أكد خبيران مصرفيان أن خفض عجز الموازنة وتخفيف الضغط على ميزان المدفوعات أبرز إيجابيات تراجع الدين إلى الناتج المحلى الإجمالى إلى مستوى %73 كما تتوقع مؤسسة فيتش فى أحدث تقاريرها.
وأوضح الخبيران أن هذا الانخفاض سيكون مدعوما بعدد من العوامل أبرزها ضبط المالية العامة، بما يعنى خفض الإنفاق الحكومى وتعزيز جانب الإيرادات، عبر زيادة الحصيلة الضريبية وغيرها من الإجراءات الأخرى التى تنتهجها الحكومة المصرية.
وذكرا أن تنامى تحويلات المصريين العاملين فى الخارج، وكذلك تعاظم الاستثمار الأجنبى فى الأصول المملوكة للحكومة كلها خطوات ستتدفع باتجاه خفض نسبة الدين إلى الناتج المحلى الإجمالى، فضلا عن تحجيم الحكومة عن الاقتراض المحلى لتمويل عجز الموازنة.
الدين إلى الناتج المحلى الإجمالي
رجحت وكالة فيتش للتصنيف الائتمانى، فى تقرير حديث حصلت “المال” على نسخة منه، أن تتراجع نسبة الدين إلى الناتج المحلى الإجمالى لنحو %73 فى السنة المالية 2028/ 2029، بفضل الفوائض الأولية المستدامة.
وأضاف التقرير أن فائدة الدين إلى الإيرادات، (على مستوى الحكومة العامة) ستبلغ ذروتها عند حوالى %61 خلال السنة المالية 2025/ 2026، ثم تنخفض بشكل حاد إلى ما يقرب من %37 خلال السنة المالية 2028/ 2029.
تحجيم الاقتراض المحلي
أوضح هانى أبو الفتوح الخبير المصرفى، أن توقعات «فيتش» بخصوص تراجع نسبة الدين إلى الناتج المحلى الإجمالى مستندة على افتراض أساسه مفاده تحجيم الحكومة، ممثلة فى وزارة المالية، من الاقتراض المحلى.
وأشار إلى أن هذه التوقعات أيضًا تعود فى جزء منها إلى إجراءات الضبط المالى الذى تنتهجه الحكومة فى الوقت الحالى، والتى تعمل على ضبط المالية العاملة للدولة عبر خفض الإنفاق وتعزيز جانب الإيرادات.
وأوضح أن إجراءات رفع الدعم وغيره من الخطوات التى تنتهجها الحكومة فى الوقت الراهن ستؤدى فى نهاية المطاف إلى تقلص عجز الموازنة، ومن ثم خفض نسبة الدين إلى الناتج المحلى الإجمالى.
وذكر أن فى حال تحقق توقعت «فيتش» بوصول نسبة الدين إلى الناتج المحلى الإجمالى إلى نحو 73% خلال السنة المالية 2029 فسوف ينعكس ذلك مباشرة على تقلص عجز الموازنة العامة، بالإضافة إلى حدوث نوع من الفوائض التى يمكن توجيهها إلى تلبية الاحتياجات فى جوانب الصحة والتعليم وخلافه.
السياحة وتحويلات المصريين بالخارج
ومن جانبه أرجع محمد بدرة الخبير المصرفى هذا الانخفاض المتوقع فى نسبة الدين إلى الناتج المحلى الإجمالى الذى جاء فى تقرير «فيتش» إلى عدد من العوامل أبرزها إيرادات السياحة، وكذلك تعاظم تحويلات المصريين العاملين فى الخارج.
ارتفعت ايرادات السياحة بنحو %5.5 مسجلة 14.4 مليار دولار بنهاية السنة المالى 2024-2023، مقارنة بـ 13.6 مليار دولار بالعام المالى السابق له، ما أدى إلى الحد من ارتفاع عجز حساب المعاملات الجارية، بحسب بيان صادر عن البنك المركزى.
وكانت «فيتش سوليوشنز» قد أشارت فى تقرير آخر منفصل بخصوص السياحة فى مصر، إلى أنه من المتوقع أن ينمو عدد السياح القادمين لمصر بنسبة %4.8 على أساس سنوى فى عام 2025، ليحقق نحو 16.6 مليون سائح.
وأكدت أن أعداد الوافدين لمصر فى الزيادة على المدى المتوسط بمعدل نمو سنوى نسبته %4.7، ليصل عدد السائحين إلى 18.8 مليون سائح فى عام 2028.
وأكد «بدرة» أن تعافى تحويلات المصريين العاملين فى الخارج، سيؤدى فى الوقت ذاته إلى الوصول إلى النسبة التى يتحدث عنها تقرير فيتش فيما يتعلق بالدين إلى الناتج المحلى الإجمالى.
ونمت تحويلات المصريين العاملين بالخارج بنحو %65.5 خلال أغسطس الماضى، مسجلة نحو 2.6 مليار دولار (مقابل نحو 1.6 مليار دولار خلال شهر أغسطس 2023)، للشهر السادس على التوالى.
وارتفعت التحويلات خلال الفترة يوليو/أغسطس 2024 بمعدل %76.2 مسجلة نحو 5.6 مليار دولار (مقابل نحو 3.2 مليار دولار خلال الفترة المناظرة). لتشهد بذلك الشهور الثمانى الأولى من العام الحالى 2024 (الفترة يناير/أغسطس 2024) ارتفاعاً بمعدل %36.4 لتسجل نحو 18.1 مليار دولار (مقابل نحو 13.3 مليار دولار خلال نفس الفترة من عام 2023)، وذلك بحسب بيانات البنك المركزى.
وبخلاف هذين العاملين، عوّل الخبير المصرفى على قدرة الاستثمارات الأجنبية فى تعافى المؤشرات الاقتصادية فى مصر بشكل عام، لا سيما بعد تعاظم الاستثمارات الخليجية فى أصول مصرية خلال الفترة الأخيرة.
عبء الدين المحلي
وبخصوص انعكاسات تراجع نسبة الدين إلى الناتج المحلى الإجمالى على الاقتصاد المصرى، لفت محمد بدرة الخبير المصرفى إلى أن هناك العديد من الانعكاسات الإيجابية أبرزها: تقلص عجز الموازنة، وتخفيف الضغط على ميزان المدفوعات، ومن خفض حدة عبء الدين.
يشار إلى أن وكالة “فيتش سوليوشنز”، كانت قد قالت فى تقرير سابق، أن عبء الدين فى مصر انخفض إلى حوالى %88 من الناتج المحلى الإجمالى فى يونيو الماضى.
ولفت تقرير فيتش إلى أن إجمالى الدين العام المصرى إلى الناتج المحلى الإجمالى ارتفع بشكل بشكل حاد على مدى العقد الماضى، وساهم تأثير خفض سعر الصرف فى عام 2016 فى دفع النسبة إلى ما يقرب من %100 وأدى جائحة كوفيد19- إلى إحباط خطة الحكومة لخفض مستوى الدين إلى %80 من الناتج المحلى الإجمالى بحلول عام 2022.
وأوضح تقرير «فيتش سوليوشنز» أن ثلاثة أرباع إجمالى الدين العام مقوم بالجنيه المصرى. وعلاوة على ذلك، فإن ما يقرب من %70 من الديون الخارجية ثنائية أو متعددة الأطراف (ميسرة). وهذا مهم للصورة الإجمالية للديون نظرا لأن الديون الميسرة تجتذب أسعار فائدة أقل من السوق ويمكن أن يكون لها فترة سماح ممتدة للسداد.
وذكر التقرير أن هناك ديناميكية إيجابية أخرى تتمثل فى جهود الحكومة لتحسين صورة الديون التجارية من خلال آجال استحقاق أطول وجدول سداد مناسب، وتسمح احتياطيات النقد الأجنبى لدى البنك المركزى بتغطية مدفوعاته القصيرة الأجل بالعملة الأجنبية إذا كانت هناك ضغوط على سعر الصرف.
توقعات التضخم ومساره
وفيما يتعلق بتوقعات «فيتش» لمعدل التضخم، لفت هانى أبو الفتوح، الخبير المصرفى، إلى أنه قد لا يكون محتملًا الهبوط بالتضخم إلى هذا المعدل، لا سيما فى ظل المعطيات الحالية، مشيرًا إلى أن تأثير سنة الأساس قد لا يكون كافيًا لاحتواء الضغوط التضخمية، ومن ثم قد لا نصل فى نهاية العام القادم إلى المعدل الذى تتوقعه «فيتش».
وتوقع التقرير أن تشهد مصر معدل فائدة حقيقى إيجابى يقترب من %4 خلال النصف الثانى من 2025.
وأضاف أن استقرار أسعار الصرف، وانخفاض معدلات التضخم، وكذلك تلاشى تأثير انخفاض دعم الوقود، سيسمح بانخفاض كبير فى أسعار الفائدة فى عام 2025.
