خبراء: «المركزي» قد يعيد ترتيب أوراقه بشأن أسعار الفائدة خلال النصف الثاني من 2025

Ad

أكد عدد من الخبراء والمحللين الاقتصاديين والمصرفيين أن البنك المركزى المصرى لن يتأثر كثيرًا بتحركات «الفيدرالى الأمريكي»، موضحين أن السياسة النقدية فى مصر ستتخذ مسارًا هبوطيًا خلال النصف الأول من العام القادم، وفى حال طرأت مستجدات تعيق هذه المسيرة فسيكون ذلك خلال النصف الثانى من 2025، وهو ما قد يدفع «المركزي» إلى إعادة تقييم الوضع وترتيب الأوراق من جديد.

وأضافوا، فى تصريحات لـ «المال»، أن «الفيدرالى الأمريكي» لن يغير مساره فيما يتعلق بخفض أسعار الفائدة، والمضى قدما فى سياسة تيسير نقدى، وإنما الفكرة فى الكيفية التى يتم بها هذا الخفض، بمعنى أنه قد لا يلجأ إلى خفض عنيف فى أسعار العوائد على الدولار، حتى فى ظل تعهدات ترامب التى قد تسبب نوعا من الضغوط التضخمية وعرقلة مسيرة التيسير النقدى، بحسب تصريحات لرئيس «الفيدرالي».

مسارات الفيدرالى الأمريكى

أفاد شريف سامى، عضو مجلس إدارة البنك التجارى الدولى، الرئيس الأسبق لهيئة الرقابة المالية، بأن التصريحات التى أدلى بها رئيس الفيدرالى الأمريكى مؤخرًا جاءت مدعومة بمحاولة الرغبة فى إدارة التوقعات فيما يتعلق بمسار أو مستوى خفض الفائدة، فى محاولة لكبح جماح تأثير أى تحركات قادمة على الأسواق.

وأوضح أن هذه التصريحات لا تعنى اعتزام الفيدرالى الأمريكى تغيير مساره، مؤكدًا أنه سيظل مستمرًا فى خفض الفائدة، وإنما الفكرة الأساسية فى المعدل الذى يتم به هذا الخفض وكذلك المدى الزمنى الذى يتم به النزول إلى المعدلات المستهدفة من قبل صانع السياسة النقدية الأمريكى.

وفيما يتعلق بتحركات الفيدرالى وتأثيراتها المحتملة على مسار السياسة النقدية فى مصر، رأى عضو مجلس إدارة البنك التجارى الدولى، الرئيس الأسبق لهيئة الرقابة المالية، أن تأثير هذه التحركات سيظل محدودًا، لافتا إلى أن خفض الفائدة على الدولار ينطوى على ميزة بالنسبة مصر وهى تلك التى تتمثل فى تعزيز قدرتها على جذب الأموال الساخنة.

رأت منى بدير محلل الاقتصاد الكلى بأحد البنوك الخاصة، أنه من المبكر الجزم بإمكانية تغيير الفيدرالى الأمريكى سياساته فيما يتعلق بأسعار الفائدة، على الرغم من البيانات الأخيرة بشأن الاقتصاد الأمريكى.

وعلى الرغم من ذلك، أبدى جيروم باول رئيس الاحتياطى الفيدرالى، فى تصريحات صحفية، مؤخرًا نوعًا من الضبابية بشأن مسار أسعار الفائدة، قائلًا: «لا ينبغى أن نتعجل فى خفض الفائدة».

وأضاف: «الاقتصاد لا يرسل أى إشارات بأننا بحاجة إلى التسرع فى خفض الأسعار، القوة التى نراها حاليًا فى الاقتصاد تمنحنا القدرة على التعامل مع قراراتنا بعناية».

وجاءت تصريحات «باول» فى أعقاب ارتفاع معدل التضخم السنوى لأسعار المنتجين إلى %2.4 فى أكتوبر مقابل %1.9 فى سبتمبر، فى حين كانت التوقعات تشير إلى تسجيله %2.3. كما سجل مؤشر أسعار المستهلكين نحو %2.6 فى أكتوبر، وهو الارتفاع الأول منذ مارس الماضى.

من جانبها، ترى «بدير» أن هذه البيانات حتى وإن لم تكن فى صالح مسار خفض الفائدة من قبل الفيدرالى الأمريكى إلا أنها كانت متوقعة إلى حد بعيد، وهو ما يعنى أنها لن تكون دافعا قويًا لتغيير سياسة التيسير النقدى لدى صانع السياسة الأمريكى.

وأشارت إلى أنه على الرغم من هذه البيانات، فلا زال الاقتصاد الأمريكى يرسل إشارات ودلائل على قوته، لعل أهمها قدرته على إضافة وظائف جديدة.

وأوضحت أن الجدل الآن ليس هل سيخفض الفيدرالى الأمريكى الفائدة أم لا؟ وإنما يدور الجدل حو مقدار هذا الخفض من الأساس.

يأتى ذلك فى الوقت الذى يرجح فيه عدد من المحللين الأمريكيين أن يقتصر خفض أسعار الفائدة فى الاجتماع القادم من قبل الفيدرالى الأمريكى بواقع 25 نقطة أساس فحسب.

كان الاحتياطى الفيدرالى قد خفض أسعار الفائدة خلال سبتمبر الماضى بواقع 50 نقطة أساس، لأول مرة منذ جائحة كورونا عام 2020، ومن أعلى مستوى لها على الإطلاق فى 22 عامًا، ثم خفضها مرة أخرى فى الاجتماع التالى مباشرة بواقع 25 نقطة أساس.

ضبابية الوضع حول التضخم

أشارت منى بدير خبيرة الاقتصاد الكلى، إلى أن هناك مخاطر محيطة بمعدلات التضخم فى العالم برمته، نظرًا لتنامى حالة اللا يقين والضبابية بشأن ما يمكن أن يحمله المستقبل من بيانات أو معطيات اقتصادية، موضحة أنه من شأن هذه الضبابية أن تدفع البنوك المركزية حول العالم لأن تكون أكثر حذرًا فيما يتعلق بخفض أسعار الفائدة.

ولفتت إلى أن البنوك المركزية فى العالم، والأوروبية تحديدًا، تحركت باتجاه خفض الفائدة مدفوعة بتخوفها من الانكماش ورغبتها فى دعم الاقتصاد، بما يعنى أنها لم تكن مدعومة بالبيانات إلى حد كبير.

ماذا عن مصر؟

وفيما يتعلق بانعكاسات تحركات الفيدرالى الأمريكى على مصر، أوضحت منى بدير، محلل الاقتصاد الكلى، إنه لا زال أمام البنك المركزى المصرى مساحة واسعة لخفض أسعار الفائدة، لا سيما خلال النصف الأول من 2025.

وعللت رأيها بكون سياسات الرئيس دونالد ترامب ستحدث نوعا من الضغوط التضخمية، وهو ما قد يدفع الفيدرالى الأمريكى إلى إعادة التفكير فى مساره مجددًا، ولكن تأثير هذه السياسات فى حال تطبيقها لن يظهر إلا بعد نهاية النصف الأول من 2025.

يشار إلى أن دونالد ترامب كان قد تعهد، خلال حملته الانتخابية، بفرض تعريفات ورسوم جمركية لحماية الصناعة الأمريكية، منها رسوم شاملة بنسبة تتراوح بين 10 إلى %20 على شركاء الولايات المتحدة، فضلاً عن ضريبة بنسبة %60 على الواردات الصينية.

وذكرت أن البنك المركزى سيسير وفقا للتوقعات فى مسار خفض الفائدة خلال النصف الأول من العام القادم، على أن تكون هناك احتمالية لإعادة النظر فى سياسة التيسير النقدى، إذا طرأت أى مستجدات تدعو لذلك.

وتوقع مورجان ستانلى أن يبدأ البنك المركزى المصرى فى خفض أسعار الفائدة ابتداءً من الربع الأول من 2025، حيث تؤدى التأثيرات الأساسية المواتية إلى انخفاض ملحوظ فى معدلات التضخم، مما يحفز «المركزي» على خفض سعر الكوريدور.

ورجح أن يشهد معدل التضخم انخفاضاً تدريجيا إلى %25.3 على أساس سنوى فى نوفمبر وإلى %23.7 على أساس سنوى فى ديسمبر مع وجود مخاطر صعودية طفيفة.

ومن جانبه، لفت محمد سمير الخبير المصرفى، إلى أنه ليس هناك ارتباط وثيق بين اتجاهات الفيدرالى الأمريكى والبنك المركزى المصرى، موضحا أن المحدد الأساسى لمسارات أسعار الفائدة فى مصر هو معدل التضخم.

وأضاف أن هناك محددات أخرى تحكم قرار البنك المركزى المصرى فيما يتعلق بمسار أسعار الفائدة أبرزها القدرة على جذب الأموال الساخنة (استثمارات الأجانب فى أذون وسندات الخزانة) وكذلك معدلات الفائدة فى الدول المنافسة مثل الصين والمكسيك، ومن ثم يضع صانع السياسة النقدية المصرى كل هذه العوامل بعين الاعتبار قبل المضى قدما فى سياسة تيسير نقدى.

وعلى صعيد توجهات الفيدرالى الأمريكى خلال المرحلة القابلة، لفت «سمير»، إلى أن السياسات التى يعتزم دونالد ترامب تطبيقها – والتى أشرنا إليها أعلاه – هى سياسات تضخمية فى الأساس، بمعنى أنها ستدفع باتجاه ارتفاع معدلات التضخم، ومن ثم قد لا يكون مستبعدًا أن نرى الفيدرالى الأمريكى يغير مساره ويعاود رفع أسعار الفائدة مجددًا.

التوترات الجيوسياسية

ومن جانبه، رأى محمد بدرة الخبير المصرفى، أنه لا يوجد ارتباط مباشر بين قرارات الفيدرالى الأمريكى والسياسة النقدية لدى البنك المركزى المصرى، خاصة أن هذا الأخير محكوم بعدد من العوامل التى قد لا تكون حاكمة ومؤثرة لدى نظيره الأمريكى.

وأوضح أن البنك المركزى المصرى يضع نصب عينيه، عند التفكير فى تحريك أسعار الفائدة صعودًا وهبوطًا، التوترات الجيوسياسية المحيطة فى المنطقة، وكذلك أحجام وتدفقات استثمارات الأجانب فى أدوات الدين المحلية.

وأشار إلى أن هناك كذلك التزامات مع صندوق النقد الدولى خاصة فيما يتعلق بمعدلات التضخم التى تفرض على البنك المركزى اتخاذ موقف حذر فيما يخص مسألة تخفيف أسعار الفائدة، موضحا أن التضخم لا زال مرتفعا فى مصر وهو ما يجعل الإبقاء على أسعار الفائدة مرتفعة حتى نهاية العام هو الخيار الأرجح.