اتفق خبراء مصرفيون على أهمية التنسيق بين السياسة المالية والنقدية لتحقيق الاستقرار الاقتصادى ومواجهة التضخم، مؤكدين وجود تحديات تمويلية تواجه مصر، وضرورة البحث عن حلول لسد الفجوة التمويلية.
وشددوا على أهمية الاستثمار الأجنبى المباشر فى دعم الاقتصاد وتوفير فرص العمل، فيما اختلفوا على التركيز على بعض الجوانب، مثل دور سعر الصرف فى تحقيق الاستقرار الاقتصادى، وأهمية تحجيم الديون.
من جانبه، قال عز الدين حسانين، الخبير المصرفى، إن مفهوم السياسة المالية والتى تمثلها وزارة المالية هى التى تهتم بدراسة النشاط المالى الكلى، وضبط المالية العامة من خلال الموازنة العامة ومصادرها وهى الإيرادات والنفقات العامة، بهدف تحقيق النهوض بالاقتصاد المصرى.
وأفاد بأن السياسة النقدية هى إحدى السياسات الاقتصادية المعنية بشئون النقد والائتمان، وهدفها الأساسى مكافحة التضخم من خلال ضبط المعروض النقدى بما يتناسب مع مرونة الهيكل الإنتاجى للدولة.
وأوضح أنه يجب تشابك السياستين المالية والنقدية فى تحقيق هدف مجابهة التضخم، ولكيلا يحدث تعارض بينهما تم إنشاء مجلس تنسيقى بين البنك المركزى المصرى الممثل للسياسة النقدية وبين وزارة المالية والحكومة من أجل خلق أساليب لمواجهة التضخم من جانب، وتحقيق استقرار أوضاع الاقتصاد الكلى ومؤشراته الكلية من جانب آخر.
وتابع أنه عندما يكون هدف الحكومة مجابهة التضخم وتحقيق استقرار لسعر الصرف يتم التوافق بين السياستين من أجل تحقيق هذه الأهداف، فاتباع سياسة توسعية من الحكومة ممثلة فى وزارة المالية فيكون ذلك من خلال زيادة الإنفاق العام والاقتراض الحكومى، وتتبع السياسة النقدية نفس السياق من خلال شراء أذون الخزانة لصالح البنوك وطبع النقود، والعكس فى حال اتباع سياسة انكماشية.
وأكد”حسانين” أن التكامل بين السياستين ضرورى من أجل تحقيق الأهداف الاقتصادية المرجوة وفى مقدمتها ووأهمه همه مجابهة التضخم وتحقيق استقرار لسعر الصرف بما يناسب تحقيق الأهداف الاقتصادية.
وذكر أن البنك المركزى المصرى يتبع نظام سعر الصرف المرن الذى يعتمد إلى حد كبير آليات العرض والطلب على العملة الأجنبية، وتتبع السياستان المالية والنقدية سياسة انكماشية من خلال خفض الإنفاق العام، وسياسة التعقيم النقدى التى يتبعها البنك المركزى حاليا من خلال أدواته وهى عمليات السوق المفتوحة لضبط المعروض النقدى، بالإضافة إلى رفع سعر الفائدة إلى المستويات الحالية %27.25 - %28.25 للإيداع والإقراض لليلة واحدة فى ظل معدل للتضخم حاليا فى حدود %26.
ومن المتعارف عليه اقتصاديا أنه كلما ارتفع التضخم مع ثبات سعر الصرف سيولد ضغطا على صاحب القرار الاقتصادى لتخفيض العملة المحلية، موضحا أنه حاليا البنك المركزى ووزارة المالية يتبعان نفس السياسة الانكماشية فى نطاق برنامج إصلاح اقتصادى متفق عليه مع صندوق النقد الدولى.
وأفاد “حسانين” بأنه وكنتيجة لذلك تشهد السوق المصرية استقرارا فى سعر الصرف واتجاها نزوليا نسبيا فى معدلات التضخم التى وصلت إلى مستويات أعلى من %40 العام الماضى، وبالتالى نجحت السياسة الحالية للبنك المركزى ووزارة المالية والحكومة فى خفض معدلات التضخم.
واستبعد الخبير المصرفى وفق المعطيات الحالية حدوث أى خفض جديد للجنيه المصرى مقابل الدولار.
وقال وليد عادل، الخبير المصرفى، إن مصر تعانى من فجوة تمويلية تقدر بنحو 10 مليارات دولار ومع ذلك، شهدت البلاد دخول استثمارات سعودية بلغت 15 مليار دولار فى الفترة الماضية، حيث تم تخصيص جزء من هذه الاستثمارات كاحتياطى لدى البنك المركزى لمشروعات فى مجالات الطاقة والمنتجعات.
وكشف د.مصطفى مدبولى، رئيس الوزراء، فى وقت سابق، أن خطط السعودية لضخ استثمارات جديدة بقيمة 5 مليارات دولار فى مصر منفصلة عن وديعة المملكة فى البنك المركزى.
وأضاف “عادل” أنه من المتوقع أن تدخل استثمارات قطرية مباشرة تقدر بحوالى 10 مليارات دولار، مما يسهم فى تعزيز الوضع الاقتصادى، مشيرا إلى أن التنوع فى الاستثمارات، الذى يترافق مع برنامج الطروحات وبيع حصص الحكومة فى البنوك، قد يساعد فى تقليص الفجوة التمويلية.
فى سياق آخر، أفاد “عادل” بأن حجم الدين الخارجى لمصر شهد تراجعًا، وهو مؤشر إيجابى حيث لم تتخلف الحكومة عن سداد أى قسط من أقساطه.
وانخفض الدين الخارجى المصرى بنهاية يونيو الماضى بنحو 4.8 %، ما يعادل 7.72 مليار دولار، ليصل إلى 152.885 مليار، مقابل 160.607 مليار بنهاية مارس الماضى، وفقاً لبيانات البنك المركزى.
وأكد “عادل” أن التعويم ليس الحل الأمثل، داعيًا إلى التركيز على تعزيز القطاع الصناعى وزيادة الاستثمارات الأجنبية، مما يسهم فى زيادة الصادرات وتحقيق موارد دولارية إضافية لتسديد الدين والحفاظ على استقرار سعر الصرف.
وأشار إلى أن الحكومة تلعب دورًا حيويًا فى جذب الاستثمارات الجديدة، من خلال خلق بيئة استثمارية مناسبة ووضع ضوابط رقابية، بهدف القضاء على فجوة التمويل وتعزيز الاستقرار الاقتصادى.
وقال ماجد فهمى، الخبير المصرفى، إن التكامل بين السياسات النقدية والمالية ليس هو المشكلة الأساسية التى تواجه الاقتصاد المصرى، موضحا أن الأمر يعتمد بشكل رئيسى على تحجيم الديون، والذى يؤثر بدوره على تدهور العملة.
وأكد أن صندوق النقد الدولى يشترط وجود سعر صرف مرن، مما يتطلب زيادة الإيرادات وتفعيل قطاع التصدير، مشيرا إلى تراجع إيرادات قناة السويس والسياحة كعنصرين مهمين فى هذا السياق.
وأوضح أن التشديد فى السياسة النقدية لن يكون كافيا، حيث إنه يمكن أن يعوض المدخرات فقط، ودعا إلى ضرورة البحث عن حلول جذرية، معتبرا أن الأسلوب والمنهجية فى التعامل مع هذه التحديات يجب أن تتغير لتجنب تكرار تجربة هروب الأموال الساخنة مرة أخرى.
