اتخذت وزارة الصحة والسكان خلال العام الأخير خطوات لتطوير الرعاية الصحية فى البلاد، من خلال إطلاق مبادرات لتطوير البنية التحتية الصحية بالتعاون مع القطاع الخاص.
وبحسب تصريحات الدكتور خالد عبد الغفار نائب رئيس الحكومة ووزير الصحة والسكان، تأتى هذه الخطوات فى إطار استراتيجية الحكومة لتحسين الخدمات الطبية وتحويل مصر إلى مركز إقليمى للرعاية الصحية فى الشرق الأوسط وأفريقيا.
ولعل من أبرز هذه المبادرات، الشراكة الحديثة مع معهد “جوستاف روسي” الفرنسى لتطوير مستشفى هرمل لعلاج الأورام، وهى خطوة بحسب المراقبين لقطاع الرعاية الصحية، تمثل نموذجا للتعاون بين القطاعين العام والخاص بهدف تقديم خدمات علاجية متطورة للفئات الأكثر احتياجا.
تسعى وزارة الصحة لجذب الاستثمارات الأجنبية والمحلية فى قطاع الرعاية الصحية، خصوصا بعد جائحة كوفيد-19، التى أظهرت حاجة ملحة لتعزيز البنية التحتية الطبية.
وجاء ضمن هذه الجهود، تنفيذ مجموعة من الإصلاحات التشريعية والتنظيمية التى تهدف إلى تسهيل عمل المستثمرين فى القطاع الصحي، سواء عبر تمويل المشاريع الطبية أو الشراكة فى تشغيل المستشفيات الحكومية، وهى الخطوة التى لازالت تحتاج إلى جهود مضاعفة لتحقيق الاستفادة منها، فى ظل وجود حوافز للمستثمرين جديدة من نوعها.
وأقامت الوزارة العديد من اللقاءات مع مستثمرين أجانب ومحليين لتعزيز التعاون فى مجالات مثل تصنيع الأدوية، وتطوير المستشفيات، وتقديم الخدمات الطبية المتطورة، وكذلك عمليات الرقمنة.
و شملت هذه الجهود تنظيم مؤتمرات وفعاليات تجمع الأطراف المعنية، مثل جمعية الأعمال المصرية البريطانية التى نظمت مؤتمرات افتراضية لتعزيز الاستثمارات فى مجال الرعاية الصحية.
مشروع مستشفى هرمل بالشراكة مع معهد جوستاف روسي
ومن أهم أعمال وزارة الصحة فى هذا المجال هو الشراكة مع معهد “جوستاف روسي” الفرنسي، والذى يصنف الثالث عالميا فى علاج الأورام، لتطوير مستشفى هرمل لعلاج الأورام فى منطقة دار السلام التابعة لمحافظة القاهرة.
وبحسب مصدر فى وزارة الصحة والسكان، تهدف هذه الشراكة إلى تقديم خدمات طبية عالية الجودة للمواطنين، حيث تم الاتفاق على تخصيص 70 % من خدمات المستشفى لصالح المرضى من محدودى الدخل والمستفيدين من التأمين الصحى والعلاج على نفقة الدولة، بينما يستفيد المعهد الفرنسى من 30 % من خدمات المستشفى لصالح استثماراته وأبحاثه.
وأضاف المصدر لـ”المال” أن مشروع هرمل يعكس رؤية الوزارة فى توسيع نطاق الوصول إلى الرعاية الصحية، خاصة الرعاية المتخصصة من خلال الاعتماد على الخبرات العالمية، مشيرا إلى أن خطة الوزارة ترمى لإنشاء مبنى جديد يتوقع اكتماله خلال النصف الأول من العام 2026.
وأوضح أن تطوير مستشفى هرمل جاء بغرض مواجهة الطلب المتزايد على خدمات علاج الأورام، فى ظل ارتفاع عدد المصابين خلال السنوات العشر الأخيرة، بما يقضى بضرورة العمل وبذل الجهود للتصدى لهذا المرض وتقليل أعداد المتوفين من خلال التدخل السريع والتشخيص الدقيق.
الإطار القانونى والتشريعى للشراكة
يأتى هذا التعاون فى إطار قانون “تأجير المستشفيات” الذى أقره مجلس النواب، والذى منح الحكومة الحق فى إسناد عمليات إنشاء أو تطوير أو إدارة وتشغيل المرافق العامة للشركات الخاصة، سواء كانت مصرية أو أجنبية.
وألزم القانون الحكومة بتخصيص نسبة من الخدمات المقدمة لصالح المستفيدين من نظام التأمين الصحى أو العلاج على نفقة الدولة، مما يعزز فكرة الشراكة دون إغفال أو إهدار حقوق الفئات الأكثر احتياجا.
ووفقا لهذا القانون، يتعين على المنشآت الصحية الجديدة أو المطورة الاحتفاظ بنسبة لا تقل عن 25 % من العاملين الحاليين، وهو ما يضمن الحفاظ على استمرارية العمل وتوفير فرص عمل للمواطنين المصريين.
كما أن القانون يحدد نسبة قصوى للعاملين الأجانب فى المنشآت الصحية، حيث لا تتجاوز هذه النسبة 15 % من إجمالى العاملين، مما يضمن تعزيز وتنمية القدرات والخبرات الوطنية.
من جانبه قال الدكتور حسام عبدالغفار المتحدث الرسمى باسم وزارة الصحة والسكان، إن نتائج الشراكات مع القطاع الخاص هى من تعبر عن نوايا الحكومة الحقيقة، فى إدارة هذا القطاع الهام.
وأضاف عبد الغفار فى تصريحات لـ”المال”، كان هناك تشكيك فى عمل الوزارة وهناك من كان يتحدث عن أن الحكومة لن تعالج الفقراء أو المستحقين للدعم، معتبرا أن الاتفاق شبه النهائى مع المعهد الفرنسى لإدارة وتشغيل مستشفى هرمل هو أفضل رد على المشككين.
وأكد المتحدث باسم الوزارة، أن الفترة المقبلة ستشهد الإعلان عن مزيد من المشروعات مع القطاع الخاص، والتى تلبى رغبة المرضى وكافة المستحقين للرعاية الصحية على نفقة الدولة.
التحديات والآفاق المستقبلية
كما أن التقدم المتواضع الذى تحقق فى مجال الشراكات بين القطاعين العام والخاص، يؤكد على وجود تحديات كبيرة أمام وزارة الصحة والسكان للنجاح فى هذا الملف، هذا ما أكده الدكتور خالد سمير وكيل غرفة مقدمى خدمات الرعاية الصحية والمستشفيات الخاصة فى اتحاد الصناعات، مشيرا إلى ضرورة العمل وبشكل عاجل على مزيد من الإصلاحات التشريعية والتسهيلات لجذب استثمارات أكبر، وكذلك ضرورة تعزيز الثقة بين المستثمرين والقطاع الحكومى لضمان استدامة هذه الشراكات.
وأوضح سمير، فى تصريحات لـ”المال” أن القانون الذى أقره مجلس النواب والخاص بإدارة وتشغيل المستشفيات لا يمكن أن يحقق نجاحا إلا بعد إجراء عدد من الخطوات ، ويأتى على رأسها ضرورة عقد ورش عمل تجمع المستثمرين والمشغلين وممثلين عن الحكومة، خاصة وأن هناك تعارضًا بين عدد من القوانين التى يحتاج المستثمر أو المشغل الحصول على ضمانات بشأنها.
وأضاف أنه لابد وأن تكون هناك أنواع مختلفة من الشراكات يطرح كل منها على حده، وتختلف الحوافز باختلاف المشروع وحجمه وموقعه بشكل أكثر تفصيلا، مشيرا إلى وجود مستثمرين لديهم الرغبة فى الدخول فى استثمار طويل الأمد، وهناك أيضا من يرغب فى الدخول بمشروعات قائمة ويخضعها للتطوير، كما أن هناك نوع آخر من المستثمرين لا يرغب إلا فى عمليات الصيانة أو ما شابه ذلك.
وتساءل وكيل غرفة مقدمى خدمات الرعاية الصحية والمستشفيات الخاصة فى اتحاد الصناعات، عن الآلية التى سيحصل بها المستثمر على أمواله مقابل الخدمات التى تقدم للمستفيدين من العلاج على نفقة الدولة؟ والتى يلتزم المستثمر بتقديمها بنسبة متفق عليها مع الوزارة.
وطالب بضرورة وجود تشريع يحكم العلاقة بين المستثمر والحكومة، علاوة على حتمية تقديم التزام من وزارة المالية بدفع الأموال المستحقة لصالح المستثمرين فى موعدها ودون تأخير أوالدخول فى تفاصيل لا معنى لها.
وأكد سمير أنه على الرغم من جملة التساؤلات والمطالب، لكن يبدو المستقبل واعدا لقطاع الرعاية الصحية فى مصر، ونحن نقدر فى الوقت ذاته جهود الحكومة الرامية لتحقيق تطوير شامل فى النظام الصحي، بما فى ذلك تحسين الخدمات الصحية فى المناطق الريفية والنائية، وتطوير البرامج التدريبية للعاملين فى القطاع الصحى لضمان توفير خدمات عالية الجودة.
الدكتور خالد سمير وكيل غرفة مقدمى خدمات الرعاية الصحية والمستشفيات الخاصة فى اتحاد الصناعات، علق أيضا على وجود لقاءات متكررة بين وزارة الصحة وعدد من المستثمرين أو توقيع عدد من اتفاقيات التفاهم دون التفعيل، معتبرا أن هذا الأمر يؤكد على وجود أزمة لدى المستثمرين سواء فى عدم الحصول على ضمانات ملزمة للحصول على الأموال، أو عدم وضوح الرؤية حول جدوى المشروع المطروح.
وأكد سمير أن هناك ضرورة ملحة وعاجلة للحديث مع المستثمرين بشكل أكثر وضوحا وشفافية، من خلال كافة المشروعات التى تنوى الوزارة طرحها، وتقديم كافة البيانات حولها والرد على الاستفسارات والتساؤلات بشكل واضح، وكذلك تقديم كافة الضمانات التى تدفع المستثمر للدخول إلى السوق المصرية وهو مطمئن.
من جانبه قال محمود فؤاد رئيس المركز المصرى للحق فى الدواء، إنه من الضرورى التأكيد على أن ما تم الحديث عنه من قبل وزارة الصحة والسكان حول الاتفاق مع معهد جوستاف روسى الفرنسى لإدارة وتشغيل مستشفى هرمل دار السلام لعلاج الأورام، هو اتفاق جيد للغاية.
وأضاف فؤاد فى تصريحات لـ”المال” أن تخصيص 70 % من الخدمات لصالح المواطنين الذين تشملهم الرعاية على نفقة الدولة رسالة مطمئنة، مؤكدا فى الوقت ذاته أنه لا يمكن الحكم على التجربة بشكل كامل، إلا بعد وجود اتفاق نهائى ملزم وبدء التشغيل والإدارة بشكل فعلي.
وأكد رئيس المركز المصرى للحق فى الدواء، أن الحكومة مطالبة بضرورة توضيح شكل العلاقة بين المستثمر والأطقم العاملة فى المستشفيات التى ستخضع للإدارة أو التشغيل من قبل مستثمر سواء محلى أو أجنبي، خاصة وأن وزارة “العمل” لديها حساسية فى التعامل مع القضايا التى يكون أحد أطرافها مستثمر أجنبي.
واعتبر فؤاد أن الحديث عن أهمية أو خطورة دخول الاستثمار الخاص فى هذا القطاع، لا يمكن الجزم به إلا بعد الإعلان اللائحة التنفيذية والتى تحدد شكل العلاقة وضوابطها، بين الحكومة والمستثمر، وطريقة التعامل مع الحالات المستحقة للعلاج على نفقة الدولة.
لقاءات متكررة واتفاقيات غير مفعلة
تكرار النقاشات وتوقيع الاتفاقيات فى قطاع الرعاية الصحية مع مستثمرين وصناديق استثمار وشركات أجنبية كبرى، دون التفعيل الحقيقي، يمكن تفسيره من عدة زوايا متداخلة، بعضها يتعلق بالبيئة الداخلية، والبعض الآخر بالعوامل الخارجية والسياسات الاستثمارية، وهو ما أكده الدكتور محيى عبيد النقيب السابق لنقابة صيادلة مصر.
وأضاف عبيد أن أحد أكبر العوائق التى قد تفسر عدم تفعيل العديد من الاتفاقيات هو الإجراءات البيروقراطية، على الرغم من الجهود الحكومية الملموسة لإصلاح البيئة الاستثمارية، مشيرا إلى وجود تحديات مستمرة تتعلق بالتراخيص، والموافقات، والإجراءات التنظيمية، وهو ما يؤدى إلى تأخير المشاريع وعدم تنفيذها بالشكل المطلوب.
وأضاف عبيد فى تصريحات لـ”المال” أن البيروقراطية الحكومية قد تكون حاجزا أمام الاستثمار ، خاصة الشركات الأجنبية، حيث تستغرق الإجراءات وقتًا طويلا وتواجه تعقيدات تنظيمية تعيق التقدم.
وأشار إلى أن ارتفاع معدلات التضخم أو تذبذب سعر العملة المحلية من شأنه أن يؤدى إلى إعادة تقييم الجدوى الاقتصادية للمشاريع من جانب المستثمرين الأجانب، وهو ما قد يدفعهم إلى التراجع أو المماطلة فى تفعيل الاتفاقيات.
واعتبر النقيب السابق لنقابة صيادلة مصر، أن الأهداف والأولويات بين الحكومة والمستثمر غالبا ما تكون مختلفة، فقد تكون لدى الحكومة رؤية طويلة الأمد لتطوير البنية التحتية الصحية، بينما قد يبحث المستثمرون عن عوائد أسرع أو بيئة أكثر استقرارا.
وأكد أن المستثمرين خاصة الأجانب، دائما ما يسعون لدخول أسواق تشبه المصرية، لكن لديهم تفضيلات فى نوعية الاستثمار مثل قطاعى التكنولوجيا والأدوية لأنها استثمارات تحقق أرباحا بشكل سريع، بينما تركز الحكومة على البنية التحتية الصحية أو الشراكات العامة.
ولفت إلى أن مصر تواجه أيضا منافسة إقليمية ودولية قوية لجذب الاستثمارات فى قطاع الرعاية الصحية، وهناك دول أخرى فى المنطقة مثل الإمارات والسعودية تقدم بيئة أكثر جاذبية للمستثمرين من حيث التسهيلات والبنية التحتية المتطورة والتسهيلات المالية.
وأضاف أنه بالنظر إلى هذه التحديات مجتمعة، يبدو أن عدم تفعيل العديد من الاتفاقيات والشراكات فى قطاع الرعاية الصحية قد يرجع إلى مزيج من العوامل الاقتصادية، التشريعية، والإدارية، مما يتطلب جهدا متواصلا من الحكومة لتحسين البيئة الاستثمارية، وتبسيط الإجراءات البيروقراطية، لجذب وتفعيل الاستثمارات الأجنبية بشكل فعال ومستدام.
وكان الرئيس عبدالفتاح السيسي، صدق بالموافقة على القانون رقم 87 لسنة 2024، بشأن الموافقة على قانون منح التزام المرافق العامة لإنشاء وإدارة وتشغيل وتطوير المنشآت الصحية.
وشمل القانون الذى صدق عليه الرئيس السيسي، 5 مواد تشمل بنود القانون، ونصت المادة الثانية منه على جواز منح التزامات المرافق العامة للمستثمرين المصريين أو الأجانب سواء كانوا أشخاصًا طبيعيين أم اعتباريين لإنشاء وإدارة وتشغيل المنشآت الصحية، أو لإدارة وتشغيل وتطوير المنشآت الصحية القائمة.
ووفق القانون، تُقدم نسبة من إجمالى الخدمات الصحية للمنشأة للمنتفعين بخدمات العلاج على نفقة الدولة أو التأمين الصحى أو منظومة التأمين الصحى الشامل، بحسب الأحوال، بذات الأسعار التى تحددها الدولة لتقديم تلك الخدمات.
ونص القانون على تقييد حق المنشآت الصحية فى الاستعانة بأطباء وأفراد هيئة تمريض وفنيين أجانب بحيث لا يتجاوز 15 % كحد أقصى من إجمالى عدد العاملين بالمنشأة، على أن يكون الترخيص بمزاولة المهنة قاصرًا على هذه المنشأة فقط.
وبحسب مشروع القانون يجوز منح التزامات المرافق العامة للمستثمرين المصريين أو الأجانب سواء أكانوا أشخاصا طبيعيين أم اعتباريين لإنشاء وإدارة وتشغيل المنشآت الصحية، أو لإدارة وتشغيل وتطوير المنشآت الصحية القائمة، وفق عدد من الشروط.
خالد عبد الغفار: الفترة المقبلة ستشهد الإعلان عن مزيد من التعاون مع القطاع الخاص
محمود فؤاد: الاتفاق مع معهد جوستاف روسى خطوة واعدة ولا يمكن تقييمه قبل بدء التشغيل
محى عبيد: البيروقراطية حائط صد وأغلب المستثمرين الأجانب لا يفكرون فى المشروعات طويلة الأمد
خالد سمير: هناك حاجة لإصلاحات تشريعية وعقد ورش نقاشية
