أكد عدد من الخبراء والمحللين المصرفيين أن قرار الفيدرالى الأمريكى ولجوئه إلى دورة تيسير نقدى ستدفع باتجاه تدفق استثمارات الأجانب فى أدوات الدين الحكومية قصيرة الأجل (أذون الخزانة)، لا سيما فى ظل جاذبية العوائد عليها فى الوقت الراهن.
وأضافوا - فى تصريحات لـ «المال» - أنه رغم أهمية هذه العوائد فإن التوترات الجيوسياسية هى العامل الحاسم فى الأمر، لا سيما وأن تفاقمها سيؤدى إلى خروج هذه الأموال مجددًا.
وأشاروا إلى أن هذه الأموال (استثمارات الأجانب فى أذون الخزانة) تعد أحد موارد النقد الأجنبي، وارتفاع حصيلتها فى الفترة المقبلة سيؤدى إلى وفرة المعروض النقدى من العملات الأجنبية (الدولار تحديدًا) هو ما يؤدى إلى تخفيف الضغط على الجنيه مما يعزز موقفه أمام العملة الخضراء.
وقرر البنك المركزى الأمريكى «الاحتياطى الفيدرالي» خفض سعر الفائدة %0.5 على الدولار لأول مرة من 4 سنوات، فى خطوة حاسمة نحو الاتجاه إلى سياسة تيسير نقدى.
جاذبية الأسواق الناشئة ومنافستها
وقال محمد البيه الخبير المصرفى إن خفض الفائدة من قبل الفيدرالى الأمريكى ينطوى على تأثير إيجابى ليس على سوق أدوات الدين فى مصر فحسب وإنما فى الدول النامية بشكل عام، لافتا إلى أن الفائدة المرتفعة التى كان يقرها “الفيدرالي” من شأنها توجيه الاستثمارات إلى الدولار، وهو ما يعنى سحب الاستثمارات من أسواق الدول النامية وتوجيهها إلى الدولار وهو ما يؤثر سلبًا على هذه الدول بطبيعة الحال.
وأضاف أن ارتفاع الفائدة يؤدى بشكل مباشر إلى ارتفاع العوائد على أدوات الدين سواء فى الولايات المتحدة أو غيرها، لافتا إلى أن الأمر انعكس بعدما قرر الفيدرالى الأمريكى خفض الفائدة بواقع 50 نقطة أساس.
وأشار إلى أن أغلب التقارير والمؤسسات الدولية تتوقع استمرار الفيدرالى الأمريكى فى خفض الفائدة على مدار العام المقبل كذلك، مبينًا أن هذا سيكون له تأثير إيجابى على مصر، لا سيما فى ظل إدارة أسعار الفائدة بشكل جيد من أجل اجتذاب الاستثمارات الأجنبية من هذا النوع.
وعلى الرغم من ذلك، لفت الخبير المصرفى إلى أن هناك عددا من العوامل التى ينبغى أخذها بعين الاعتبار فى هذا الصدد، أبرزها وجود الكثير من الدول أو الأسواق الناشئة التى تنافس مصر على اجتذاب المستثمرين فى أدوات الدين الحكومية والباحثين عن فوائد أعلى استثماراتهم، لا سيما وأن هناك دولا فى الشرق الأوسط تنافس السوق المصرية فى هذا المجال.
وذكر أن تركيا واحدة من أبرز هذه الدول المنافسة خاصة فى ظل ارتفاع أسعار الفائدة لديها ناهيك عن التقارير الكثيرة التى بدأت تظهر مؤخرًا وتثنى على أداء الاقتصاد التركي، وهو ما يعد دافعا لجذب المستثمرين الأجانب فى أدوات الدين.
الإقبال على الأسهم الأمريكية
ولفت إلى أنه فى ظل انخفاض الفائدة من قبل الفيدرالى الأمريكى يتجه بعض المستثمرين فى الولايات المتحدة الأمريكية إلى الاستثمار فى البورصة هناك، خاصة وأن هذا الخفض يعزز من قدرة الشركات على العمل والإنتاج ومن ثم تحقيق الأرباح، وهو ما يعد أداة جاذبة جدًا للمستثمرين.
وعلى الرغم من أهمية استثمارات الأجانب فى أذون الخزانة (أو ما يعرف بالأموال الساخنة) شدد “البيه” على ضرورة وضع سقف لهذه الاستثمارات، على أن يكون حجم هذه الاستثمارات مساويًا للفجوة التمويلية الحالية، وذلك لعدم حدوث اختلالات فى سوق النقد الأجنبى فى حال خروج هذه الأموال مرة واحدة.
التوترات الجيوسياسية ومآلات العوائد على أدوات الدين
من جانبه، لفت محمد عبد العال الخبير المصرفى إلى أن خفض الفائدة من الفيدرالى الأمريكى خطوة مهمة بلا شك، وتنطوى على العديد من المزايا والتأثيرات الإيجابية على السوق المصرية، إلا أن العامل الحاسم فى الأمر ليس هو أسعار الفائدة (وهو عامل مهم بطبيعة الحال) وإنما مستوى التوترات الجيوسياسية فى المنطقة.
وأضاف أن تفاقم أو تعاظم حدة هذه التوترات فى المنطقة سيدفع باتجاه خروج المستثمرين الأجانب إلى ملاذات أكثر أمانًا.
وذكر أن البنك المركزى يستهدف التضخم فى المقام الأول، فلئن كان الهدف تعزيز موارد النقد الأجنبى إلا أن الهدف الأساسى هو النزول بمستوى التضخم إلى رقم أحادي.
يُشار إلى أن لجنة السياسة النقدية كانت قد قررت تحديد معدلات التضخم المستهدفة خلال الفترة المقبلة عند مستوى %7 (±2 نقطة مئوية) فى المتوسط خلال الربع الرابع من عام 2024، ومستوى%5 (±2 نقطة مئوية) فى المتوسط خلال الربع الرابع من عام 2026.
وفيما يتعلق بمآلات أو مصير أسعار الفائدة فى مصر وبدء دورة التيسير النقدي، أكد محمد عبد العال الخبير المصرفي، أن السياسة النقدية المتبعة من البنك المركزى المصرى لا علاقة لها بنظيرتها الأمريكية، والمحدد لها هو معدل التضخم، وطالما ظلت معدلات التضخم أعلى من المستهدف فليس متوقعا أن يلجأ صانع السياسة النقدية المصرية إلى خفض أسعار الفائدة.
وتابع: “بل على العكس قد نرى رفعًا جديدًا فى أسعار الفائدة بنحو %2 قبل نهاية العام، فى حال حدوث قفزات فى معدلات التضخم، خاصة بعد الضغوط التضخمية الأخيرة والمتمثلة فى أسعار السلع المحددة إدرايًا”.
خدمة الدين
وفى السياق ذاته، لفتت سهر الدماطى الخبيرة المصرفية إلى أن انخفاض الفائدة على الدولار الأمريكى سيكون له تأثير إيجابى على الديون ذات الفوائد المتغيرة، فانخفاض الفائدة على الدولار يعنى انخفاض أعباء خدمة الدين التى تتكبدها مصر.
وارتفع إجمالى خدمة أعباء الدين الخارجى التى سددها البنك المركزى المصرى إلى نحو 23.8 مليار دولار خلال الفترة يوليو / مارس من السنة المالية 2023/ 2024، مقابل 17.8 ملیار خلال الفترة نفسها من السنة المالية السابقة.
يأتى هذا الارتفاع، بحسب بيانات البنك المركزي، نتيجة لزيادة كل من المسدد من الأقساط بنحو 3.9 مليار دولار لتسجل 16.7 مليار، والفوائد المدفوعة بنحو 2.1 مليار لتسجل 7.1 مليار.
وأشارت الخبيرة المصرفية إلى أن استثمارات الأجانب فى أذون الخزانة مصدر من مصادر النقد الأجنبي، وتستخدمها الحكومة لتلبية الاحتياجات قصيرة الأجل، وهو ما يعنى أن مصر تعلمت الدرس وأن خروج الأموال الساخنة مرة أخرى لن يؤثر سلبا على هيكل الاقتصاد المصرى بنفس القدر الذى حدثت به من قبل.
كانت الحرب الروسية الأوكرانية قد أدت إلى خروج الأموال الساخنة (استثمارات الأجانب فى أذون الخزانة) خلال عام 2022 بنحو 22 مليار دولار، وهو ما دفع باتجاه تفاقم أزمة النقد الأجنبى وقتذاك.
وأشارت “الدماطي” إلى أن التدفق المحتمل بشكل كثيف من المستثمرين الأجانب فى أدوات الدين الحكومية قصيرة الأجل (أذون الخزانة) سيدفع باتجاه حدوث وفرة فى النقد الأجنبي، مما يخفف الضغط على الجنيه، ومن ثم يدعم موقفه أمام الدولار.
وفيما يتعلق بخفض أسعار الفائدة فى مصر، أكدت الخبيرة المصرفية أن هذا التوجه لا زال مستبعدًا فى الوقت الراهن لا سيما فى ظل ابتعاد التضخم عن مستهدفاته، وكذلك توقعات باستمرار ارتفاعه خاصة بعد رفع أسعار العديد من السلع المحددة إداريًا.
استثمارات الأجانب فى أذون الخزانة
وتراجعت استثمارات الأجانب فى أذون الخزانة إلى 1.765 تريليون جنيه (بما يعادل 36.714 مليار دولار) مقابل 1.772 تريليون جنيه بنهاية مايو 2024 (بما يعادل 37.45 مليار دولار)، لتتراجع بنحو 736 مليون دولار خلال شهر، بحسب بيانات صادرة عن «المركزي«.
وسجل إجمالى الأرصدة القائمة للبنوك والمؤسسات المالية على أذون الخزانة نحو 35.56 تريليون جنيه بنهاية يونيو، مقابل 35.66 تريليون بنهاية مايو 2024.
وارتفع إجمالى استثمارات البنوك المتخصصة فى أذون نحو 76.730 مليار جنيه بنهاية يونيو الماضي، مقابل 69.302 مليار بنهاية مايو الماضي.
وسجل إجمالى استثمارات بنوك القطاع الخاص نحو 502.672 مليار جنيه بنهاية النصف الأول من 2024، منخفضا من 505.886 مليار بنهاية مايو الماضي.
وانخفض إجمالى استثمارات بنوك القطاع العام إلى 239.3 مليار جنيه بنهاية يونيو الماضي، مقابل 243.625 مليار بنهاية مايو 2024.
وتراجعت استثمارات فروع البنوك الأجنبية إلى 22.192 مليار جنيه بنهاية يونيو 2024، مقابل 28.203 مليار بنهاية مايو الماضى.
