تواجه استثمارات قطاع النقل البحرى وأبرزها بناء السفن تحديات تمويلية بسبب عزوف البنوك عن دعمها، باعتبارها من الأنشطة ذات المخاطر الكبيرة، وزادت نسبتها بعد التوترات الحالية التى تسود منطقة البحر الأحمر، كما أن فكرة توفير مبادرة داعمة لهذا المجال من البنوك المحلية على غرار التى تقدم للصناعة، أو العقارات، يتطلب عدة أمور، وغطاء حكومى فى نفس الوقت.
وناقشت “المال” مع عدد من الشركات المتخصصة فى قطاع الملاحية، وخبراء الجهاز المصرفي، أسباب عدم توفير مبادرة تستهدف دعم بناء المراكب البحرية، خاصة وأن مجلس النواب أقر مؤخرا حزمة من التعديلات القانونية على التشريعات الحالية التى تعوق الاستثمار فى السفن واستئجارها، بناء على طلبات من وزارة النقل، التى تلعب دورًا رئيسيًا فى منح ترخيص التشغيل.
وخلال رصد “المال” لأسباب تراجع البنوك عن دعم تلك الاستثمارات، قال محمد عبد العال الخبير المصرفى إن هناك عددًا من المخاطر التى تحد من تقديم البنوك الائتمان المصرفى اللازم الكيانات العاملة فى قطاع النقل البحرى على رأسها تصاعد التوترات الجيوسياسية فى المنطقة، والتى تؤثر بدورها على الممرات المائية الحيوية التى تعمل فيها السفن ومن ثم تؤثر سلبا على القطاع.
وأضاف “عبد العال” أن تكاليف التأمين على السفن تحدٍ آخر تضعه البنوك نصب عينيها حين يتعلق الأمر بمنح الائتمان أو دراسة الجدارة الائتمانية للشركات العاملة فى قطاع النقل البحري.
ولفت إلى أن التضخم وارتفاع تكلفة النقل من ضمن التحديات التى تثقل كاهل شركات النقل البحري، وتقلل من جدارتها الائتمانية، ومن ثم تحجم البنوك عن منحها التسهيلات اللازمة.
وأشار إلى أن هناك بعض الإجراءات التى يتم اتخاذها من أجل تقليل مخاطر هذه التحديات أبرزها استخدام التكنولوجيا وأدوات الذكاء الاصطناعى من أجل تتبع السفن فى عرض البحر وضمان سلامتها.
ولفت الخبير المصرفي إلى أن النقل البحرى أحد القطاعات الحيوية التى يمكنها دعم الاقتصاد الوطني، وذلك من خلال قيامه بتيسير عمليات التصدير والاستيراد، وهو الأمر الذى يساعد الدولة فى تعزيز حركة الصادرات وجلب المزيد من النقد الأجنبي.
وأشار إلى أهمية أن تضغط الجهات الحكومية ومنها وزارة النقل، على البنوك لطرح مبادرات مصرفية مدعومة تقديم التمويلات اللازمة للمراكب، مما يسهل من آليات عملها ويمكنها من عمليات التوسع، والقيام بدورها المنوط بها فى دعم الاقتصاد.
وأطلق البنك المركزي، خلال السنوات الماضية، عددًا من المبادرات بغرض تنشيط أسواق التمويل العقارى ودعم السياحة و تحويل السيارات للغاز الطبيعي، ومبادرات خاصة بتمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وذلك بمنح التمويلات بأسعار فائدة يدعمها المركزى بتحمله الفارق، وهو ما تم التوافق على التوقف عنه وخروج المركزى من هذه المعادلة خلال المفاوضات الأخيرة بين السلطات المصرية مسؤولى صندوق النقد الدولي.
ومن جانبه قال المهندس رامى المكاوى - مالك ورئيس مجلس إدارة شركة السويس للخطوط الملاحية والخدمات البحرية، إن التعاون بين البنوك و مستثمرى الخدمات البحرية ضعيف، حيث أن المصارف تبحث فى المقام الأول عن عنصر الأمان لتقليل فرص المخاطر، بينما العمل البحرى مصنف من أكثر الأنشطة مخاطرة.
وأضاف أن السوق البحرية تحتاج رأس مال ضخم مقارنة بأى مجالات وأنشطة أخرى، موضحا أن السفن والوحدات البحرية والعائمات الصغيرة، هى العنصر الأهم فى تلك المنظومة و تكاليف امتلاكها و تشغيلها كبيرة، و التعارض هنا يكمن فى سرعة دورة رأس المال ونسبة الفائدة.
ولفت “المكاوي” إلى أن تصنيع عائمة بحرية صغيرة وصلت تكلفتها إلى ملايين الجنيهات و تستمر عملية البناء لفترة تتراوح بين 6 أشهر إلى عام وقد تزيد خلال تلك المدة دون أى عائد منها، وتستمر بدون عائد لمدة عام آخر انتظارا للحصول على التراخيص والموافقات و اجتياز الاختبارات مما يشكل عائقا أمام أى بنك.
وتابع “مكاوي” أن التعاون الحالى مع البنوك يتم فقط فى نشاط التوريدات البحرية، كون أن دورة رأس المال به سريعة وتتلخص فى شراء المورد قطع غيار أو مواد ومؤن الإعاشة من أغذية و مشروبات، يتم توريدها للسفن و يتم التحصيل خلال شهر أو شهرين حسب النظام المعمول به بالاتفاق مع المشغل أو المالك.
وقال إن تمويل البنوك يكون أسهل للشركات الكبري، كون حجم المخاطر بها أقل، ولديها القدرة على الوفاء بالتزاماتها البنكية ، مطالبا باستراتيجية واضحة تتيح ضخ حقيقى من القطاع المصرفى لتنمية شاملة و امتلاك أسطول بحري.
ووافق مجلس النواب فى أكتوبر الماضى على تعديلات مقترحة من وزارة النقل على 4 قوانين، تستهدف تعزيز أسطول السفن التجارى البحري، وجذب استثمارات جديدة فى بناء وتشغيل السفن الملاحية بين الموانئ العربية والأفريقية، والأوروبية، لسد الفجوة بين حجم الطلب المتزايد على خدمات النقل بشكل عام، والطاقة الاستيعابية المحدودة لأحجام المراكب المصرية فى شكلها الحالي.
واتفق معه القبطان وليد حسانين مدير شركة تورنادو للملاحة البحرية، موضحا أن تشجيع البنوك على دعم قطاع الصناعات البحرية يتطلب مبادرة تقودها وزارة النقل، مشيرا إلى أن ارتفاع نسبة الفائدة يعوق العديد من الاستثمارات البحرية وخاصة شراء أو بناء والعائمات.
على الجهة الأخرى لفت هانى أبو الفتوح الخبير المصرفى ورئيس شركة الراية للاستشارات المالية، إلى أن المسألة كلها متروكة لشهية كل بنك وقدرته على تحمل المخاطر.
وأضاف أن السياسة الائتمانية Credit Policy هى التى تحدد إذا كانت لديه القدرة على منح تسهيلات ائتمانية الكيانات فى قطاع معين من عدمه، مشيرا إلى أن بنوك مثل سيتى بنك، أحد اللاعبين الذين خرجوا من السوق المصرفية المصرية، وكان يقدم تمويلات لقطاع الأفراد، فى حين يركز البنك الأهلى المصرى على منح تسهيلات ائتمانية للشركات الكبرى أو حتى يستثمر فى أصول شركات وكيانات عاملة فى السوق المحلية.
وعن عدم وجود مبادرة مخصصة لقطاع النقل البحري، أوضح الخبير المصرفي، أن هذه المسألة تحددها أولويات الحكومة فى الوقت الراهن، لافتا إلى أن الاهتمام حاليًا موجه أكثر إلى القطاع الصناعى بدليل وجود مبادرة تقدم تمويلات مدعمة بواقع 15 %.
وتتضمن مبادرة الصناعة، بحسب بيان صادر عن وزارة المالية، تخصيص 105 مليارات جنيه لتمويل رأس المال العامل و15 مليارًا لشراء الآلات والمعدات وخطوط الإنتاج.
وقال النائب عادل لمعى، رئيس غرفة ملاحة بورسعيد، إن النقل البحرى قطاع عريض وكثيف الاستثمارات ومتنوع الصناعات لكنه يواجه بعض المعوقات فى عدد من القوانين والتشريعات الحالية، والتى تم البدء فى تعديلها كمرحلة أولى.
وأوضح “لمعي” أن شراء سفينة عمرها 10 سنوات يتكلف 12 مليون دولار مما يتطلب دراسة قوية تقتنع بها البنوك وتوفير الضمانات الكافية، ومن ثم تم الموافقة على تطبيق نظام التأجير التمويلى مؤخرا لدعم بناء الأسطول البحرى المصرى من قبل مجلس الشيوخ.
ويقوم التأجير التمويلى على عقد اتفاق بين المؤجر والمستأجر، يمنح الأخير الحق فى استخدام أصل معين مملوك لـ”الأول” خلال فترة محددة، ومقابل دفع أقساط دورية للمؤجر، وفى نهاية مدة العقد يحق للمستأجر أن يتملك الأصل.
وأوضح رئيس غرفة بورسعيد أن التأجير التمويلى من أهم أنشطة التمويل غير المصرفى ويحقق دفعة لدعم التجارة البحرية، مضيفا أن حجم سوق الشحن والخدمات اللوجستية فى مصر أصبح يقدر بحوالى 14.5 مليار دولار خلال عام 2024، لاسيما بعد التطوير التى أجرته الدولة على البنية التحتية للموانئ بشكل مكثف، مع خطط تبلغ تكلفتها حوالى 200 مليار جنيه للتطوير وزيادة الطاقة الاستيعابية، مقترحا بعض التعديلات فى مواد تنظيم تسجيل السفن المستأجرة تحت العلم المصري.
ومن ناحيته أرجع الدكتور محمد البنا ، نائب رئيس مجلس إدارة شركة قناة السويس الجديدة للموانئ الجافة والخدمات اللوجستية، ضعف تمويل البنوك لمشروعات قطاع النقل البحرى إلى افتقارها إلى كوادر متخصصة فى النقل والملاحة.
وطالب “البنا” البنوك المحلية بتدعيم مشروعات النقل البحرى والخدمات اللوجستية ، تماشيا مع اهتمام الدولة، و تسهيل منح الائتمان للشركات المصرية.
ولفت إلى أن ذلك يتطلب أن يكون لدى البنوك خبراء متخصصين بهذه المجالات، كونهم أحد العوامل التى تدعم أى مشروع وتوافق على تمويله من عدمه.
رئيس غرفة ملاحة بورسعيد: اقترحنا الاعتماد على نظام التأجير التمويلى كمرحلة أولى لدعم القطاع
