«اللبان» يشرح لـ CEO Level Podcast كواليس تدشين بنك «تشيس الأهلي» وتحوله لـ CIB

Ad

فى حلقة جديدة منCEO LEVEL PODCAST ، يقدم رئيس تحرير جريدة المال، حازم شريف، حوارًا استثنائيًا مع شخصية صنعت تاريخًا فارقًا فى القطاع المصرفى المصرى والعربي، الأستاذ عادل اللبان، نائب رئيس البنك الأهلى المتحد البحرين.

ويُعد اللبان من أبرز الأسماء التى ساهمت فى تطوير القطاع المالى والمصرفى على مدى أكثر من 45 عامًا، إذ تنقل بين مناصب قيادية داخل وخارج مصر، تاركًا بصمة واضحة فى كل محطة من محطات رحلته المهنية.

خلال هذا الحوار، يكشف اللبان عن محطات مفصلية فى حياته، بدءًا من نشأته فى مصر ودراسته فى الجامعة الأمريكية بالقاهرة، إذ كان أصغر طالب فى دفعته وتخرج بتقدير امتياز.

كما يسرد اللبان قصة انتقاله من المجال الأكاديمى إلى الحياة المهنية، وكيف كانت بداية عمله فى بنك تشيس الأهلى تجربة فارقة، تعلم خلالها أسس التحليل الائتمانى وإدارة المخاطر تحت ضغط، وهى المهارات التى أصبحت أساس نجاحه لاحقًا.

يتناول الحوار أيضًا تفاصيل مثيرة عن كيفية تصعيده مع تمصير الوظائف داخل أحد البنوك الدولية بمصر، وكيف ساهمت جهوده فى خلق بيئة مصرفية قادرة على المنافسة عالميًا.

يتحدث اللبان عن تجربته مع بنك تشيس مانهاتن، التى شكلت نقطة تحول كبيرة فى حياته المهنية، وعن الانتقال للعمل مع المؤسسة العربية المصرفية (ABC) فى البحرين، إذ تولى إدارة القروض المشتركة، وتعامل مع تحديات تمويلية كبرى فى دول مثل الجزائر وتايلاند.

لا يتوقف الحوار عند النجاحات فقط، بل يتعمق فى لحظات التحدى والمخاطرة التى واجهها اللبان، ومنها تجربته مع مورجان ستانلي، وكيف أدار التحولات المفاجئة فى مساره المهني، كما يناقش رؤيته لبيئة الأعمال فى مصر والمنطقة، وأفكاره حول التعليم النوعى وأهمية التفكير النقدى فى قيادة المؤسسات.

وإلى نص الجزء الأول الحوار المتاح للجمهور علىALMAL TVبموقع يوتيوب وكافة منصات البودكاست:

● حازم شريف: ضيفى اليوم شخصية من العيار الثقيل، وأقول ذلك بكل ثقة، أزعم، بل وأؤكد، أنه واحد من أبرز الوجوه المصرفية وأهم القيادات فى القطاع المالى بمصر على مدار الخمسين عامًا الماضية، أرحب بالأستاذ عادل اللبان.

عادل اللبان: أهلًا وسهلًا بك وبمشاهديCEO Level Podcast

● حازم شريف: لدينا اليوم محور مهم للنقاش فأنت تُعدّ نجمًا بارزًا فى القطاع المالى والاقتصادى فى مصر خلال السنوات الماضية، ولكن مع ظهور أجيال جديدة فى القطاع، غبتَ لفترة عن الساحة المصرية بسبب رحلتك المهنية الناجحة خارج البلاد، يهمنا اليوم أن نتعرف على الأستاذ. من هو؟ ما مسيرته الدراسية؟ كيف كانت بداياته المهنية؟

عادل اللبان: شكرًا جزيلًا على هذه المقدمة الكريمة، وأرجو أن أكون مستحقًا ولو جزءًا صغيرًا منها.

اسمى عادل اللبان، وأنا سويسرى المولد، لكن مصرى الجنسية، حياتى الدراسية بالكامل كانت فى مصر، لكن مع بداية المرحلة الإعدادية، وتحديدًا فى أولى ثانوي، قررت أسرتى اتخاذ مسار مختلف، إذ شعرت والدتى – رحمها الله – بأننى بحاجة إلى تحدٍّ تعليمى أكبر، كانت ترى أن المدرسة لا تقدم لى ما يكفى لتحفيز قدراتي، فاقترحت أن أختصر المرحلة الثانوية وأتوجه لشيء أصعب.

لم أكمل الثانوية العامة التقليدية فى مصر، بدلًا من ذلك، حصلت على شهادةGCSE(الشهادة الثانوية البريطانية) من خلال المركز الثقافى البريطاني، الذى كانت السفارة البريطانية تديره فى مصر.

● حازم شريف: كان ذلك فى وقت مبكر للغاية، إذ لم تكن هذه الشهادة معروفة بشكل واسع، متى حصلت عليها؟

عادل اللبان:1972، كنت قد بدأت الدراسة لهذه الشهادة وأنا بعمر 14 عامًا،والتحقت بالجامعة الأمريكية فى القاهرة فى فبراير 1973، قبل حرب أكتوبر بعدة أشهر، كنت حينها فى الخامسة عشر، وقتها كانت الجامعة الأمريكية معترفًا بها جزئيًا؛ بعض الجهات كانت توظف خريجيها، بينما كانت هناك صعوبة فى معادلة شهادتها بجامعة القاهرة مثلًا.

درستُ الاقتصاد كتخصص أساسى (Major)، إلى جانب العلوم السياسية كمادة فرعية (Minor) وفق نظام الجامعة، كانت تجربة تعليمية مميزة، ووضعت الأساس لمسيرتى المهنية فيما بعد.

خلال فترة دراستى الجامعية فى السبعينيات، قضيت أربع سنوات للحصول على شهادة البكالوريوس، ثم سنتين للحصول على درجة الماجستير.

فى تلك الفترة، كان المجتمع داخل الجامعة مختلفًا تمامًا عن التركيبة المصرية التقليدية، الجامعة الأمريكية كانت تضم عددًا كبيرًا من الأجانب من مختلف الجنسيات، كان هناك فلسطينيون وأردنيون، بالإضافة إلى عدد من الأمريكيين المهتمين بدراسات الشرق الأوسط، وغيرهم من الغربيين، كذلك، كان هناك طلاب من جنوب السودان حصلوا على منح للدراسة، وأذكر أن أحدهم أصبح وزيرًا بعد استقلال دولة جنوب السودان.

أما المصريون الذين كانوا فى الجامعة، فلم تتجاوز نسبتهم %60 تقريبًا من إجمالى الطلاب، هذا الخليط أتاح لى فرصة استثنائية للتعرف على ثقافات متعددة، مثل الأرمينية، واليونانية، وحتى اليهودية، كما أن نسبة كبيرة من الطلاب المصريين كانوا من خلفيات مسيحية.

الجانب الآخر الذى كان مميزًا هو نظام الدراسة الأمريكي، الذى يعتمد على الكورسات وليس السنوات الدراسية، هذا خلق ديناميكية مختلفة؛ فقد تجد زميلًا يجلس بجانبك وهو على وشك التخرج، بينما أنت لا تزال فى البداية، كنت صغير السن نسبيًّا مقارنة بزملائي، لكن هذا ساعدنى على التكيف سريعًا مع أشخاص أكبر سنًا، وكانت تلك تجربة ناضجة ومفيدة جدًا.

التعليم فى الجامعة الأمريكية كان مميزًا جدًا آنذاك، كان يعتمد على التفكير النقدى واستخدام العقل، وليس فقط على الحفظ والتلقين، تعلمنا كيفية البحث العلمي، واستخدام المكتبات، والمراجع، وكيفية إثبات وجهات نظرنا بالاستناد إلى مصادر موثوقة.

هذا التنوع فى المناهج وسّع أفق تفكيرى كثيرًا، خاصة فى تلك المرحلة المبكرة من عمري، ففكرة أن أدرس مواد مختلفة إلى جانب تخصصى الأساسى ساعدتنى على بناء خلفية ثقافية واسعة، لم يكن الهدف فقط الحصول على شهادة فى الاقتصاد، بل تكوين إنسان قادر على التفكير بشكل شامل ومتزن.

● حازم شريف: متى تخرجت من الجامعة؟

عادل اللبان تخرجت فى فبراير 1977 وحصلت على المركز الأول بتقدير امتياز.

بعد تخرجى فى فبراير 1977، التحقتُ بالخدمة العسكرية فى أبريل من نفس العام، انضممت إلى سلاح الإشارة، ونحن عائلة غير عسكرية، وليس لدينا صلات كثيرة بالمجال العسكري، لذلك كانت التجربة جديدة تمامًا بالنسبة لي.

والحياة مليئة بالمصادفات التى أحيانًا تحمل حكمة خفية خلال تلك الفترة، طلب منى أحد أساتذتي، الدكتور على الدين هلال، الذى كان يعمل فى مركز الأهرام للدراسات وقتها، المشاركة فى مشروع بحثى يتعلق بمعهدCipri for Suedeفى السويد، الذى يقوم بدراسة حول التسليح فى العالم العربي، وكان بحاجة إلى مقال عن تأثير التسليح فى مصر، فى تلك الفترة، كنا قد خرجنا لتوّنا من حرب أكتوبر 1973، كما طلب دراسة مقارنة بين مصر وإسرائيل.

وأثناء وجودى فى مكتبه، كانت هناك زميلة أعرفها من الجامعة، فسألها الدكتور على الدين هلال عما كان والدها يمكنه مساعدتي، كنت وقتها فى مرحلة التوزيع بعد انتهاء المرحلة الأولية من التجنيد، كان من المفترض أن يتم توزيعى على التشكيلات، بحكم أننى كنت فى سلاح الإشارة، وهو الوسيلة الرئيسية للاتصال بين التشكيلات.

وكان والدها اللواء حسنى عيد، وهو أحد أبطال الجيش المصري، وهو من أعاد تنظيم المدرعاتبعد هزيمة 1967، فى ذلك الوقت، كان قد تقاعد وأصبح أول رئيس لكلية الدفاع الوطنى بأكاديمية ناصر.

وبناءً على توصية اللواء حسنى عيد، تقرر أن أُنقل إلى كلية الدفاع الوطنى بدلًا من الذهاب إلى الجيش الثالث الميداني، كانت هذه فرصة استثنائية، لأن الكلية تُعد واحدة من المؤسسات المهمة التى تعنى بدراسة الأمن القومى من كل جوانبه، وليس فقط من الناحية العسكرية.

فى كلية الدفاع الوطني، وجدت نفسى فى مكتبة غنية بالكتب والمراجع الأجنبية فى مختلف المجالات، بما فى ذلك العلوم غير العسكرية، نظرًا لأن تركيز الكلية كان على الأمن القومى بمفهومه الشامل.

كُلّفت بمساعدة الدارسين فى العثور على المراجع التى يحتاجونها، لم يقتصر عملى على ذلك، بل كنت مسؤولًا عن الكتب التى تعزز من محتويات المكتبة، وبينما كنت فى المكتبة كنت أستغل وقتى أيضًا فى القراءة والعمل على دراستى الأكاديمية والمواضيع المتعلقة ببحث الدكتور على الدين، كان هذا الدور فرصة للتعلم المستمر، وتوسيع مداركى فى بيئة أكاديمية ومهنية مميزة.

● حازم شريف: متى أنهيت الخدمة العسكرية؟وماذا فعلت عقب ذلك؟!

عادل اللبان: فى صيف عام 1978، أنهيت خدمتى العسكرية، وقررت لاحقًا التقدم لامتحان وزارة الخارجية، خاصة أن والدى كان سفيرًا، وكان من الطبيعى أن أتبع هذا المسار المهنى اجتزت الامتحانين الكتابى والشفوي، وكان رئيس لجنة الامتحان الشفوى هو الدكتور بطرس غالي.

وبفضل اجتهادي، حصلت على المركز الأول على الدفعة، وتم قبولى للعمل، وبعد يومين قدمت استقالتي!.

● حازم شريف: هذه مسألة مثيرة حقاً!! ما السبب؟

عادل اللبان:دخولى لهذا المجال كان إلى حد كبير لإرضاء والدى أكثر مما كان رغبة شخصية مني.

وقد زرت مكتب الدكتور بطرس غالي، وسألني: “ماذا تريد أن تفعل فى حياتك؟” أجبت أننى أرغب فى استكمال الدكتوراه، وأخبرته بالموضوع الذى اخترته له، وقلل الدكتور بطرس من شأنه، واعتبره موضوعاً قديماً لا فائدة منه مما أصابنى بالإحباط.

لاحقًا، بدأ عملى فى وزارة الخارجية، لكن التجربة كانت مختلفة عما توقعت، المكتب الذى عملتُ فيه كان صغيرًا ومتواضعًا، لأنه كان جزءًا من الصندرة فى القصر القديم الذى كان مقراً للوزارة أمام جامعة الدول العربية.

وكنت أعمل مع موظف أكبر مني، ربما مستشارًا أو سكرتيرًا أول، إذ كان دورى الأساسى مراجعة الخطابات والكلمات باللغة الإنجليزية.

تم اختيارى لهذا الدور لأننى كنت الأول على الدفعة وأتقن الإنجليزية، بينما كان الوزير فرانكوفونيًّا يجيد الفرنسية، شعرت بأن دورى أشبه بمترجم أو محرر، وهو ما لم يتوافق مع طموحاتي، سرعان ما بدأتُ أشعر بعدم الرضا، ولم أتمكن من رؤية نفسى فى هذا المسار، لذلك، وبعد يومين فقط من العمل، قررتُ الاستقالة التى تعد ولا شك الأسرع فى تاريخ الوزارة.

فى ذلك الوقت، كانت البنوك الأجنبية تدخل السوق المصرية بقوة نتيجة الانفتاح الاقتصادى الذى قاده الرئيس السادات بعد حرب 1973.

وقد أصدر السادات قانون تشجيع الاستثمار العربى والأجنبي، مما جعل مصر وجهة جذابة للشركات والمؤسسات الدولية، من بين المستفيدين الأوائل كانت البنوك العالمية، مثل “تشيس مانهاتن، سيتى بنك، بنك أوف أمريكا، لويدز، سوميتومو، وبنك دى روما”، تقريبًا، لم يكن هناك بنك عالمى إلا وفتح فرعًا أو شراكة فى مصر، وكانت هذه هى القوة الجاذبة فى هذا الحين.

● حازم شريف: كيف دخلت هذا المجال؟

عادل اللبان: كل شيء بدأ عندما رأيت إعلانًا صغيرًا فى جريدة الجامعة يطلب موظفين قررتُ التقدم، وبكل بساطة تم قبولي، وتشيس الأهلى لم يكن بنكًا عاديًا، بل كان مؤسسة مميزة بمزيج فريد.

● حازم شريف: ما نوع الشراكة بين بنك تشيس مانهاتن الأمريكى والبنك الأهلى المصري؟

عادل اللبان: فى ذلك الوقت، كانت مصر تعيد توجيه سياساتها من المعسكر الشرقى إلى الغربي، وكان الرئيس السادات يؤكد أن “%99 من اللعبة فى إيد أمريكا”، فى إطار هذا التحول، لعبت شخصيات بارزة مثل ديفيد روكفلر دورًا كبيرًا فى تعزيز العلاقات الاقتصادية بين البلدين.

ديفيد روكفلر كان رئيس بنك تشيس مانهاتن وواحدًا من أبرز أعضاء عائلة روكفلر، العائلة الأمريكية الثرية التى أسست ثروتها فى قطاع النفط من خلال شركة “إكسون موبيل”، كانت عائلة روكفلر رمزًا للثراء والنفوذ منذ تأسيس الولايات المتحدة، وديفيد نفسه كان شخصية ذات تأثير عالمى كبير.

كان ديفيد روكفلر، رئيس مجلس إدارة بنك تشيس مانهاتن، شخصية بارزة تميل أكثر إلى الدبلوماسية والسياسة العامة من العمل المصرفى اليومي، رغم توليه منصبًا مصرفيًّا، فكان يُعتبر أشبه بـ”وزير خارجية متنقل” بسبب نفوذه الواسع وعلاقاته القوية مع صناع القرار فى مختلف دول العالم.

فى أحد زياراته لمصر، التقى الرئيس السادات فى أسوان فى لقاء لم يكن ذا طابع اقتصادى بحت، وإنما جزءًا من الجهود الدبلوماسية غير الرسمية بين البلدين، خلال الحديث، طرح السادات سؤالًا بسيطًا لكنه فتح بابًا كبيرًا: “ما هو عملك؟”، عندما أجابه روكفلر بأنه يدير بنك تشيس مانهاتن، الذى كان وقتها ثانى أو ثالث أكبر بنك فى أمريكا، اقترح عليه السادات دخول السوق المصرية؟”

رد روكفلر بأنه لا يوجد قانون يسمح بذلك، إذ كانت جميع البنوك فى مصر فى تلك الفترة (منذ الخمسينيات والستينيات) قد أُممت وأصبحت ملكًا للدولة، تعمل تحت خطة مركزية لإدارة القطاع المصرفي، ليقول الرئيس السادات “نمنحكم الموافقة ونصدر القانون عقب ذلك؟! وفى نفس الجلسة، استدعى السادات على دبوس، رئيس القطاع الخارجى فى البنك الأهلى المصرى وعضو مجلس إدارته آنذاك.

وقد رافق “دبوس” فى الاجتماع عبدالمنعم رشدي، رئيس البنك الأهلى فى ذلك الوقت، والذى كان يعد المصرف المسؤول عن إدارة التجارة الخارجية لمصر، وكان يتحكم بشكل شبه كامل فى التجارة الخارجية، وهو دور يتطلب شبكة من العلاقات مع البنوك الأجنبية.

وتم توقيع اتفاقية تأسيس بنك تشيس الأهلى خلال تلك الزيارة، وفى حدث يعتبر من عجائب التعاون الاقتصادى الإيجابي، برأسمال قدره 3.5 مليون دولار.

● حازم شريف: كان الدولار وقتها يساوى 40 قرشًا

عادل اللبان: لا، كان الدولار يساوى حوالى 30 قرشًا أو أقل، وقد وضع تشيس جزءًا من حصته على شكل نظام تقنى وفنى بسيط تم نقله من أحد فروع البنك فى إندونيسيا، بجانب حصة نقدية.

● حازم شريف: كم كانت حصص الطرفين؟

عادل اللبان: امتلك الجانب المصرى (البنك الأهلي) %51 من رأس المال، بينما امتلك بنك تشيس %49 وكان هناك عقد إدارة لمدة 10 سنوات قابل للتجديد، مما منح بنك تشيس مانهاتن سيطرة على إدارة العمليات اليومية.

حين جاء الأمريكيون، حملوا معهم أحدث اللوائح والتنظيمات البنكية، بما فى ذلك سياسات منع تعارض المصالح، وتحديد الاختصاصات بوضوح داخل البنك، أيضًا، كان بنك “تشيس” معروفًا عالميًّا بأفضل برنامج تدريب فى مجال الائتمان، وهو ما أتاح فرصًا كبيرة لتطوير الكوادر.

● حازم شريف: هذا البرنامج له قصة طويلة.

عادل اللبان: بالنسبة لي، بدأت رحلتى هناك فى أوائل عام 1979 وكنت وقتها فى الحادية والعشرين من عمري، من اليوم الأول انضممتُ إلى برنامج تدريب الائتمان، الذى كان يضم مجموعة من عشرة أشخاص من تخصصات مختلفة، مثل الهندسة، الفنون الجميلة، الاقتصاد، وحتى الحقوق، لم يكن التخصص مهمًا، بل المهم كان القدرة العقلية والاستعداد للتعلم.

استمر البرنامج لمدة ستة أشهر، وكان يتطلب التفرغ الكامل، أشرفت عليه مدربة أمريكية من أصول مصرية تُدعى إحسان الطاهري، وبدأنا بدراسة المحاسبة من الصفر. هذا البرنامج المكثف، كان يعمل بنظام صارم جدًا، خلال أربعة أيام عمل، نتلقى محاضرات مكثفة، وفى اليوم الخامس (الخميس) نخضع لاختبار.

الامتحان كان حاسماً؛ يجب تحقيق %70 على الأقل للنجاح. إذا حصلت على %69 يتم استبعادك فورًا من البنك وليس من الدورة فقط، ولو تأخرتَ- أظن- أكثر من مرتين، يحتم عليك مغادرة الكورس، حتى لو كنت تحصل على العلامة الكاملة 100/100، استمررنا بهذا النظام لمدة تقارب ستة أشهر.

أتذكر أنه فى الأسبوع الأخير، كنا ندرس التحليل الائتماني، ثم تطرقنا إلى المنتجات المصرفية المختلفة مثل الخزينة، الاعتمادات، وخطابات الضمان، كما كان هناك محور خاص بفهم مبادئ الاقتصاد وتأثيرها على العمل المصرفي.

استمررنا على هذا النمط حتى آخر كورس وآخر اختبار، ولم يكن كل ما قمت به من مجهود سابقًا ذا أهمية بقدر أهمية الاختبار الأخير، لم يكن نظام التقييم معتمدًا على متوسط الأداء، بل كان يركز على الإجابة على سؤال واحد: هل ستجتاز الاختبار أم لا؟

أما عن المحاسبة، فقد خُصصت لها ثلاثة أسابيع فقط، وكانت تطلب منك، بعد هذه الفترة القصيرة، القدرة على إعداد وتجميع القوائم المالية من العمليات، هذا الأمر قد يبدو مستحيلًا، خاصة لمن لم يدرس المحاسبة بشكل متخصص، فمن المعروف أن قسم المحاسبة فى كليات التجارة يُدرَّس على مدار سنوات، وليس فى غضون ثلاثة أسابيع فقط من بدء الدراسة.

هذا جزء من التمرين، لاختبار شخصيتك وقدرتك على التحليل تحت الضغط، أتذكر مثالًا عمليًّا يوضح طبيعة هذا التدريب، كانوا يقدمون لنا ميزانيات لعشر شركات مختلفة، مثل شركات أسمنت، شركات بترول، شركات تجارية، أو شركات منتجة لسلع استهلاكية مثل المياه الغازية، دون أن يخبرونا بطبيعة عمل كل شركة.

كان يُطلب منا أن نقرأ كل ميزانية نربطها بالصناعة التى تنتمى إليها، على سبيل المثال، إذا كانت إحدى الشركات تمتلك أصولًا ثابتة تمثل %80 من إجمالى ميزانيتها، فمن المنطقى أن تكون هذه الشركة تابعة للصناعات الثقيلة مثل الحديد والصلب أو الأسمنت، وإذا كانت الشركة تمتلك أصولًا ثابتة قليلة جدًا، فمن المرجح أن تكون «تجارية»، إذ يتميز هذا النشاط بأصول خفيفة، غالبًا لا تتجاوز المخازن.

وكنا نحصل على ملفات العملاء الفعلية، نعيد دراستها بدقة، ثم نقرر ما إذا كنا نوافق على الوضع الحالي، أم نرفضه، أم نقدم اقتراحات للتعديل.

النظام كان موحدًا، سواء كنت تقدم حالة لشركة رابحة أو غير ذلك، وكنت مطالبًا بالالتزام بمبدأ التحليل الموضوعي، مع الحفاظ على نسبة نجاحك ضمن التقييم العام، الذى كان يعتمد بنسبة %70 على الأداء، فى هذه المرحلة، كان قليل جدًا من الأشخاص يتركون البرنامج بعد اجتياز المرحلة النظرية، لكن طريقة توزيع المتدربين كانت تتم بناءً على النتائج والقدرات.

وكانتعملية توزيع الموظفين فى البنك دقيقة، على سبيل المثال: من لديهم مهارات تسويقية متميزة كانوا يُرسلون للتعامل مع العملاء مباشرة، لإقناعهم بالتعامل مع البنك.

ومن كانت لديهم مهارات تحليلية قوية ويفضلون العمل خلف الكواليس، يتم تعيينهم فى قسم تحليل المخاطر المحيطة بالعملاء المحتملين، وتحديد وسائل التحكم بها.

أما من لديهم اهتمام كبير بالتفاصيل الدقيقة، وعقلية منظمة، فيتم وضعهم فى الأقسام التى تراجع الملفات الائتمانية بعد إعدادها.

● حازم شريف: ذهبت إلى الائتمان، لأنك صُنفت كعقلية تحليلية.

عادل اللبان: نعم، تم اختيارى للعمل فى قسم الائتمان، فى هذا النظام، لم يكن المسؤول عن التسويق منفصلًا عن المسؤولية الائتمانية، كان هناك مبدأ واضح: الشخص الذى يسوّق للعميل هو نفسه المسؤول عن حالته الائتمانية، كان عليه تحليل الأرقام، تقييم المخاطر، واتخاذ القرار النهائي.

● حازم شريف: هذا النهج يضمن تحمل المسؤولية الكاملة بغض النظر عن أى شيء آخر.

عادل اللبان: لكى يكون لديك نظام فعّال فى اكتساب العملاء الجيدين، يجب أن تكون المسؤوليات واضحة تمامًا، الشخص الذى يجلب العميل هو نفسه الذى يدرسه، يحلله، ويعرض نتائجه، على سبيل المثال: “تحدثتُ مع العميل، فهمتُ احتياجاته، وقمتُ بتحليل الموقف، وهذه هى توصياتي”.

لكن فى الوقت ذاته، لا أحد يمتلك سلطة فردية مطلقة؛ كل قرار يُراجع من قِبل الآخرين لضمان صحته، ومع ذلك، إذا حدثت مشكلة مع العميل، فإن المسؤولية النهائية تقع على الشخص الذى أدار الحساب من البداية، كان النظام واضحًا للغاية فى هذا الجانب، فإذا تعثر عميل – وهذا أمر وارد بنسبة تتراوح بين %2 إلى %3 من العملاء – كان يُذكر دائمًا فى التقارير: متى فُتح الحساب؟ ومن كان المسؤول عن فتحه؟

وأتذكر أنه عندما عدتُ للعمل فى البنك التجارى الدولى (CIB) بعد سنوات – رأيت بعض الحسابات التى كنت مسؤولًا عنها قد تعثرت، عندما كنتُ أقرأ تقارير التعثر وأجد اسمى مذكورًا، شعرت بمزيج من المسؤولية والوعي.

هذا النظام أضاف لى شيئًا مهمًا: ليس مطلوبًا منك أن تكون على حق دائمًا؛ لأن ذلك يعنى أنك لن تخاطر ولن تنجح فى العمل، فى هذه الصناعة، المخاطرة محسوبة، لكنك أيضًا لا يجب أن تكون متهورًا.

● حازم شريف: أرغب أولًا فى معرفة ما الذى حدث بعد انتهائك من البرنامج التدريبي؟ وكيف تم توزيعك فى قسم الائتمان؟!

عادل اللبان: كان ترتيبى الأول على دفعتي، تقرر إرسال الحاصلين على المراتب الأولى إلى الأقسام الأضعف، لتطويرها ودعمها، حينها كانت إدارات البنك مقسمة إلى قسمين: قسم يتعامل مع الشركات المصرية، وقسم آخر يتعامل مع الشركات الأجنبية.

القسم الأضعف كان الشركات الأجنبية، نظرًا لأن تعاملاتها كانت أقل مقارنة بالشركات المصرية وهكذا، تم توزيعى للعمل، وتحديدًا فى قطاع البترول، بمجرد انضمامى تسلمت مسؤولية إدارة هذا القطاع، وهو تحدٍّ كبير نظرًا لحجم وأهمية هذا النوع من العملاء.

عندما أصبحت مسؤولًا عن قطاع البترول، بدا الأمر كفرصة كبيرة، ولكن من وجهة نظر بنك مثل “تشيس الأهلي” آنذاك، لم تكن الفرص فى هذا القطاع واسعة، كانت الهيئة العامة للبترول ومعظم الشركات التابعة لها تتعامل بشكل حصرى مع البنوك الوطنية، مثل البنك الأهلى المصري، وكان لديها تحفظات كبيرة تجاه التعامل مع البنوك الأجنبية، لذا كانت فرصتنا الوحيدة تتمثل فى الشركات الأجنبية الداعمة لقطاع البترول.

وكانت تلك الشركاتثرية جدًا، ولا تعتمد على البنوك لتوفير التمويل، بالتالي، لم يكن لدينا عامل جذب التمويل التقليدى لإقناعهم بالتعامل معنا، ومع ذلك، كانت لديهم احتياجات أخرى مهمة مثل خدمات إدارة السيولة، بالإضافة إلى تنازلات العملة الصعبة للجنيه المصري، وهو أمر كانت مصر تعانى منه دائمًا وما زالت حتى اليوم.

بدأنا بابتكار حلول وخدمات جديدة تناسب احتياجات تلك الشركات، وكان مديرى فى العمل، الذى كان يكبرنى بسنة واحدة فقط، رغم قلة خبرته، كان يتمتع بقدرات تسويقية استثنائية، يمكن وصفها مجازًا بأنه يستطيع بيع الثلج فى أيسلندا، المحفظة كانت صغيرة لكنها تطلبت إدارة دقيقة ومبتكرة.

مع الوقت، وبفضل أفكار جديدة اقترحناها ونفذناها معًا، نجحنا فى توسيع المحفظة، وعندما لاحظ مديرى نجاحى فى التنفيذ، منحنى مزيدًا من الحرية فى التسويق، وسمح لى بالدخول إلى قطاعات أخرى بجانب البترول، مثل قطاع الأدوية والشركات متعددة الجنسيات.

فى هذا السياق، أريد أن أركز على نقطة صغيرة: الدراسات الأكاديمية لا تُعلمك كيفية إدارة شركة بترول، أو شركة أدوية، أو حتى شركة طيران، لكنها تقدم لك طريقة تفكير منظمة، هذا ما وجدته خلال الستة أشهر التى قضيتها فى دراسة هذا البرنامج التدريبي، تعلمت خلالها ما يعادل ما درسته خلال 4 سنوات كاملة فى الجامعة الأمريكية أثناء حصولى على البكالوريوس.

هذا البرنامج التدريبى أثر بشكل كبير على طريقة تفكيرى حتى اليوم، إذ أصبحت دائمًا أبحث عن المخاطر وأوازنها مع الأرباح، وأتخذ قرارات على هذا الأساس، إذا كانت العملية ناجحة، استمر، وإذا لم تكن، فلا تضيع وقتك فيها.

مع ذلك، هناك شروط أساسية يجب توافرها ليكون تأثيره أكثر فاعلية، البرنامج التدريبى يمكن أن يكون نقطة انطلاق، لكن النجاح الحقيقى يأتى عندما تتبنى المؤسسة بأكملها هذا المنهج، بمعنى أن يتم تدريب كافة المستويات الإدارية بنفس الطريقة، بدءًا من الموظف الجديد وحتى الإدارة العليا، مثل العضو المنتدب، هذا التوحيد فى التدريب يجعل الجميع يتحدث نفس اللغة، ويفكر بنفس الأسلوب، مما يُسهل اتخاذ القرارات ويُسرع العمليات داخل المؤسسة.

● حازم شريف: نفس اللغة وذات الدراسة ومن المؤكد أن درجة التفاهم ستكون مرتفعة.

عادل اللبان:نعم، وهذا ما كنا نتميز به مقارنة بمنافسينا، وقد حاول البعض استنساخ تجربتنا عبر استقطاب خريجى هذا البرنامج التدريبى للعمل لديهم، ولكن النتائج لم تكن بنفس المستوى، السبب بسيط: خريج (الكورس) يحتاج بيئة تدعم ما تعلمه، وإدارة تعمل بنفس النهج، وإلا سيجد نفسه فى صدام مع واقع مختلف.

● حازم شريف: بالعودة إلى موضوع الائتمان، وبعد ما توسعت فى قطاعات الشركات الأجنبية، ماذا حدث بعد ذلك؟

عادل اللبان: حدثت تطورات كبيرة، الراحل على دبوس كان يدفع بقوة نحو تنفيذ الأمريكيين وعودهم بتمصير الوظائف، بما فى ذلك وظيفة مدير عام الائتمان كان هناك حوالى 5-4 وظائف متاحة فى ذلك الوقت.

● حازم شريف: ما منصب على دبوس وقتها؟

عادل اللبان: كان رئيس مجلس الإدارة، وكان الهدف الأساسى هو تمصير الوظائف، الجانب الأمريكى كان مترددًا جدًا فى ذلك الوقت بسبب مخاوفهم من أن تعيين الشخص غير المناسب قد يؤدى إلى قرارات مالية سيئة، مثل إقراض شركات مصرية غير مؤهلة، وبالتالى خسارة الأموال وتحقيق مخصصات مالية.

وقد طلب على دبوس من الجانب الأمريكى الكيفية التى يضمن بها نجاح هذه الخطوة، فى تلك الفترة، لأكون الاسم المرشح لتلك الوظيفة.

● حازم شريف: متى حدث ذلك؟

عادل اللبان: كان ذلك بعد دخولى البنك بسنتين، وتحديدًا عام 1981، ولكن كان عليهم التأكد من تأهيلى الكامل، فطلبوا منى العودة مرة أخرى لإعادة التدريب واجتياز الامتحانات فى لندن ونيويورك.

اضطررت إلى ترك عملى مرة أخرى، فى يناير 1981، ذهبت إلى الولايات المتحدة لإعادة التدريب فى الولايات المتحدة، التحقت بتدريب جزئى ونجحت فيه، ثم انتقلت إلى لندن لاستكمال التدريب على شركات أجنبية.

وقضيتُ النصف الأول من عام 1981 فى إعادة الدراسة، عدتُ إلى مصر وبدأتُ العمل مع مدير عام الائتمان آنذاك، السيد سلمان عباسي، وهو فلسطينى أمريكى كان شخصية متميزة.

● حازم شريف: هل كان فى مصر؟ وما هو منصبه؟

عادل اللبان: نعم، عملت معه لفترة، كان يشغل منصب مدير عام الائتمان فى مصر، وكان هو المسؤول الرئيسى عني، وعندما ترك السيد سلمان منصبه وانتقل إلى وظيفة جديدة فى البحرين مع تشيس مانهاتن، توليتُ منصب مدير عام الائتمان وكنت فى الـ25 من عمري.

وكانت العملية مليئة بالتحديات، لأن معظم من كنت أتولى رئاستهم كانوا أكبر منى سنًا، ولجأت لطريقة الإنجاز لإثبات قدرتي.

وكان البنك يمثل %99 من الوجهات التى تقصدها الشركات الأجنبية القادمة إلى مصر، ورأيت تطبيق مفهوم الاستثمار المباشر، إذ لم يكن الأمر مجرد قوانين أو مؤسسات، بل فهم عميق لطبيعة المستثمر وكيف يفكر.

كان دورنا فى «تشيس الأهلى» يتمثل فى تسهيل التواصل والإجراءات التنفيذية لهذه الشركات بكفاءة عالية، البنوك الأخرى لم تكن تتمتع بنفس المستوى من الكفاءة فى هذا الجانب، لم يكن الأمر يتعلق بالفائدة أو العمولات، بل كان يتعلق بالقدرة على الدخول إلى عقل العميل وفهم احتياجاته بعمق.

أتذكر أننى خلال التدريب فى تشيس، تلقيت درسًا مهمًا من أستاذ أمريكى قال لنا: “عندما يكون لدى العميل عشرة بنوك ويحتاج إلى التواصل مع أحدها، عليك أن تكون الخيار الأول الذى يخطر فى باله إذا وصلت إلى هذه الدرجة فى ذهن العميل، فأنت تملك فرصة حقيقية لتوسيع علاقتك معه”، الأمر لم يكن يتعلق بالمنافسة التقليدية، بل بتقديم حلول فعالة وسريعة، تجعل العميل يثق فى قدرتك على إنجاز الأمور بشكل أفضل من غيرك.

وللتنافس فى سوق الخدمات المالية، لا يمكن الاعتماد فقط على تقديم قروض بفائدة أقل من المنافسين، كأن يقوم أحدهم بإقراض بعشرة بالمائة، وآخر بتسعة، وثالث بثمانية، هذا النوع من التنافس لا يتطلب تدريبًا خاصًا، بل مجرد حساب بسيط، ولكن إذا كان التركيز فقط على جذب العملاء بالسعر، فإن هذا النهج محفوف بالمخاطر، لأن دائمًا سيكون هناك طرف مستعد لتقديم سعر أقل.

● حازم شريف: أريدك أن تكمل مسار الرحلة فىCIB.

عادل اللبان: فى 1984 كنت أشغل منصب مدير عام الائتمان، وكانت الأمور جيدة للغاية، وكنت سعيدًا بعملي، لكن العضو المنتدب الجديد الذى تولى إدارة البنك كان يتمتع بعقلية شديدة التحفظ، كان ذلك التحفظ نابعًا من تعليمات تلقاها بعدم التوسع، ربما بسبب وجود نية جزئية لبيع حصة البنك فى المستقبل، كنت على علم بهذا التوجه منذ البداية، ورغم أن تنفيذ هذه الفكرة استغرق 3 سنوات، فإن المؤسسات الكبيرة عادة ما تتبع وتيرة بطيئة فى اتخاذ القرارات.

● حازم شريف: لماذا لا يتوسع ويعتمد على حجم هذا التوسع فى تعظيم قيمة البنك بعد التخارج؟

عادل اللبان: قد يكون هناك تخوف من أن التوسع يجلب مخاطر، وهذه المخاطر قد تؤدى إلى خسائر تقلل من قيمة البنك، ولكن التفكير العكسى يمكن أن يكون صحيحًا أيضًا.

ربما كان للأوضاع السياسية حينها، فى مرحلة الانتقال من عهد الرئيس السادات إلى الرئيس مبارك، تأثير معين على نظرة شركائنا فى “تشيس” تجاه استراتيجيات التوسع، ومع ذلك، كنت أبحث عن مغامرة جديدة.

فى ذلك الوقت، كان سوق اليورو ماركت يشهد ازدهارًا، وهو السوق الذى يوفر التمويل بالدولار الأمريكى خارج الولايات المتحدة لتجنب الضرائب، كانت مجلة “يورو ماني” توفر لنا بيانات البنوك التى تنشط فى عمليات الإقراض الدولي، فى ذلك الوقت، كانت السندات أقل شيوعًا، وكان التركيز الأكبر على القروض الدولية، ومن بين هذه البنوك كانت المؤسسة العربية المصرفية إحدى الجهات البارزةABC.

‏ABCبنك بحرينى تأسس فى عام 1982، برأس مال قدره 2 مليار دولار، مدفوع منه مليار دولار فقط، وهو رقم كان ضخمًا جدًا فى ذلك الوقت.

قرر البنك التركيز على مجال القروض المشتركة ذات الحجم الكبير والتى تُوزع مسؤولياتها بين مجموعة من البنوك لتقليل المخاطر، فى هذا النظام، يشارك كل بنك بجزء من القرض، وتُوزع الأرباح والخسائر وفقًا لنسبة المشاركة، فى ذلك الوقت، كان البنك يحتل المرتبة التاسعة أو العاشرة عالميًا فى هذا المجال.

نجاحالبنك يعود إلى إدارة متميزة، كان من أبرزها المصرفى البارز عبدالله سعودى الذى أسهم فى تطويره، وعبر علاقاته، أوصى بانضمامى إلى البنك.

فى عام 1984، اتجهت للبحرين وأعطونى عرضًا هذا العرض كان أقل ثلاث أو أربع درجات عن وظيفتي، فقبل السفر كنت مدير عام، ولكن عندما ذهبتُ لم أكن حتى مدير إدارة.

ولكن قبلت العرض لسبب بسيط جدًا، كونى فى سوق لا أعرفه، لكى أدير أحد يجب أن أكون متفهمًا كيف تسير الأمور.

● حازم شريف: ما تفاصيل ذلك العرض؟ ومتى تم ذلك؟

عادل اللبان: قبلتُ العرض فى عام 1984، وانضممتُ للعمل بالبنك فى قطاع القروض المشتركة، وكنت مسؤولًا بإدارة هذا القطاع عن دول السعودية، البحرين، الجزائر، الأردن، والعراق فى ذلك الوقت.

تجربتى فى الجزائر كانت مميزة جدًا، خلال فترة عملي، كان ABC يُعد الأقوى فى الجزائر فيما يخص التمويلات الخارجية، متفوقًا على منافسين عالميين، مثل: “سيتى بنك”، هذا التفوق كان نتيجة لعاملين رئيسيين: الأول هو الشعور القومى الجزائرى الذى دفعهم لتفضيل التعاون مع البنوك العربية على البنوك الأجنبية التى اعتبروها امتدادًا للاستعمار، والثانى هو العلاقات الشخصية القوية التى بناها الأستاذ عبدالله سعودى مع القيادات المالية فى الجزائر وغيرها من الدول.

أتذكر حادثة عندما قررت الجزائر إنشاء بنك زراعى جديد، وتم اختصار اسمه إلى “بدر” تواصلنا معهم ووافقوا على منحنا عملية بقيمة 500 مليون دولار بشرط أن نتعهد بتغطية الاكتتاب بالكامل.

وقررت ثلاثة من البنوك الفرنسية الكبرى -التى كانت عادةً تشارك فى أغلب العمليات فى الجزائر- الامتناع عن المشاركة فى هذه العملية، وأعتقد أن ذلك كان بتنسيق بينهم.

وبدأت هذه البنوك تروج أن التسعير كان منخفضًا للغاية، وطلبت شروطًا إضافية مثل حصة أكبر من العمولات، فى ذلك الوقت، كان شهر رمضان، وتحديدًا عام 1986، كنت أقضى معظم وقتى فى المكتب بسبب اختلاف التوقيت، إذ كنت بحاجة للتواصل مع بنوك فى الغرب لإقناعها بالمشاركة.

فى الوقت ذاته، بدأ الجزائريون بالضغط علينا؛ لأن نجاح العملية لا يعتمد فقط على جمع الأموال، كانوا يريدون رؤية عدد كبير من البنوك يشارك فى الاكتتاب.

قررت عدم اللجوء إلى البنوك الفرنسية الثلاثة الكبرى، فرنسا تضم عددًا كبيرًا من البنوك، بعضها يتمتع بمكانة كبيرة، وتوصلت مع 34 بنكًا آخر.

وقلت لممثل أحد البنوك الصغيرة: “أمامك فرصة تاريخية لتثبت نفسك كبطل، عادةً ما تكون فى الصف الثانى خلف البنوك الكبرى، لكن الآن يمكنك أن تكون فى المقدمة، إذا منحتنى تذكرة تمويل بمبلغ أقل مما كنت سأحصل عليه من البنوك الكبرى، ولكنه أكبر مما تقدمه عادة فى مثل هذه العمليات، فسيكون لديك فرصة لتكون لاعبًا رئيسيًا”.

لماذا هذا مهم؟ لأن ترتيب البنوك فى أى عملية تمويل مشتركة يخضع لتراتبية واضحة، البنك الذى يضع أكبر مبلغ يتم كتابة اسمه أولًا، وبحجم خط أكبر، وهذه التفاصيل قد تبدو للبعض تافهة، لكنها فى عالم المصارف مسألة حيوية، وتثير الكثير من الجدل والخلافات.

وبالفعل، اثنان من البنوك التى تواصلتُ معها وافقا على الفكرة، عندها ركزت على البنك الثالث من بين الثلاثة الكبار، الذى كان أضعفهم، كنت أتواصل معه يوميًا تقريبًا، لكن فى أحد الأيام توقفتُ عن الاتصال، بعدها، فوجئتُ باتصاله يسألنى عن التطورات، فقلتُ له: “أخبار جيدة جدًا، دخل بنكان آخران فى العملية”.

رد بدهشة وقال: “كيف يمكن ذلك؟ هذه بنوك أصغر منا، ونحن من البنوك الكبرى!، وبعد وقت قصير، عاد لى بعرض قيمته 100 مليون، وهو أكبر مما كنت قد اتفقت عليه مع البنوك الأخرى، التى كانت عروضها بين 50 و60 مليون دولار.

عندما أخبرنى بالعرض، قلتُ له: “بالطبع سأقبل، لكن ربما لن أستطيع أخذ المبلغ بالكامل لأن لدى التزامات أخرى مع البنوك التى دخلت بالفعل،” كنت واثقًا أن هذه الأخبار ستصل للبنوك الأخرى، خاصة أن البنوك الفرنسية الثلاثة الكبرى تعتبر مؤسسات شبه حكومية، وعلاقاتها مع الإدارات العليا والمسؤولين فى فرنسا وثيقة جدًا.

ثم بدأ تدفق كبير للأموال، الجميع كان يخشى أن يفقد حصته، كان الهدف من هذه المنافسة أن يظهروا للجزائريين أنهم الخيار الأفضل للتعامل معهم، بدلًا من التعاون مع العرب هذه القصة تثبت أن كل مشكلة لها مخرج إذا عرفت كيف تديرها.

كانت هذه التجربة محطة مهمة فى مسيرتي، خاصة تعاملى مع بنك (ABC) بقيادة الأستاذ عبدالله سعودي، أطال الله فى عمره، كان رجلًا مؤمنًا بالتوسع والنمو عبر الاستحواذ، وأتذكر أنه قبل انضمامى للبنك كان قد استحوذ على مصرف كبير فى إسبانيا، وهو خطوة جريئة، ثم استحوذ لاحقًا على آخر فى هونغ كونغ، مع خطة للتوسع فى جنوب شرق آسيا، كان يرى أن عام 1997، موعد عودة هونغ كونغ إلى السيادة الصينية، سيمثل فرصة ذهبية لدخول السوق الصينية بشكل مباشر.

أذكر أيضًا أننى كُلّفت بالسفر إلى تايلاند خلال فترة عملى معه لدراسة شراء أحد البنوك ضمن فريق ضم بجانبى رئيس نشاط بنوك الاستثمار بـABC، والمحامى الأول.

وبعد عودتنا من تايلاند، كُلفت بكتابة تقرير، كنت أصغر شخص فى المجموعة، أوصيتُ فيه بعدم إتمام العملية، الموقف لم يكن سهلًا؛ خاصة أن عبدالله سعودي، رئيس البنك، كان قد تفاوض بنفسه مع المساهمين المعنيين هناك.

أتذكر أن المحامى حذرنى مازحًا قائلًا: “خلى بالك، أنت راجع مصر قريب!”، ولكننى كنت ثابتًا على رأيي، خلال الجلسة، حاول المحامى ورئيس بنوك الاستثمار التحدث بلغة عامة، دون أن يلزما أنفسهما بموقف واضح تجاه العملية، أما أنا، كنت حريصًا على أن تكون المذكرة مختصرة ومباشرة، أذكر أن تقرير التوصيات كان من صفحة ونصف فقط، لكنه كان كافيًا للتعبير عن رؤيتى المهنية بوضوح وموضوعية.

عندما قدمت تقريري، شعرتُ وكأننى وضعتُ نفسى فى مرمى النار، إذ قالوا لي: “أنت المسؤول الآن، ورقبتك هى التى على المحك”، مع ذلك، تمسكتُ بموقفى وقلت: “أنا لا أوصى بالمضى قدمًا لعدة أسباب”:

- أن المصرف حصة أقلية، والمساهمان الآخران غير مطلعين على تفاصيل الصفقة، ما قد يؤدى إلى نزاعات مستقبلية موروثة بين الأطراف.

- البنك الذى نتعامل معه يدير جميع معاملاته ومراسلاته باللغة التايلاندية، هذا يعنى أننا سنحتاج إلى تعيين شخص مقيم هناك – وكنت أنا المرشح لهذه المهمة – ولكن بدون جدوى حقيقية، لأن الأمر يتطلب ترجمة كل المستندات، وبحلول الوقت الذى يتم فيه ذلك، قد تكون الفرصة قد ضاعت.

- الوضع الاقتصادى فى تايلاند فى تلك الفترة لم يكن مستقرًا بما يكفى لدعم عملية استحواذ ناجحة.

بعد تقديم هذه المبررات، جلسنا لمناقشة الأمر مرة أخرى، كان موقف رئيس البنك إيجابيًا، إذ قال لي: “أحييك على شجاعتك فى التعبير عن رأيك”، لكنه أضاف ضاحكًا: “لكننا سنشترى الحصة على أى حال!”، عندها شعرتُ أن دورى انتهى، وأخذتُ التحية وغادرتُ.

وأضاف رئيس البنك نقطة مهمة: “نحن كبنك تمويلنا يعتمد على مصادر مثل الشركات، الحكومات، والبنوك الأخرى، لكننا نفتقر إلى الودائع القادمة من الأفراد” كانت تلك ملاحظة تفتح الباب أمام إعادة التفكير، وكل ما كنت أسعى إليه خلال عملى فى إسبانيا أو حتى فى هونغ كونغ، كان يتمحور حول الوصول إلى ودائع ثابتة ومستقرة، والودائع الأكثر استقرارًا والأقل تكلفة غالبًا ما تكون ودائع الأفراد، لأن قدرتهم التفاوضية مع البنوك للحصول على أسعار أفضل تكون أقل مقارنة بعملاء ذوى ودائع أكبر.

هذا البنك الذى نتحدث عنه- من وجهة نظر عبدالله سعودى- كان يمنحنا فرصة للدخول إلى أسواق جديدة، على سبيل المثال، كنا نملك فرعًا فى سنغافورة، مما أتاح لنا إنشاء عمليات تمويل تخدم المؤسسة الأم، وفى الوقت نفسه تعزيز الشراكات مع فرعنا فى هونغ كونغ، وبوجود هذا البنك، تتوافر لنا فرص متنوعة، خاصة أنه بنك قادر على تمويل نفسه ذاتيًا، دون الحاجة إلى طلب تمويل إضافى منABCبسبب عجز فى السيولة.

● حازم شريف: ربما قد تقول إن هذا قد يحمل مخاطر معينة، وأنا لا أختلف معك فى ذلك، فى الحقيقة كنت تتوقع بعض المشكلات.

عادل اللبان: لقد حدث بالفعل ولكن لأسباب مختلفة تمامًا.

● حازم شريف: متى وكيف خرجت منABCوأين ذهبت؟

عادل اللبان: غادرت البنك فى أواخر عام 1987، بعد أن قضيت فيه ما يزيد عن 3 سنوات، بدأت مسيرتى معهم فى بداية 1984 واستمرت حتى ديسمبر 1987، بالتزامن مع العيد الوطنى البحريني، بعد ذلك انتقلتُ إلى مورجان ستانلى فى نيويورك.

فى ذلك الوقت، كنت أحمل إقامة رسمية فى هونغ كونغ مثبتة على جواز سفري، وما زلت أحتفظ به، إذا لم أكن قد انتقلت إلى أمريكا، كان من الممكن أن أواصل العمل فى هونغ كونغ وأتولى منصب نائب العضو المنتدب لبنكABCهناك.

● حازم شريف: كيف جاء عرض مورجان ستانلى؟

عادل اللبان: فى ذلك الوقت، كانت مورجان ستانلى تخطط لإنشاء مكتب تمثيلى فى الشرق الأوسط، وكان الخيار المتاح آنذاك هو البحرين، إذ لم تكن دبى قد برزت كخيار رئيسى بعد، استعانوا بشركة توظيف لتحديد الكفاءات المناسبة للعمل معهم، وكنت من بين الأشخاص الذين تم الاتصال بهم لإجراء المقابلة فى نيويورك، وكانت فترة مميزة جدًا، أتذكر أن ذلك كان فى قبل أزمة سبتمبر الأسود عام 1987 مباشرة.

وقد قابلت هناك العديد من الشخصيات المهمة فى مورجان ستانلي، من بين عدد كبير من المرشحين، تم اختيارى أنا وثلاثة أو أربعة آخرون للعمل معهم.

بعد أقل من أسبوع من بدء التفاوض مع مورجان ستانلي، حدث انهيار كبير فى البورصة، هذا الوضع جعل الكثير من المؤسسات تعيد التفكير فى قراراتها، لذلك بدأت أتساءل: هل يمكن أن يتراجعوا عن عرضهم؟ قررتُ التواصل مع الشخص المسؤول وسألتُه إذا كان العرض ما زال قائمًا، أجابنى بثقة: “لا تقلق، نحن مؤسسة كبيرة، ونستمر فى تنفيذ خططنا”.

بدأتُ عملى معهم فى يناير 1988، ولكن بعد حوالى أسبوعين فقط، أبلغونى بأنهم قرروا إلغاء فكرة إنشاء المكتب التمثيلي، كنت مصدومًا لأننى تركتُ الوظيفة التى كنت أعمل بها بالفعل، وفى الوقت نفسه، كنت قد اتخذتُ قرارًا مصيريًا بترك فرصة العمل فى هونغ كونغ عام 1987، وهى فترة كانت بمثابة نقطة تحول كبيرة فى جنوب شرق آسيا مع بزوغ ما يُعرف بـ “النمور الآسيوية”.

على الرغم من ذلك، أكدوا لى أننى سأكمل معهم فى دور مختلف، الفكرة كانت أنهم يريدوننى ضمن فريق العمل، ولكن كان عليّ الآن أن أتأقلم مع هيكلية عملهم، فى تلك الفترة، كانت مورجان ستانلى تُقسم أنشطتها بناءً على المنتجات مثل العقارات وغيرها، وهو ما تطلب منى تغيير مسارى والتركيز على مجالات معينة ضمن هذه الهيكلية.

فى إحدى الشركات الصغيرة التى كانت تعمل فى مجال التمويل الجغرافي، كنت جزءًا من فريق مكون من ثلاثة أشخاص فقط، وأنا كنت أحدهم، كنا نسافر من نيويورك إلى منطقة الشرق الأوسط، وتحديدًا إلى دول الخليج، الكويت كانت من أبرز الدول التى كانت لدينا علاقات طيبة معها، بالإضافة إلى الإمارات، وبدرجة أقل السعودية، كانت طبيعة عملنا تتمثل فى تسويق فرص استثمارية أو صناديق استثمارية لهذه الدول، على أن نحول طلبات التمويل إلى الإدارة المختصة.

وأمضيت سنتين فى هذا العمل، ولكننى لم أشعر بالراحة خلال تلك الفترة لعدة أسباب، التعامل مع العملاء فى منطقة زمنية بعيدة بفارق زمنى يبلغ حوالى 9-8 ساعات عن نيويورك، كان أمرًا مرهقًا للغاية، بالإضافة الى كثرة السفر المتكرر، بجانب عدم استمتاعى بطبيعة العمل التى تركز على التسويق البحت.

بالإضافة إلى ذلك، كان والدى رحمه الله يعانى من تدهور فى حالته الصحية خلال تلك الفترة، مما دفعنى للتفكير فى العودة إلى منطقة الخليج أو إلى مصر، وأثناء تلك المرحلة، اتصل بى الأستاذ أحمد إسماعيل رحمه الله، الذى كان يشغل منصب نائب رئيس مجلس إدارة البنك الأهلي، وفتح لى بابًا جديدًا للتفكير فى خطوتى التالية.

فى البداية، كان البنك شراكة بين تشيس مانهاتن والبنك الأهلى المصري، ولكن فيما بعد، انسحب تشيس مانهاتن، واشترى “الأهلى المصري” حصة الشريك الأمريكي.

ودخل بنك “تشيس مانهاتن” مصر عام 1976 وخرجت عام 1987، أى بعد حوالى 11 عامًا، حينها، وضعوا وقتها 1.5 مليون دولار، وحصلوا على 35 مليون دولار، وسأرجع لهذه الأرقام عندما ندخل فى قصةCIB.

وقيل إن قرار انسحاب تشيس كان مرتبطًا بفكرة السيطرة، إما أن تكون لهم السيطرة الكاملة أو يخرجون تمامًا، وهو توجه شائع لدى كثير من الشركات والبنوك العالمية.

وقرر بنك تشيس مانهاتن ترك السوق المصرية، خاصة أنه كان قد خرج من كافة الشراكات، وتبقت له فقط شركتان: واحدة فى مصر والأخرى فى نيجيريا، فى ذلك الوقت، لم يكن هناك مشترٍ آخر سوى البنك الأهلي، الذى أصبح المالك الكامل للبنك.

عندما انسحبت تشيس مانهاتن، تغير اسم البنك ليعكس انتهاء الشراكة إلىCIB، ومن الجدير بالذكر أن بنك تشيس مانهاتن نفسه لم يعد موجودًا وكأنه كيان مستقل، إذ اندمج مع بنك “جى بى مورغان”، وأصبح الكيان الجديد هو “جى بى مورغان تشيس”، الذى يُعد اليوم واحدًا من أكبر البنوك العالمية.

عندما قررت العودة إلى مصر، شعرت وكأن هناك إشارات خفية تدفعنى إلى اتخاذ هذا القرار، ولكن للأسف، قبل أن أصل إلى مصر بفترة قصيرة، توفى الأستاذ أحمد إسماعيل، وهو من الشخصيات التى أرى رحيلها خسارة كبيرة، كنت أتطلع للعمل معه كرئيس لمجلس الإدارة، وكان لديه طموحات كبيرة لتطوير البنك.

كان يسعى لاستقطاب قطاعات كبيرة، مثل قطاع البترول، ليصبح شريكًا مباشرًا فيCIB، للأسف، فى مصر، غالبًا ما تنتهى المشروعات الطموحة مع رحيل أصحابها، وهذا ما حدث فى هذه الحالة.

● حازم شريف: عندما قررتُ العودة إلى مصر بعد تقديم استقالتك، ماذا حدث وهل كان يعلم أحد بعودتك إلى مصر؟

عادل اللبان: نعم، بعد وفاته، بدأوا يتساءلون: هل سأعود أم لا؟ وأتذكر أنهم اتصلوا بى فى نيويورك، إذ لم يكن لدى أى علاقات شخصية مع أى شخص آخر فى البنك باستثناء أحمد إسماعيل رحمه الله، أما بقية الأشخاص فى البنك، فلم أكن قد التقيتُ بهم من قبل.

عدت إلى مصر فى أبريل 1990، وظللت أعمل هناك حتى أكتوبر 1998 بشكل عملي، ورسميًا حتى فبراير 1999، بذلك، قضيتُ حوالى تسع سنوات كانت مليئة بالتنوع والتحديات، هذه الفترة شكّلت التجربة الأساسية فى مسيرتى المهنية، إذ تعلمت خلالها كيفية بناء بنك من الصفر.

فى المناصب التى شغلتها سابقًا، كان دورى الأساسى هو إدارة مسؤولياتى بأفضل شكل ممكن، من إذ الكفاءة، الربحية، وتقليل الخسائر، لكن لم أكن مسؤولًا عن بناء مؤسسة بالكامل، عندما عدتُ إلى مصر فى عام 1990، كان عمرى 33 عامًا فقط، كانت تجربة جديدة، مليئة بالطموحات والتحديات.

أما عن عائلتي، فقد كانت زوجتى سعيدة للغاية بالعودة إلى مصر، وابنى الصغير، الذى كان عمره ثلاث سنوات فقط آنذاك، لم يكن يدرك الكثير، لكنه كان سعيدًا بالوجود مع أجداده والنشأة فى مصر.

عندما اتخذتُ قرار العودة، أقول بصراحة: لم تكن لدى أى نية لمغادرة مصر مرة أخرى فعندما سافرت قبل سنوات كنتُ أرغب فى تجربة جديدة ومغامرة مختلفة، وكنت صغيرًا فى السن، مما جعلنى مستعدًا لتجربة أشياء جديدة، ولكن الآن الوضع أصبح مختلف فلدى طفل وأسرة وعمرى الآن 33 عامًا.

ووجدت فى البنك التجارى الدولى أشياء إيجابية كثيرة وسلبيات أيضًا، الشيء الإيجابى والأساسى وهذا ما يكتب لأحمد إسماعيل أنهم لم يحولوا البنك لنسخة مصغرة من الأهلى المصري، فقد احتفظ بطريقة عمله وتنظيمه الداخلى وسياسته وشخصيته المستقلة، واحتفظوا بالـCREDIT COURSE، وظلوا مستمرين فى تفريغ هذه الكوادر وهذه الكوادر مهمة جدًا لتحقيق ربحية المؤسسة بشكل آمن.

انتظروا الجزء الثانى من الحوار الشيق مع المصرفى القدير عادل اللبان، نائب رئيس بنك الأهلى المتحد – البحرين، مساء الأحد المقبل على قناة ALMAL TV بموقع يوتيوب، وكافة منصات البودكاست.

الجامعة الأمريكية كانت نقطة تحول فى حياتي

مسيرتى المصرفية بدأت بتجربة غير مخططة فى بنك تشيس الأهلى

عملت مديرًا عاماً للائتمان فى «تشيس- الأهلى» فى سن 25 عاماً

الخبرات المكتسبة من العمل المصرفى الدولى لا تُقدر بثمن

أدرت قرض مشترك بقيمة 500 مليون دولار بالجزائر رغم مضايقات الفرنسيين

البنوك العربية بحاجة إلى التكامل لمواجهة التحديات العالمية

ديفيد روكفلر كان شخصية مؤثرة فى التعاون المصرفى الأمريكي-المصرى

3.5 مليون دولار أول رأس مال لـ «تشيس- الأهلى»

تعلمت المحاسبة فى ثلاثة أسابيع وأصبحت جاهزًا لتحليل القوائم المالية

بدأت الدراسة لشهادة الثانوية البريطانية فى عمر 14 عاماً