خبراء: التوترات الجيوسياسية لم تؤثر على القطاع المصرفى

Ad

قال عدد من الخبراء والمحللين المصرفين إن تأثير تفاقم الأوضاع الجيوسياسية فى المنطقة لا يزال محدودًا على الاقتصاد المصرى بشكل عام وعلى القطاع المصرفى تحديدًا بشكل خاص، إلا أن هذا لا يعنى عدم وجود مخاوف وتهديدات لا سيما فى حال اتساع بؤرة الصراع.

وتشهد المنطقة حاليًا سلسلة من التوترات بين إسرائيل من ناحية ولبنان وفلسطين وإيران من ناحية أخرى، وقد أخذت هذه الأمور مسارًا دراماتيكيًا خاصة بعد دخول إيران على خط الصراع، وتهديدات إسرائيل بضرب المنشآت النفطية الإيرانية أو نقل الحرب إلى ساحات أخرى فى المنطقة.

وأكد ثلاثة خبراء تحدثت إليهم «المال» أن ارتفاع الضغوط التضخمية، وتراجع إيرادات السياحة، وخروج المستثمرين الأجانب من أدوات الدين الحكومية قصيرة الأجل أحد أبرز تأثيرات هذه التوترات على القطاع المصرفى حال توسع الصراع فى المنطقة.

عبد العال: لا زالت محدودة.. وسيناريو الحرب الروسية الأوكرانية صعب التكرار

قال محمد عبد العال الخبير المصرفى إن هناك العديد من التوترات الجيوسياسية المتفاقمة فى المنطقة فى الوقت الراهن، خاصة تلك التى بين إسرائيل من ناحية ولبنان وإيران من ناحية أخرى، هذا بالإضافة إلى تلك التوترات المتصاعدة فى ليبيا والسودان، لافتا إلى أن كل هذه البؤر الساخنة فى الإقليم قد تلقى بظلالها على اقتصادات هذه البلدان، وتحيلها إلى اقتصاد حرب، تعطى فيه الأولوية إلى التسليح والتزود بالعدة والعتاد على حساب النمو الاقتصادى.

وأضاف أن مصر فى القلب من هذه التوترات بطبيعة الحال، وذلك بحكم تماسها الجغرافى مع كل هذه المناطق أو البؤر الملتهبة فى الإقليم، مؤكدًا أنه على الرغم من ذلك فإن تأثيرات حدة هذه التوترات الآخذة فى التفاقم لا زالت محدودة على الاقتصاد المصرى بشكل عام.

وشدد على أن مصر ليست طرفا ولا شريكا فى هذه التوترات والحروب المتفاقمة فى المنطقة، وهو ما يعنى أنه ليس متوقعا أن تكون هناك تأثيرات لهذه الأحداث على معدلات النمو فى مصر، وكذلك ليس متوقعا أن يتحول الاقتصاد المصرى إلى اقتصاد حرب.

الاستثمارات فى أذون الخزانة

وأكد أن هناك عدد من التهديدات أو المخاطر فى الوقت الراهن أبرزها حدوث تخارج للمستثمرين الأجانب من أدوات الدين الحكومية قصيرة الأجل، إلا أنه شدد على أن مصر قد وعت الدرس جيدًا، بمعنى أن الأمر لن يكون كما حدث إبان الحرب الروسية الأوكرانية، وخروج الأموال الساخنة بشكل مكثف.

وواجهت مصر، على خلفية تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، موجة من خروج الأموال الساخنة (أو استثمارات الأجانب فى سندات وأذون الخزانة)، وما تسبب فى نقص المعروض النقدى من العملة الأجنبية، وانتعاش السوق السوداء.

وشهدت مصر، حسب وزير المالية السابق محمد معيط، خروج نحو 15 مليار دولار من الأموال الساخنة أثناء أزمة الأسواق الناشئة فى عام 2018، وخروج ما يقرب من 20 مليار عند تفشى جائحة “كوفيد - 19” خلال العام 2020.

ولفت عبد العال إلى أن المخاوف الحالية لدى المستثمرين الأجانب أقل مما كانت عليه خلال الحرب الروسية الأوكرانية، وهو ما يعنى أن حدة المخاوف من هروب الأموال الساخنة أقل، كما أن الظروف نفسها الآن مختلفة عما كانت عليه فى الماضى.

وتابع أنه تزامن مع الحرب الروسية الأوكرانية لجوء الفيدرالى الأمريكى إلى دورة تشديد نقدى رفع على إثرها الفائدة إلى مستويات غير مسبوقة، ناهيك عن جموح معدلات التضخم، وهو ما يعنى أن معامل الخطر لدى مصر كان عاليا جدًا خلال تلك الفترة، وهو عكس ما عليه الحال فى الوقت الراهن.

مؤشرات الاقتصاد الكلي

ولفت إلى أن تراجع استثمارات الأجانب فى أذون الخزانة لا زال فى نطاق ضيق وليس مؤشرا على الخطر، لا سيما إذا نظرنا إلى الأوضاع على صعيد الاقتصاد الكلى.

وتراجعت استثمارات الأجانب فى أذون الخزانة إلى 1.765 تريليون جنيه ، مقابل 1.772 تريليون بنهاية مايو 2024 ، لتتراجع بنحو 736 مليون دولار خلال شهر واحد، بحسب بيانات صادرة عن «المركزى».

وأوضح الخبير المصرفى أن هذا التراجع ليس فيه ما يخيف أو يقلق خاصة وأن هناك عدد من العوامل التى تحيل إلى العكس، أبرزها تعهد صندوق الاستثمارات السعودية بضخ استثمارات جديدة فى جسد الاقتصاد المصرى، فضلا عن ارتفاع تحويلات المصريين فى الخارج.

وتصاعدت تحويلات المصريين العاملين بالخارج خلال شهر يوليو 2024 – وذلك للشهر الخامس على التوالى – بمعدل %86.8 لتسجل نحو 3.0 مليار دولار (مقابل نحو 1.6 مليار فى يوليو 2023)، فى سابقة لم يشهدها شهر يوليو من قبل منذ بداية رصد بيان تدفقات تحويلات العاملين بالخارج، وفقاً لبيان صادر عن البنك المركزى.

ولفت «عبد العال» إلى أن تحركات الجنيه أمام الدولار لا زالت ضمن الإطار المعهود صعودًا وهبوطًا، ومن ثم ليس فى الأمر مدعاة للقلق، مؤكدًا أن الأمور عادية ومستقرة حتى اللحظة الراهنة.

التضخم وصافى الأصول الأجنبية

وعلى الرغم من التحليل السابق، لفت الخبير المصرفى إلى أن هناك بعض المؤشرات السلبية أبرزها معاودة التضخم الارتفاع من جديد، بعدما حافظ على مسار هبوطى لعدة أشهر، وكذلك تراجع صافى الأصول الأجنبية للبنوك.

وسجل معدل التضخم الأساسى %25.1 فى أغسطس 2024 ، مقابل %24.4 فى يوليو ، بينما تراجع صافى الأصول الأجنبية للبنوك إلى 473.224 مليار جنيه بنهاية أغسطس، مقابل 644.764 مليار فى يوليو ، وفقًا لتقرير حديث صادر عن البنك المركزى.

وتعليقا على هذه البيانات، يقول محمد عبد العال الخبير المصرفى إن ارتفاع معدل التضخم أمر صحى لا سيما وأنه جاء مدفوعا بإجراءات الضبط المالى، أما فيما يتعلق بتراجع صافى الأصول الأجنبية فأوضح أن هذه مسألة طبيعية لا سيما وأنها متعلقة بالتزامات البنوك ، وهو عامل أو مؤشر ديناميكى يشهد صعودًا وهبوطًا على الدوام.

عوائد السياحة وأسعار النفط

ويرى محمد بدرة الخبير المصرفى أن التأثير الأكبر وربما التخوف الأساسى أن تلقى هذه التوترات الجيوسياسية المتفاقمة فى المنطقة بظلال سلبية على استثمارات الأجانب فى أدوات الدين الحكومية قصيرة الأجل (الأموال الساخنة) وحدوث موجات من هروبها إلى الخارج.

بدرة: تراجع عوائد السياحة وارتفاع أسعار الطاقة تبعات واردة

وأضاف أنه على الرغم من هذه المخاوف والتحديات، فلا زال المستثمرون حريصون على الاحتفاظ بأموالهم فى سوق أدوات الدين المصرية، نظرًا لجاذبية العوائد، مشيرا إلى أن إيرادات السياحة قد تتأثر سلبًا كذلك بهذه التوترات.

وكشف تقرير ميزان المدفوعات الصادر عن البنك المركزى، ارتفاع ايرادات قطاع السياحة بمعدل %5.5 لتسجل نحو 14.4 مليار دولار بنهاية العام المالى 2023/ 2024، مقابل نحو 13.6 مليار دولار فى 2022.

وسجلت إيرادات رسوم المرور بقناة السويس تراجعًا بمعدل %24.3 لتسجل نحو 6.6 مليار دولار خلال العام المالى 2023 - 2024، مقابل 8.8 مليار خلال السابق عليه، وفقا لتقرير ميزان المدفوعات، نتيجة انخفاض الحمولة الصافية بمعدل %29.6 لتسجل 1.1 مليار طن وانخفاض عدد السفن العابرة بمعدل %22.2.

ورأى الخبير المصرفى أن التراجع الطفيف فى استثمارات الأجانب فى أذون الخزانة جاء مصحوبًا بأمر إيجابى آخر وهو تراجع رصيد الدين الخارجى المستحق على مصر.

وأعلن الدكتور مصطفى مدبولى رئيس الوزراء أن الدين الخارجى انخفض بأكثر من 15 مليار دولار خلال 6 أشهر، وهو ما يأتى انعكاسا لما تم تطبيقه من إجراءات من جانب الدولة، وتنفيذ الصفقة الخاصة برأس الحكمة، فضلا عن جهود إصلاح أوضاع البنوك المصرية.

وقال مدبولى إن هناك ارتفاعًا فى صافى الأصول الأجنبية ليصل إلى 13 مليار دولار على مدار العامين الماضيين بعد أن كان بالسالب، وارتفاع الاحتياطيات من النقد الأجنبى والوصول إلى 46.6 مليار دولار.

وعاود «بدرة» الحديث ليشير إلى أن تفاقم الأوضاع الجيوسياسية وتصاعد حدة الأعمال العسكرية فى المنطقة وتعطل إمدادات النفط ربما يحيل إلى ارتفاع أسعار الطاقة، وهو ما يعنى تصاعد معدلات التضخم، ومن ثم الدخول فى موجة من التأثيرات السلبية على صعيد الاقتصاد ككل.

أبو الفتوح: زيادة المخصصات الاحتياطية وتقليل الإقراض

وأيد هانى أبو الفتوح الخبير المصرفى الرأى السابق قائلًا: «تعتبر السياحة أحد أهم مصادر الدخل فى مصر، وتتأثر بشكل كبير بالأحداث الأمنية فى المنطقة، فالأحداث العنيفة فى الدول المجاورة ربما تخيف السائحين وتؤدى إلى انخفاض أعداد الزوار، مما يؤثر سلبًا على عائدات العملة الأجنبية».

وقال أبو الفتوح أن الأحداث السلبية فى المنطقة تؤدى إلى زيادة الضغوط التضخمية، بسبب ارتفاع أسعار السلع الأساسية، وزيادة تكاليف الإنتاج وارتفاع إيجارات المساكن.

المخاطر الائتمانية وتقليص الإقراض

قال الخبير المصرفى إن القطاع المصرفى المصرى يتعرض لضغوط متزايدة نتيجة للأحداث الجارية فى المنطقة لافتا إلى أنه من أبرز هذه الآثار، زيادة المخاطر الائتمانية، حيث تؤدى الأحداث السياسية والاقتصادية غير المستقرة إلى زيادة المخاطر الائتمانية على القروض، مما يدفع البنوك إلى رفع المخصصات الاحتياطية وتقليل الإقراض، مما يؤثر سلبًا على النمو الاقتصادى.

وتابع أنه من بين هذه الآثار كذلك زيادة تكلفة التمويل، فقد تؤدى الأحداث السلبية إلى زيادة تكلفة التمويل للبنوك، مما يؤدى إلى ارتفاع أسعار الفائدة على القروض، مما يثبط النشاط الاقتصادى.

اختبار الضغوط

وقال محمد عبد العال الخبير المصرفى إن القطاع المصرفى أظهر صلابة فى وجه الصدمات التى تعرض لها من قبل، كما أن اختبارات الضغوط التى أجريت على القطاع تؤكد قدرته على مواجهة التحديات المتوقعة وغير المتوقعة كذلك.

وكان صندوق الدولى قد قال فى تقرير صادر عنه، إن البنك المركزى المصرى، بصفته المنظم، يراقب عن كثب استحقاق وتكوين أصول والتزامات البنوك بالعملات الأجنبية، بما فى ذلك تعرضها لهيئات القطاع العام.

وأكد البنك المركزى، فى كتاب دورى صادر عنه بهذا الصدد، أن اختبارات الضغط التنظيمية التى أجراها البنك المركزى المصرى تشير إلى أن البنوك المصرية لديها احتياطيات كافية لرأس المال والسيولة، وذلك بهدف قياس قدرتها على تحمل الصدمات الاقتصادية مثل التقلبات الحادة فى أسعار الصرف والزيادات المفاجئة فى أسعار الفائدة.