حقق الطرح العام للمصرف المتحد فى البورصة المصرية نجاحًا استثنائيًا، مع تسجيل معدل تغطية قياسى بلغ 59 مرة، ما يعكس ثقة المستثمرين فى السوق المصرية.
ورغم أن هذا الطرح يعد خطوة محورية لتعزيز السيولة وجذب الاستثمارات، إلا أنه يسلط الضوء أيضًا على التحديات المرتبطة بمحدودية شريحة الطرح العام والسيولة فى التداول الحر.
وفيما يلى نستعرض آراء عدد من خبراء أسواق المال حول الآلية الأنسب للطروحات القادمة، والأسباب التى أدت إلى هذا النجاح، وتأثيراته المحتملة على السوق، ومستقبل برنامج الطروحات الحكومية كركيزة لتنشيط الاقتصاد وتعزيز ثقة المستثمرين.
اهتمام المستثمرين
فى البداية، قال سيف عونى، العضو المنتدب لشركة “إيليت للاستشارات المالية”، إن ارتفاع معدل تغطية شريحة الطرح العام للمصرف المتحد، يُعزى بشكل رئيسى إلى صغر حجم الشريحة المخصصة للأفراد، مشيرًا إلى أنه كلما كانت الشريحة أصغر زادت نسبة التغطية.
وأوضح أن الإقبال المرتفع على اكتتاب المصرف المتحد يعود لعدة عوامل، من أبرزها الملكية الكبيرة للبنك المركزى فيه، وهو ما أضاف عنصرًا من الثقة للمستثمرين، لافتًا إلى أن تغطية الطرح الخاص بنجاح كان له دورًا كبيرًا فى تعزيز الإقبال على الطرح العام.
وأكد أن تفعيل دور الاكتتابات يتطلب زيادة مستوى الشفافية، من خلال نشر تفاصيل دقيقة عن الطروحات، وإعداد نشرات اكتتاب واضحة، فضلًا عن تنظيم مؤتمرات ترويجية فعّالة تسلط الضوء على فرص الاستثمار.
واقترح عونى أن تكون الفترة المثالية بين الطروحات الجديدة حوالى شهرين، مشيرًا إلى أن طرح شركة واحدة شهريًا قد يكون غير كافٍ لاستيعاب عدد المتعاملين فى السوق، مشددًا على أن النجاح الذى يحققه المستثمرون عند تحقيق مكاسب من الطروحات يعزز الثقة ويشجعهم على المشاركة فى طروحات جديدة.
وفيما يخص الطروحات الحكومية المرتقبة، أشار عونى إلى أهمية التركيز على قطاعات استراتيجية مثل الأغذية، المواد الأساسية، والصناعات، لافتًا إلى أن هذه المجالات تحظى باهتمام كبير من المستثمرين، ما يعزز من فرص نجاح الطروحات المقبلة.
ولفت ، إلى ضرورة تقديم معلومات كافية ومغرية عن الشركات المطروحة، تشمل حجم الأعمال، النتائج المالية، والأرباح المستقبلية المتوقعة، لضمان جذب المستثمرين وتوسيع قاعدة المتعاملين فى السوق.
الثقة بالمركزى
من جهته تحدث ياسر عمارة، رئيس مجلس إدارة شركة “إيجل للاستشارات المالية”، عن نجاح اكتتاب المصرف المتحد والانعكاسات المرتقبة على السوق المصري، مشيرًا إلى أن الإقبال الكبير على الاكتتاب، يعكس الثقة الكبيرة فى السوق، إضافة إلى عدة عوامل أخرى ساهمت فى هذا الإنجاز.
وأوضح أن تخصيص %95 من الأسهم للمؤسسات والأفراد ذوى الملاءة المالية المرتفعة كان من أبرز أسباب نجاح الاكتتاب، إذ غطّت المؤسسات شريحة الطرح الخاص أكثر من 6 مرات، ما يعكس الثقة القوية لدى هذه الفئة فى الأداء المالى للمصرف، لافتًا إلى أن الطرح العام كان محدودًا، مما زاد من المنافسة عليه ودفعه لتحقيق معدل تغطية استثنائي.
وأشار إلى أن النتائج المالية القوية للمصرف المتحد خلال السنوات الأخيرة، وملكية البنك المركزى لحصة الأغلبية فيه، منحت ثقة إضافية للمستثمرين لافتًا إلى أنه يتميز بتقديم خدمات مصرفية غير تقليدية، مثل الصيرفة الإسلامية، وخطط طموحة للتوسع فى مجال البنوك الرقمية بدعم من البنك المركزي.
وأوضح أن نجاح هذا الطرح دفع الحكومة للإسراع فى تنفيذ برنامج الطروحات العامة، إذ تم الإعلان عن طرح 3 إلى 4 شركات تابعة لجهاز الخدمة الوطنية مؤخرًا، مؤكدًا أن هذا يعكس قدرة السوق على استيعاب مزيد من الطروحات، خاصة مع السيولة المتوفرة لدى المستثمرين.
وعن تأثير الاكتتاب على البورصة، أوضح أن السيولة الناتجة عن رد فروق التخصيص للمشاركين بدأت تضخ فى السوق مباشرة، مما ساهم فى تحسن المؤشرات، إذ تجاوز المؤشر الرئيسى 30800 نقطة، وهو مستوى مقاومة رئيسي.
وتوقع عمارة أن يشهد سهم المصرف المتحد أداءً إيجابيًا بعد الإدراج بسبب العرض المحدود للأسهم “16 مليون سهم فقط”، بالإضافة إلى الأساسيات القوية للبنك، مما قد يعزز الطلب عليه.
وأكد أن نجاح اكتتاب المصرف المتحد يقدم نموذجًا يحتذى به لجذب طروحات جديدة، سواء من القطاع الحكومى أو الخاص، مشيرًا إلى أن الحكومة بحاجة إلى التركيز على شركات ناجحة ومربحة تمتلك خططًا طموحة لضمان تحقيق نتائج مماثلة.
وختم عمارة حديثه بالتأكيد على أن نجاح الطرح يعكس وجود سيولة كبيرة واستعداد المستثمرين للدخول فى فرص استثمارية جديدة، مما يعزز من دور البورصة فى دعم الاقتصاد المصرى وتحفيز نمو القطاعات المختلفة.
تعزيز السيولة
وحول المخاطر المحتملة، أشار مصطفى شفيع، رئيس قسم التحليل المالى بشركة “عربية أون لاين”، إلى أن التحديات قد تشمل تقلبات الأسعار وضعف السيولة فى التداول الحر، لكنه أكد أن أداء السهم سيتوقف بشكل كبير على الأساسيات المالية للبنك والمناخ الاقتصادى العام.
ولفت إلى أن نجاح اكتتاب المصرف المتحد يمكن أن يشكل نموذجًا لجذب طروحات جديدة فى السوق المصرية، مشيرًا إلى أن الطروحات تعزز ثقة المستثمرين فى الاقتصاد المصرى وتفتح الباب أمام تدفقات نقدية جديدة، سواء من الداخل أو الخارج.
وأوضح أن الإقبال الكبير يرجع لعدة عوامل، منها جاذبية القطاع المصرفي، الذى يُعد أحد أكثر القطاعات ثقلًا فى البورصة المصرية، ووجود صندوق دعم استقرار السهم، الذى يمنح المكتتبين حماية ضد انخفاض القيمة السوقية للسهم عن سعر الطرح، مما يجعل الاستثمار فى الطرح أقل مخاطرة.
وأضاف أن الإقبال الكبير على الاكتتاب يمثل فرصة لتعزيز السيولة فى السوق، مشيرًا إلى أن دخول استثمارات جديدة، سواء من مؤسسات أو أفراد، يساهم فى تقوية السوق المالية وزيادة عمقها.
وأكد أن الطروحات الجديدة تضيف زخمًا للسوق، الذى يعانى من نقص فى الشركات المدرجة بعد شطب العديد من الكيانات خلال السنوات الأخيرة.
ودعا الحكومة إلى تسريع وتيرة برنامج الطروحات العامة، مشيرًا إلى أهمية ذلك فى توفير فرص استثمارية جديدة وتعزيز ثقة المستثمرين.
وشدد على أن إعلان الحكومة المرتقب عن تفاصيل الطروحات المستقبلية، بما فى ذلك إدراج شركات فى قطاعات مختلفة مثل البنوك والصناعة والزراعة، من شأنه أن يدعم السوق ويجذب استثمارات أجنبية.
وعن توقعاته لأداء سهم المصرف المتحد بعد الإدراج، قال إنه سيكون هناك صعوبة نسبية فى التداول نظرًا لقلة شريحة الطرح العام، التى تمثل %5 فقط من إجمالى الأسهم مشيرًا إلى أن هذا يؤدى إلى محدودية السيولة فى التداول الحر، متوقعًا أن يتجاوز السهم قيمته الاسمية عند الطرح البالغة 13.85 جنيهًا للسهم، ليصل إلى قيمته العادلة وربما يتخطاها.
وأشار إلى أن جاذبية المصرف المتحد ككيان مصرفى يتمتع بوضع مالى مستقر وتحقيقه لنتائج أعمال جيدة، كانت من بين أبرز العوامل التى دفعت إلى الإقبال على الاكتتاب، مضيفًا أن القطاع المصرفى بشكل عام يحظى باهتمام كبير من المستثمرين نظرًا لثقله فى السوق.
وحول مقارنة تغطية الطرح العام للمصرف المتحد مع طروحات أخرى، مثل”Act Financial” و”E-Finance”، أوضح شفيع أن معدلات التغطية المرتفعة أصبحت نمطًا شائعًا فى السوق المصرية، مما يعكس حالة العطش لدى المستثمرين للفرص الاستثمارية الجديدة.
وأكد رئيس قسم التحليل المالى بشركة “عربية أون لاين” على أن الطروحات العامة والخاصة تلعب دورًا حيويًا فى تنشيط السوق المالية، مشددًا على أهمية وجود قطاعات متنوعة وشركات بأحجام مختلفة لزيادة عمق السوق وجذب رؤوس الأموال الأجنبية والمحلية.
قبلة الحياة
ووصف حسام عيد، مدير قطاع الاستثمار بشركة القاهرة الوطنية، برنامج الطروحات الحكومية بأنه “قبلة الحياة” للاقتصاد المصرى والبورصة على حد سواء، حيث يضم 50 شركة تمثل 18 قطاعًا إنتاجيًا. مؤكدًا أن البرنامج يسهم فى توفير السيولة اللازمة لتوسيع أنشطة هذه الشركات وزيادة الناتج المحلى الإجمالي، مما يعزز النمو الاقتصادي.
وشدد على ضرورة تسريع تنفيذ برنامج الطروحات الحكومية الذى يشمل 52 شركة تمثل قطاعات استراتيجية مؤكدًا أنه يمثل أداة رئيسية لتوفير العملة الأجنبية وتعزيز احتياطى النقد الأجنبي، مما يدعم الاستقرار المالى وخفض معدلات الدين الخارجي، ويتيح للحكومة التحرك نحو سياسات نقدية ميسرة.
وتوقع أن تؤدى عودة السيولة الناتجة عن الاكتتاب إلى تحسين أداء مؤشرات البورصة المصرية خلال الفترة المقبلة، مما سيدعم المؤشر الرئيسى EGX30 للوصول إلى قمته التاريخية عند مستوى 34400 نقطة، مع استمرار المؤشر السبعينى فى تسجيل قمم جديدة.
كما توقع أن يشهد سهم المصرف المتحد أداءً إيجابيًا فى أول أيام تداوله، مدفوعًا بارتفاع القيمة العادلة للسهم والطلب القوى من المستثمرين الأفراد، مشيرًا إلى أن تخصيص %95 من الطرح للمؤسسات المالية ذات الملاءة المرتفعة يعزز استقرار أداء السهم ويحد من المضاربات، كما أن هذه المؤسسات تمثل ضمانة لتغطية الطرح بالكامل.
ودعا عيد إدارة سوق المال المصرى إلى استغلال هذه الثقة من خلال تقديم حوافز للقيد تشجع الشركات الرائدة على الإدراج، لافتًا إلى أهمية البورصة كأداة تمويل منخفضة التكلفة، خصوصًا فى ظل ارتفاع تكاليف التمويل عالميًا.
وأكد على أن نجاح أى طرح جديد يعتمد على توافر الترويج الجيد والتسعير العادل، وهما عاملان توفرا فى طرح المصرف المتحد، مما ساهم فى جذب رؤوس أموال محلية ودولية للاستثمار.
وأوضح عيد أن تنفيذ برنامج الطروحات يسهم فى مواجهة الأزمات الاقتصادية العالمية، من خلال تخفيف الضغط على الموازنة العامة وخفض معدلات التضخم، كما يدعم التحول نحو الاستثمار المباشر، مما يعزز قدرة الاقتصاد المصرى على تجاوز التحديات وتحقيق الاستقرار طويل الأجل.
عونى: ملكية «المركزي» منحت الأفراد الثقة والفترة المثالية للطرح 60 يومًا
عمارة: النجاح يظهر قدرة السوق على استيعاب المزيد
شفيع: هناك حالة عطش لدى المستثمرين للفرص الاستثمارية الجديدة
عيد: «الحكومية» «قبلة الحياة» للاقتصاد والخروج من الأزمة
