أكد خبراء أن شركات إعادة التأمين التى تركز على العمل بأفريقيا، تسعى فى 2025 إلى مواجهة التحدى المتمثل فى مشهد أخطار الكوارث الطبيعية المتطور بشكل متزايد، حتى مع استمرار ارتفاع معدلات التضخم، وتباطؤ النمو الاقتصادى الذى يثقل كاهل القارة.
وأوضحوا أنه مع دخول عام 2025، ستزيد الشركات العالمية والإقليمية لإعادة التأمين تركيزها على تعزيز وتطوير حلول الاكتتاب التى تعكس بشكل أفضل مشهد المخاطر المتطور، الذى يعانى من تغيرات المناخ والكوارث المرتبطة به.
وذكروا أن السنوات الصعبة الآنية والمستقبلية -التى حملت وربما ستحمل الكثير من خسائر الكوارث الطبيعية- تتطلب علاقات جيدة وطويلة الأمد مع العملاء الأفارقة، إذ تعد الأسعار المناسبة للمخاطر ضرورية لتقديم تغطية إعادة التأمين بشكل مستدام.
وأفادوا بأن تحقيق تلك الغاية، يُعيّن على شركات إعادة التأمين أن تتنقل فى بيئة اقتصادية كلية عالمية، رغم صعوبتها فى ظل اتجاهات المخاطر المتطورة المختلفة (أبرزها تغير المناخ)، إذ يتجلى تأثير تغير المناخ بوضوح فى تزايد وتيرة وشدة الأحداث المناخية المتطرفة والخسائر الناجمة عن الكوارث الطبيعية التى سجلتها صناعة التأمين على المدى الطويل بين عامى 2020 و2023، والتى كانت أعلى من المتوسط.
وبيّن عبد الرؤوف قطب، رئيس الاتحاد المصرى للتأمين سابقًا، أن أفريقيا تضم 54 سوقًا، كلها تتميز بفوارق دقيقة فريدة لكل واحدة، وتختلف عن الأسواق المتقدمة بأوروبا وأمريكا، إذ إن أفريقيا عبارة عن مزيج من بلدان وثقافات وعملات ولوائح مختلفة، والطريقة التى يتم بها إجراء التأمين وكيفية تعامل المتخصصين فى التأمين مع هذا التخصص تختلف من بلد إلى آخر، ومن ثم، تتطلب هذه الاختلافات داخل كل بلد تخصيص حلول إعادة التأمين للعملاء فى جميع أنحاء القارة.
وتابع قطب أن شركات إعادة التأمين الأفريقية الواقعة فى القارة تمنحها رؤى مفيدة فى خدمة العملاء الأفارقة، عبر مركز قد تمتد إلى الشرق (إثيوبيا وكينيا وتنزانيا) والغرب (غانا ونيجيريا) وأفريقيا الناطقة بالفرنسية (جمهورية الكونغو الديمقراطية وكوت ديفوار والسنغال) ودول مثل أنجولا وموريشيوس، ومن ثم، فهناك توقعات أن الشركاء فى كل هذه البلدان سيساعدون شركات إعادة التأمين فى توسيع نطاق وصولها إلى الأسواق المجاورة، وبالتالى تحقيق التغطيات فى جميع أنحاء أفريقيا، فى تجديدات إعادة التأمين 2025.
وأكد أن هناك اختلافات واضحة بين جنوب أفريقيا و الصحراء الكبرى وبقية دول القارة إذ الشمال والوسط، فعلى سبيل المثال، قد تحمّلت صناعة التأمين فى جنوب أفريقيا عددًا من أحداث الخسارة الصادمة خلال الفترة 2020-2023 مع جائحة كورونا (كوفيد-19) فى 2020-2021 وأعمال شغب ونهب فى يوليو 2021 وأحداث فيضانات شديدة فى 2022-2023، وكلها ساهمت فى تشديد شروط إعادة التأمين، وعلى النقيض من ذلك، لم تتأثر أسواق إعادة التأمين فى بقية أفريقيا بخسائر كبيرة، وبالتالى فإن الشروط أكثر ليونة، وإن كانت ما تزال تنافسية، ومن المرجح أن تظل كذلك فى تجديدات 2025.
كما أضاف أن منطقة أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، تتمتع بتركيز عالمى علينا الاستفادة منها فى القطاع وإعادة التأمين، إذ إن هناك مقترحات من الشركات تسعى لزيادة انتشار التغطيات خلال 2025، من خلال تقديم منتجات مبتكرة تتوافق مع التركيبة السكانية للقارة، بما فى ذلك سكانها الشباب المتزايدين والطبقة المتوسطة المتنامية.
وأردف أن هناك فرصة كبرى أخرى لإطلاق العنان لإمكانات الزراعة فى أفريقيا خلال 2025 وما بعدها، إذ تقع أكثر من %60 من الأراضى الصالحة للزراعة فى العالم فى القارة، وإذا تمكنت أفريقيا من إيجاد السبل للاستفادة المثلى من هذه الأصول، فسوف تعيد كتابة السرد حول النمو الاقتصادى والعمالة والأمن الغذائى واحتياطيات النقد الأجنبى ومنتجات التأمين وإعادة التأمين التى تركز على الزراعة على سبيل المثال لا الحصر.
تغير المناخ
وأوضحت سامية حيدة، نائب رئيس الشركة المصرية لإعادة التأمين “إيجيبت رى” سابقا، أن المخاطر المرتبطة بالمناخ ستكون ملموسة بشكل متزايد بالنسبة لشركات إعادة التأمين التى تمارس أعمالها فى منطقة جنوب الصحراء الكبرى فى أفريقيا 2025، إذ تسببت أخطار الجفاف والفيضانات والعواصف فى خسائر اقتصادية بمليارات الدولارات كل عام فى الفترة السابقة.
وأعربت عن آسفها من أن تلك الأحداث السابقة “غالبًا” ما تتسبب فى خسائر كبيرة بالأرواح، كما اتضح من وفاة 1400 شخص أو أكثر فى أعقاب إعصار فريدى الذى أثر على أجزاء من مدغشقر وملاوى وموزمبيق وزيمبابوى فى فبراير ومارس من العام السابق.
وذكرت أن شركات التأمين وإعادة التأمين يمكنها بالفعل أن تلعب دورًا مهمًا فى مساعدة الحكومات على تحقيق تعهداتها بشأن انبعاثات غازات الاحتباس الحرارى الصافية بحلول 2050، من خلال إعادة التفكير فى حلول التمويل والاكتتاب لدعم التحول فى مجال الطاقة من الفحم إلى الطاقات المتجددة.
وذكرت أن شركات إعادة التأمين العالمية كـ”ميونيخ رى” أبرمت على نفسها قرارات واضحة، عبر مساهمتها فى تحقيق أهداف باريس (2015) المناخية، فقد حددت “ميونخ رى” فى نهاية عام 2020 -على سبيل المثال- أهداف انبعاثات غازات الاحتباس الحرارى لاستثماراتها ومعاملات إعادة التأمين وعمليات الأعمال الخاصة بها، وتوقفت عن الاستثمار فى الشركات التى تولد أكثر من 30٪ من أرباحها من الفحم أو عن طريق استخراج النفط من الرمال النفطية، كما توقفت عن تأمين محطات الطاقة “الجديدة” التى تعمل بالفحم ومناجم الفحم “الجديدة” ومناجم الرمال النفطية، كجزء من طموحها لـ2025، وكخطوات متوسطة المدى نحو هدف 2050 الطويل الأجل.
وأضافت أن شركات إعادة التأمين فى اتجاهاتها خلال العام القادم، سيتعين عليها أن تضطلع بأدوارها فى مجال تغير المناخ والتحول فى مجال الطاقة مع مراعاة التحديات المزدوجة المتمثلة فى التضخم وانخفاض قيمة العملة، وذلك من منظور أفريقى بحت، إذ تواجه العديد من البلدان فى منطقة جنوب الصحراء الكبرى فى أفريقيا تحديات، تتمثل فى التضخم المزدوج الذى يرتبط ارتباطًا وثيقًا بانخفاض قيمة عملاتها مقابل الدولار، وهذا ما يخلف تأثيرًا كبيرًا على أعمال شركات إعادة التأمين الإقليمية والعالمية، بسبب نقص النقد الأجنبى داخل البلاد.
ونوّهت أن التعرض المتزايد لـ”فشل البنية الأساسية الحرجة” الناجم عن نقص الاستثمار، إنما يشكل مخاطر كبيرة لشركات إعادة التأمين التى تتخذ من أفريقيا مقرًا لها، فمن الممكن أن يكون قطاع التأمين قد اتخذ تدابير لمواجهة الخسائر والأضرار المحتملة بسبب فشل شبكة الكهرباء، بينما قلّل من تقدير المخاطر المرتبطة بفشل البنية الأساسية للمياه، وقد يؤدى هذا الأخير إلى نقص خطير فى المياه مع عواقب وخيمة وغير مدروسة، ما يوجب فى 2025 أن يبقى “فشل البنية الأساسية فيما يتعلق بالمياه” على قائمة الأمور المهمة فى قطاع التأمين للعام المشير بمرور ربع قرن من الألفية الثالثة.
وكشفت أن أصحاب المصلحة عليهم الاعتراف بالاختلافات الدقيقة الموجودة بين المخاطر التى قد يواجهونها فى أفريقيا، وتلك الموجودة فى مناطق آسيا والمحيط الهادى وأوروبا وأمريكا الشمالية -على سبيل المثال- وذلك عند تقييم آفاق سوق إعادة التأمين الأفريقية فى عام 2025.
واستطردت أن المخاطر السيبرانية، التى تشكل مصدر قلق كبير فى الأسواق المتقدمة، تعد أقل حضورًا فى منطقة أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.
التكيف المستمر مع المخاطر
وذكر الدكتور محمد جودة، رئيس قسم التأمين والعلوم الإكتوارية بكلية التجارة – جامعة القاهرة، أن السر وراء قيمة شركات إعادة التأمين فى الأسواق الأفريقية (فى تجديدات 2025 وما بعدها) يكمن فى التكيف المستمر مع المشهد المتغير للمخاطر بها، وعلى هذا النحو، يتعين على شركات إعادة التأمين التى تدير أعمالها فى القارة أن تراقب من كثب التأثير النسبى للتهديدات القائمة والناشئة، وأن تعدل تغطياتها التأمينية وفقًا لذلك، مع أقساط تتناسب مع المخاطر.
وأوضح أن شركات التأمين وإعدة التأمين عليها التفكير فى ضمان مستقبل مرن للصناعة ككل، عبر تبنّى الذكاء الاصطناعى وتوجيه المحافظ لاحتياجات العملاء، إذ تحتاج الشركات إلى فهم موقع المؤمن عليهم بمستوى كافٍ من التفصيل حتى تتمكن من تطبيق اختيار المخاطر المتطور، ومن المهم أيضًا أن يكون هناك تحكم عالى الدقة فى التراكم نسبة إلى شهية المخاطر.
وتابع أن برنامج “Location Risk Intelligence” من شركة ميونخ رى العالمية لإعادة التأمين يعد سهل الاستخدام يتيح للمستخدمين تقييم تحليلات المخاطر المناخية الخاصة بسرعة لآلاف المواقع المعرضة للمخاطر، ويمكنه تقديم رؤى لتوجيه محفظة العميل فى سياق تغير المناخ.
وأضاف أن الخسائر العالمية الإجمالية الناجمة عن الكوارث الطبيعية بلغت فى النصف الأول من العام الجارى نحو 120 مليار دولار، فى حين أن الجزء المؤمن عليه حوالى النصف فقط -62 مليار دولار-، بينما فى العام الماضى كانت الخسائر بجملة 100 مليار دولار للخسائر المؤمن عليها، مع توقعات أن تتجاوز الخسائر المؤمن عليها عالميًا حد 100 مليار دولار بنهاية العام الجارى، وذلك حسب بيانات شركة ميونخ رى العالمية لإعادة التأمين.
وأردف أن %68 من الخسائر الاقتصادية و%76 من الخسائر المؤمن عليها إنما ترجع إلى العواصف الرعدية الشديدة والفيضانات وحرائق الغابات، ولم تسلم أفريقيا من الكوارث الطبيعية، ففى الأشهر الـ6 الأولى من العام الجارى كانت الكوارث الطبيعية فى أفريقيا مسئولة عن خسائر اقتصادية إجمالية بلغت 500 مليون دولار، بينما تظل فجوة الحماية التأمينية مرتفعة باستمرار مع انخفاض معدل الانتشار التأمين عادة إلى أقل من 1%، حسب بيانات “ميونخ رى” أيضًا.
وتوقع أن تشهد تجديدات إعادة التأمين الأفريقية 2025 تسعير الكوارث الطبيعية بطريقة مسئولة مع الأخذ فى الاعتبار الاتجاه المتزايد المتوقع فى وتيرة وشدة هذه الأحداث فتسعير الكوارث الطبيعية يتطلب فهمهًا بشكل جيد، كما أن الطقس المتطرف سوف يستمر فى التأثير على القارة، ومن ثم، يتعين مواجهة المستقبل بتركيز على تأمين القدرة على التكيف مع التغيير، لحماية الناس والاقتصادات من التأثيرات السلبية للطقس المتطرف.
