اتجهت أغلب شركات التكنولوجيا المصرية خلال الفترة الأخيرة للتوسع بكثافة فى أسواق منطقة الخليج العربى وافتتاح مكاتب إقليمية بها فى إطار مراجعة خططها المستقبلية بحثا عن تحقيق نمو مرضى فى حجم أعمالها وتدبير السيولة المالية للصمود فى مواجهة المتغيرات الاقتصادية الاقتصادية عالميا وإقليميا ومحليا.
انقسمت آراء عدد من مسئولى ورؤساء شركات القطاع حول جدوى هذه الخطوة، ففى حين رأى البعض أنها مسألة ضرورية تتيح للشركات الاستفادة من الفرص الاستثمارية الجديدة وتعزز قدرتها التنافسية فى الأسواق العالمية من خلال تصدير منتجاتها الرقمية وتحقيق عوائد بالعملة الصعبة، خاصة أن أسواق الخليج هى بوابة عبور لمزيد من الدول الأخرى.
وأجمع البعض الآخر أن هذا التوجه يعود فى الأساس إلى بعض التحديات التى تواجه الشركات فى البيئة الاقتصادية المحلية، مثل ارتفاع الأعباء الضريبية وصعوبة الإجراءات القانونية لتأسيس الشركات التى تفتقر فى بعض إجراءاتها لمنظومة قوية تضمن حقوق المستثمرين الأجانب – على حد قولهم.
وقال محمد يحيى، المؤسس والمدير التنفيذى لـ”واى تك سوليوشنز” لاختبار جودة البرمجيات فى القطاع المصرفى، إن شركته تقدم خدماتها إلى أسواق الخليج من مكتبها الرئيسى فى القاهرة دون الحاجة إلى افتتاح مكاتب تمثيلية بها بهدف تحقيق إيرادات بالعملة الصعبة، مما سينعكس بالإيجاب على تحسن مستوى أجور موظفيها ويتناسب مع الزيادات المستمرة فى الأسعار.
وأضاف “يحيى”أن الحصول على إيرادات بالعملات الأجنبية أصبح أمر ملحا لضمان استقرار الشركات واستدامة عملياتها، موضحا أنجلب العوائد بالدولار من خلال عملاء دول الخليج وغيرها من البلدان الأجنبية يوفر نوعًا من الحماية المالية للشركات، خاصة أن هذه التدفقات المالية الأجنبية توفر للشركات القدرة على شراء احتياجاتها من الخارج دون أن تتأثر سلبًا بتذبذب سعر الصرف مما يعزز من استقرارها المالى.
وأوضح أن الفترة الأخيرة شهدت توجه العديد من الشركات لافتتاح مكاتب تمثيلية لها فى دول الخليج، مشددًا على ضرورة تحسين جودة الخدمات المقدمة قبل خطوة اقتحام أسواق خارجية، مع عملProof of Concept (PoC)لإثبات جدوى نجاح المنتج المقدم وملاءمته للسوق الجديدة، ومدى توافقه مع احتياجات العملاء وتحقيقه لعوائد كافية تغطى التكاليف وتحقق أرباحًا.
وأكد أن الشركات المصرية تواجه حاليا ثمة تحديات فى بيئة العمل المحلية، أبرزها المنظومة الضريبية إلا أن الحكومة بدأت اتخاذ إجراءات جادة للتعامل مع هذا الملف عبر إطلاق نظام ضريبى جديد مبسط للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، متوقعا أن القرارات الأخيرة التى أقرتها وزارة المالية لن تسهم فقط فى تخفيف الأعباء المالية على تلك الكيانات، بل ستحفزها أيضا على الاستمرار والنمو.
من جانبه، أوضح علاء إدريس، الرئيس التنفيذى لشركة “تربو سوليوشن” للحلول، أن شركات التكنولوجيا توسعت بشكل كبير خلال الفترة الأخيرة فى تصدير خدماتها للخارج لتدبير احتياجاتها من العملة الصعبة والتى أصبحت – على حد قوله أمرا حيويا للاستمرارية، مشيرا إلى أن حوالى %80 من نفقات شركات التكنولوجيا تُسدد بالدولار، مثل تكلفة تأجير الخوادم وغيرها من الخدمات التقنية، وبالتالى هذه التدفقات النقدية بالعملة الأجنبية تسهم بشكل كبير فى دعم استدامة العمليات التشغيلية.
ودلل على كلامه بأن المشاركة فى معرض جيتكس دبى سنويا على سبيل المثال تتطلب استثمارًا يصل إلى 10 آلاف دولار، مبينا أن التواجد فى هذا الحدث الدولى لم يعد خيارًا بل ضرورة استراتيجية لفتح آفاق جديدة للتصدير وجلب عوائد دولارية تمثل عنصرًا أساسيًا فى دعم الشركات المصرية، خاصة فى ظل التحديات الاقتصادية محليا وإقليميا ودوليا.
وأوضح أن فرق سعر صرف الجنيه المصرى مقابل العملات الخليجية مثل الريال السعودى والدينار الكويتى أو الدرهم الإماراتى، يوفر مزايا تنافسية للشركات المصرية وللعملاء الخليجيين على حدٍ سواء، إذ يمكنهم الحصول على خدمات تكنولوجية متقدمة بتكلفة أقل مما قد يدفعونه فى الأسواق الغربية أو حتى المحلية، موضحا أن هذا الفارق يتيح للعملاء الخليجيين الوصول إلى حلول تقنية متطورة مع تحقيق وفورات مالية كبيرة، ما يجعل التعامل مع الشركات المصرية أكثر جاذبية من الناحية الاقتصادية.
وأشار إلى أن الهند باتت اليوم واحدة من أقوى الدول عالميا فى تقديم خدمات تكنولوجيا المعلومات، فى المقابل، كانت مصر تسير بخطى جيدة فى هذا القطاع قبل أن تواجه تحديات كبيرة أدت إلى اتساع الفجوة بينها وبين الهند، خاصة عقب ثورة يناير 2011 وما تبعها من اضطرابات اقتصادية وسياسية.
وأكد أن مصر بدأت تدريجيًا فى استعادة مكانتها على الساحة الدولية، من خلال تبنى استراتيجيات طويلة الأمد لتعزيز الابتكار والاستثمار فى القطاع التكنولوجى، وبالتالى تقليص الفجوة والعودة كمنافس قوى إلى جانب الهند فى هذا المجال الحيويلكن حتى الآن ما زالت الهند تستحوذ على شريحة كبيرة من السوق الخليجية.
وقال إن الشركات الهندية أصبحت من اللاعبين الرئيسيين فى تقديم حلول تكنولوجيا المعلومات فى دول الخليج، الأمر الذى يشكل تحديًا كبيرًا للشركات المصرية التى تسعى للتوسع فى المنطقة وهذه المنافسة لا تقتصر فقط على تنافسية الأسعار، ولكن تمتد أيضًا إلى مستوى الخدمات التقنية المتقدمة.
وشدد على ضرورة أن تلعب هيئة تنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات “إيتيدا” دورًا رئيسيا فى دعم شركات التكنولوجيا المصرية فى تصدير المنتجات والخدمات الرقمية، من خلال تسهيل عملية وصولها إلى الأسواق العالمية وتوفير عدد من الأدوات والبرامج الداعمة لذلك، مثل المشاركة فى المعارض الدولية بأسعار مخفضة وتنظيم الفعاليات التى تتيح للشركات فرصة عرض منتجاتها وتوسيع نطاق خدماتها.
فيما صرح الدكتور كيرلس رفعت، الشريك المؤسس والرئيس التنفيذى لشركةSpade wealthللاستشاراتوخدمات الأعمال، أنجائحة كوفيد- 19 غيرت توجهات الشركات نحو العوائد الأجنبية، حيث واجهت الشركات على مستوى العالم تحديات غير مسبوقة أثرت بشكل كبير على استمراريتها وقدرتها على الصمود أمام الأزمات، إلا أن الشركات التى تعتمد على التكنولوجيا وتحقيق عوائد بعملات أجنبية نجت بشكل أفضل من غيرها، وكانت الأكثر قدرة على الصمود فى مواجهة الأزمة.
وأضاف أن العوائد الأجنبية لعبت دورًا حيويًا فى دعم الشركات المصرية، خاصة فى ظل تقلبات سعر الصرف فى مصر، موضحا أن الكيانات التى تحقق دخلاً بالعملة الصعبة تمكنت من التكيف مع الانخفاضات المتكررة فى قيمة الجنيه، حيث أصبحت هذه العوائد بمثابة “مرساة ثابتة” تحافظ على استقرارها المالى، وبالتالى لم تقتصر استفادة هذه الشركات على الصمود أمام الجائحة، بل مكنتها أيضًا من تجاوز تأثيرات الأزمات الاقتصادية المحلية وعلى رأسها خفض قيمة العملة.
وتابع أن العديد من الشركات المصرية انتبهت بعد انتهاء الجائحة إلى أهمية تحقيق عوائد بالعملة الصعبة، لافتا أن هذا التحول فى طريقة التفكير جعل مسئوليها يولون اهتماما بالغا بتحقيق دخل بالدولار أو اليورو دون الاعتماد فقط على السوق المحلية، لذلك بدأ أغلبها فى توسيع نطاق أعماله لتشمل الأسواق الخارجية والخليجية بشكل خاص.
واستطرد قائلا: بعض دول الخليج توفر تسهيلات كبيرة للشركات فى مراحل التأسيس، مثل إعفاء كامل من الضرائب، مما يجعلها وجهة استثمارية جاذبة للكيانات المصرية الراغبة فى التوسع لاسيما مع بناء مدن ذكية جديدة، برزت فرص واعدة لشركات المقاولات المصرية.
وتابع أن عددا كبيرا من شركات حلول التكنولوجيا الصحية والمالية المصرية نجحت بالفعل فى أسواق السعودية والإمارات، منوها أن السوق السعودية يتشابه إلى حد كبير مع نظيره المخلى مما يسهل سرعة التكيف والتأقلم مع المتغيرات الاقتصادية به.
ورأتآية العريف، المؤسس والرئيس التنفيذى لشركةWarrdلحلول تكنولوجيا التعليم، ورئيس نادى سيدات الأعمال بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، أن هناك اتجاهًا ملحوظًا فى الفترة الحالية نحو افتتاح الشركات المصرية فروعًا لها فى دول الخليج العربى، نظرا لعدة أسباب أهمها تحديات بيئة الأعمال المحلية، لا سيما فيما يتعلق بالإجراءات اللازمة لتأسيس الشركات.
وأشارت إلى أن العديد من الموافقات بين الأطراف المعنية فى الشركات لا تُسجل بدقة وتفصيل فى العقود المصرية، الأمر الذى يعزز من مخاوف المستثمرين، خاصة الأجانب منهم، مبينة أن غياب الضمانات القانونية الكافية، أو وجود عقود غير واضحة، يجعل من الصعب على المستثمرين التأكد من حماية حقوقهم.
وأوضحت أن هناك نوعين من الاستثمارات الأول هو السند القابل للتحويل،“Convertible Note”وهيأداة تمويلية ابتكارية تستخدم بشكل متزايد فى المراحل المبكرة من الشركات الناشئة، خاصة تلك التى تسعى لجذب استثمارات أجنبية، يمكن وصفه بشكل مبسط بأنه هجين بين القرض والسهم.
وتابعت أن النوع الثانى هوSAFE note(Simple Agreement for Future Equityوهى اختصارا لعبارة “اتفاقية بسيطة للأوراق المالية المستقبلية”، وهو نوع من اتفاقيات الاستثمار تستخدم بشكل شائع فى المراحل المبكرة للشركات الناشئة، يمكن اعتباره بمثابة “شيك مؤجل” للمستثمر، حيث يحصل بموجبه على حق شراء أسهم فى الشركة مستقبلا بسعر محدد مسبقاً.
واستطردت قائلة إن نظام العمل المصرى لا يعترف بـ”جدول رأس المال”أوCap Tableوهى وثيقة أساسية فى عالم الشركات الناشئة والاستثمار، يشبه كشف حساب مفصل يوضح ضوابط ملكيتها، ويسجل جميع التفاصيل المتعلقة بأسهم الشركة وهيكل مساهميها، ومعمول به فى كل أنحاء العالم باستثناء مصر.
وأضافت أن الأوراق القانونية الخاصة بتأسيس الشركات فى مصر تفتقر إلى الوضوح الكافى بشأن نوعية الاستثمار الخاصة بالأطراف المختلفة، حيث إنها لا تبين ما إذا كانت هذه الأسهم تمنحهم حق الحصول على حصة فى الأسهم، أم أنها تعتبر قرض ودين على الشركة، مشددة على أنه من الضرورى أن تكون العقود واضحة وتحدد نوعية الاستثمار وحقوق المستثمر، سواء كانت أسهمًا أم قروضًا.
وأشارت إلى أن عملية تأسيس الشركات فى مصر تتخذ شكلا واحدا يتمثل فى إصدار سجل تجارى وبطاقة ضريبية وعقد تأسيس إلا أن هذه الإجراءات – على حد قولها غير كافية لضمان حقوق المستثمرين الأجانب، لذلك يشترط العديد منهم على الكيانات المصرية افتتاح فروعا لها فى الخليج لتسجيل وتوثيق جميع الضمانات اللازمة.
وأوضحت أن وجود فرع لشركة مصرية فى إحدى دول الخليج يمثل شهادة ثقة تعزز من مصداقيتها فى عيون المستثمرين الأجانب، فمن خلال وجود مكتب لها تتمكن من توثيق كافة الضمانات القانونية والإجراءات المطلوبة، مما يجعلهم يشعرون بثقة أكبر وأمان ويعزز رغبتهم فى المشاركة بمشروعات جديدة.
واعتبرت أن عملية تحويل أرباح المستثمر الأجنبى من مصرتُعد معقدة، إذ تستلزم عقد جمعية عمومية لإتمامها بشكل ربع سنوى أو سنوى، إلا أنها أكدت أن الوضع يشهد تحسنًا مستمرًا وتبذل الجهات المعنية جهودا لتبسيط هذه الإجراءات وجعل بيئة الاستثمار أكثر جذبًا ومرونة للمستثمرين الأجانب.
وقال الدكتور أيمن الرفاعى، الرئيس التنفيذى لشركةIX Devللحلولإن شركته أصبحت تركز بشكل متزايد على تقديم خدماتها لأسواق الخليج وشمال أفريقيا، موضحا أنه رغم أن خدمات الشركة تباع بأسعار معقولة، إلا أنها تعتبر مرتفعة بالنظر الى سعر الصرف الحالى فى مصر، خاصة بالنسبة للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، وهى الفئة التى تستهدفها الشركة .
وأوضح الرفاعى أن عدد الشركات المتوسطة والكبيرة فى مصر محدود للغاية مقارنة بنظيراتها الصغيرة ومتناهية الصغر، منوها أن إجمالى عدد الشركات العاملة بالسوق المحلية يتجاوز الـ 4 ملايين إلا أن مصر تعانى من ندرة الصغيرة والمتوسطة الحجم، بحسب التصنيفات العالمية، حيث إن %97 من الكيانات متناهية الصغر وتوظف أقل من 10 عمال.
بينما تستحوذ الشركات التى تضم من 10 إلى 50 موظفًا على %2.7 فقط من إجمالى عدد الشركات، فى حين أن %70 من 2.4 مليون شركة صغيرة ومتوسطة فى مصر لديها موظف واحد أو اثنان فقط، وبالتالى التوسع فى الأسواق الخارجية يعتبر خيارا ذكيا للشركات الباحثة عن نمو مستدام وتحقيق عوائد قوية من خلال شريحة أوسع من العملاء المستهدفين.
وأشار إلى أن البنك المركزى المصرى يصنف الشركات التى يتراوح حجم أعمالها بين مليون جنيه و50 مليون جنيه صغيرة، وتلك التى يدور حجمها من 50 مليون جنيه مصرى إلى 200 مليون جنيه متوسطة الحجم، إلا أن الممارسات الفعلية على أرض الواقع تؤكد أن الشركات ذات حجم أعمال 40 مليون متوسطة الحجم وليست صغيرة.
يحيى: توفر نوعا من الحماية المالية لها
إدريس: الهند المنافس الأول لمصر فى الدول العربية
رفعت: جائحة كورونا غيرت طريقة تفكير مسئوليها نحو آليات الصمود
العريف: أغلب تفاصيل عقود التأسيس المحلية غير واضحة
