الدكتور محمد جريدة رئيس شركة 2B: فوز ترامب يغير من خريطة سلاسل الإمدادات.. ويدفع الكيانات الصينية للجوء لـ«فيتنام»

Ad

قال الدكتور محمد جريدة، أستاذ زائر فى الجامعة البريطانية بالقاهرة، والمؤسس والرئيس التنفيذى لشركة 2B المتخصصة فى بيع الإلكترونيات، إن فوز المرشح الجمهورى دونالد ترامب بالانتخابات الرئاسية فى عام 2024 قد يمثل مرحلة جديدة من التوترات الاقتصادية، إذ يتوقع أن يعكف الأخير على تنفيذ وعوده المتعلقة بتشديد الحرب التجارية مع الصين، وفرض مزيد من القيود على مشروعات الشركات الصينية.

وتوقع فى حواره مع جريدة “المال” أن تشهد سلاسل الإمداد العالمية تغييرات جوهرية مستقبلًا نتيجة لتأثيرات العوامل الجيوسياسية، بما فى ذلك الحروب التجارية والقرارات السياسية التى قد تعيد تشكيل خريطة التصنيع العالمى.

ورأى أن الشركات التكنولوجية الكبرى بما فى ذلك الصينية ستبحث عن حلول بديلة لتفادى التأثيرات السلبية لهذه القرارات، منها اللجوء إلى دولة فيتنام، والتى ستصبح وجهة رئيسية للتصنيع فى السنوات المقبلة.

وأوضح أن هذه الخطوة تأتى نتيجةً للضغوط الأمريكية على الصين، مما يدفع الشركات الصينية إلى نقل خطوط إنتاجها إلى دول مثل فيتنام لتجنب العقوبات المفروضة عليها، إذ تتيح هذه الدول بيئة تجارية أكثر مرونة وأقل تأثيرًا من السياسات الأمريكية.

أهمية سلاسل الإمداد

وقال إنسلاسل الإمداد تمثل العمود الفقرى لصناعة الأجهزة الإلكترونية، كما أنها تلعب دورًا رئيسيًا فى ضمان جودة المنتجات، خاصة أنها تتألف من شبكة مترابطة من الشركات والأفراد والأنظمة والعمليات التى تعمل معًا لتحويل المواد الخام إلى منتجات نهائية وتوصيلها إلى المستهلك النهائى.

وأوضح أن هذه الشبكة تشمل جميع المراحل التى يمر بها المنتج، بدءًا من استخراج المواد الخام وحتى وصوله إلى متجر التجزئة أو مباشرة إلى يد المستهلك، منوهًا أن هذه السلاسل فى الوقت نفسه الحالى تواجه عددًا من التحديات التى تتطلب تطوير استراتيجيات إدارة فعالة لمواجهتها.

وأكد أن مصر تملك مقومات واعدة للانطلاق بقوة فى صناعة الإلكترونيات لتنافس الدول المتقدمة فى هذا المجال، مرجعًا السبب فى ذلك إلى بساطة سلاسل الإمداد اللازمة لهذه الصناعة مقارنة بصناعات أخرى مثل السيارات.

وأضاف أن سلاسل الإمداد فى صناعة الإلكترونيات تتطلب وجود بنية تحتية أقل تعقيدًا مقارنة بالسيارات التى تحتاج إلى سلاسل إمداد أطول وأكثر تعقيدًا، فعلى سبيل المثال، تتطلب المركبة الواحدة نحو 50 ألف مكون، بينما يقتصر عدد مكونات الأجهزة الإلكترونية على العشرات أو المئات فى المتوسط، مشيرًاإلى أن هذه الميزة النسبية تجعل من الممكن لمصر أن تبنى صناعة إلكترونيات قوية تدريجيًا، مستفيدة من وجود بعض الصناعات المغذية لهذه الصناعة.

الصين تستحوذ على نصيب الأسد من الإنتاج العالمي

وأكد أن الصين تتمتع بوضع استثنائى فى عالم التصنيع، وذلك بفضل امتلاكها لسلاسل إمداد متكاملة وقوية، موضحًا أن هذا العامل هو السبب الرئيسى وراء توجه معظم الشركات العالمية الكبرى لها لتصنيع منتجاتها، على الرغم من ارتفاع متوسط الأجور فى البلاد.

وأضاف أنه رغم أن متوسط دخل العامل الصينى قد ارتفع ليصل إلى 1500 دولار شهريًا، وهو رقم يعتبر مرتفعًا نسبيًا مقارنة ببعض الدول الأخرى، إلا أن جاذبيتها كوجهة تصنيعية مازالت قوية، بفضل وجود سلاسل إمداد متكاملة توفر جميع المكونات والمواد الخام اللازمة للتصنيع، مما يقلل من التكاليف ويزيد من الكفاءة.

وأوضح أن وجود مصانع لشركات عملاقة مثل آبل وسامسونج فى الصين هو دليل دامغ على قوة سلاسل الإمداد بها، خاصة أن هذه الكيانات تعتمد على توفير كميات كبيرة من المكونات وبجودة عالية وأسعار تنافسية، معتبرًا أن هذا الوضع يجعل الصين مركزًا عالميًا للتصنيع، ويؤثر بشكل كبير على متغيرات الاقتصاد العالمى، مما يجعل من الصعوبة على الدول الأخرى منافستها فى هذا المجال.

وألمح إلى أنشركات كبيرة مثل “آبل” و”سامسونج” تفضل تصنيع منتجاتها فى الصين لأسباب اقتصادية ولوجستية مهمة تتعلق بتوافر سلاسل الإمداد المتكاملة والصناعات المغذية، إذ تعتبر الخيار الأكثر كفاءة وأقل تكلفة بالنسبة لها، واصفًا إياها بأنها أصبحت تمثل “مصنع العالم” بفضل وجود شبكة واسعة من الموردين والمصانع، الأمر الذى يتيح لعمالقة التكنولوجيا أن تدمج سلسلة التوريد بالكامل فى موقع واحد أو فى مواقع قريبة، مما يسهل عملية التصنيع، ويسرع الإنتاج، ويقلل من التكاليف المرتبطة بنقل المكونات بين عدة دول.

واستطرد قائلًا: إنه فى حال قررت هذه الشركات نقل عمليات التصنيع إلى دول أخرى، فإنها ستواجه تحديات كبيرة على رأسها استيراد المكونات الأساسية من الصين، وهو ما سيضيف تكاليف إضافية جراء الشحن والنقل، كما أنها ستضطر أيضًا إلى إنشاء سلاسل إمداد معقدة عبر العديد من البلدان، ما يعنى زيادة فى المصروفات التشغيلية من حيث التخزين والنقل والتعامل مع الجمارك والضرائب، بالإضافة إلى تأسيس علاقات مع موردين جدد فى هذه الدول، مما يزيد من المخاطر المتعلقة بالجودة والموثوقية.

وأشار إلى أن الصين تسيطر على نحو %60 من سوق الصناعات الإلكترونية عالميًا، مما يجعلها تمتلك الحصة الأكبر فى الطاقة الإنتاجية لهذا القطاع، بالإضافة إلى ذلك، تعد الصين المسؤول الرئيسى عن تصنيع ما يصل إلى %90 من الهواتف الذكية فى العالم.

الاضطرابات الجيوسياسية

ولفت إلى أنه مع تطور الأحداث الجيوسياسية وتغير الديناميكيات الاقتصادية العالمية، باتت هذه السلاسل تواجه العديد من التحديات التى تؤثر بشكل مباشر على التكاليف الإجمالية، مشيرا إلى أنالتوترات السياسية قد تؤدى إلى تعطيل سلاسل الإمداد نفسها. على سبيل المثال، فى حالة نشوب حرب أو توترات فى منطقة معينة، يمكن أن تؤدى إلى تدمير أو إغلاق خطوط النقل البحرية أو الجوية، مما يسبب تأخيرًا فى الشحنات ويزيد من التكاليف. فى حالات مثل هذه، تجد الشركات نفسها مضطرة للبحث عن طرق بديلة لنقل البضائع، وهو ما قد يزيد من التكاليف اللوجستية.

وأوضح أنه كلما طالت هذه السلسلة كلما زادت التحديات المرتبطة بها، منها زيادة المصاريف اللوجستية، كما أن تمديد سلاسل الإمداد يتطلب تنسيقًا مع العديد من الموردين والمصانع فى دول مختلفة، مما يضيف مستويات إضافية من التعقيد والوقت والموارد،كما أنهيعنى أن الشركات يجب أن تتعامل مع فترات أطول لتوريد المواد.

وأشار إلى أنسلاسل الإمداد العالمية تعانى من ضغوط متزايدة بسبب ارتفاع أسعار الشحن البحرى، فبعدما كانت تكلفة شحن حاوية قياسية من الصين إلى البحر الأبيض المتوسط لا تتجاوز 2000 دولار، ارتفعت هذه التكلفة إلى 10 آلاف دولار فى أعقاب جائحة كورونا، أى خمسة أضعاف، مما أدى إلى زيادة تكاليف الإنتاج وارتفاع أسعار المنتجات النهائية.

وأكد أن سلاسل الإمداد العالمية تشهد اضطرابات كبيرة، إذ ارتفعت مدة رحلة الحاويات من موانئ الصين إلى البحر الأبيض المتوسط من 21 يومًا لما يتراوح بين 35 و40 يومًا بسبب التغييرات فى مسارات الشحن واستخدام طريق رأس الرجاء الصالح كممر ملاحى بديل عن قناة السويس، كما أن شحن الحاويات إلى الموانئ المصرية يستغرق حاليًا قرابة 60 يومًا، معتبرًا أن هذه الزيادة فى مدة الشحن تؤثر بشكل كبير على حركة التجارة الدولية، خاصة بين شرق آسيا والمنطقة العربية وشمال أوروبا التى تمثل ما يصل إلى %30 من التجارة العالمية.

وقال إنأحد أهم الآثار السلبية لسلاسل الإمداد الطويلة هو الزيادة الملحوظة فى حجم المخزون الذى تحتاج الشركات إلى الاحتفاظ به، موضحًا أنه كلما زادت المسافة بين نقاط الإنتاج والتوزيع، زادت الحاجة إلى توفير مخزونات إضافية لتغطية فترات النقل الطويلة والتأخير المحتمل فى وصول البضائع، لافتًا إلى أن هذا الاستثمار الكبير فى المخزون قد يرهق الشركات ويربط جزءًا كبيرًا من سيولتها.

استفادة مصر من نموذج الـNearshoring

وقال إن المصنعين بدأوا فى الانتقال من التركيز على نموذج “الإنتاج البعيد” أو “الأوف شورينج” إلى آخر جديد يعتمد على “التقريب الجغرافى للإنتاج”، موضحًا أن هذا التحول يأتى فى سياق متغيرات جيوسياسية واقتصادية متسارعة، أبرزها التوترات والحروب التجارية، وزيادة تكاليف النقل، فضلًا عن الرغبة فى تقليل المخاطر المرتبطة بسلاسل الإمداد الطويلة.

واعتبر أن اعتماد العديد من الشركات المصنعة لنموذج NEARSHORING فى صناعة الأجهزة الكهربائية يمثل فرصة ذهبية لتوطين هذه الصناعة وتطوير الصناعات المغذية لها فى مصر، مشيرًا إلى أن تركيا قد حققت نجاحًا ملحوظًا فى هذا المجال، إذ تمكنت من دخول الأسواق الأوروبية بمنتجاتها الإلكترونية والسيارات، على الرغم من ارتفاع تكاليف الإنتاج مقارنة بالصين، ولكن بفضل مصاريف الشحن وسلاسل الإمداد القصيرة جعلتهم منافسين للصين.

وأوضح أن هذا المفهوم أى نقل الإنتاج إلى مناطق جغرافية أقرب، يوفر لمصر ميزة تنافسية تتمثل فى تقليل تكاليف الشحن وتقصير سلاسل الإمداد، مما يجعلها قادرة على منافسة المنتجات الصينية فى الأسواق الأوروبية،كما أن النمو المتوقع فى الطلب على الأجهزة الكهربائية فى الأسواق الإقليمية يمثل حافزًا إضافيًا للاستثمار فى مصر.

وأفاد أن ما يصل إلى 90 مصنعًا للإلكترونيات يعمل حاليًا على الأراضى المصرية، مثل إل جى وسامسونج وأوبو والعربى وبيكو وبوش وغيرها من العلامات التجارية الشهيرة، معتبرًاأنه إنجاز وخطوة كبيرة نحو تحقيق هدف مصر فى توطين صناعة الإلكترونيات، وتقليل الاعتماد على الاستيراد، وتحويل مصر إلى مركز إقليمى لصناعة الإلكترونيات.

توطين صناعة الهواتف المحمولة

وأكدأن توطين صناعة الهواتف المحمولة فى مصر يواجه تحديات أكبر بكثير مقارنة بالأجهزة الإلكترونية المنولية، بسبب اعتماد الأولى الكبير على الرقائق الإلكترونية والمعالجات المتقدمة، والتى تتطلب تكنولوجيا معقدة يصعب توطينها محليًا. وعلى الرغم من حصول شركات عالمية كبرى مثل أوبو وفيفو وسامسونج على رخص ذهبية للتصنيع فى مصر، إلا أن الاعتماد على استيراد المكونات الأساسية مثل الشاشات والمعالجات والكاميرات، التى تشكل نحو 80% من قيمة الهاتف، يمثل عائقًا كبيرًا أمام تحقيق الاكتفاء الذاتى فى هذا القطاع.

ورأى أن صناعة الهواتف الذكية فى مصر تتطلب مستوى من الدعم الحكومى يتجاوز بكثير ما تقدمه الصناعات الإلكترونية الأخرى، مشيرًا إلى أن إنشاء مصنع متخصص فى إنتاج شاشات الهواتف المحمولة، على سبيل المثال، يتطلب استثمارات ضخمة قد تصل إلى عشرات المليارات، الأمر الذى يجعل هذا النوع من الصناعة حكرًا على عدد محدود للغاية من الشركات العالمية.

وأفاد أن حجم سوق الأجهزة المنزلية فى مصر يقدر بمبلغ 6.42 مليار دولار أمريكى فى عام 2024، ومن المتوقع وصوله إلى 10.61 مليار دولار أمريكى بحلول عام 2029، بمعدل نمو سنوى مركب قدره 8.97٪ خلال الفترة المتوقعة (2029-2024)، طبقًا للتقارير البحثية.

وأوضح أن التوسع فى المناطق الحرة وتقديم تسهيلات استثمارية جاذبة يمثلان مفتاحًا لتحويل مصر إلى مركز إقليمى لصناعة الإلكترونيات، موضحًا أن توفير أراضٍ للإيجار مع مبانٍ مجهزة، بالإضافة إلى تسهيل إجراءات دخول المستثمرين، سيعزز الثقة فى بيئة الاستثمار المصرية. وشدد على الدور المحورى للسوق المحلى كعامل جذب للاستثمارات الأجنبية فى المناطق الحرة، لافتًا إلى أن زيادة نسبة الإنتاج المخصصة للسوق المصرية، بما يضمن لهم عائدًا استثماريًا مجزيًا وسيلة جذب فعالة، إذ يُقدَّر حجم سوق الإلكترونيات فى مصر بـ 6 مليارات دولار خلال عام 2024، مع توقعات بوصوله إلى 10 مليارات دولار فى عام 2025، مما يمثل فرصة كبيرة للشركات العاملة فى هذا القطاع.