كشف تقرير جديد لوكالة “فيتش”حول توقعاتها للربع الرابع من عام 2024 أن سوق الأدوية فى مصر ما زالت تشهد تحديات رئيسية مرتبطة بتراجع قيمة العملة المحلية وضغوط التضخم، إلا أن الحكومة المصرية اتخذت خطوات لحماية الصناعة الدوائية المحلية من خلال رفع أسعار الأدوية، مما يُتوقع أن يدعم النمو على الأجل القصير.
وأشار التقرير إلى أنه وعلى الرغم من أن هذه الإجراءات تعزز قطاع الأدوية بالجنيه المصري، فإن ضعف العملة يعوق النمو بالدولار الأمريكي، وهو ما يؤثر سلبًا على الأداء الخارجى للصناعة، خاصة فى فئة الأدوية الجنيسة (أدوية طبق الأصل من الدواء الأصلى) .
التوقعات الاقتصادية والمالية
وبحسب تقرير وكالة “فيتش” فإن إنفاق مصر على الأدوية سيستمر فى الارتفاع، حيث من المتوقع أن يصل إلى 152.8 مليار جنيه (ما يعادل تقريبًا 3.4 مليار دولار) فى عام 2024، بعد أن كان 138.1 مليار جنيه (4.5 مليار دولار) فى 2023.
ولفت إلى أن هذا النمو يعكس معدلًا سنويًا قدره %10.6 بالجنيه المصري، رغم الانخفاض الكبير بنسبة %24 بالدولار الأمريكي، مما يدل على التأثير السلبى للتضخم والتقلبات فى سعر الصرف على قيم السوق عند قياسها بالعملات الأجنبية.
تحليل”SWOT”
وأوضح التقرير، أن قطاع الأدوية يتمتع بعدد من نقاط القوة، منها وجود شركات مملوكة للدولة وأخرى تابعة للقطاع الخاص، مما يعزز الاستدامة والاستقلالية فى التصنيع المحلي.
وأضاف، كما أن السوق المصرية توفر عمالة منخفضة التكلفة ووجود عدد كبير من الأطباء والصيادلة والفنيين، مما يدعم التوسع والتطور.
واستكمل، كما تحظى مصر بزيادة ملحوظة فى اتفاقيات التجارة الحرة، فضلًا عن إرادة سياسية واضحة لتطوير قطاع الرعاية الصحية.
وانتقل التقرير لإبراز نقاط الضعف فى السوق، وهو ما قال إنه معاناة للشركات العالمية فى قطاع الأدوية من قيود صارمة على التسعير، مما يحد من قدرتها على تحقيق أرباح مناسبة.
ولفت إلى أن بعض القوانين، مثل قانون براءات الاختراع، يبقى دون المستوى الدولي، مما يعوق الشركات الأجنبية من دخول السوق.
كما اعتبر أن التزوير فى الأدوية يمثل مشكلة متزايدة تؤثر على سمعة وجودة المنتجات الدوائية، علاوة على أن عددا من مراكز الصحة العامة تعانى من نقص فى الموارد والمعدات اللازمة، خاصة تلك الممولة من القطاع العام.
وأبرز التقرير جهود التوسع فى التأمين الصحى الشامل، معتبرا أن المبادرات الحكومية، مثل مشروع التأمين الصحى الشامل، تسهم فى توسيع نطاق الخدمات الصحية، علاوة على دور “قانون الاستثمار الجديد”،فى تحسين بيئة العمل مما يدعم دخول رءوس الأموال الأجنبية إلى السوق، كما أن الشراكات بين القطاعين العام والخاص، تتيح فرصًا لزيادة الاستثمار وتطوير خدمات الرعاية الصحية.
وانتقل التقرير، للتحديات السياسية والأمنية، مشيرا إلى أن الاستثمارات تبقى عرضة للمخاطر الأمنية والسياسية فى بعض المناطق.
كما اعتبر أن التضخم المستمر يؤدى إلى زيادة ضغوط التكاليف، ما يشكل تحديًا لقطاع الأدوية، علاوة على أن تقلبات سعر الصرف وانخفاض قيمة الجنيه يؤدى إلى تراجع الأرباح بالدولار، مما يؤثر على جذب الاستثمارات الأجنبية.
التوقعات المستقبلية لنمو قطاع الأدوية
وتوقع التقرير- مع الدعم المقدم من الحكومة لرفع الأسعار وتوسيع الطاقة الإنتاجية - أن يستمر نمو قطاع الأدوية المصرى خلال السنوات القادمة، ومع ذلك، لا تزال السوق معرضة لضغوط تضخمية قوية وضعف فى قيمة الجنيه، مما يؤدى إلى انكماش نمو السوق بالدولار الأمريكي.
كما توقع أنه بحلول عام 2028، أن تصل قيمة السوق إلى 218.1 مليار جنيه مصرى (4.3 مليار دولار)، مع معدل نمو سنوى مركب قدره 9.6% بالجنيه، فى مقابل انكماش قدره- %1 بالدولار، أما بحلول 2033، فمن المنتظر أن تصل قيمة السوق إلى 325.9 مليار جنيه (5.8 مليار دولار).
مؤشرات النمو الرئيسية
واعتبر التقرير أن ما يعزز النموفى الإنفاق على الأدوية فى مصر يرجع إلى عدة عوامل رئيسية، أبرزها:تزايد عدد السكان فى مصر بشكل مستمر، مما يزيد من الطلب على الخدمات الصحية والدوائية، بالإضافة لتوسيع تغطية التأمين الصحى فمع توسع نطاق التأمين الصحى الشامل، يتزايد عدد المستفيدين من الخدمات الطبية، مما يدفع إلى نمو الإنفاق على الأدوية.
ولفت إلى أن تزايد نسب الأمراض المرتبطة بالعمر وأمراض نمط الحياة يرفع الطلب على الأدوية بشكل كبير، وخاصة الأدوية الموصوفة.
تحديات السوق
وانتقل التقرير للتحديات التى تواجه سوق الأدوية المصرية بشقيها الاقتصادى والهيكلي، منها تعرض السوق لضغوط تضخمية تؤدى إلى تآكل القدرة الشرائية، مما يؤثر سلبًا على الاستهلاك الدوائي.
ولفت إلى أن ضعف قيمة الجنيه يؤدى إلى تراجع النمو بالدولار، مما يعقد من استدامة الأرباح عند التحويل للعملات الأجنبية.
العلاجات الموصوفة
وتوقع التقرير أن تشهد مبيعات الأدوية الموصوفة نموًا ملحوظًا، إذ يتوقع أن ترتفع من 118.4 مليار جنيه (3.9 مليار دولار) فى 2023 إلى 125.3 مليار جنيه (2.8 مليار دولار) فى 2024، ثم إلى 190.1 مليار جنيه (3.7 مليار دولار) بحلول عام 2028، ويرجع هذا النمو إلى تزايد الطلب على الأدوية المخصصة لعلاج الأمراض المزمنة.
واعتبر التقرير أن الأدوية الجنيسة تعد عنصرًا مهمًا فى السوق المصري، حيث يتوقع أن تنمو من 89.8 مليار جنيه (2.9 مليار دولار) فى 2023 إلى 91.2 مليار جنيه (2.0 مليار دولار) فى 2024.
ومع الاستمرار فى زيادة الإنتاج المحلي، قد تصل قيمتها إلى 145.9 مليار جنيه (2.9 مليار دولار) بحلول 2028، مع معدل نمو سنوى قدره 10.2% بالجنيه.
الأدوية المسجلة ببراءة اختراع
وتشير توقعات “فيتش” إلى أن سوق الأدوية ذات براءات الاختراع ستنمو من 28.6 مليار جنيه (933 مليون دولار) فى 2023 إلى 33.6 مليار (747 مليون دولار) فى 2024، مع توسع إضافى متوقع ليصل إلى 44.2 مليار جنيه (868 مليون دولار) بحلول 2028.
الأدوية التى لا تحتاج
إلى وصفة طبية (OTC)
ويتوقع أن ترتفع سوق الأدوية التى لا تحتاج إلى وصفة طبية من 19.8 مليار جنيه (645 مليون دولار) فى 2023 إلى 27.5 مليار جنيه (611 مليون دولار) فى 2024، مع وصولها إلى 27.9 مليار جنيه (549 مليون دولار) بحلول 2028.
التجارة الدوائية
وفيما يتعلق بالتجارة الخارجية، توقعت “فيتش” أن تصل قيمة واردات الأدوية إلى 77.1 مليار جنيه (1.7 مليار دولار) فى 2024، بينما من المنتظر أن ترتفع صادرات الأدوية إلى 13.0 مليار جنيه (288.9 مليون دولار).
واعتبرت أن هذا النمو يعكس التحسن فى القدرات الإنتاجية المحلية، على الرغم من التحديات المرتبطة بتكاليف المواد الخام المستوردة.
توصيات للتعامل التحديات
ويوضح التقرير أن القطاع الدوائى فى مصر يملك إمكانات كبيرة للنمو طويل الأجل، بدعم من الإصلاحات الحكومية والشراكات الإستراتيجية، ومع ذلك، لا تزال هناك حاجة لإجراءات إضافية لتعزيز استدامة السوق، حيث يتطلب تحقيق النمو المستدام توفير بيئة اقتصادية مستقرة وتقليل الاعتماد على العملات الأجنبية، بجانب تبنى سياسات تدعم تصنيع المواد الخام محليًا.
وأضاف، بصفة عامة، يبقى تحسين بيئة الاستثمار فى قطاع الأدوية أولوية لتعزيز كفاءة السوق، مع التركيز على تطوير الهيكل التنظيمى بما يتوافق مع المعايير الدولية، للحد من المخاطر المحتملة وجذب استثمارات جديدة تسهم فى تطوير القطاع وتحقيق استدامتها.
وقال محمود فؤاد رئيس المركز المصرى للحق فى الدواء، إن تقرير”فيتش” للربع الرابع من عام 2024 يظهر أن سوق الأدوية المصرية تتميز بإمكانات نمو قوية على المدى القصير والمتوسط، ولكنه فى الوقت ذاته شدد على حجم التحديات الهيكلية والاقتصادية، واعتبر أنها تؤثر على تحقيق معدلات نمو قوية.
وأكد “فؤاد” - فى تصريحات لـ”المال”- أن النمو المتزايد فى قطاع الأدوية الجنيسة يعود للتوسع فى عملية إنتاجها محليا، ومع ذلك، تواجه تحديات تنافسية على مستوى السوق الدولية، حيث تعانى من تقلبات سعر الصرف وتكاليف الإنتاج، مما يقلل من جاذبيتها للمستثمرين الأجانب.
وتابع:” تعتبر الأدوية الجنيسة خيارا مناسبا من حيث التكلفة للمستهلكين الذين يواجهون ضغوطا مالية، إلا أن افتقار الصناعة للقدرة التنافسية العالمية يجعلها أقل استدامة على المدى الطويل”.
ولفت إلى أن العمل على تحقيق التنافسية يتطلب تطوير البنية التحتية التصنيعية وتبنى معايير جودة عالمية تضمن جودة المنتجات المحلية، وهو الخطوات التى تسير فيها الحكومة منذ وقت طويل.
واعتبر “فؤاد” أنه بمجرد الانتهاء من عمليات تطوير البنية التصنيعية، والالتزام بالإجراءات والضوابطة المرتبطة بالصناعة، فإن الخطوة من شأنها أن تفتح أسواقا جديدة للتصدير كما أنها تساهم فى سمعة الصناعة المحلية على المستوى الخارجي.
وأشار إلى أن الضغوط المستمرة التى يواجهها القطاع نتيجة تراجع قيمة العملة مقابل الجنيه، سيكون لها تأثير مباشر على القدرة الشرائية للمستهلكين وأيضا على تكلفة المواد الخام المستوردة.
وشدد على ضرورة وجود برامج دعم حكومية، بما يضمن حماية الفئات التى تستحق الدعم من ارتفاع أسعار الأدوية، والتى ربما باتت ضرورية مع ما يشهده الاقتصاد من تأثير نتيجة الظروف التى تمر بها المنطقة.
من جانبه، قال الدكتور إسلام عنان، أستاذ اقتصاديات الصحة وعلم انتشار الأوبئة، إن تأثير سعر صرف العملة يجب أن يؤخذ فى الاعتبار، معتبرا أن ارتفاع أسعار الأدوية، نتيجة تقلبات سعر الصرف، يفرض تحديات كبيرة على القطاع.
وأكد “عنان” - فى تصريحات لـ”المال” - أنه بالرغم من هذه التحديات، فإن السوق المصرية للأدوية لا زالت قادرة على المحافظة على استقرارها بفضل السياسات الحكومية التى هدفت إلى زيادة ميزانية شراء الأدوية وتوفير الدعم للشركات المحلية.
وأوضح أن السياسات الحكومية الأخيرة ساهمت بشكل كبير فى تخفيف الأثر السلبى لتقلبات سعر الصرف على المبيعات، ففى الكثير من الأحيان، تؤدى انخفاضات قيمة العملة إلى تقليص القوة الشرائية وانخفاض الطلب، ولكن الوضع فى مصر كان مختلفا مما جعل القطاع قادرًا على الاستمرار فى النمو رغم التحديات.
وفيما يتعلق بالأدوية المتخصصة، ألمح “عنان” إلى أنها أصبحت جاذبة للاستثمارات الأجنبية، فقد زادت ثقة المستثمرين بفضل الجهود المبذولة لتوطين صناعة الأدوية وتحسين البيئة الاستثمارية فى هذا القطاع، مما يعزز من قدرات مصر فى توفير الأدوية المتقدمة والعلاجات الحديثة.
وأضاف، الإجراءات الحكومية لرفع أسعار الأدوية، والتى تهدف إلى دعم المصنعين المحليين وتقليل الضغط على هوامش أرباحهم، من شأنها أن تعزز النمو فى السوق المحلية من حيث الجنيه، إلا أن الدعم الحكومى الحالى يظل استجابة قصيرة الأجل للتحديات القائمة، لا سيما مع استمرار التحديات فى تثبيت أسعار الصرف وانخفاض قيمة العملة المحلية.
واعتبر “عنان” أن عملية التوسع فى نظام التأمين الصحى الشامل، تعد أحد أبرز المحركات للنمو فى سوق الأدوية، حيث يتيح تغطية أوسع للخدمات الطبية ويزيد من الطلب على الأدوية، كما أنه يدفع نحو تطوير شراكات بين القطاعين العام والخاص، ويحفز على دخول استثمارات أجنبية لتمويل مشروعات البنية التحتية فى مجال الأدوية والصحة بشكل عام.
وأكد أنه بناءً على تحليل توقعات “فيتش”، يمكن تلخيص رؤية نمو قطاع الأدوية فى مصر من خلال قيام الحكومة بدعم الشركات المحلية المنتجة للمواد الخام اللازمة للأدوية، مما يقلل الاعتماد على الواردات ويعزز القدرة التنافسية.
ولفت أيضا، إلى ضرورة وجود طريق لتخفيف التعقيدات التنظيمية وتبنى قوانين مرنة تشجع على جذب الاستثمارات الأجنبية، وهو ما يمكن من زيادة جاذبية السوق المصرية كمركز استثمارى فى المنطقة.
