أكد خبراء تأمينيون أن الأحداث العالمية الأخيرة، كسيول تونس وإعصار دانا بالهند وترامى بالفلبين وميلتون بفلوريدا وغيرها من الأحداث المتتالية، تسببت فى انهيارات أرضية وخسائر كبيرة فى الأرواح والبنية التحتية، ما سلط الضوء على الحاجة الملحة لإدارة المخاطر الناجمة عن الكوارث والحلول التأمينية الفعالة لها.
وبيّنوا أن التأمين على الكوارث الطبيعية بمثابة شبكة أمان تحمى الأفراد والشركات والمجتمعات بأكملها من الآثار المدمرة التى تسببها، مثل الزلازل والفيضانات والعواصف، إذ تلعب هذه النوعية من التغطيات دورًا حيويًا فى تعزيز الاستقرار الاقتصادى والاجتماعى، وتساعد على تسريع عملية التعافى بعد وقوع الكوارث.
وأوضحوا أن تأمين الكوارث الطبيعية، إنما يساعد على حفظ الاستقرار المالى للمجتمعات، إذ يمنع حدوث أزمات مالية كبيرة، وكذلك يلفت الأنظار إلى التخطيط طويل الأجل والاستثمار، ويعطى الأفراد والشركات الثقة فى قدرتهم على التعامل مع المخاطر المحتملة.
كما ذكروا أن التأمين يعمل على توزيع المخاطر بين عدد كبير من الأفراد والشركات، مما يقلل من التأثير السلبى للكوارث الطبيعية، لاسيما بعدما تقوم شركات القطاع بدورها فى تقييم الأضرار وتقديم التعويضات وفقًا لشروط وثائق التأمين.
الوقاية جانب رئيسى من استراتيجيات إدارة المخاطر
وأوضح محمد صلاح، عضو لجنة التأمين المستدام بالاتحاد المصرى للتأمين، أن الكوارث الطبيعية، مثل الأمطار الغزيرة والفيضانات النهرية والعواصف وذوبان الثلج، لا دخل للإنسان بها، وهناك أسباب بشرية للكوارث، بما فى ذلك التوسع العمرانى وإزالة الغابات وأنظمة الصرف غير الكافية والتخطيط السيئ لاستخدام الأراضى.
وأضاف أن الكوارث إنما تؤدى إلى خسائر بشرية، مثل فقدان الأرواح والتشريد والمخاطر الصحية من الأمراض المنقولة بالمياه، بالإضافة إلى تأثيرات اقتصادية، بما فى ذلك أضرار الممتلكات وفقدان سبل العيش والتكاليف المرتفعة للتعافى وإعادة البناء، علاوة على ذلك، لها تأثيرات بيئية مثل تآكل التربة وتلوث المياه وفقدان التنوع البيولوجى.
وشدد على أن الوقاية من الكوارث الطبيعية جانب رئيسى من استراتيجيات إدارة المخاطر، مثل تحسين البنية التحتية عبر بناء السدود والحواجز وأنظمة الصرف الفعالة والتخطيط الحضرى من خلال تنفيذ قوانين وتقنيات التخطيط التى تراعى أخطار الفيضانات، كما أن الحلول الطبيعية -مثل استعادة الأراضى الرطبة والغابات لتعزيز امتصاص المياه- أمر حيوى أيضًا.
وأوضح أن أنظمة الإنذار المبكر واستخدام التكنولوجيا للتنبؤ بالكوارث الطبيعية والتحذير ضرورية للتعامل مع هذه الظواهر، بالإضافة إلى رفع مستوى الوعى المجتمعى بمخاطر الفيضانات وكيفية الاستجابة فى حالات الطوارئ، والتنسيق الفعال لجهود الإنقاذ والإغاثة وتقديم الدعم لإعادة بناء وتأهيل المجتمعات المتضررة.
وذكر أن التأمين التقليدى (الممتلكات) يغطى الأضرار التى لحقت بالمنازل والشركات بسبب الكوارث، بينما يوفر التأمين على الحياة والصحة الدعم المالى للعائلات المتضررة، ويغطى النفقات الطبية.
وتابع أن التأمين المباشر تنقل المخاطر، من خلال نقل أجزاء من محافظها للمخاطر إلى شركات إعادة التأمين، لإدارة المطالبات المحتملة من جراء الكوارث الطبيعية على نطاق واسع، بينما تصدر شركات إعادة التأمين العالمية “سندات الكوارث” -وهى أدوات مالية توفر الأموال- فى حالة حدوث أحداث كبرى.
ونوّه إلى أهمية إطلاق منتجات تأمينية مبتكرة، مثل التأمين المعيارى (البارامترى)، إذ يتم تحديد المدفوعات بناء على معايير محددة مسبقا، مثل كمية معينة من هطول الأمطار، أو التأمين متناهى الصغر، الذى يقدم حلولًا ميسورة التكلفة مصممة للفقراء فى المناطق المعرضة للفيضانات أو شديدة الأمطار، على سبيل المثال.
وأكد أهمية الشراكات العامة والخاصة بين القطاع والجهات الأخرى، من خلال خطط الحكومة، مثل برامج التأمين المدعومة وصناديق الإغاثة من الكوارث، والتعاون مع المنظمات غير الحكومية، بالشراكة مع المنظمات غير الربحية لتعزيز مرونة المجتمعات وجهود التعافى.
ولاحظ أن تغير المناخ يؤدى إلى زيادة فى تواتر وشدة الكوارث الطبيعية، بالإضافة إلى العقبات الاقتصادية وارتفاع تكاليف التأمين وتدابير التخفيف، فضلًا عن عدم الوعى والتثقيف وفهم الأخطار وفوائد التأمين، فالاتجاهات المستقبلية إنما تشير إلى الحاجة إلى التقدم التكنولوجى باستخدام الذكاء الاصطناعى والتصوير عبر الأقمار الصناعية لتقييم المخاطر بشكل أفضل وأنظمة الإنذار المبكر، وتطوير السياسات من خلال تقوية اللوائح والسياسات لدعم إدارة شاملة لمخاطر الكوارث، والتعاون الدولى من خلال تبادل المعرفة والموارد وأفضل الممارسات.
جراف: رحلة الخسائر العالمية إثر الكوارث الطبيعية فى 20 سنة (2022-2002)
وألمح إلى أن شركة سويس رى العالمية لإعادة التأمين قد توقعت مؤخرًا زيادة فى الطلب على إعادة تأمين الممتلكات عالميًا، ويُعزى هذا الارتفاع إلى عوامل مثل ارتفاع قيمة الممتلكات والتوسع الحضرى، وزيادة تكاليف الإصلاح بسبب التضخم، خاصة فى المناطق ذات المخاطر العالية من الكوارث الطبيعية.
وأفاد بأن 2023 قد تجاوزت فيه الخسائر العالمية المؤمنة الناجمة عن الكوارث الطبيعية 100 مليار دولار عالميًا، ومن المتوقع أن يستمر هذا الاتجاه فى السنة الجارية، إذ بلغت الخسائر المؤمنة 60 مليار دولار فى النصف الأول من العام وحده على مستوى العالم، وفقًا لأحدث تقرير من معهد سويس رى.
استشراف إلى مستقبل أكثر نموًا تأمينيًا
وأضاف الدكتور شريف محسن، نائب رئيس لجنة الوحدات الأسبق بالاتحاد المصرى للتأمين والعضو السابق بلجنة سفن المحيطات بالاتحاد الدولى للتأمين البحرى، أن الفترة القادمة ستشهد نموًا فى سوق إعادة التأمين العالمية بنسبة 2-3٪ على مدار السنوات الـ3 المقبلة، بسبب الكورث الطبيعية العالمية، ويضعها هذا المعدل فى منافسة شديدة مع قطاع التأمين المباشر (الأساسى)، وقد يكون النمو أقوى قليلًا فى آسيا وأمريكا اللاتينية، وأضعف قليلًا فى أوروبا وأمريكا الشمالية، وفق بيانات “ميونيخ رى”.
وأشار إلى أن “AM Best” توقعت أن يصل رأسمال إعادة التأمين العالمى بسبب الكوارث الطبيعية إلى 515 مليار دولار بحلول نهاية العام الجارى، فما يزال الطلب على سعة إعادة التأمين مرتفعًا للغاية عالميًا.
وأوضح أن بوالص التأمين للبضائع (أ) و (ب) تغطى الزلازل ضمن تغطية البراكين والزلازل أو الصواعق، كما تغطى هذه المخاطر وثائق اليخوت والسفن.
وأشار إلى أن الحكومات والشركات والأفراد تستخدم خرائط ونماذج مخاطر الزلازل لتوفير معلومات عن الأخطار الكبيرة التى يمكن استخدامها لإدارة الطوارئ والعمليات الإغاثية والإنقاذية، وكذلك للمساعدة فى اتخاذ قرارات التخفيف من المخاطر ونقلها، إذ تصف خرائط مخاطر الزلازل احتمال حدوث هزات أرضية تتجاوز حجمًا معينًا خلال فترة زمنية محددة، مثل 50 عامًا، ويمكن إنتاج هذه الخرائط على المستويات المحلية والوطنية والإقليمية، مثل خريطة مخاطر الزلازل التى تغطى أوروبا، ويمكن تمييزها من خلال احتمال حدوثها وفترة العودة.
كما تابع أن تركيا، على سبيل المثال، تقسم فيها خريطة المخاطر الزلزالية الوطنية البلاد إلى 5 مناطق خطر، وتستخدم كأساس لتحديد أقساط التأمين الإلزامى على الزلازل للبوالص التى تصدرها مؤسسة التأمين على الكوارث التركية.
وذكر أن نماذج كوارث الزلازل، على سبيل المثال، تتبنى احتمال الخسارة، من خلال الجمع بين المعلومات (الكثافة وإمكانية تسييل التربة) مع مراعاة الجغرافيا وهشاشة الأصول، ومن ثم، يمكن تصميم نماذج للكوارث لتوفير تقديرات التعرض الاحتمالية أو الحتمية، وهذا ما يمكّن النماذج الاحتمالية تقدير نطاق الكوارث المحتملة والخسائر المقابلة، بينما تنظر النماذج الحتمية فى نمذجة مبنية على سيناريو واحد وتقدر الخسائر المحتملة لحدوثه.
تأمين الكوارث الطبيعية.. ضرورة فرضها الواقع
وذكر حسن العمارى، العضو المنتدب لشركة جلوبال أدفايس لوساطة التأمين، أن التغطية لمخاطر الكوارث الطبيعية لا تُضاف بشكل منفصل لوثائق التأمين، بل كملاحق لبوالص الحريق، إذ تغطى مخاطر مثل الزلازل والفيضانات والعواصف والانفجارات البركانية.
وأشاد بدور التأمين على الكوارث الطبيعية فى ضرورته الملحّة لحماية الممتلكات العامة والخاصة وصون رأس المال والاستثمارات، إذ أصبحت الحاجة إليه واضحة بسبب الخسائر التى تسببت فيها العواصف والفيضانات الأخيرة فى بعض المناطق العالمية والإقليمية والمحلية، والأخيرة مثل طابا والجونة، وكذلك الأمطار الغزيرة فى الإسكندرية والقاهرة، إذ ساهم القطاع بمئات الملايين للتعويض عن خسائر الممتلكات والمرافق فى السنوات الأخيرة.
وأوضح أن وعى العملاء بأهمية تأمين الكوارث الطبيعية أفضل اليوم مما كان عليه فى الماضى، إذ زاد الطلب عليه بشكل كبير بين المؤسسات والأفراد، ولم يحدث ذلك من فراغ، إذ أصبح المؤمنون أكثر إدراكًا لضرورته.
وعزا قضية وعى العملاء إلى الضرورة التى فرضت نفسها على المؤسسات، على الرغم من أن معظم المؤمنين ضد المخاطر الطبيعية يقتصرون على الفنادق والقرى السياحية والمصانع والمبانى الإدارية.
وكشف أن نشاط سوق التأمين كان مدفوعًا بإدراك العملاء لأهمية التغطية، بعد الاضطرابات التى وقعت بين عامى 2011 و2013، ودفعت ذلك الشركات فى القطاع إلى تصميم منتجات جديدة تناسب الزمان والمكان والواقع، مما أدى إلى تحسين الوعى وفهم أكثر شمولًا.
وأشاد بجهود الاتحاد المصرى للتأمين فى زيادة الوعى التأمينى بين المواطنين وأعماله لإقامة صندوق تأمين على الكوارث الطبيعية للمساهمة فى توزيع الخسائر والتخفيف من آثارها وزيادة القدرة على مواجهة الكوارث، بالإضافة إلى الجهود التى بذلتها الشركات فى القطاع، والتى كانت واضحة من خلال الخطوات المتخذة لإعادة تقييم الممتلكات بعد تحرير سعر الصرف.
صلاح: الخسائر العالمية الناجمة عنها تجاوزت 100 مليار دولار
محسن: نمو سوق الـ«الإعادة» الدولية بنسبة «2-3»% فى السنوات الـ3 المقبلة
العمارى: لـ«الاتحاد» دور فى زيادة وعى المواطنين بمخاطر تلك التغطيات
