أكد خبراء تأمين أن أهمية التأمين ضد الكوارث الطبيعية فى مصر تزداد مع تنامى حدة التغيرات المناخية وتواتر الظواهر الجوية المتطرفة، فمصر كغيرها من الدول، معرضة لمجموعة من المخاطر الطبيعية، مثل الفيضانات والعواصف الترابية والزلازل والجفاف، بينما يمكن لتلك الأحداث أن تتسبب فى خسائر فادحة فى الأرواح والممتلكات والبنية التحتية وتؤثر بشكل كبير على الاقتصاد الوطنى.
وأوضحوا أن التأمين يوفر الحماية من الخسائر المالية، حيث يضمن تعويضا ماليا عن الأضرار التى تلحق بالممتلكات نتيجة للكوارث الطبيعية، مما يساعد الأفراد والشركات على التعافى بشكل أسرع، بينما يساهم التأمين فى تعزيز الاستقرار الاقتصادى من خلال تقليل الأعباء المالية على الحكومة والمجتمع فى أعقاب الكوارث.
وقالوا إن التأمين يوفر بيئة أكثر استقرارا للاستثمار، حيث يقلل من المخاطر التى يتعرض لها المستثمرون، من خلال التخطيط للطوارئ واتخاذ التدابير الوقائية للحد من خسائر الكوارث الطبيعية، ويقلل الاعتماد على المساعدات الخارجية فى حالات الكوارث، مما يعزز قدرة الدولة على التعامل مع الأزمات بشكل مستقل.
وأشاروا إلى أن نسب التغطيات ضد الكوارث الطبيعية منخفضة فى مصر، بينما يفتقر الكثير من المواطنين إلى الوعى الكافى بأهمية التأمين، وقد تكون تكاليف التأمين مرتفعة بالنسبة لبعض الفئات، مما يحد من قدرتهم على الحصول عليه.
وشددوا على أهمية تنظيم حملات توعية مكثفة لشرح أهمية التأمين ضد الكوارث الطبيعية وفوائده، مع تطوير منتجات تأمينية متنوعة تلبى احتياجات مختلف الفئات الاجتماعية، مع وجوب تشجيع الشراكات بين الحكومة والقطاع الخاص وشركات التأمين لتقديم حلول مبتكرة.
ولفتوا إلى أن تطوير الأطر التشريعية والقانونية يعمل على تعزيز قطاع التأمين وتسهيل إجراءات الحصول على التغطيات، مع أهمية التركيز على تطوير التأمين الزراعى لحماية المزارعين من الخسائر الناجمة عن الظروف المناخية المتطرفة.
وضع حدود للتغطيات وتنويع المحفظة
وقال هشام شقوير، خبير التأمين الاستشارى، إن شركات التأمين العاملة فى الدول العربية لا تقدم وثائق مستقلة ضد الكوارث الطبيعية، كما أنها مستثناة من التغطية فى الوثائق الأخرى، ففى مصر تنص وثائق التأمين صراحة على استثناء الخسائر والإصابات الناتجة عن الكوارث الطبيعية من التغطيات، بينما لا يطلب كثير من العملاء التأمين ضد الكوارث الطبيعية.
وأضاف أن شركات التأمين تقوم بتوقيع اتفاقيات إعادة تأمين مع شركات إعادة تأمين أجنبية، لكى تحمى نفسها من احتمال حدوث خسائر ضخمة لا تستطيع تحملها، بينما التحدى الأهم الذى تواجهه شركات التأمين يكمن فى علاقتها مع شركات إعادة التأمين الأجنبية التى تسعى إلى تعويض خسائرها الضخمة الناتجة عن الكوارث الطبيعية فى مناطق المخاطر المرتفعة عن طريق تحميل جزء من هذه الخسائر لشركات التأمين العربية وفى النهاية لحاملى وثائق التأمين من الشرق الأوسط المعروف بعدم ارتفاع مخاطره الطبيعية.
وتابع أن شركات إعادة التأمين تستخدم أساليب ووسائل وأدوات مختلفة، مثل وضع شروط وأسعار مبالغ فيها للتأمين ضد الكوارث الطبيعية على غالبية المنشآت الصناعية والمبانى والأساطيل، فى حين أن مستوى الخطر المعنوى مناسب ومقبول مما يعكس معدلات خسائر وتعويضات مقبولة فى أسواق التأمين، إلا أن الواقع يشهد أن الشركات تفرض أسعارا مرتفعة لتغطيات الكوارث الطبيعية من قبل معيدى التأمين العالميين.
وذكر أن صناعة التأمين العالمية ستواجه مزيدا من الخسائر إذا استمر الاتجاه المتصاعد للكوارث الطبيعية، الأمر الذى يعزر اتجاه معيدى التأمين إلى تكوين كيانات إعادة تأمين تتميز بقدرة مالية فائقة حتى تستطيع توفير طاقات استيعابية تلبى الاحتياجات المتزايدة لتأمين الكوارث الطبيعية.
وأضاف أن شركات التأمين يمكن أن تحمى نفسها من مخاطرة فتح الاكتتاب المنفصل بوثائق الكوارث الطبيعية، من خلال التحكم فى الخسائر المتراكمة عبر وضع حدود للتغطيات، وتنويع المحفظة التأمينية للحد من تقلبات الخسائر الناتجة عن الكوارث، وزيادة رأس المال حتى يمكن دفع خسائر الكوارث، وتوريق تعرضها للأخطار الكارثية، وشراء إعادة التأمين على الكوارث الطبيعية.
شركات إعادة التأمين تتبنى نماذج التنبؤ
وأوضح خالد سعيد، رئيس قطاع تطوير الأعمال والإنتاج والفروع بشركة طوكيو مارين جنرال – تكافل، أن إعادة التأمين أفضل أداة لحماية شركات التأمين من خسائر الكوارث الطبيعية، إذ تعد مخرجا من الأعباء المجحفة التى يمكن أن تمثلها الكوارث الطبيعية.
وأضاف أن استغلال الإمكانات والطاقات الاستيعابية التى توفرها شركات إعادة التأمين يبقى أمرا ضروريا لفتح سوق جديدة لمنتجات التأمين ضد الكوارث الطبيعية.
وأشار إلى ضرورة فرض التأمين الإجبارى ضد الكوارث الطبيعية، حيث أصبح أمرا يستحق دراسته بجدية بجميع أسواق التأمين، على أن يكون ذلك عن طريق الوصول إلى التقييم الفعلى للمخاطر، وبالتالى تحميل المؤمن لهم بأقساط تتناسب مع هذه المخاطر وتكوين صناديق وطنية لتأمين الأخطار الكارثية.
وأكد أن معظم دول العالم -إن لم يكن كلها- تتعرض لعدة أنواع مختلفة من الكوارث الطبيعة، مثل الزلازل والسيول والأعاصير والبراكين، وتتكرر هذه الكوارث على فترات غير منتظمة، وقد زاد معدل تكرارها فى السنوات الأخيرة، ولم تقتصر الزيادة على عدد مرات تكرارها، بل على شدتها التدميرية، ونظرا لضخامة حجم الخسائر على مستوى العالم وضعف الوعى العام لدى المواطنين فى الإعداد المسبق لمواجهة الكوارث الطبيعية، قررت الجمعية العامة للأمم المتحدة اختيار العقد الأخير من القرن الماضى (1990 – 1999) عقدا عالميا للتخفيف من آثار الكوارث الطبيعية.
وأوضح أن شركات إعادة التأمين تتبنى نماذج التنبؤ لتقييم المخاطر المحتملة وتحديد الأقساط المناسبة، وتتضمن هذه النماذج البيانات التاريخية والتنبؤات المناخية والمعلومات الجغرافية لمعرفة احتمالية وتأثير الكوارث الطبيعية، إضافة إلى أن ظهور التكنولوجيا فى إعادة التأمين “Reinsurtech” تعمل على تغيير الطريقة التى تستعد بها الشركات للكوارث الطبيعية وتستجيب لها، عبر إجراء نمذجة أكثر دقة للمخاطر، إذ يمكن للذكاء الاصطناعى تحليل كميات هائلة من البيانات من مصادر مختلفة، مما يوفر رؤى حول المخاطر الناشئة وإستراتيجيات الاستجابة المثلى لها.
وأضاف أن تقنية “بلوكشين” تعمل على تعزيز الشفافية والكفاءة فى عملية إعادة التأمين، وتضمن هذه التكنولوجيا سجلات آمنة وغير قابلة للتغيير للمعاملات والمطالبات، مما يقلل من الاحتيال ويسرع التسويات، بينما توفر أجهزة إنترنت الأشياء (IoT) وتقنيات الاستشعار مراقبة المخاطر من كثب والاستجابة الاستباقية لمواجهتها.
تشجيع ودعم مشروعات البنية التحتية
وأكد محمد الغطريفى، وسيط التأمين، أن شركات التأمين يجب أن تتخذ العديد من التدابير الوقائية لتخفيف تأثير الكوارث الطبيعية، مثل تنفيذ إستراتيجيات شاملة لإدارة المخاطر، بما فى ذلك التخطيط والسيناريو والاختبارات الإجهادية والمراجعة الدورية لنماذج المخاطر، لتحديد الأسعار المناسبة للكوارث، فضلا عن التعاون مع شركات تكنولوجيا إعادة التأمين للاستفادة من التكنولوجيات المتقدمة لتقييم المخاطر والرصد وإدارة المطالبات.
وشدد على أهمية تثقيف المؤمن لهم بأهمية الاستعداد للكوارث الطبيعية وفوائد منتجات التأمين، والتأكد من الامتثال للأنظمة الإقليمية والمعايير الدولية لإعادة التأمين وإدارة مخاطر الكوارث.
وأشار إلى أن الظروف القاسية التى تخلفها الكوارث الطبيعية إنما تؤدى إلى أزمات صحية وزيادة معدلات الوفيات وإجهاد البنية التحتية، خاصة فى المناطق الحضرية، بينما تظل ندرة المياه قضية حرجة، مما يؤثر على الإنتاجية الزراعية ويؤدى إلى نقص الغذاء.
وتابع أن ارتفاع مستوى سطح البحر والفيضانات الساحلية يمكن أن يؤدى إلى تعطيل الاقتصادات المحلية وتشريد السكان وتلف البنية التحتية، إضافة إلى تسارع التصحر فى العديد من المناطق، مما يؤدى إلى فقدان الأراضى الصالحة للزراعة ويفاقم الضغوط على الموارد الغذائية والمائية.
وأوضح أن ضمان وجود احتياطيات رأسمالية كافية لتغطية المطالبات الكبيرة يعد أمرا بالغ الأهمية لدى شركات التأمين، ويمكن أن يساعد تنويع الاستثمارات ومحافظ إعادة التأمين فى تخفيف المخاطر المرتبطة بالكوارث الطبيعية، ويمكن أن يؤدى تطوير الشراكات العامة والخاصة والتعاون مع الحكومات إلى تعزيز جهود الاستجابة والتعافى من الكوارث، عبر تخصيص الموارد بشكل أفضل وإعادة إنشاء البنية التحتية بعد الكوارث.
وطالب شركات التأمين بتشجيع ودعم مشروعات البناء والبنية التحتية المقاومة للمناخ، مع ضرورة تثقيف المؤمن لهم بشأن الاستعداد للكوارث وتقديم معلومات واضحة حول التغطيات وعمليات المطالبات، مما يضمن مرونة واستدامة فى مواجهة المخاطر المناخية المتزايدة.
شقوير: مطلوب زيادة رأس المال حتى يمكن دفع الإصابات
سعيد: يتعين تحميل المؤمن لهم بأقساط تتناسب مع المخاطر
الغطريفى: ضرورة تثقيف العملاء بمعرفة المطالبات
