شهد قطاع التأمين فى مصر خلال السنوات الأخيرة تحولًا ملحوظًا، خصوصًا فى مجال التأمين متناهى الصغر، الذى يستهدف المشروعات الصغيرة ومحدودى الدخل ويعزز دمج الاقتصاد غير الرسمى فى الاقتصاد الرسمي.
والتأمين المتوسط والصغير ومتناهى الصغر أحد الأدوات الفعالة لتعزيز الشمول المالى وتحقيق التنمية الاقتصادية فى مصر، من خلال توفير شبكة أمان لأصحاب المشروعات الصغيرة وحمايتهم من المخاطر المحتملة التى قد تعرقل استمراريتهم.
ومن خلال هذا التحقيق نستعرض آراء الخبراء حول أهمية التأمين متناهى الصغر، وأبرز التحديات التى تواجه هذا القطاع، والجهود الحكومية لتطويره، وأهمية الحاجة إلى تكثيف الحملات التوعوية، وتحسين كفاءة تسوية التعويضات ، والاستفادة من التجارب الدولية لتعزيز دوره فى تحقيق التنمية.
فى البداية أوضح الدكتور محمد جودة، رئيس قسم التأمين والعلوم الإكتوارية بكلية التجارة جامعة القاهرة السابق، وعضو لجنة قيد خبراء المعاينة وتقدير الاضرار، ولجنة الخبراء الاستشاريين بالتأمين بالهيئة العامه للرقابه الماليه ولجنة التعليم بمعهد مصر للتامين أن قطاع التأمين المصرى شهد تطورًا ملحوظًا خلال السنوات الخمس الأخيرة، وتم التركيز على تحقيق أهداف الشمول المالى والتأمينى من خلال توفير تغطيات تستهدف المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر مشيرًا إلى أن هذا التوجه يهدف إلى دمج الاقتصاد غير المنظم فى الاقتصاد الرسمي، مما يسهم فى تعزيز التنمية المستدامة.
ولفت إلى أن شركات التأمين بدأت بالتعاون مع الجمعيات الأهلية ومؤسسات التمويل متناهى الصغر لتقديم تغطيات تأمينية متنوعة، مثل التأمين ضد الوفاة والعجز، وتعثر سداد القروض، بالإضافة إلى التأمين على أصول المشروعات ضد المخاطر المختلفة كالحريق والسرقة كما سعت الشركات إلى تحقيق انتشار جغرافى واسع من خلال التعاقد مع جمعيات رجال الأعمال فى المحافظات وتبسيط وثائق التأمين لتناسب الفئات المستهدفة.
وفيما يخص القطاع الزراعي، بين جودة أن العديد من شركات التأمين قدمت تغطيات للمخاطر التى تواجه المحاصيل الزراعية والثروة الحيوانية، بما يساهم فى تعويض الخسائر واستعادة النشاط الإنتاجى كما تم توفير تغطيات للرعاية الصحية من خلال عقود جماعية أو تأمين فردي.
وأكد على أن الهيئة العامة للرقابة المالية بذلت جهودًا كبيرة لتعزيز الشمول التأميني، حيث وضعت تعريفًا واضحًا للتأمين متناهى الصغر وحددت الحد الأقصى للتغطية بـ200 ألف جنيه، مع توسيع قاعدة جهات التوزيع لتشمل الجمعيات الأهلية، ومؤسسات التمويل متناهى الصغر، وبنك ناصر الاجتماعي، والبنوك التجارية والبريد المصرى وحتى شركات الاتصالات كما تم السماح بتوزيع وثائق التأمين إلكترونيًا، ما يساهم فى تحقيق انتشار أوسع للخدمات التأمينية.
وأضاف أن مشروع قانون التأمين الموحد الجديد يضم فصلًا خاصًا بالتأمين متناهى الصغر، بما يسمح بإنشاء كيانات متخصصة تقدم تغطيات شاملة للحياة والممتلكات فى وثيقة واحدة وهذا التوجه يعكس تحولًا نوعيًا فى القطاع ويهدف إلى تسهيل وصول الخدمات التأمينية إلى شرائح جديدة من المجتمع.
ولفت إلى أهمية زيادة الطلب على التأمين من خلال تحسين كفاءة تسوية التعويضات وتكثيف حملات التوعية، خصوصًا فى المناطق الفقيرة كما دعا إلى استغلال القاعدة الشبابية فى الجامعات والمعاهد لترويج المنتجات التأمينية المناسبة لأصحاب الدخول المحدودة.
وفيما يتعلق بالتطور الرقمي، أوضح جودة أن الرقمنة تمثل محورًا رئيسيًا فى توسيع نطاق التأمين إذ تتيح التكنولوجيا إصدار الوثائق إلكترونيًا، وتحصيل الأقساط، وتسوية المطالبات بسهولة وسرعة مشددًا على ضرورة أن تدمج شركات التأمين التحول الرقمى ضمن خططها الاستراتيجية لتلبية احتياجات السوق وتعزيز الشمول التأميني.
وأكد على أن قطاع التأمين يلعب دورًا محوريًا فى تحقيق التنمية المستدامة من خلال حماية المشروعات ودعم التحول الرقمي، ما يعزز دوره كقاطرة تنمية للاقتصاد المصري.
وتحدث جودة عن التجربة الفلبينية التى تُعد واحدة من النماذج الرائدة عالميًا فى تطوير التأمين متناهى الصغر، إذ نجحت فى وضع استراتيجية قومية متكاملة تستهدف تعزيز الشمول المالى والوصول إلى الفئات الأكثر احتياجًا فى المجتمع.
وبين أن هذه التجربة تقوم على محاور رئيسية، تشمل وضع إطار تشريعى متكامل، واستراتيجية توعية وتثقيف، وتبنى نظام مبتكر لفض المنازعات من خلال مراكز التحكيم، مما جعلها تجربة متميزة فى تحقيق أهدافها.
وأشار إلى أن السوق المصرية يمكن أن تستفيد من دروس التجربة الفلبينية، لا سيما فى ربط أقساط التأمين بمستويات الدخل اليومي، وتبسيط المنتجات التأمينية بما يناسب الفئات الأقل دخلًا، بالإضافة إلى استخدام التكنولوجيا لتسهيل توزيع المنتجات وتحصيل الأقساط وسداد التعويضات.
وأكد جودة على أن تطبيق مثل هذه الآليات فى السوق المصرية سيساهم فى توسيع قاعدة المؤمن عليهم وزيادة وعى المجتمع بأهمية التأمين متناهى الصغر، مما يعزز دوره كأداة فعالة لدعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
من جانبه قال إيهاب خضر، وسيط تأمينى وخبير فى الإدارة الإستراتيجية، إن التأمين يعد وسيلة أساسية لحماية المشروعات من المخاطر التى قد تهدد استمراريتها، مثل الحوادث والكوارث الطبيعية والسرقة، مشيرًا إلى أنه يسهم فى الحفاظ على استقرار التدفقات النقدية، مما يتيح لأصحاب المشروعات التركيز على النمو والتوسع بدلًا من القلق من الخسائر المفاجئة.
وأوضح أن التأمين متناهى الصغر مصمم خصيصًا لتلبية احتياجات أصحاب الدخل المحدود والمشروعات الصغيرة، إذ أنه يتميز بأقساط منخفضة وتغطية مبسطة، فضلًا عن سرعة إجراءات التعويض، مما يجعله مختلفًا عن التأمين التقليدي.
وأشار إلى أن التأمين يتيح تعويضًا ماليًا سريعًا فى حال حدوث أزمات مثل الحرائق أو الكوارث الطبيعية، مما يحمى المشروع من الإغلاق أو تراكم الديون، لافتًا إلى أنه يمكن أن يشمل تغطية أصول المشروع، والمعدات، وحتى الدخل المفقود خلال فترة التوقف.
وأكد على أن وجود التأمين يضمن شبكة أمان مالى تدعم أصحاب المشروعات فى استعادة نشاطهم بعد أى أزمة، مما يعزز الاستقرار ويمنح الثقة فى مواجهة التحديات.
وشدد على أن الوعى بأهمية التأمين لا يزال محدودًا بين أصحاب المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر، بسبب نقص المعرفة أو اعتقادهم بأنه مكلف أو غير ضروري.
وفيما يتعلق بمدى معرفة أصحاب المشروعات بمنتجات التأمين المتاحة، أوضح خضر أن الغالبية منهم يفتقرون للدراية بالخيارات المتوفرة أو كيفية الاستفادة منها، مؤكدًا على أهمية دور الشركات والوسطاء فى توعية هذه الفئة وتبسيط المفاهيم لهم.
وحول كيفية تقليل تكاليف التأمين لتناسب المشروعات الصغيرة، بين أن الشركات تقدم خطط تأمين مرنة بأسعار مناسبة، مثل الأقساط الشهرية الصغيرة أو تصميم وثائق تغطى الاحتياجات الأساسية فقط.
وأضاف أن التحديات التى تواجه أصحاب المشروعات تشمل نقص التمويل، وصعوبة الحصول على التأمين المناسب، وقلة المعرفة بالخيارات المتاحة، وتعقيد بعض إجراءات التأمين.
ونوه خضر إلى المبادرات الحكومية لدعم هذه الفئة، موضحًا أن الدولة بدأت بالفعل فى دعم المشروعات الصغيرة من خلال مبادرات مثل جهاز تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة، الذى يقدم برامج تمويل ويشجع الشركات على تطوير منتجات موجهة خصيصًا لهذه الفئة.
قال مصدر تأميني بارز، على أهمية التأمين للمشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر فى الحفاظ على مقومات أنشطتها، خصوصًا عند التعرض للأخطار مثل الحرائق والسطو وخيانة الأمانة.
وأوضح أن التأمين يلعب دورًا حيويًا فى حماية أصحاب هذه المشروعات من المخاطر المالية المفاجئة، والتى قد تؤدى إلى انخفاض مقومات المشروعات أو تعرضها لخسائر كبيرة لافتًا إلى أن الهدف الأساسى من هذه الحماية هو ضمان استمرارية واستدامة المشروعات من خلال مواجهة تلك الخسائر.
وأشار إلى أن التأمين يساهم فى إعادة المشروعات إلى وضعها الطبيعى بعد تعرضها لأى خسائر، ما يدعم استقرارها ويساعدها على مواصلة نشاطها دون توقف.
وقال، إن هناك العديد من المبادرات التى تستهدف دعم قطاع التأمين لهذه الفئة موضحًا أن الحكومة بدأت فى تنفيذ برامج ائتمانية موجهة لأصحاب المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر، مثل مبادرة البنك المركزى لدعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وكذلك مبادرة دعم المشروعات الزراعية.
ولفت إلى أن هذه البرامج تتميز بتقديم أسعار فائدة منخفضة، بهدف دعم توطين الصناعة المحلية، وخفض الاعتماد على إستيراد المنتجات بما يسهم فى تقليل الفاتورة الدولارية كما تشجع العملاء على تحسين جودة منتجاتهم بما يمكنهم من المنافسة فى الأسواق.
وأضاف أن شركات التأمين تسعى باستمرار للتأمين على هذه البرامج الموجهة، وبأسعار تنافسية، بهدف دعم المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر وحمايتها من المخاطر المحتملة، وهو ما يسهم فى تعزيز استمرارية هذه المشروعات وتطويرها.
وأكد أن هذا التوجه يأتى ضمن جهود الجمعية لتعزيز مفهوم التأمين كأداة دعم اقتصادى واجتماعى لأصحاب المشروعات الصغيرة، بما يدفع نحو تحقيق التنمية المستدامة.
وبين، أن أصحاب المشروعات الصغيرة والمتوسطة يواجهون العديد من التحديات الاقتصادية الراهنة لافتًا إلى أن الركود والكساد فى الأسواق يشكلان ضغطًا كبيرًا عليهم، حيث يؤديان إلى انخفاض مستويات الدخل.
وأضاف أن التضخم والظروف الاقتصادية التى تمر بها البلاد من أبرز العقبات التى تعوق نمو واستدامة هذه المشروعات.
وأشار إلى أن ارتفاع فوائد الإقراض يمثل تحديًا إضافيًا، خصوصًا فى ظل تراجع حجم المبيعات بالسوق مؤكدًا أن هذه العوامل مجتمعة تزيد من الضغوط على أصحاب المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وتحد من قدرتهم على المنافسة والتوسع.
وفيما يتعلق بمواجهة المخاطر التى قد تتعرض لها هذه المشروعات، شدد مكارم على أهمية دور التأمين كوسيلة رئيسية لحماية مصادر الدخل ومقومات النشاط.
وأوضح أن وجود التأمين يتيح لأصحاب المشروعات استرداد قيمة الأضرار والخسائر، مما يساعدهم على استمرارية أنشطتهم وتحقيق الاستدامة.
وشدد على أن التأمين لا يقتصر دوره على تغطية الخسائر فقط، بل يسهم فى تعزيز ثقة أصحاب المشروعات بقدرتهم على تجاوز التحديات الاقتصادية، ودفع عجلة التنمية فى السوق المحلية.
وأكد أن التأمين يلعب دورًا حيويًا فى حماية مقومات نشاط المشروعات الصغيرة والمتوسطة ضد المخاطر التى قد تتعرض لها، مثل الحريق، والسطو، والحوادث، والنقل.
ونوه إلى أن غياب التأمين يعرض هذه المشروعات لخسائر فادحة، فى حين أن وجوده يضمن تغطية تلك المخاطر، مما يتيح إعادة النشاط إلى حالته الأصلية، ويعزز من استمراريته واستدامته.
وأشار إلى أن التأمين متناهى الصغر يستهدف شريحة واسعة من العملاء التى تفتقر فى الغالب إلى الوعى التأميني.
وأوضح أن الهيئة العامة للرقابة المالية حددت سقف مبلغ التأمين لهذه الفئة بـ 250 ألف جنيه، وهو ما يتناسب مع طبيعة المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر.
وأضاف أن هذه الشريحة تعد الأكثر عرضة للمخاطر التى تؤثر على الممتلكات والأفراد، مثل الحرائق والحوادث.
وبين أن العديد من شركات التأمين تتردد فى تقديم خدمات لهذه الفئة نظرًا لعدم توفر قاعدة بيانات واضحة تمكنهم من تحديد المخاطر بدقة، بالإضافة إلى أن تكلفة التأمين لهذه الفئة تكون منخفضة لتتناسب مع إمكانياتهم.
وتطرق إلى أن الشركات تتردد فى تقديم التأمين لهذه الفئة لاعتقادها بعدم تحقيق أرباح كافية من هذا النوع من الخدمات، وهو ما يستدعى جهودًا مكثفة لتوعية العملاء بأهمية التأمين كوسيلة أساسية لحماية أنشطتهم وتعزيز استدامتها.
وتابع، بأن معظم أصحاب المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر لا يمتلكون وعيًا كافيًا بمنتجات التأمين المتاحة فى السوق.
وأوضح أنه فى كثير من الأحيان لا يدرك العملاء أهمية هذه المنتجات إلا بعد تعرضهم لحوادث أو أخطار يتم من خلالها تعويضهم، وهو ما يسهم فى تعريفهم بالتأمين وفوائده ويخلق خبرة لديهم مع شركات التأمين ومع المجتمع الذى يعملون فيه.
وبين أن هناك دورًا محوريًا للوسطاء ومنتجى التأمين فى توعية أصحاب المشروعات بمنتجات التأمين والتغطيات المتاحة التى يمكن أن تحميهم من المخاطر المحتملة.
وأشار إلى أن التعامل مع البنوك يعزز هذا الدور، حيث يتطلب الأمر غالبًا وجود وثائق تأمينية تكملية تضمن حماية أنشطتهم واستدامتها، خصوصًا فى حالة وقوع أخطار قد تؤثر على النشاط.
وشدد على أن التأمين يضمن استمرارية النشاط ويحمى العملاء من التعثر المالى ويعزز استدامة المشروعات من خلال تعويض الخسائر الناتجة عن الأخطار، مما يتيح لأصحابها مواصلة أنشطتهم بشكل طبيعي، مع الحفاظ على استقرار الائتمان الممنوح لهم من البنوك.
وأكد مكارم على أن تعزيز الوعى التأمينى لدى أصحاب المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر يُعد ضرورة لضمان استدامة هذه الأنشطة، ودعم الاقتصاد المحلى بشكل أكثر كفاءة واستقرارًا.
جودة: وصوله إلى شرائح جديدة يعزز دوره كقاطرة للاقتصاد
خضر: نشاط يبعث الثقة فى مواجهة التحديات ويحمى من الإغلاق وتراكم الديون
مكارم: هناك العديد من المبادرات التى تستهدف دعم هذه الفئة
