أكد خبيران مصرفيان أن التوازن بين العرض والطلب هو العامل الأساسى فى ضبط العلاقة بين ارتفاع معدلات التضخم وتنامى أرصدة التمويل الاستهلاكى، موضحين أن ماهية السلع ذاتها عامل محورى آخر لا يمكن إنكاره عند تحديد مدى تأثير التمويل الاستهلاكى على التضخم.
وأضاف الخبيران - فى تصريحات لـ «المال» - أن تأثير التمويل الاستهلاكى على النقد الأجنبى سيظل هامشيًا ولكن فى حال كانت السلع التى يجرى الحصول عليها من خلاله مستوردة، أما المحلية فمن غير الوارد أن تمثل ضغطا على الدولار.
وقال محمد عبد المنعم الخبير المصرفى إن ارتفاع أرصدة التمويل الاستهلاكى قد يؤثر سلبًا فى معدلات التضخم، لا سيما وأن الأخير ينشأ فى الأساس من زيادة المعروض النقدى وزيادة الطلب على السلع والخدمات.
ويقصد بالتمويل الاستهلاكى كل أشكال التمويل التى تتجه إلى تمكين المقترض من شراء سلعة معمرة بغرض الاستهلاك وسداد ثمنها على فترة زمنية ممتدة، ويخاطب هذا النوع من التمويل القطاع العائلى، كما تستفيد منه الشخصيات الاعتبارية الأخرى.
وأضاف "عبدالمنعم" أنه على الرغم من ذلك من الممكن أن يؤدى التمويل الاستهلاكى إلى زيادة القدرة الشرائية للأفراد، ولكن بشرط توافره وبمعدلات فوائد مقبولة.
وتابع أنه فى حال وجد العميل، فى ظل ارتفاع الفوائد الحالية، أن تكلفة شراء السلعة بعد تقسيطها وإضافة تكلفة التمويل (الفوائد) يمكن أن تصل إلى الضعف ففى هذه الحالة من الممكن أن يؤجل فكرة الشراء خاصة لو كانت هذه السلعة من السلع الكمالية أو غير الضرورية.
قراءات التضخم
وارتفع إجمالى أرصدة التمويل الاستهلاكى خلال الفترة من يناير إلى أغسطس 2024 إلى35.17 مليار جنيه مقارنة مع نحو 28.64 مليار خلال الفترة المناظرة من العام السابق عليه، وبمعدل نمو سجل نحو %22.8 بحسب بيانات الهيئة العامة للرقابة المالية.
كما قفز إجمالى عدد العملاء، بحسب بيانات الهيئة، خلال أول 8 شهور من عام 2024 إلى 2.5 مليون ارتفاعا من 2.24 مليون خلال الفترة المناظرة من 2023، مسجلا معدل نمو بلغ نحو %11.6.
وتراجع معدل التضخم الأساسى إلى %24.4 فى أكتوبر 2024 مقابل %25 فى سبتمبر 2024، بحسب بيانات البنك المركزى.
وعلى أساس سنوى، سجل معدل التضخم العام للحضر %26.5 فى أكتوبر 2024 مقابل %26.4 فى سبتمبر 2024 وسجل معدل التغير الشهرى فى الرقم القياسى الأساسى لأسعار المستهلكين، الذى يعده البنك المركزى %1.3 فى أكتوبر 2024 مقابل %1.8 فى أكتوبر 2023 و%1.0 فى سبتمبر 2024.
ويعد التمويل الاستهلاكى، حسب هيئة الرقابة المالية، أحد الوسائل الرئيسية لتحقيق العدالة الاجتماعية؛ حيث يتيح للطبقات متوسطة ومحدودة الدخل الوصول إلى الخدمات المالية، مما يسهم فى تحقيق الشمول المالى، الذى يعد أحد الأركان الأساسية لأهداف التنمية المستدامة التى أقرتها الأمم المتحدة، كما يمثل عنصرًا فى رؤية مصر 2030.
الضغط على الدولار
وبسؤاله عن احتماليات تأثير ارتفاع الطلب على التمويل الاستهلاكى فى الضغط على الدولار، لفت «عبد المنعم» إلى أن هذا الارتباط قد لا يحدث، بمعنى أنه ليس ارتباطًا شرطيًا، فى حال كانت هذه السلع يتم تصنيعها محليًا أو كانت صناعة موطّنة بالفعل، مؤكدًا أنه فى هذه الحالة لن تكون هناك علاقة بين زيادة الطلب عليها وسعر الدولار.
وأوضح أنه إذا كانت السلع التى يتم الحصول عليها من خلال التمويل الاستهلاكى مستوردة، ففى هذه الحالة فإن ارتفاع الطلب عليها سيؤدى، بشكل مباشر، إلى زيادة فى الطلب على الدولار، وبالتالى من الممكن أن يرتفع سعره أمام الجنيه لا سيما إذا كان الطلب أكبر من العرض.
واتفق معه الخبير المصرفى محمد عبد العال الذى أشار إلى أن ارتفاع أرصدة التمويل الاستهلاكى سيؤثر سلبًا على الدولار فى حالة واحدة، وهى أن تكون هذه السلع التى يتم الحصول عليها بالتقسيط (من خلال التمويل الاستهلاكي) سلع مستوردة، وهو ما يمثل نوعًا من الضغط على النقد الأجنبى.
موازنة العرض والطلب
ورأى "عبد العال" أن الفكرة الأساسية فى استقصاء ماهية تأثير ارتفاع أرصدة التمويل الاستهلاكى على معدلات التضخم هى الموازنة بين العرض والطلب.
وأوضح أن التمويل الاستهلاكى أداة من بين الأدوات التمويلية التى تتيح لفئات معينة فى المجتمع الحصول على السلع والمستلزمات التى تحتاج إليها.
وتابع أنه إذا كان هناك عرض كثيف ولكن دون وجود طلب كاف فسيؤدى إلى إحداث حالة من الركود، معتبرًا أن هذا الركود واحد من بين المشكلات الاقتصادية التى لا تقل خطورة عن ارتفاع معدلات التضخم.
وأشار إلى أنه إذا كان الطلب أعلى من المعروض فقد يؤدى هذا إلى حالة من الخلل فى السوق، مؤكدًا أن تأثير ارتفاع أرصدة التمويل الاستهلاكى على التضخم سيظل هامشيًا خاصة إذا لم يكن هناك عرض إنتاجى كاف من السلع.
المنافسة مع البنوك
وألمح إلى أن شركات التمويل الاستهلاكى – وكذلك بقية الكيانات العاملة فى مجال الخدمات المالية غير المصرفية – لا تمثل أى نوع من المنافسة مع البنوك، بل على العكس، تحدث حالة من التكامل فى السوق، بحيث تركز المصارف على المؤسسات والشركات فيما تُعنى شركات التمويل الاستهلاكى بالأفراد.
وأوضح أن هذه الشركات تعمل على تجميع المحافظ الائتمانية من الأفراد ثم محاولة الاقتراض من البنوك لتلبية احتياجات عملائها، وهو ما يعود بالنفع على الطرفين، البنوك وهذه الشركات على حد سواء.
وقف تأسيس شركات النشاط
يشار إلى أن الهيئة العامة للرقابة المالية قررت خلال أكتوبر الماضى، إيقاف قبول طلبات التأسيس والموافقة المبدئية على تأسيس الشركات الراغبة فى الحصول على ترخيص من الهيئة بمزاولة نشاطى تمويل المشروعات متناهية الصغر أو التمويل الاستهلاكى بالطرق التقليدية.
وعللت الهيئة هذه القرارات بكونها تأتى فى إطار الحرص المستمر من "الرقابة المالية" على تحقيق الاستقرار المالى للأسواق والمؤسسات المالية غير المصرفية بما يعزز من دورها فى الاقتصاد القومى وتلبية احتياجات الأفراد، وبناءً على التنامى الملحوظ للرخص الجديدة الصادرة عن الهيئة لشركات وجهات وجمعيات تعمل فى نشاطى التمويل الاستهلاكى وتمويل المشروعات متناهية الصغر، وهو ما يستتبعه ضرورة تأكد الرقيب من الملاءة المالية لمقدمى الخدمات.
واستثنى القرار من أحكامه، أى شركة أو جهة راغبة فى مزاولة أى من نشاطى تمويل المشروعات متناهية الصغر أو التمويل الاستهلاكى باستخدام مجالات التكنولوجيا المالية، ووفقاً لقانون تنظيم وتنمية استخدام التكنولوجيا المالية فى الأنشطة المالية غير المصرفية الصادر بالقانون رقم (5) لسنة 2022.
ولا يسرى قرار الإيقاف، بحسب قرار "الرقابة المالية" أيضا على الشركات أو الجمعيات أو المؤسسات الأهلية التى تأسست أو حصلت على موافقة مبدئية على التأسيس أو التى تقدمت بطلبات للحصول على أى منهما أو للحصول على الترخيص بمزاولة أى من النشاطين قبل العمل بهذا القرار، والذى بدأ منذ 11 أكتوبر الماضى.
يذكر أن "الرقابة المالية" منحت تراخيص لنحو 15 شركة خلال آخر عامين بنشاط التمويل الاستهلاكى ولديها 4 طلبات قيد الدراسة من إجمالى 30 شركة حاصلة على الترخيص.
