجاتنا إلى 40 دولة بحلول عام 2025، والأهم من ذلك أن تكون هذه المنتجات ناجحة ومستقرة بالأسواق، بحيث يتم طلبها مرة أخرى؛ لأن مجرد التصدير إلى دولة لا يعنى النجاح. إذا لم يطلب العميل المنتَج مرة أخرى، فهذا هو التحدي.
● حازم شريف: هل تَعدُّ الأكل الصحى مشروعًا تقليدياً كلاسيكياً أم رياديًّا؟
محمد الباز: صحيح أنه مشروع تقليدي، لكنه يحمل جوانب ريادية، فهو يقع فى منطقة بين الكلاسيكى وغير التقليدي، وهذا ما يجعله مميزًا.
حتى عندما كنا فى معرض «جلفود» السابق، ولم نكن عارضين، كنا موجودين فقط لبناء علاقات مع الآخرين، وبدأنا نلاحظ أن الناس يقدِّرون منتجاتنا، ليس فحسب على مستوى مصر، لكن على مستوى المنطقة بأكملها.
وفى وقت لاحق، عندما بدأنا نتلقى اهتمامًا من دول مثل ألمانيا، وأستراليا، وأمريكا، وكندا، وسمعنا منهم تعليقات إيجابية عن منتجاتنا، أدركنا أننا نصنع شيئًا متميزًا يمكن أن ينافس عالميًّا.
● حازم شريف: فإذا قمت بعمل منتَج مميز، سينتشر بسرعة؟
محمد الباز: بالتأكيد، هذا صحيح، الحمد لله، نحن نستخدم ستيفيا بديلًا للسكر، ولا نستخدم الأسبرتام أو المواد التى قد تحتوى على أضرار.
و”الستيفيا” بديل طبيعى للسكر، وهو مفيد جدًّا لمرضى السكر، والحمد لله تمكّنا من الوصول إلى مرحلة متقدمة جدًّا، حيث كان طعم الستيفيا قديمًا يتسم بمرارة عالية، لكن، الآن، بفضل التطوير، أصبح الطعم أفضل بكثير، والحمد لله تجاوزنا تلك المشكلة.
وهذه الإصدارات الأخيرة أدخلتنا أسواقًا ومناطق جديدة لم نكن نتوقعها، ووفرت لنا قفزة كبيرة للأمام خلال سنتين أو ثلاث سنوات، السبب أننا قدمنا منتجًا عالميًّا، سواء من حيث الطعم أم الكفاءة أم التأثير الصحي.
يمكن لبعض الأشخاص قياس مستويات السكر قبل وبعد تناول المنتَج، وسيلاحظون التأثير الإيجابي.
● حازم شريف: ماذا عن المبيعات؟
محمد الباز: الحمد لله، المبيعات كانت كبيرة جدًّا، وتحديدًا فى أول ستة أشهر.
على سبيل المثال، فى الأسواق السبع التى دخلناها، حققنا مبيعات تصل إلى 10 ملايين عبوة من الكولا الصحية بالنسبة لنا هذا الرقم كبير، والناس أيضًا يرونه إنجازًا جيدًا.
لكن التحدى الحقيقى هو الاستمرارية؛ لأننا لم نقدم فحسب منتجًا منافسًا للعلامات التجارية العالمية، بل قدمنا بديلًا صحيًّا ومتفوقًا.
عندما نتحدث عن منتجنا الكولا الصحية فى السعودية أو مصر يُعدّ الوحيد الذى يعتمد على الستيفيا. فى السعودية، على سبيل المثال، نبيع المنتج بسعر 2.5 ريال، بينما المنافس الوحيد؛ وهو منتج يوناني، يباع بسعر 6 ريالات.
لذلك، هذه المرة نحن نضع أنفسنا فى مقارنة مع منتجات عالمية، ونقول للناس: لقد صنعنا شيئًا مميزًا.
أما فى منتجات أخرى، مثل الآيس كريم، فقد قمنا بجولة فى عدة دول: إيطاليا، وألمانيا، وتركيا، ودول الخليج. وأستطيع القول إن المنتجات التى نصنعها بالكفاءة والجودة التى لدينا ليست موجودة بأى من هذه الأسواق.
و”هيلثى آند تيستي” لديها مصنع واحد، لكن تم إنشاء شركة منفصلة له.
● حازم شريف: لماذا قمت بإنشاء شركة منفصلة؟
محمد الباز: السبب يعود إلى عدة أمور، مثل تسهيل دخول الشركاء، وتحقيق الاستقلالية، إلى جانب عوامل أخرى كثيرة. على سبيل المثال، لدينا شركة متخصصة فى التشطيبات؛ وذلك لخدمة الفروع، كما أنها تُعدّ امتدادًا لأنشطتنا الأخرى، وهو ما يُكمل عملنا بشكل عام.
كما ذكرتُ سابقًا، هناك أنشطة رئيسية معروفة للناس وناجحة، لكن قد توجد أنشطة أخرى ناجحة، لكنها ليست معروفة، وقد يحدث أن تظهر بعض المشاريع ثم تختفي.
وأحاول أن أكون متفرغًا بشكل كامل لـ«هيلثى آند تيستي»، وأبتعد عن إدارة بقية الأنشطة؛ لأننى أرى أن تركيزى الأكبر يجب أن يكون على هذا النشاط تحديدًا.
لديَّ مهارة أَعدُّها أساسية؛ وهى قدرتى على بدء المشاريع وتجاوز الفترات الصعبة فى بدايتها، لكن بعد أول ثلاث إلى خمس سنوات، أحتاج إلى شخص يتولى إدارة النشاط ويعمل على تطويره، أنا لستُ متأكدًا تمامًا مما يعنيه هذا الأمر بالتحديد، لكن بالنسبة لى أراه أمرًا صحيًّا ومفيدًا، أودُّ توضيح ذلك من خلال مثال من حياتى العملية، عندما غادرت «اعمل بيزنس» التى كنت جزءًا منها، لاحظت أنهم بدأوا اتخاذ خطوات كبيرة وإستراتيجية جدًّا، مما ساعدهم على تحقيق تقدم هائل والوصول إلى نجاحات كبيرة.
هذا الأمر يعكس نقطة مهمة يجب أن يتوقف عندها أى شخص؛ أن يكون مدركًا جيدًا لما يجيده وما لا يجيده، كلما طالت مدة بقائك فى المنصب أو إدارتك مشروعك الخاص، قد يؤثر ذلك على كفاءتك واستمرارية الشركة.
● حازم شريف: معنى ذلك أنك ترى أن مهارتك الرئيسية أن ترى الفكرة، وتعمل على تأسيسها خطوة خطوة أو حتى سريعًا، وتواجه تحديات المراحل الأولى، أكثر من أن تدير مراحل النمو الكبيرة، وهو ما قد يتطلب أشخاصًا آخرين متخصصين فى هذه المرحلة. سؤالى الأخير، إلى أى مدى استفدت من وسائل التواصل الاجتماعى فى البيزنس، أنت تعرف أن هناك موجات الآن تركز على الاهتمام ببناء العلامات التجارية الشخصية، إلى أى مدى هذا صحيح؟
محمد الباز: أنا أراها سلاحًا ذا حدين؛ لأنها أحيانًا كثيرة تضغط عليك بالسوشيال ميديا، يُقال لك: “كيف تقول هذا؟” وأنت، على سبيل المثال، قد تكون جالسًا مع أحدهم وتقول له شيئًا معينًا، حتى لو كان موظفًا بالشركة معى أو مديرًا أو ما شابه، تقول له: “لا يصح أن تفعل ذلك،” فيردُّ عليك: “لا، لقد قرأت مرة عندك أو أنك قد كتبت أن علينا أن نفعل كذا”.
لذا يمكن أن تكون السوشيال ميديا مفيدة فى مراحل معينة، وأنا أرى أنها أفادتنى كثيرًا فى العمل التجاري؛ لأن الناس تعرَّفوا على مشروعى من خلالها، وهناك بعض الأشياء الأخرى أيضًا، أنا أرى أن فكرة أن تقوم بالنشر لمجرد النشر، هذه فكرة خاطئة، يجب أن تكون مدركًا لما تريد أن تفعله.
من وجهة نظرى الشخصية، عندما كنت أبدأ أو أعمل على ما كنت أفعله، كنت أسعى لتقديم شيء مفيد للناس الذين يتابعونني، سواء أكان علمًا أم معرفة قيِّمة، أعنى شيئًا ذا قيمة يمكن الانتفاع به، أما إذا كنت تريد أن تكون معروفًا فقط بالمجال الذى تعمل فيه، فأرى أن ذلك سيشكل عبئًا كبيرًا جدًّا عليك.
على سبيل المثال، من الأمور التى يُقال إنها تساعد على زيادة المتابعين أن تكتب أثناء الأحداث الجارية أو ما يُسمى الترندات. أنا، شخصيًّا، ضد هذا تمامًا، لم أكتب يومًا فى أى «ترند»، إذا كنت أرغب فى إيصال معلومة، أوصِّلها، حتى لو كانت متعلقة بـ«ترند»، لكن أوصِّلها بعد انتهائه، لماذا؟ لأننى لا أرغب فى أن أكون مجرد جزء منه.
● حازم شريف: إذا كان «الترند» له علاقة بك أو بمجالك، فهذا مقبول، أما إذا لم تكن له علاقة بك، فلا. فى النهاية، على سبيل المثال، إذا كنت فى مجال الإدارة أو واجهت مشكلة مالية بإحدى الشركات، وكان هذا الموضوع «ترند»، فيمكن أن تتم مناقشته من هذا المنطلق.
محمد الباز: منذ نحو سنتين تقريبًا، كنت أرى أننى فى الفترة من 2012 إلى 2022 قد تحدثت كثيرًا جدًّا فى الإدارة، وطرحت العديد من الأفكار، حتى إننى وضعت أسماء عشرة أشخاص، كنت أرى، وما زلت، أنهم ظهروا بشكل قوى جدًّا خلال السنوات الخمس الأخيرة، منذ 2017، هؤلاء الأشخاص لديهم كفاءة عالية بمجال الإدارة، فقمت بنشر أسمائهم وقلت: يا جماعة، يجب أن نتابع هؤلاء الأشخاص لأنهم يقدمون شيئًا قيِّمًا.
فى مرحلةٍ ما، كان من المفيد جدًّا أن أكتب؛ لأنه لم يكن هناك أحد آخر يكتب فى هذا المجال أو يعبر عن رأيه فيه، لكن الآن، الحمد لله هناك الكثيرون ممن يتحدثون ويناقشون هذه الموضوعات، لذلك، أحيانًا أكتفى بأن أعمل مشاركة (شير)، أو إعجابًا (لايك) لما يكتبونه، وأرى أنه من الأفضل أن يصل الناس إليهم ويتابعوهم.
لكن، كما قلت لحضرتك: فكرة أن تكون موجودًا لمجرد الوجود على السوشيال ميديا، أراها غير ضرورية. على سبيل المثال، إذا نظرت إلى الأشخاص الذين يتمتعون بمهارات عالية جدًّا فى مجالاتهم، سواء أكانوا لاعبى كرة قدم أم ممثلين، ليس شرطًا أن يكونوا أقوياء على السوشيال ميديا.
أحيانًا أشعر، كما تقول حضرتك، بأن السوشيال ميديا فيها جانب من الابتذال؛ بمعنى أن البعض يعوّض نقصًا معينًا بالظهور المتكرر على السوشيال ميديا، يتحدث طوال الوقت مع الجمهور، ويتناول كل ترند ليعلّق عليه، ويُظهر نفسه بأنه “البطل” أو “الشجاع” أو غير ذلك، أرى أن هذا أحيانًا يكون نوعًا من التعويض عن مشكلة أو ضعف معين.
لكننى مؤمن بأن كل شخص إذا كانت لديه رؤية واضحة، وخط محدد يمشى فيه - كما قلت حضرتك – فإنه ينبغى أن يستمر فى هذا الخط، دون أن يتشتت يمينًا أو يسارًا.
السوشيال ميديا طبعًا مفيدة جدًّا، ومفيدة للغاية، لكن بشرط أن تُستخدم بالشكل الصحيح.
● حازم شريف: سؤالى الأخير عن الشركات: لماذا لا تفكر فى تحويل استثماراتك فيها إلى شركة قابضة؟
محمد الباز: فى الواقع، لكل شركة ظروفها الخاصة، ولكل شركة شركاؤها المختلفون ووضعها الخاص، لذا لا يمكننى الآن، حتى على المدى المتوسط، التفكير فى جمعها تحت كيان «هولدينج». المستقبل قد يحمل تغييرات، لكن حاليًّا، هذا ليس جزءًا من خطتي.
● حازم شريف: وبالنسبة لتسجيل «هيلثى آند تيستي» فى بورصة النيل؟
محمد الباز: لا يزال الأمر قيد الدراسة، ما زلنا نعمل على تعزيز الأرباح بشكل مستدام. وكما تعلم، من شروط الإدراج بالبورصة أن تحقق الشركات أرباحًا جيدة، هناك نماذج دولية، مثل “أوبر” و”تسلا”، التى كانت تسجل خسائر لفترة طويلة، لكنها أُدرجت فى البورصات بسبب هيكلة الأسواق المختلفة والمستثمرين المختلفين. فى مصر لدينا معايير مختلفة، لكن فكرة الإدراج بالبورصة لا تزال على الطاولة.
بدأتُ شركتى الأولى بالجامعة وأدركت أن النجاح يأتى من المخاطرة المدروسة
«اعمل بيزنس» كانت حلمًا صغيرًا وأصبحت أكاديمية عالمية
إطلاق «هيلثى آند تيستي» جاء نتيجة إيمانى بأهمية الغذاء الصحي
مشاريعنا تخدم أكثر من 60 دولة ونخطط للتوسع بأسواق جديدة
فى أول عام لنا بخدمات الإنترنت سجلنا 800 مشترك وزادوا إلى 200 ألف فى عامين
استثماراتى فى البرمجيات وصلت إلى 7 ملايين جنيه برأسمال بدأ بـ200 ألف
