تشهد السوق العقارية العالمية فى السنوات الأخيرة تحولاً ملحوظاً نحو تطوير العقارات المستدامة والمبانى الخضراء.
ويأتى هذا الاتجاه استجابةً للوعى المتزايد بأهمية الحفاظ على البيئة والحد من تأثير التغير المناخى، ويتزايد إقبال المطورين على دمج ممارسات البناء المستدامة فى مشاريعهم، حيث يسعون إلى استخدام تقنيات مبتكرة ومواد صديقة للبيئة، مما يسهم فى تقليل البصمة الكربونية وتعزيز كفاءة استخدام الطاقة.
كما أن الاستثمارات فى المشاريع الخضراء لا تعود بالفائدة فقط على البيئة، بل تساهم أيضاً فى تحقيق عوائد اقتصادية مجدية، إذ يفضل المستأجرون والمستثمرون العقارات التى توفر تكاليف تشغيل أقل وتجربة معيشية أكثر صحة، ويترافق هذا الاتجاه مع دعم حكومى متزايد وتقديم حوافز للمطورين الذين يلتزمون بممارسات البناء المستدام، مما يجعل العقارات المستدامة خياراً جذاباً للمستقبل.
وقال المهندس وليد السويدى رئيس مجلس إدارة شركة الدقة للاستشارات الهندسية “PCE”، إن الشركة تركز على إضافة نشاطات جديدة كـ “المبانى الخضراء” و”الاستدامة”، نظرًا لتزايد الاهتمام بهذا المجال فى مصر والسعودية والإمارات.
وأضاف أن هذا التوجه يأتى تماشيًا مع الرؤية المستدامة للمدن الحديثة رغم تكلفته الزائدة، مثل العاصمة الإدارية الجديدة فى مصر، ومدينة نيوم فى السعودية، إذ تُعدّ هذه المدن نموذجًا للمبانى الذكية والمستدامة.
وأشار إلى أن الشركة تعمل على تقديم حلول هندسية تركز على التقنيات المستدامة، وتساعد على خفض استهلاك الطاقة، وتقليل البصمة الكربونية للمبانى.
وأكد أن الشركة ترى فى هذا القطاع فرصة كبيرة للنمو، خاصة فى ظل الاهتمام المتزايد من الحكومة المصرية والسعودية بالاستدامة وتطبيق معايير المبانى الخضراء.
و قال المهندس وليد مرسى رئيس مجلس إدارة مكتب DCI PLUS للاستشارات الهندسية والتصميمات، إن هناك اهتماماً متزايداً من المطورين بالمبانى المستدامة والعمارات الخضراء، ورغم التكاليف المرتفعة المرتبطة بتنفيذ هذه المشاريع، فإن الوعى المتزايد بأهمية الاستدامة البيئية يدفع المطورين إلى اعتماد حلول مبتكرة تراعى البيئة، وتتجه DCI plus إلى تلبية هذا الطلب من خلال تصميم مشاريع تتسم بالاستدامة وتحقق كفاءة فى استهلاك الطاقة والموارد.
وأشار مرسى إلى التحديات التى تواجه المستثمرين نتيجة ارتفاع التكاليف وتقلبات الدولار، كما أن المطورين ينظرون إلى العمارة المستدامة على أنها استثمار بعيد المدى يتطلب دعمًا حكوميًا أكبر لتسهيل تنفيذ المشاريع المستدامة، لما لها من تأثير إيجابى طويل الأجل على الاقتصاد.
وقال الدكتور ماجد مرعى الرئيس التنفيذى لشركة ماجنوم العقارية إن الاستدامة ليست رفاهية بل أصبحت جزءً مهما فى الوقت الحالى وفى المستقبل على مستوى القطاع العقارى والعمل بشكل عام، حيث أصبحت مادة تدرس حاليا فى الجامعات كمادة أساسية من مواد التجارة الأساسية وليست متعلقة فقط بالقطاع العقارى.
وأضاف مرعى أن ارتفاع التكاليف الخاصة بأسعار الوقود على المستوى المحلى والعالمى يدفع الدول للتفكير فى الاستدامة لتكون جزءً من قرارات الحوافز التى تقدمها للمطورين والمواطنين أيضا.
وأوضح الرئيس التنفيذى لشركة ماجنوم العقارية أن المطور الذى يمتلك منزلا مستدامًا من أجل توفير استهلاك المياه والكهرباء والكربون بشكل عام، يؤثر بشكل كبير على البنية التحتية مما يدفع الدولة الى إنشاء محطة 1.5 جيجا بدلا 2 جيجا فى المستقبل، مما يقلل الاستهلاك والتكاليف الاستثمارية والكربونية للدولة مستقبلا.
وأكد أن مصر من ضمن الدول التى تهتم بالاستدامة والدليل أن شركة العاصمة أصدرت قانونا للمطورين يمنحهم الحصول على حوافز الاستدامة من 2 الى %4 ، وذلك الأمر ليس متوفرًا فى المنطقة العربية بشكل عام، مما يحفز المطورين والمستثمرين.
وأشار إلى أن جزءً من مطالبات التمويلات المحلية والعالمية فى الوقت الحالى يتعلق بنظام الحوكمة والاستدامة، وعدم تطبيقها يؤدى إلى تقليل التقييم العام أو رفع الفائدة الخاصة بالتمويل.
وأضاف أن معظم الشركات العالمية فى العالم تتعامل مع مبانى مستدامة بحلول 2030، مما يلزم الشركات الخارجية عند تأجير المبانى الالتزام بمعايير الاستدامة.
وأوضح أن العاصمة الإدارية ستكون أحد المدن التى تحقق الاستدامة فى المنطقة بنسبة %100 والمنافس الوحيد فى هذا القطاع «دبى» والتى تستهدف تحقيق بعض أهداف الاستدامة بحلول 2030 أو 2050.
قال جون سعد خبير الاستثمار العقارى إن العمارة الخضراء والمشروعات المستدامة هى مستقبل سوق العقارات فى مصر، وتعتبر عنصر جذب مهم للاستثمارات خاصة فى ظل التوجه العالمى نحو الاقتصاد الأخضر، وحصول مشروع جولدن جيت على هذه الشهادة يعزز مكانتنا كشركة رائدة فى هذا المجال.
وأشار إلى أن امتلاك مبنى معتمد صديقًا للبيئة لا يوضح الالتزام بالاستدامة فحسب، بل يوفر أيضًا بيئة صحية وأكثر كفاءة فى استخدام الطاقة وأقل فى مصاريف التشغيل مما يحقق المردود الاقتصادى.
وأشار إلى أن هذا النوع من المشروعات يخلق موارد تمويلية مبتكرة من البنوك والمؤسسات التنموية الدولية بخلاف شهادات الكربون المتداولة فى سوقَ الأوراق المالية.
قال شنوده أمين رئيس مجلس إدارة شركة ذا بروبرتى بانك للاستشارات والتسويق العقارى إن وجود التكنولوجيا داخل المجتمعات السكنية أمر أساسى لأنه يقوم عليه كل شئ الآن، وما يتضمنه من فكرة البناء الحديث، لما يوفره من آمن وراحة ووسائل ترفيهية، كنظام الأمن والحراسة، وكاميرات المراقبة، والبوابات الإلكترونية، وطرق الرى للاند سكيب والبحيرات الصناعية، مما يسهل المعيشة.
وأضاف أن وجود التكنولوجيا فى المجتمعات السكنية تزيد من رغبة المستثمرين من شراء الوحدات، لأنها كباقى قطاعات الحياه، فالإنسان يبحث عن أقصى سبل الراحة والرفاهية، وظهر فى مصر مؤخرًا مفهوم المدن الذكية الجديدة.
وأوضح أن بناء مدن تقوم على التكنولوجيا الحديثة هو توجه عالمى، وداخلى من الحكومات المصرية حتى وإن كانت تكلفته مرتفعة، لكنه سيوفر فى عمليات التشغيل والصيانة، ويوفر على الأجل البعيد أعمال التطوير والتشغيل، مما يجعل المطورين يتوجهون لبناء هذه النوعية.
وأشار إلى إشادة الدول فى مؤتمر المناخ العالمى فى نسخاته سواء فى مصر أو دبى بالمدن الذكية والمستدامة، لأنها تعمل بالطاقة الشمسية والرى والأقمار الصناعية وهو ما يجعله توجه قوى يرغب به المطورون والمستثمرون.
وقام المركز القومى لبحوث الاسكان والبناء بإصدار أول شهادات لاعتماد كفاءة استهلاك الطاقة للمبانى فى مصر ضمن مشروع باديا التابع لشركة بالم هيلز، بالإضافة الى آخر تابع لبنك مصر.
وتمثل تلك الشهادات كفاءة استهلاك الطاقة فى المبانى كجزء رئيسى من تطبيقات الاستراتيجية الوطنية للبناء الأخضر فى مصر، والتى قام بإطلاقها الرئيس عبد الفتاح السيسى ضمن فعاليات المنتدى الحضرى العالمى الذى انعقد فى مصر خلال شهر نوفمبر الماضى.
من الجدير بالذكر أن إعداد أداة قياس كفاءة الطاقة Building Energy Performance Tool والتدريب عليها وإصدار شهادات كفاءة استهلاك الطاقة للمبانى Energy Performance Certificate هو نتاج مثمر لمشروع Build_Me الذى يتم تنفيذه بالمركز القومى لبحوث الاسكان والبناء الشريك الوطنى للمشروع، بالتعاون مع الشريك الرئيسى للمشروع Guidehouse Germany، ومجموعة التنمية المتكاملة (IDG) فى مصر.
ويهدف المشروع إلى تمكين المركز القومى لبحوث الاسكان والبناء بإصدار واعتماد شهادات كفاءة استهلاك الطاقة للمبانى من خلال الاستخدام الأمثل لتطبيقات أداة كفاءة الطاقة للمبانى والتى تم تطويرها من خلال فريق عمل المشروع.
وتم اعتماد تلك الأداة الوطنية للتطبيق من البنك الأوروبى لإعادة الاعمار والتنمية EBRD، كوسيلة لتأهيل المبانى للحصول على نظم التمويل الأخضر، والذى يتماشى مع الاستراتيجية الوطنية للتعامل مع تغيرات المناخ، بالإضافة إلى استراتيجية تطبيق البناء الأخضر فى مصر.
فيما التقى وزير الإسكان شريف الشربينى مع مجموعة من المطورين العقاريين لمناقشة التحديات التى تواجههم، وبحث فرص التعاون المشترك ومناقشة سبل العمل على تطوير عدد من المحاور الموجودة بالمدن الجديدة بالمناطق المحيطة بالمشروعات لما لها من انعكاس إيجابى مباشر على المواطنين.
وأشاد المطورون بالتحرك السريع والفكر الجديد الذى قدمه وزير الإسكان فى الفترة الماضية، مطالبين بسرعة انهاء الإجراءات الخاصة بالمشروعات، وبدوره وجه وزير الإسكان مسئولى أجهزة المدن بالعمل على الإسراع فى إصدار التراخيص بالأجهزة ، وتنفيذ القرارات الوزارية فى هذا الشأن والانتهاء من إجراءات التراخيص فى أسرع وقت ممكن.
كما طالب المطورون بتوفير حوافز ومميزات لتشجيع المستثمرين وخصوصا فيما يخص أسعار الأراضى، لما لذلك من أهمية كبيرة ويحقق استفادة للدولة من تطوير البنية التحتية عند تنفيذ المشروع بالإضافة إلى دفع عجلة الاستثمار.
وطالبوا بمد الفترة الزمنية لبعض المشروعات، ومنحهم مهلة للانتهاء من المشروعات، مؤكدين أنه لابد من إحكام السيطرة على عملية الوسطاء العقاريين، وفى هذا الشأن أكد وزير الإسكان أنه يتم العمل على هذا الملف وتتم دراسة كافة المقترحات، مطالبا المطورين بإرسال مقترحاتهم ليتم وضعها بعين الاعتبار لحل هذا الأمر خلال الفترة المقبلة.
وتناول الاجتماع سبل تشجيع المطورين للعمل على تنفيذ المبانى المستدامة، لتحقيق المصلحة العامة للدولة، وذلك بدعم من وزارة الإسكان، ومنح محفزات فى هذا الشأن، بالإضافة إلى ملف تصدير العقار ، وتوفير عدد من الأراضى لإقامة مشروعات جديدة، وفى هذا الصدد وجه وزير الإسكان بالعمل على دراسة طرح مجموعة فرص استثمارية للمطورين العقاريين وخلق مساحات جديدة ومواقع متميزة بالمدن الجديدة.
وفى ختام اللقاء أكد المهندس شريف الشربينى، أن وزارة الإسكان منفتحة لاستقبال مختلف الآراء والأفكار والمقترحات من جميع المطورين العقاريين، للتعامل مع التحديات التى تواجه القطاع ، والعمل على حلها، بما يضمن استمرار العمل بهذا القطاع الهام الذى يعد قاطرة للتنمية الاقتصادية، ووضع حلول غير تقليدية، والتفكير الإبداعى خارج الصندوق.
وشدد على ضرورة تعميق وتعزيز التعاون والتكاتف بين الوزارة والمطورين، لأن نجاح أى مشروع عقارى وتنموى، هو نجاح للوزارة نظراً للعوائد التنموية والمساهمة فى تحقيق التنمية العمرانية الشاملة.
ووجه لعقد ورش عمل بشكل دورى لمناقشة كل المشاكل والتحديات التى تواجه قطاع التطوير العقارى، لبحث كل ملف بشكل تفصيلى، بما يحقق مصلحة الدولة والمطورين، ويسهم فى زيادة معدلات التنمية، ودفع عجلة الاقتصاد.
العديد من المكاتب استشارية ينتهج سياسات توسعية لتغطية الطلب
موارد تمويلية مبتكرة من البنوك والجهات التنموية
«العاصمة» أصدرت قانونا يمنح مزايا بنائية شريطة تدشين هذه النوعية من الأنشطة
