قطاع التأمين يراهن على الاستدامة في مواجهة مخاطر المستقبل

Ad

تفرض التغيرات المناخية والمخاطر البيئية المتزايدة تحديات جديدة على مختلف القطاعات الاقتصادية، خصوصًا قطاع التأمين الذى يجد نفسه فى مواجهة ضرورة التكيف مع هذه المتغيرات لضمان استدامته.

وأصبح من الواضح أن الاعتماد على النماذج التقليدية للتأمين لم تعد كافية لمواكبة التحديات الحديثة، بل يتطلب الأمر تطوير استراتيجيات مبتكرة ومنتجات تأمينية جديدة تلبى احتياجات السوق المتغيرة.

وفى هذا السياق، يظهر دور الاستدامة كمحرك أساسى لتوجيه القطاع نحو المستقبل، من خلال تبنى معايير البيئة والمجتمع والحوكمة “ESG” وتطبيقها فى جميع جوانب العمل.

ومن خلال هذا التحقيق، تستعرض “المال” آراء عدد من الخبراء فى القطاع التأمينى حول كيفية تعزيز الاستدامة وتطوير منتجات تأمينية مبتكرة قادرة على مواجهة المخاطر البيئية المتزايدة، إضافة إلى دور الحكومة فى دعم هذا التحول من خلال التشريعات والبرامج التدريبية المتخصصة.

آثار التغير المناخي

فى البداية أكد الدكتور جمال شحاتة، رئيس لجنة التعليم فى المعهد المصرى للتأمين وعميد كلية التجارة السابق أستاذ الاستراتيجيات الدولية بجامعة القاهرة، أن مفهوم الاستدامة يرتبط بقوة بقضايا المناخ، حيث تتسبب التغيرات المناخية فى اضطرابات عالمية كبيرة مشيرًا إلى أهمية مؤتمر الأطراف السنوى COP كمنصة لمناقشة هذه القضايا، مستشهدًا باستضافة مصر والإمارات مؤتمر COP 27 وcop 28 على التوالي.

وأوضح أن قطاع التأمين يُعد محوريًا فى التعامل مع آثار التغير المناخي، نظرًا لتزايد الكوارث الطبيعية التى تُلحق خسائر فادحة مؤكدًا أن شركات التأمين تتحمل مسؤولية تغطية هذه المخاطر، خصوصًا فى الدول الأكثر تضررًا مثل الولايات المتحدة، حيث بلغت الخسائر التأمينية الناتجة عن العواصف الرعدية 34 مليار دولار عام 2023.

ولفت إلى أن غياب شركات التأمين عن مواجهة هذه الكوارث كان سيؤدى إلى تحمل الحكومة والمواطنين لهذه الخسائر، وهو أمر صعب فى ظل الضغوط الاقتصادية مشيرًا إلى أن شركات التأمين تلعب دورًا مهمًا جدًا فى موضوع الاستدامة لأنها توفر تغطية للأخطار البيئية وتساعد الناس على التعامل مع آثار الكوارث الطبيعية.

وشدد على أن شركات التأمين لا تقتصر على تغطية المخاطر فقط، بل تُعد مستثمرًا رئيسيًا فى صناعات مختلفة، مما يتطلب التزامها بتحقيق صفرية الانبعاثات الكربونية موضحًا أن العملاء أصبحوا يفضلون التعامل مع الشركات التى تهتم بالقضايا البيئية، مما يعكس التوجه العالمى نحو الاقتصاد الأخضر.

وأشار إلى أن شركات التأمين تلعب دورين رئيسيين: الأول توجيه استثماراتها نحو الصناعات الصديقة للبيئة، والثانى توفير خدمات مبتكرة لتغطية المخاطر البيئية منوهًا إلى وجود شركات تأمين تُعرف بـ”الخضراء”، تلتزم بالاستثمار فى الاقتصاد الأخضر وتوفير تغطية ضد المخاطر البيئية.

وأكد شحاتة على أهمية الاستدامة فى تعزيز صحة الأفراد وتقليل التكاليف الصحية الناتجة عن التلوث، مشيرًا إلى أمثلة تاريخية مثل ارتفاع الأمراض الصدرية فى المناطق الصناعية كحلوان لافتًا إلى أن توجه الدول نحو الاقتصاد الأخضر يستدعى تعاونًا دوليًا لوضع أجندة موحدة للحفاظ على البيئة، ، مثل تلك التى ناقشها قادة العالم خلال COP 27.

مواكبة التحولات العالمية

وأشار شحاتة، إلى أن قطاع التأمين فى مصر يضم 42 شركة، جزء كبير منها كيانات دولية، مؤكدًا أنها تواكب التحولات العالمية فى مجال التأمين،

وشدد على أهمية بناء اقتصاد تأمينى قوى فى مصر يواكب التطورات العالمية، ليس فقط لتلبية احتياجات العملاء الحاليين، ولكن أيضًا للحفاظ على حقوق الأجيال القادمة، وضمان وجود أدوات مالية تسهم فى مواجهة المخاطر الطبيعية التى تتزايد يومًا بعد يوم.

وأوضح أن شركات التأمين تعتمد على بيانات دقيقة لتقدير المخاطر وتحديد الأقساط، مما يضمن تحقيق توازن بين الإيرادات والتكاليف مشددًا على أن التحول نحو الاستدامة ضرورة لبقاء الشركات، مشيرًا إلى أن تقديم خدمات تقليدية فقط لم يعد كافيًا.

وأضاف أن مصر تسير نحو الاقتصاد الأخضر من خلال الاستثمار فى الطاقة النظيفة والصناعات الصديقة للبيئة، وهو ما يعزز دور شركات التأمين فى دعم هذا التحول مؤكدًا أن الاتحاد المصرى للتأمين ينظم فعاليات لتوعية المجتمع بأهمية الاستدامة ودور القطاع فى تحقيقها.

كما لفت شحاتة إلى أهمية سوق الكربون الطوعى كمبادرة تدعم التحول نحو الاقتصاد الأخضر، موضحًا أن هذه الجهود تسهم فى تنظيم القطاع المالى غير المصرفى وتشجع الشركات على الاستثمار فى مشروعات صديقة للبيئة.

فهم وإدارة المخاطر

وأكد أحمد إبراهيم، مدير وكالة أول فى شركة الكويت للتأمين، أن الاستدامة تمثل مفهومًا شاملًا يهدف إلى تلبية احتياجات الحاضر دون التأثير على قدرة الأجيال القادمة على توفير متطلباتها.

وأشار إلى أن هذا المفهوم يشمل ثلاثة أبعاد رئيسية: البيئى والاجتماعى والاقتصادي، مؤكدًا أن تطبيق الاستدامة فى الأعمال يعنى اتخاذ قرارات تراعى التأثيرات طويلة المدى على البيئة والمجتمع، إلى جانب الأداء المالي.

وأوضح أن الاستدامة فى قطاع التأمين تحمل معانى خاصة، حيث تشمل تطوير منتجات وخدمات تأمينية تدعم التنمية المستدامة، وإدارة المخاطر المتعلقة بالبيئة والمجتمع والحوكمة (ESG) فى عمليات الاكتتاب والاستثمار كما تشمل تقليل البصمة البيئية لعمليات الشركات، بالإضافة إلى دعم العملاء فى التحول نحو ممارسات مستدامة من خلال حوافز التأمين وبرامج الوقاية من الخسائر.

وشدد على أهمية الاستدامة فى تعزيز قدرة شركات التأمين على فهم وإدارة المخاطر طويلة الأجل بشكل أفضل، مثل التغير المناخى والتحولات الاجتماعية، ما يعزز قدرتها على الوفاء بالتزاماتها المستقبلية.

وأضاف أن العملاء والمستثمرين والجهات التنظيمية أصبحوا يتوقعون من شركات التأمين دورًا فعالًا فى مواجهة التحديات البيئية والاجتماعية.

تحسين سمعة الشركات

وأكد إبراهيم أن الاستدامة تفتح آفاقًا جديدة للأعمال، من خلال تطوير منتجات تأمينية خضراء وتقديم استشارات متخصصة فى إدارة المخاطر البيئية، مما يعزز فرص النمو لافتًا إلى أن تبنى الممارسات المستدامة يسهم فى تحسين سمعة شركات التأمين، ويعزز جاذبيتها للعملاء والموظفين والمستثمرين المهتمين بقضايا البيئة والمجتمع.

وأضاف أن دمج اعتبارات الاستدامة فى عمليات الاكتتاب يمثل أحد الركائز الأساسية لتبنى نهج الاستدامة فى قطاع التأمين موضحًا أن هذا التوجه يتطلب تقييم المخاطر البيئية والاجتماعية والحوكمة “ESG” للعملاء والمشروعات التى يتم تأمينها، مشيرًا إلى وجود عدد من الطرق لتحقيق هذا الهدف.

وأشار إلى أن تطوير نماذج متقدمة لتقييم المخاطر يمثل خطوة أساسية، بحيث تأخذ فى الاعتبار عوامل مثل تغير المناخ والمخاطر الاجتماعية مؤكدًا أن تحسين جمع البيانات وتحليلها يعزز من دقة تقييم المخاطر وتسعير المنتجات، مما يسهم فى اتخاذ قرارات اكتتاب أكثر استدامة.

ولفت إلى أهمية تدريب موظفى الاكتتاب بشكل مستمر على قضايا الاستدامة وكيفية دمجها فى عملية صنع القرار، مع تطوير سياسات اكتتاب واضحة تحدد المعايير البيئية والاجتماعية التى يجب على العملاء الالتزام بها.

وأوضح أن تطوير منتجات تأمين تدعم الاستدامة يمثل مجالًا رئيسيًا للابتكار فى قطاع التأمين، مشيرًا إلى أمثلة على هذه المنتجات مثل تأمين مشاريع الطاقة المتجددة الذى يغطى المخاطر المتعلقة بالطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة المائية، وتأمين السيارات الكهربائية الذى يقدم خصومات للسائقين الملتزمين بتقليل استخدام سياراتهم.

وأشار إلى أن هذه المنتجات تشمل أيضًا تأمين المبانى الخضراء الذى يغطى تكاليف إعادة البناء باستخدام مواد مستدامة، بالإضافة إلى تأمين مخصص لشركات إعادة التدوير وإدارة النفايات يغطى المخاطر البيئية والتشغيلية.

ممارسات أكثر استدامة

وأكد إبراهيم على أهمية استخدام حقوق المساهمين للتأثير على سلوك الشركات من خلال التصويت فى الاجتماعات والتواصل المباشر مع إداراتها لتبنى ممارسات أكثر استدامة.

وشدد على أن تقليل البصمة البيئية لشركات التأمين يمثل جانبًا أساسيًا فى مسارها نحو الاستدامة موضحًا أن هذه الجهود تسهم فى خفض التكاليف التشغيلية، وتعزيز السمعة المؤسسية، وجذب الموظفين والعملاء الذين يولون اهتمامًا كبيرًا بالقضايا البيئية.

وأشار إلى استراتيجيات متنوعة لتحقيق ذلك، مثل تحسين كفاءة الطاقة فى المبانى والعمليات باستخدام أنظمة إضاءة وتكييف ذكية، وترقية المعدات إلى نماذج أكثر كفاءة فى استهلاك الطاقة، بالإضافة إلى تشجيع الموظفين على تبنى سلوكيات موفرة للطاقة.

ودعا إلى ضرورة الحد من النفايات عبر تطبيق برامج إعادة التدوير الشاملة، وتقليل استخدام الورق من خلال التحول نحو العمليات الرقمية، واعتماد سياسات شراء مستدامة.

وأوضح أن تقليل انبعاثات الكربون المرتبطة بتنقلات الموظفين يمكن تحقيقه من خلال تشجيع العمل عن بعد، واستخدام تقنيات المؤتمرات عبر الفيديو، وتقديم حوافز لاستخدام وسائل النقل العام أو الدراجات.

وأشار إلى أهمية زيادة الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة، مثل تركيب ألواح شمسية على أسطح المباني، وشراء الطاقة الخضراء من مزودى الكهرباء، والاستثمار فى مشاريع الطاقة المتجددة خارج الموقع.

التعامل مع التحديات

ولفت إبراهيم إلى التحديات التى تواجه تطبيق الاستدامة، مثل نقص البيانات وارتفاع التكاليف الأولية لتطوير الأنظمة والعمليات الجديدة، وقلة الخبرة فى تقييم المخاطر، ومقاومة التغيير المؤسسي، بالإضافة إلى صعوبة تسعير المخاطر المعقدة والطويلة الأجل.

وبين أن التعقيدات التنظيمية والقانونية، منها عدم وضوح الأطر التنظيمية وتغير المتطلبات القانونية مؤكدًا أن التغلب على هذه التحديات يتطلب استثمارًا فى بناء القدرات الداخلية، وتعزيز التعاون مع الخبراء الخارجيين، وتطوير أدوات تحليلية متقدمة، إلى جانب العمل مع الجهات التنظيمية وصناع السياسات لتوفير إطار داعم للاستدامة فى القطاع.

وأكد على أهمية التقنيات الحديثة مثل البلوكشين والحوسبة السحابية فى دعم استراتيجيات الاستدامة، مشيرًا إلى أن الاستثمار فى التقنيات الحديثة يتيح لشركات التأمين تحسين إدارة المخاطر المرتبطة بالاستدامة وتطوير منتجات وخدمات مبتكرة مشددًا أيضًا على أهمية مراعاة الآثار البيئية لهذه التقنيات وضمان استخدامها بطريقة مسؤولة ومستدامة.

وأوضح أن التعاون والشراكات تُعد من الركائز الأساسية لتعزيز الاستدامة فى قطاع التأمين، خصوصًا فى ظل تعقيد التحديات البيئية والاجتماعية لافتًا إلى أن التعاون داخل القطاع، من خلال الجمعيات والمبادرات المشتركة مثل مبادئ التأمين المستدام “PSI”، يساعد فى تطوير معايير موحدة وممارسات مشتركة.

وأشار إلى أهمية الشراكات مع الحكومات والمنظمات غير الحكومية لتطوير سياسات تدعم الاستدامة، بالإضافة إلى التعاون مع شركات التكنولوجيا والشركات الناشئة لابتكار حلول متقدمة لتقييم المخاطر وتطوير منتجات تأمين مستدامة.

وأضاف أن قياس الأداء المستدام والإبلاغ عنه يلعبان دورًا حيويًا فى تتبع التقدم وإظهار الالتزام بالاستدامة موضحًا أن تحديد مؤشرات الأداء الرئيسية “KPIs” واعتماد أطر التقارير المعترف بها دوليًا، مثل مبادرة التقارير العالمية “GRI” ومجلس معايير محاسبة الاستدامة “SASB”، يعزز الشفافية والمصداقية.

وشدد على أهمية الحصول على تحقق خارجى للتقارير، والإفصاح عن المخاطر المناخية وفقًا لتوصيات فرقة العمل المعنية بالإفصاحات المالية المتعلقة بالمناخ “TCFD”.

وأكد أن الاستدامة تلعب دورًا حيويًا فى إدارة المخاطر بقطاع التأمين، حيث يجب دمج معايير البيئة والمجتمع والحوكمة “ESG” فى نماذج تقييم المخاطر التقليدية، مع التركيز على المخاطر طويلة الأجل مثل تغير المناخ.

وتحدث عن أن استخدام البيانات والتحليلات المتقدمة يعزز من التنبؤ بالمخاطر، ويسهم فى تطوير استراتيجيات لتقليل المخاطر البيئية والاجتماعية.

وأضاف أن هذا النهج يحمى شركات التأمين ويدعم العملاء فى تبنى ممارسات أكثر استدامة، مما يعزز من دور القطاع فى تحقيق أهداف التنمية المستدامة.

ولفت إلى أن التكنولوجيا تمثل عنصرًا حيويًا لدعم الاستدامة فى قطاع التأمين، حيث تتيح تحسين نماذج تقييم المخاطر باستخدام الذكاء الاصطناعى وتعلم الآلة لتحليل البيانات البيئية والاجتماعية بدقة أكبر.

وأشار إلى أهمية تقنيات إنترنت الأشياء “IoT” فى جمع البيانات فى الوقت الفعلى لتحسين إدارة المخاطر وتعزيز السلوكيات المستدامة.

وأكد أن تطبيق هذه التقنيات والاستراتيجيات يسهم بشكل كبير فى تعزيز كفاءة العمليات التشغيلية وتطوير منتجات مبتكرة تدعم الاستدامة، مما يضع شركات التأمين فى طليعة المؤسسات التى تسهم فى تحقيق مستقبل أكثر استدامة.

بناء شراكات استراتيجية

بدوره أكد محمد صلاح، الباحث فى التنمية المستدامة بمعهد التخطيط القومي، أن قطاع التأمين يُعد من القطاعات الرائدة التى يمكنها أن تساهم بشكل فعال فى تعزيز التنمية المستدامة من خلال دمج معايير البيئة والمجتمع والحوكمة “ESG” فى جميع أنشطته بدءًا من عمليات الاكتتاب وإدارة المخاطر وصولًا إلى الاستثمار.

وأوضح أن هذا النهج يهدف إلى تحقيق توازن مستدام بين العائد المالى طويل الأجل، وتأمين استقرار المجتمعات، وحماية البيئة، مما يعزز مرونة القطاع وقدرته على التصدى للتحديات المستقبلية، لا سيما التغير المناخى والكوارث الطبيعية.

وأشار إلى أن قطاع التأمين يمتلك إمكانات فريدة تُمكنه من لعب دور محورى فى تحقيق أجندة التنمية المستدامة.

وذكر أن تقديم منتجات مبتكرة، مثل التأمين على مشاريع الطاقة المتجددة والمركبات الكهربائية، بالإضافة إلى التأمين متناهى الصغر والتأمين الزراعي، يُسهم فى تعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

وأكد على أهمية الاستفادة من التطور التكنولوجى واستخدام البيانات الضخمة لتحسين تقييم المخاطر البيئية، مشيرًا إلى أن هذه الأدوات تساعد على تصميم حلول تأمينية مبتكرة تُسهم فى تعزيز استدامة المجتمعات وزيادة قدرتها على مواجهة الأزمات.

وأوضح، أن لجنة الاستدامة بالاتحاد المصرى للتأمين تلعب دورًا محوريًا فى دفع القطاع نحو تبنى ممارسات مستدامة.

ولفت إلى أن اللجنة تسعى من خلال مبادراتها إلى تعزيز التزام شركات التأمين بمبادئ البيئة والمجتمع والحوكمة. ولافتا إلى أن أبرز جهود اللجنة تشمل إعداد دليل للاستدامة يحدد معايير وأدوات عملية لقياس الأداء البيئى والاجتماعى والحوكمي، وتنظيم برامج تدريبية وورش عمل لرفع كفاءة العاملين بالقطاع، بالإضافة إلى دعم الابتكار من خلال تطوير منتجات تأمينية تتماشى مع متطلبات الاقتصاد الأخضر.

وأضاف أن اللجنة تركز أيضًا على بناء شراكات استراتيجية مع الجهات الحكومية والمنظمات الدولية لتبادل الخبرات وتحقيق أهداف مشتركة، إلى جانب نشر أفضل الممارسات فى القطاع، حيث تُبرز التجارِب الناجحة لشركات التأمين التى اعتمدت مبادئ الاستدامة، مما يُحفز باقى الشركات على تبنى هذه النماذج.

وأشار صلاح إلى أن أبرز التحديات التى تواجه تطبيق سياسات الاستدامة تتمثل فى نقص البيانات الدقيقة حول الأثر البيئى والاجتماعى للأنشطة التأمينية، وارتفاع التكاليف المرتبطة بتطوير البنية التحتية وتنمية القدرات البشرية، فضلًا عن نقص الكفاءات المتخصصة فى مجالات تحليل المخاطر البيئية والمالية كما تواجه الشركات مقاومة داخلية لتغيير ثقافة العمل وصعوبة فى مواكبة التحولات التكنولوجية السريعة مثل التقنيات الحديثة لقياس الانبعاثات الكربونية.

وأكد أن هناك فرصًا كبيرة للابتكار والنمو المستدام، مشددًا على أهمية تركيز شركات التأمين على بناء شراكات استراتيجية، وتحليل البيانات بشكل أفضل، وتطوير برامج تدريبية للموظفين، إلى جانب الاستثمار فى منتجات تأمينية مبتكرة ومستدامة.

احتياجات الاقتصاد الأخضر

وأشار صلاح إلى أن الاستدامة تُحدث نقلة نوعية فى هذا المجال إذ تعزز قدرة شركات التأمين على التنبؤ بالمخاطر المستقبلية باستخدام التحليلات البيئية، وتطوير حلول وقائية تساعد العملاء على الحد من المخاطر، مثل التأمين على الأبنية الخضراء أو مشاريع الطاقة النظيفة. كما تسهم فى تحسين مرونة الشركات للتكيف مع التغيرات البيئية والاجتماعية، مما يُمكنها من مواجهة التحديات المستقبلية بفعالية.

وأكد على أن هذه المبادرات تجعل قطاع التأمين عنصرًا أساسيًا فى تعزيز استدامة المجتمعات وتحقيق التنمية المستدامة على المدى الطويل.

وبين أن هناك اهتمامًا متزايدًا بتطبيق معايير الاستدامة فى قطاع التأمين المصري، تماشيًا مع الجهود الوطنية مثل رؤية مصر 2030 ودليل معايير الاستدامة البيئية.

وأضاف رغم عدم وجود إطار إلزامى شامل لهذه المعايير فى مصر، إلا أن الشركات تستفيد من معايير دولية بارزة، مثل معايير إعداد التقارير GRI Global Reporting Initiative التى تُركز على الأداء البيئى والاجتماعى والحوكمة، ونظام إدارة البيئة ISO 14001، ومبادئ الاستثمار المسؤول “PRI” التى تعزز تكامل اعتبارات البيئة والمجتمع فى الاستثمارات.

واستطرد بالقول أن دمج الاستدامة فى سياسات شركات التأمين يحقق العديد من الفوائد بعيدة المدى، أبرزها تحسين السمعة وتعزيز العلامة التجارية عبر تقديم نموذج أعمال مسؤول بيئيًا واجتماعيًا، وتحسين إدارة المخاطر من خلال التنبؤ بالتحديات المستقبلية المرتبطة بتغير المناخ.

وبين أن الاستدامة تفتح الباب أمام الابتكار وتطوير منتجات تأمينية مبتكرة تلبى احتياجات الاقتصاد الأخضر، مما يساهم فى فتح أسواق جديدة وتعزيز الكفاءة التشغيلية.

وأشار إلى أن شهادات الكربون تمثل أداة فعّالة لدعم شركات التأمين فى تقليل بصمتها الكربونية والمساهمة فى التحول نحو اقتصاد منخفض الكربون كما أنها تساعد على تقليل المخاطر المرتبطة بتغير المناخ، وتعزز الابتكار فى تطوير منتجات وخدمات جديدة، وتدعم تحقيق أهداف التنمية المستدامة مثل الحد من التغير المناخى وحماية البيئة.

وحذر صلاح من عواقب تجاهل الاستدامة، حيث يؤدى ذلك إلى خسائر مالية، وتدهور السمعة، وفقدان فرص استثمارية هامة، بجانب تعميق الفجوات الاجتماعية والبيئية مؤكدًا أن تطبيق معايير الاستدامة ليس مجرد خيار، بل هو ضرورة استراتيجية لنجاح شركات التأمين، خصوصًا فى ظل التغيرات العالمية المتسارعة.

تحقيق أهداف التنمية

من جانبه أكد جمال شحاته، مساعد العضو المنتدب لشركة إسكان للتأمين، أن الاستدامة تتمحور حول كيفية إدارة الموارد المتاحة وتطويعها لضمان استمرارية تقديم الخدمات بنفس الجودة مؤكدًا أن قطاع التأمين، كغيره من القطاعات، يواجه تحديات وعقبات تحد من تطبيق سياسات الاستدامة.

وأشار إلى ضرورة أن تكون الأدوات المستخدمة فى تطبيق هذه السياسات متماشية مع ثقافة المجتمع واحتياجاته المشتركة، لضمان الاستمرار فى التحول نحو الاستدامة.

وأضاف أنه بدون تأهيل المتلقين لاستقبال هذه الخدمات بشكلها المرجو، قد تأتى النتائج مخالفة للتوقعات.

وشدد على أن تطبيق السياسات المستدامة ومراجعتها بشكل دورى لتعديلها بما يتناسب مع الظروف المستقبلية سينعكس إيجابًا على تقديم الخدمة وتقييمات المخاطر.

وأشار إلى أن قطاع التأمين دخل عصر الاستدامة من خلال سوق الكربون الطوعي، خصوصًا بعد إعلان الهيئة العامة للرقابة المالية عن إطلاق أول سوق كربون طوعى فى مصر.

وأوضح أن هذه الخطوة تسهم فى مكافحة تغير المناخ وتبنى شركات التأمين ممارسات مستدامة لافتًا إلى أن شهادات الكربون تمثل أداة أساسية لتحقيق هذا الهدف، حيث يمكن للشركات الآن شرائها لتعويض انبعاثاتها، مما يوفر دعمًا ماليًا للمشاريع الخضراء.

وأكد على أن شركات التأمين ستجد نفسها مضطرة خلال المرحلة المقبلة إلى تطبيق سياسات الاستدامة، مشيرًا إلى أن أى تأخير فى هذا الاتجاه قد يعرضها للتراجع عن مواكبة التطورات فى القطاع.

واعتبر شحاتة إن تحول قطاع التأمين إلى الاستدامة ليس خيارًا بل ضرورة تفرضها التغيرات البيئية المتسارعة من خلال تطوير منتجات جديدة وتدريب الكوادر، ويشير إلى أنه يمكن للقطاع أن يسهم بشكل أكبر فى دعم الاقتصاد الأخضر وتحقيق أهداف التنمية المستدامة.

 خبراء لـ«المال»: القطاع دخل عصر الاستدامة بإطلاق أول سوق كربون طوعى فى مصر

تقديم منتجات خضراء ويحسن سمعة الشركات ويعزز جاذبيتها للعملاء والموظفين والمستثمرين

وسيلة لتعزيز القدرة على التنبؤ بالمخاطر وتطوير حلول وقائية تساعد على الحد منها

التجاهل يؤدى إلى خسائر وفقدان فرص وتعميق الفجوات الاجتماعية والبيئية

التغلب على التحديات يتطلب التعاون مع الخبراء الخارجيين وتطوير أدوات تحليلية متقدمة