قال خبيران إن اعتماد الحكومات على القطاع المصرفى له تأثيرات متباينة، حيث يمكن أن يدعم النمو الاقتصادى من خلال توفير التمويل اللازم للمشاريع الاستثمارية، ولكن فى الوقت نفسه، قد يؤدى إلى زيادة الدين العام وتقليل القدرة على مواجهة الأزمات.
وحدد الخبيران مجموعة من المؤشرات الحيوية التى يجب مراقبتها لتقييم مدى استدامة الدين العام، مثل نسبته إلى الناتج المحلى الإجمالي، وخدمة الدين إلى الإيرادات العامة، وهيكله من حيث الأجل ونوع العملة، مؤكدان أهمية تقييم الجدارة الائتمانية للمشاريع الحكومية قبل منحها القروض، والتأكد من كفاية الضمانات.
وأوضحا ضرورة وضع سقوف للاقتراض الحكومى من القطاع المصرفى لتجنب الإفراط فيه، إلى جانب تحسين كفاءة الإنفاق الحكومى وتوجيهه نحو المشاريع ذات العائد الاقتصادى المرتفع، بالإضافة إلى تطوير أسواق رأس المال لتمكين الشركات من الحصول على التمويل اللازم من خلال إصدار الأسهم والسندات.
وأشار تقرير صادر عن البنك الدولى إلى حيازة البنوك المحلية لأرصدة كبيرة من الديون الحكومية، والتى تمثل نقطة ضعف لبعض الاقتصادات، لا سيما تلك التى تعانى ضعفاً فى سياسات الاقتصاد الكلى وتواجه تحديات تتعلق باستمرارية قدرتها على تحمل الدين العام.
وأوضح التقرير أنه بين عامى 2012 و2023، ارتفع حجم قروض البنوك التى تقدمها كديون حكومية بنسبة تتجاوز %35.
وارتفعت أرصدة الإقراض المقدمة للعملاء من البنوك إلى 6.831 تريليون جنيه بنهاية أبريل 2024، مقابل 5.286 تريليون فى ديسمبر 2023.
ووفقًا للنشرة الشهرية الإحصائية الصادرة عن البنك المركزي، استحوذت القروض الحكومية على 3.439 تريليون جنيه من إجمالى الأرصدة المعنية بنهاية أبريل 2024، مقارنة بـ 2.356 تريليون فى ديسمبر العام الماضي، منها 1.617 تريليون بالعملة المحلية، و1.822 تريليون بالعملة الأجنبية.
حسانين: مطالبة بزيادة التمويل للقطاع الخاص
وقال عز الدين حسانين الخبير المصرفى إن اضطلاع القطاع المصرفى المحلى بتمويل غالبية الأنشطة الاقتصادية والاستثمارية للحكومة فى الدول النامية له تأثيرات إيجابية وسلبية.
وأشار حسانين إلى أنه يعتمد على مجموعة مؤشرات منها إجمالى الادخار المحلى للناتج المحلى الاجمالى والذى ينبغى ألا يقل عن %40 وهذا بدوره له معايير للحكم عليه ، مثل مستويات المرتبات والأجور ومعدلات البطالة والتضخم والمتبقى من الدخل القابل للادخار.
وأفاد أن هناك بعض المؤشرات على رأسها إجمالى الدين المحلى إلى الخارجي، و الدين العام للناتج المحلى الإجمالى يتم قياسها ومقارنتها بنسب عالمية آمنة أو مقارنتها بمستهدفات الأمان لهذه النسب بحيث يجب عدم تجاوزها من قبل القطاع المصرفى فى الإفراط فى الإقراض الحكومى التى يعتبر من القروض والتسهيلات الآمنة للبنوك، وتحقق من خلالها ربحية مرتفعة دون أية مخاطر من التأخر فى سدادها من قبل الحكومة.
وتابع أن هناك بعض البلدان تستبدل الديون المستحقة بأخرى وبآجال سداد جديدة ، وتكتفى بسداد الفوائد المستحقة فى مواعيدها.
وأشار إلى أن كل الدول النامية ستختلف فى تحقيق هذه النسب باختلاف اقتصادها وقوته وحجم صادراتها وواردتها ومواردها بالعملة الأجنبية، وحجم الادخار المحلى ومستويات المعيشة والتضخم.
وأوضح أن تأثير القروض الحكومية المرتفعة بالعملة المحلية من القطاع المصرفى على الحكومة يعد كبيرًا ويتمثل فى حجم دين محلى متراكم يتسبب فى العديد من الأزمات متمثلة فى حدوث عجز دائم ومستدام فى الموازنة العامة للدولة ويثقل كاهن المواطنين والشركات العاملة فى السوق المحلية، معللًا أن الحكومة ستضطر إلى رفع الرسوم والضرائب على كافة العاملين على أراضيها لتعويض و تخفيف حدة هذا العجز .
وأكد أن الحكومة المصرية وضعت سقوفًا للاقتراض المحلى من القطاع المصرفى والسوق، مشيرا إلى أنها تقترب من المؤشر العالمى بحيث لا تزيد عن %60 من اجمالى الناتج المحلى الإجمالي.
وتابع أن نسبة العجز وفق المؤشر العالمى يجب ألا تزيد عن %3 من الناتج المحلى الاجمالي، مشيرا إلى أنه يجب على البنك المركزى وضع حدودا قانونية لتمويل القطاع المصرفى للحكومة بحيث ألا تتجاوز نسب الاقراض من خلال سندات و أذون الخزانة عن %30 فقط من إجمالى محفظة ودائع العملاء.
واقترح وضع سقف لتمويل القطاع المصرفى وتحديدًا لكل بنك ، بحيث لا تزيد نسبة تمويل الحكومة من خلال أذون الخزانة والسندات الحكومية عن %30 من إجمالى محفظة ودائعه، وبالتالى يتاح أمام البنوك فرصة لتمويل القطاع الخاص العائلى والشركات.
وذكر أنه يجب إلزام البنوك برفع نسبة القروض للقطاع الخاص بالنسبة إلى الودائع لديها إلي%60 من الإجمالي، وأن تكون للقطاع الخاص 3 أضعاف نسبتها للحكومة، بما يضمن إلزام البنوك والحكومة بسقوف ائتمانية حتى يتم التمكن من ضبط المالية العامة ، وتوفير التمويل للقطاع الخاص وزيادة التشغيل.
عبد المنعم: النسبة الآمنة تختلف من بنك لآخر
ويرى محمد عبد المنعم الخبير المصرفى أن زيادة نسبة الدين الحكومى المستحق للبنوك بنسبة %35 خلال الفترة من 2012 إلى 2023 تعد طبيعية ومتوقعة فى ظل فى ظل النمو السكانى والاقتصادي.
وأشار إلى أن توزيع الاقتراض بين القطاع العام والخاص يعتمد على طبيعة الاقتصاد فى كل دولة، فالدول الرأسمالية تعتمد بشكل أكبر على القطاع الخاص، بينما التى تمتلك قطاعات كبيرة مملوكة للدولة، مثل مصر، ستكون نسبة اقتراض القطاع العام أعلى.
وأكد أهمية تقييم الجدارة الائتمانية للشركات الحكومية قبل منحها القروض، والتأكد من كفاية الضمانات، موضحًا أن النسبة الآمنة للاقتراض الحكومى تختلف من بنك لآخر، وتعتمد على السياسة الداخلية لكل مصرف.
وقدم التقرير الصادر عن البنك الدولى تحت عنوان «التمويل والرخاء 2024 » توصياته للبلدان بضرورة التبكير بتنفيذ الإجراءات الخاصة بتقوية هوامش الأمان المصرفي، و المالي، وإجراء اختبارات تحمل الضغوط، وتطبيق مجموعة متنوعة من الأدوات الأساسية.
وتشمل آليات إدارة الأزمات التفعيل الكامل لمساعدات السيولة الطارئة، والأطر القوية لتسوية الأوضاع المصرفية، وأنظمة التمويل الكافى للتأمين على الودائع للحد من احتمال حدوث ضغوط مالية وآثار غير مباشرة على الاقتصاد بشكل عام.
كما يجب على البلدان النامية دراسة تطبيق متطلبات الإفصاح عن حجم القروض التى تقدمها البنوك للحكومة ، من أجل تشجيعها على اتخاذ المزيد من إجراءات التحوط فى تحمل مخاطر الإقراض وتعزيز انضباط الأسواق المالية.
