فى ظل التوقعات الاقتصادية لعام 2025، سيكون من الصعب على المحللين الماليين تحديد المسار القادم فى توجه الأسواق والبورصات العالمية خلال الإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة دونالد ترامب، العائد إلى البيت الأبيض باختيارات حكومية جريئة سرعان ما وصلت أصداؤها إلى الاقتصاد العالمى، خاصة فى مجالات حيوية مثل قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات.
ووفقا لتقرير أعدّته وكالة رويترز، استغل المستثمرون الفوز المفاجئ الذى حققه دونالد ترامب وحزبه الجمهورى فى الانتخابات الأمريكية هذا الشهر للتركيز على مجموعة من الاستثمارات التى أُطلق عليها اسم “تجارة ترامب”.
وكان الافتراض السائد أن وعود ترامب، مثل تخفيضات الضرائب على الشركات، ورفع الرسوم الجمركية، وتقييد الهجرة، ستؤدى إلى توسيع العجز فى الميزانية، وستؤثر سلباً على سندات الخزينة، بينما ترفع أرباح الشركات وأسعار أسهمها.
فى نفس الوقت، راهن المستثمرون على أن الآثار غير المقصودة لهذه السياسات، مثل رفع الرسوم الجمركية وتقييد الهجرة، قد تؤدى إلى تجديد التضخم، مما يعرقل السياسة النقدية لمجلس الاحتياطى الفيدرالى ويدفع كل من معدلات الفائدة والدولار إلى الارتفاع.
عندما يتم تنصيب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة للمرة الثانية فى يناير 2025، سيستلم مقاليد السلطة فى صناعة التكنولوجيا التى شهدت تغييرات جذرية منذ بداية ولايته الأولى فى عام 2017، فبينما بدأت الهيئات المعنية بمكافحة الاحتكار فى اتخاذ خطوات جادة ضد احتكار الشركات التكنولوجية، أصبحت صناعة التكنولوجيا أكثر حذراً وتعمل على الحفاظ على موقف غير سياسى قدر الإمكان، مع الاستمرار فى الضغط وراء الكواليس.
وفى الوقت نفسه، راهن بعض القادة فى هذه الصناعة على أن الحفاظ على علاقة طيبة مع ترامب قد يكون مفيداً، ويبدو أن هذه المخاطرة قد أثمرت، على سبيل المثال، الرئيس التنفيذى لشركة “ميتا” مارك زوكربيرغ، الذى هدد ترامب بسجنه، أصبح يظهر دعماً لترامب، كما قام بتخفيف المواقف مع الجمهوريين فيما يتعلق بتعديلات محتوى الشركة.
أما جيف بيزوس، مؤسس أمازون ومالك “واشنطن بوست”، فقد تراجع عن تأييد كامالا هاريس فى الصحيفة، ومن جهة أخرى، أصبح إيلون ماسك، الرئيس التنفيذى لشركة تسلا ومالك “إكس”، أحد أبرز حلفاء ترامب، حيث تأكد له وعد بإمكانية توليه “وزارة كفاءة الحكومة” (DOGE).
وفى ظل هذه التحولات، من المتوقع أن تكون السياسات التقنية فى السنوات الأربع المقبلة غير مستقرة ومتقلبة.
الذكاء الاصطناعي
من المتوقع أن تعنى ولاية ترامب الثانية تخفيف القيود على صناعة الذكاء الاصطناعى، حيث تعهد ترامب بإلغاء أمر الرئيس بايدن التنفيذى بشأن الذكاء الاصطناعى، الذى كان يهدف إلى وضع معايير واختبارات للحد من استخدام الذكاء الاصطناعى فى ممارسات تمييزية مثل تخصيص الإسكان أو تحديد نتائج القضايا فى النظام القضائى.
من المرجح أن تعطى إدارة ترامب الأولوية لمجالات أخرى، مثل الحد من تدخل الحكومة فى صناعة الذكاء الاصطناعى.
العملات الرقمية
لطالما قدم ترامب إشارات إيجابية تجاه صناعة العملات الرقمية، حيث كانت انتخابات ترامب بمثابة فرصة كبيرة لهذه الصناعة للتخلص من رئيس هيئة الأوراق المالية والبورصات، غارى جينسلر، الذى يعتبره الكثيرون خصما رئيسيا للصناعة، فى ظل رئاسة ترامب، من المتوقع أن تشهد الصناعة مزيدا من التسهيلات التنظيمية، مع تأكيد ترامب على جعل الولايات المتحدة “قوة عظمى فى بيتكوين”.
تيك توك
لطالما كانت قضية “تيك توك” أحد أكثر القضايا تقلباً فى مواقف ترامب، فقد دعم ترامب فى البداية محاولات حظر التطبيق، ولكن فى الآونة الأخيرة، أعرب عن معارضته للحظر معتبراً أنه سيفيد “ميتا” بشكل أكبر، هذا التحول فى الموقف جاء بعد لقاء جمعه مع المانح الجمهورى جيف ياس، الذى يمتلك حصة كبيرة فى “بايت دانس” المالكة لـ “تيك توك”.
إذا تم تأكيد القانون الذى يفرض على “بايت دانس” التخلى عن “تيك توك” بحلول منتصف يناير 2025، قد يكون لدى ترامب بعض الصلاحيات لمنح تمديد لهذه المدة، لكن فرص تفادى الحظر تحت رئاسة ترامب تبقى محدودة.
المنافسة ومكافحة الاحتكار
من المتوقع أن يعتمد ترامب فى سياساته المتعلقة بمكافحة الاحتكار على مواقف شخصية تجاه الشركات المختلفة، فقد أشار المحلل فى بلومبرج، جينيفر ريى إلى أن “التنفيذ قد يكون فريداً بناءً على وجهة نظر ترامب تجاه الشركات أو الصناعات المعنية”.
فى حين يعتقد آدم كوفاتشيفيتش، الرئيس التنفيذى لمجموعة “Chamber of Progress” الموالية لليسار، أنه سيكون هناك ما يسمى بـ “معيار رفاهية ترامب” الذى يعتمد على مدى لطف الشركات مع ترامب.
وفيما يتعلق بالسياسات المتعلقة بالممارسات الاحتكارية، من الممكن أن يستمر الضغط على الشركات الكبرى مثل “ميتا”، “جوجل”، “آبل”، و”أمازون”، ولكن ربما يتم اتباع حلول أكثر تواضعاً تبعاً للمعينين فى الإدارة، أو وفقاً لمواقف ترامب الشخصية تجاه الشركات.
الحياد الشبكى وسياسات الاتصالات
من المتوقع أن تموت فكرة “الحياد الشبكي” تحت إدارة ترامب، مع تنبؤ المحلل فى بلومبرغ ناثان دين بنسبة %90 بإلغاء لجنة الاتصالات الفيدرالية لمحاولات تصنيف مزودى الإنترنت كمقدمى خدمات مشتركة خاضعين لرقابة أكبر، كما سيُسمح بتوسع ملكية محطات التلفزيون وتخفيف قواعد الاندماج والاستحواذ فى قطاع البث.
المركبات الكهربائية
من المحتمل أن تكون سياسات السيارات الكهربائية فى خطر تحت إدارة ترامب، رغم العلاقة الوثيقة مع إيلون ماسك، حيث من المتوقع أن يسعى ترامب لإلغاء الدعم المالى لسيارات الكهرباء فى المقابل، قد تسعى الحكومة إلى استبدال هذه الحوافز ببرامج تحفيزية للمستهلكين قد تستفيد منها شركات السيارات التقليدية مثل “جنرال موتورز” و”فورد”.
ورغم أنه لا يمكن لأحد التنبؤ بالأحداث الاقتصادية الكبيرة على المدى الطويل، إلا أن الشواهد الماضية مليئة بلحظات مفاجئة لم تكن متوقعة، مثل جائحة كورونا فى 2020 حتى لو كان هناك من راهن على حدوث الجائحة، لم يكن أحد ليخمن أن أسواق الأسهم العالمية سترتفع بنسبة %15 فى نفس العام.
وعند النظر إلى التوقعات لعام 2025، يبدو أن العديد من البنوك الاستثمارية الكبرى فى وول ستريت قد وضعت تقديراتها بناءً على فرضية بقاء الأسواق فى حالة من عدم اليقين مع ذلك، أرفق بنك “جيه بى مورغان” سيناريو بديلاً يتوقع فيه أن يؤدى التحول الأمريكى نحو سياسة انكفاء اقتصادى، من خلال تقليص التجارة وفرض عمليات ترحيل واسعة، إلى حدوث صدمة اقتصادية سلبية تؤثر على الاقتصاد العالمى.
