تفاقمت الأعباء التى يتحملها قطاع النقل البحرى مؤخرا بسبب تداعيات أزمة البحر الأحمر، إذ تواجه السفن المتجهة إلى رأس الرجاء الصالح المسار البديل القناة السويس فى الفترة الحالية، و تغيرات شديدة فى أحوال الطقس بجنوب أفريقيا بجانب طول مدة الرحلة، وتأخير تسليم البضائع إلى عملائها.
ونتيجة للتداعيات السابقة، أشار عدد من العاملين بقطاع النقل البحرى إلى تراجع الطلب على خدمات التوكيلات الملاحية، بسبب عجزها عن توصيل البضائع إلى العملاء، مما أدى إلى ارتفاع المصروفات التشغيلية بشكل كبير.
وفقدت السفينة MSC Antonia حوالى 46 حاوية مطلع سبتمبر الجاري، بالإضافة لتضرر عدد من الحاويات على متنها بسبب الطقس السيء بالقرب من سواحل جنوب أفريقيا، وذلك فى أعقاب فقدان 99 حاوية من CMA CGM Belem فى طقس سيئ أثناء الإبحار أثناء سيرها بساحل خليج ريتشاردز فى جنوب إفريقيا فى أغسطس الماضي، بينما فقدت CMA CGM Benjamin Franklin 44 حاوية أخرى أثناء الإبحار حول رأس الرجاء الصالح.
وتعتمد شركات السفن الثلاث السابقة على طريق رأس الرجاء الصالح بدلا من المرور بالبحر الأحمر للعبور فيما بعد من قناة السويس.
قال الدكتور أحمد خليل مدير الملاحة بالخط الملاحى أركاس إن توترات البحر الأحمر أثرت بشدة على الوكالات الملاحية، خاصة فى زيادة تكاليف الرحلة، وتأخر وصول البضائع فى مواعيدها للعملاء مما أدى إلى تعطل خطوط الإنتاج لبعض المصانع فى عدد من القطاعات.
وأوضح”خليل” أن حجم أعمال الوكالات الملاحية داخل مصر تراجعت بنسبة لا تقل عن 40 % نتيجة انخفاض الطلب على الخدمات متأثرة بنقص حركة السفن عبر قناة السويس.
فى سياق متصل قال أحد مدير التوكيلات الملاحية إن كل التداعيات السلبية وزيادة المصروفات عادة يتم حسابها على البضائع، فالخط الملاحى ونفس الأمر بالنسبة للوكالات لديها مستهدفات وعليها التزامات، ومن ثم فإن كل التأثيرات تقع على المستهلك فى نهاية الأمر.
وقال حسام الديب رئيس مجلس إدارة شركة ستار شاين للشحن إن شركات التأمين اعتبرت هجمات الحوثيين خارج التأمين، ومن ثم ليس لأصحاب البضائع أى تعويض، بينما ما يجرى فى رأس الرجاء الصالح يمكن لصاحب البضاعة تقديم بوليصة الشحن إلى شركة التأمين والحصول على جزء من قيمتها.
وأعلنت شركة ميرسك أغسطس الماضى أن أزمة البحر الأحمر امتدت إلى ما هو أبعد من شبكتها الآسيوية الأوروبية وأثرت على محفظتها العالمية بأكملها.
وتستمر السفن فى تحويل مساراتها حول رأس الرجاء الصالح، مما يؤدى إلى زيادة أوقات العبور وتكاليف التشغيل، وفى الواقع انخفض عدد السفن التى تعبر قناة السويس بنسبة 66 % منذ بدء التحويلات.
وفى السياق نفسه انتعش إجمالى أرباح خطوط الحاويات فى الربع الأول من عام 2024، محققة 5.4 مليار دولار رغم تفاقم الوضع المستمر بالبحر الأحمر، بسبب إعادة توجيه السفن واستيعاب الحمولات الزائدة، ولا يزال السوق تبدو إيجابيًة لخطوط الحاويات فى الربع الثانى مع ارتفاع أسعار الحاويات الفورية بأكثر من 30 % فى الأسابيع الأخيرة مع اقتراب موسم الذروة.
وقال الربان عمرو قطايا رئيس مجلس إدارة شركة إنتربرايز للخدمات الملاحية إن اضطرابات الطقس وارتفاع الأمواج مؤخرا بمنطقة رأس الرجاء الصالح بجنوب أفريقيا، فاقم من أعباء السفن حيث اتجهت إلى تغير مساراتها وتقليل سرعتها وبالتالى زيادة مسافة الرحلة وتأخر البضاعة.
وقال “قطايا” إن توتر المجال البحرى حاليا أجبر الخطوط الملاحية الكبرى على مخاطبة حكوماتها بضرورة اتخاذ المزيد من الإجراءات لعودة الأمور إلى طبيعتها بمضيق باب المندب والبحر الأحمر، خاصة مع زيادة مدة الرحلة والتأخر مما أثر سلبا على موثوقية تلك الخطوط أمام عملائها.
وأضاف “قطايا” أن الاستهلاك المتزايد للوقود وعدم انتظام الرحلات وتكدس الحاويات فى بعض الموانئ وتناقصها فى أخرى أجبر تجارة الصين –أكبر مصدر فى العالم – إلى تغيير وجهة سفنها من رأس الرجاء الصالح إلى العبور من ممر القطب الشمالي، مما خلق بديلا آخر غير قناة السويس والدوران حول أفريقيا.
يذكر أن سفن الشحن العامة الصينية تسارع الزمن للتغلب على مشكلات البحر الأحمر، وتتمثل فى الإبحار عبر طريق بحر الشمال فى القطب الشمالي.
وانطلقت ثلاث سفن محملة بالحاويات من الصين إلى شمال أوروبا فى رحلة تبلغ حوالى 13 ألف كيلومتر، مقارنة بمسافة الرحلة من قناة السويس البالغ طولها 20 ألف كيلو متر، ونحو نصف المسافة اللازمة للتحويل حول رأس الرجاء الصالح خلال الشهر الماضي.
ولفت إلى أن التداعيات أثرت على حجم صادرات دول الخليج للنفط والغاز بالسلب مقابل ارتفاع أسعار الوقود علما أن “أوروبا” فى حاجة إلى منتجات الطاقة استعدادًا لموسم الشتاء، متوقعا مزيد من التضخم العالمى والأسعار خلال الربع الأخير من عام 2024.
وقال شريف صبرى استشارى التصدير بإحدى شركات الكيماويات إن قطاع التصدير يواجه العديد من التحديات بسبب التوترات الجيوسياسية الأخيرة، بدء من أزمة الحرب الروسية الأوكرانية ومؤخرا أزمة البحر الأحمر وتداعياتها من نقص الحاويات، وارتفاع أسعار خامات التصنيع وتأخر مواعيد تسليم البضائع.
وقال إن صادرات البتروكيماويات تراجعت نتيجة تلك الأزمات المتلاحقة بنسبة تتراوح ما بين 20 إلى 25 % موضحا أن مواجهة التوترات فى البحرين الأحمر والمتوسط يستوجب فتح أسواق جديدة فى دول أفريقية، لاسيما أن هناك اتفاقيات مشتركة مع مصر تمنح تسهيلات جمركية بجانب انخفاض أسعار الشحن إليها.
وتابع “صبرى “ أن الدولة قامت بتطوير الموانئ وعمل بنية تحتية قوية مما يتطلب مزيد من دعم التصدير إلى أفريقيا من خلال مساعدة المصدرين فى شراء الخامات الأساسية للتصنيع فقط، مع تشجيع تصنيع بدائل للمواد الخام المصرية مع تأسيس بوابة مصرية محترفة للصادرات باستخدام أحدث وسائل التسويق للتوجه إلى القارة السمراء.
