شهد قطاع الأدوية المصرى تحولا كبيرا فى السنوات الأخيرة، مع نمو ملحوظ فى المبيعات خلال عام 2024، وقد أثر على هذا القطاع عدد من العوامل، منها التغيرات الاقتصادية، التقدم الطبي، والطلب المتزايد على الأدوية فى ظل تزايد عدد السكان.
وتبرز أهمية تحليل أداء السوق الدوائية لفهم ديناميكيات النمو والتراجع على مستوى مختلف الفئات العلاجية.
فى هذا التقرير، نقدم نظرة مفصلة عن أداء السوق فى الشهور السبعة الأولى من عام 2024 مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق.
لمحة عامة عن النمو
وفقًا لتقرير صادر عن مؤسسة آى كيوفيا،حصلت “المال” على نسخة منه، حقق السوق الدوائى المصرى مبيعات إجمالية بلغت حوالى 189.8 مليار جنيه خلال الفترة الممتدة من يوليو 2023 إلى يوليو 2024.
أما مبيعات الشهور السبعة الأولى من عام 2024 فقد بلغت 105.7 مليار جنيه، مقارنة مع 74.6 مليار جنيه خلال نفس الفترة من عام 2023، مما يعكس نموا بنسبة %41.8.
وتوقع خبراء فى القطاع أن تتجاوز مبيعات السوق الدوائى حاجز 240 مليار جنيه بنهاية عام 2024، وذلك يشمل مبيعات الأدوية الموردة لوزارة الصحة والهيئات الطبية، إضافة إلى مبيعات المخازن والصيدليات
مبيعات شهر يوليو وحدها حققت قفزة نوعية وفقا لتقرير آى كيوفيا، حيث سجلت 17.5 مليار جنيه فى يوليو 2024 مقارنة مع 12.09 مليار جنيه فى يوليو 2023، مما يعكس نسبة نمو بلغت %45.1.
ورغم هذا النمو الكبير فى المبيعات، فقد شهد السوق انخفاضا طفيفا فى عدد الوحدات المباعة بنسبة %3.1، حيث بلغ عدد الوحدات المباعة فى يوليو 2024 حوالى 226 مليون وحدة مقارنة مع 233 مليون وحدة فى يوليو 2023.
استفادت مختلف الفئات العلاجية من هذا النمو بنسب متفاوتة، ويرصد التقرير مقارنة مفصلة لأداء بعض الفئات العلاجية الرئيسية خلال الأشهر السبعة الأولى من عامى 2024 و2023.
الصرع
شهدت هذه الفئة نموًا ملحوظًا، حيث بلغت مبيعاتها 3.2 مليار جنيه خلال عام 2024 مقارنة بـ 2 مليار جنيه فى 2023، مما يمثل زيادة بنسبة %60.
أما من حيث الوحدات المباعة، فقد شهد السوق بيع 29.6 مليون وحدة فى 2024 مقارنة بـ 25.7 مليون وحدة فى 2023.
المضادات الحيوية للعدوى التنفسية
حققت مبيعاتها 10.75 مليار جنيه خلال 2024 مقارنة بـ 7.2 مليار جنيه فى 2023، مما يعكس نموًا بنسبة %49.
كما ارتفع عدد الوحدات المباعة إلى 177.76 مليون وحدة مقارنة بـ 154.87 مليون وحدة فى نفس الفترة من العام السابق.
الأسنان
رغم ارتفاع مبيعات هذه الفئة بنسبة %28.3 لتصل إلى 455 مليون جنيه، فقد شهدت انخفاضًا فى عدد الوحدات المباعة من 11.84 مليون وحدة فى 2023 إلى 9.36 مليون وحدة فى 2024.
علاجات التقرحات
نمت مبيعاتها بنسبة %47.6 لتصل إلى 6.23 مليار جنيه مقارنة مع 4.22 مليار جنيه فى 2023، كما ارتفع عدد الوحدات المباعة إلى 91.74 مليون وحدة مقارنة مع 83.62 مليون وحدة فى 2023.
القلب والشرايين
حققت هذه الفئة مبيعات بلغت 10.13 مليار جنيه فى 2024 مقارنة مع 7.04 مليار جنيه فى 2023، بنمو نسبته %43.9، ورغم هذا النمو فى الإيرادات، كان هناك زيادة طفيفة فقط فى عدد الوحدات المباعة بنسبة 4%، ليصل عددها إلى 127.93 مليون وحدة.
كان أداء الفئات المتخصصة ملفتًا أيضًا، مع تسجيل نمو كبير فى المبيعات رغم بعض التحديات المتعلقة بتوافر العلاجات وتقلب الأسعار.
ضعف الانتصاب
شهدت هذه الفئة نموًا قويًا بنسبة %59.9، حيث بلغت المبيعات 2.83 مليار جنيه خلال الشهور السبعة الأولى من 2024 مقارنة بـ 1.77 مليار جنيه فى 2023، كما ارتفع عدد الوحدات المباعة إلى 31.24 مليون وحدة مقارنة مع 26.54 مليون وحدة خلال نفس الفترة من العام السابق.
السكري
استمرت فى النمو لتسجل مبيعات بلغت 6.88 مليار جنيه مقارنة مع 4.96 مليار جنيه فى 2023، مما يعكس نموًا بنسبة %38.9، كما ارتفع عدد الوحدات المباعة بنسبة %9 ليصل إلى 45.94 مليون وحدة فى 2024.
علاجات التشنجات والاضطرابات
نمت مبيعات هذه الفئة بنسبة %44.8 لتصل إلى 1.73 مليار جنيه مقارنة مع 1.19 مليار جنيه فى 2023، أما بالنسبة للوحدات المباعة، فقد شهد السوق استقرارًا عند 39.34 مليون وحدة فى كل من عامى 2023 و2024.
الأورام
ارتفعت مبيعاتها بشكل كبير لتصل إلى 1.5 مليار جنيه خلال الشهور السبعة الأولى من 2024، مقارنة مع 964.4 مليون جنيه فى 2023، بزيادة نسبتها %55.9، كما تضاعف عدد الوحدات المباعة ليصل إلى 758.6 ألف وحدة مقارنة مع 372.8 ألف وحدة فى 2023.
علاجات مضادات التقيؤ والالتهابات
حققت هذه الفئة مبيعات بلغت 578.8 مليون جنيه خلال 2024 مقارنة مع 469.6 مليون جنيه فى 2023، مما يعكس نموًا بنسبة %23.3، رغم ذلك، شهدت تراجعًا طفيفًا فى عدد الوحدات المباعة بنسبة %3.7 لتصل إلى 6.15 مليون وحدة.
التوقعات المستقبلية
يتوقع الخبراء أن يستمر النمو القوى فى سوق الدوائى المصرى خلال السنوات القادمة، مدفوعًا بزيادة الاستثمار فى قطاع الصحة، التوسع فى توفير الرعاية الصحية، والابتكارات الجديدة فى صناعة الأدوية.
ويؤكد التقرير على الأداء القوى للسوق الدوائى المصرى فى عام 2024، رغم التحديات المرتبطة بتراجع بعض الوحدات المباعة، يعكس هذا النمو الكبير تحسنًا فى الاقتصاد المصرى وزيادة فى الوعى الصحى بين المواطنين.
من المتوقع أن يستمر هذا النمو فى المستقبل، مما سيوفر فرصًا جديدة للابتكار والتوسع فى القطاع الدوائي.
من جانبه، قال الدكتور إسلام عنان، أستاذ اقتصاديات الصحة وعلم انتشار الأوبئة، إن التقرير الخاص بمبيعات الأدوية يكشف عن نمو واضح فى السوق المصري، معتبرا أن هذا النمو، ورغم كونه نموا اسميا مرتبطا بزيادة القيمة الأسمية للمبيعات، إلا أنه يعكس استقرارا فى القوة الشرائية.
وأوضح عنان فى تصريحات لـ”المال”، أن هذه الأرقام تأخذ فى الاعتبار الأسعار بالجنيه المصري، دون تحويلها إلى عملة التثبيت مثل الدولار الأمريكي، وهو ما يؤثر بشكل كبير على تقييم النمو الحقيقى لمبيعات الأدوية.
أثر تقلبات سعر الصرف
مع ذلك، شدد عنان على أن تأثير سعر صرف العملة يجب أن يؤخذ فى الاعتبار عند تحليل هذا النمو، فارتفاع أسعار الأدوية، نتيجة تقلبات سعر الصرف، يفرض تحديات كبيرة على القطاع، معتبرا أنه رغم هذه التحديات، إلا أن السوق المصرى للأدوية ما زال قادرا على المحافظة على استقراره بفضل السياسات الحكومية التى هدفت إلى زيادة ميزانية شراء الأدوية وتوفير الدعم للشركات المحلية.
وأوضح عنان أن هذه السياسات ساهمت فى تخفيف الأثر السلبى لتقلبات سعر الصرف على المبيعات، ففى الكثير من الأحيان، تؤدى انخفاضات قيمة العملة إلى تقليص القوة الشرائية وانخفاض الطلب، ولكن الوضع فى مصر يختلف بعض الشيء، حيث ساهمت السياسات الحكومية فى تحقيق استقرار نسبى فى السوق، مما جعل القطاع قادرًا على الاستمرار فى النمو رغم التحديات.
الزيادة فى مبيعات الأدوية المتخصصة
واحدة من النقاط التى لفت إليها الدكتور إسلام عنان هى الزيادة الملحوظة فى مبيعات الأدوية المتخصصة، مثل أدوية الأمراض المزمنة وأدوية الأورام، ووفقا له، شهدت هذه الفئة من الأدوية نموا سريعا فى السوق المصري، وهو ما يعزى إلى الاستقرار الذى حققته الحكومة فى القطاع الصحى عبر سياسات مثل المناقصات الموحدة وزيادة الميزانيات المخصصة لشراء الأدوية.
كما أشار إلى أن هذه المناقصات والتى تتم عبر هيئة الشراء الموحد، سمحت بتأمين الأدوية المتخصصة بأسعار معقولة مقارنة بالأسواق الأخرى، مما أدى إلى انخفاض تكاليف العلاج لبعض الأمراض بنسبة تصل إلى 60 - %70 داخل النظام الصحى العام، وهو ما يعكس تأثيرا إيجابيا على المواطنين وقدرتهم على تحمل تكاليف العلاج.
استراتيجية توطين صناعة الأدوية فى مصر
إضافة إلى ذلك، تطرق عنان إلى استراتيجية توطين صناعة الأدوية فى مصر، التى تلعب دورا كبيرا فى تعزيز الاستقرار فى السوق المحلي.
وأكد أن هذه الاستراتيجية ساهمت فى تقليل الاعتماد على استيراد الأدوية والمواد الخام، مما ساعد على مواجهة التحديات المرتبطة بتقلبات سعر الصرف وتكاليف الاستيراد.
ولفت إلى أن الدولة، من خلال مبادراتها الرئاسية، تعمل على تحسين مستوى الرعاية الصحية وضمان توفر الأدوية بأسعار معقولة، وهو ما يسهم فى استدامة الإنتاج وضمان التوازن بين التكاليف والتوافر.
وفى هذا السياق، أشار عنان إلى أن القطاع الصحى المصري، خاصة فيما يتعلق بالأدوية المتخصصة، أصبح جاذبا للاستثمارات الأجنبية، فقد زادت ثقة المستثمرين بفضل الجهود المبذولة لتوطين صناعة الأدوية وتحسين البيئة الاستثمارية فى هذا القطاع، مما يعزز من قدرات مصر فى توفير الأدوية المتقدمة والعلاجات الحديثة.
تأثيرات انخفاض قيمة الجنيه المصرى على الإنتاج
وتحدث عنان عن تأثير انخفاض قيمة الجنيه على عمليات إنتاج الأدوية، محذرا من أن أى تخفيض إضافى فى قيمة العملة قد يخلق تحديات جديدة.
وأوضح أن ارتفاع تكلفة استيراد المواد الخام نتيجة تراجع قيمة الجنيه المصرى سيؤثر على عمليات الإنتاج ويزيد من تكاليف الأدوية، ومع ذلك، أكد أن الشركات المحلية تعمل جاهدة للتكيف مع هذه التحديات لضمان استمرارية الإنتاج وتوفير الأدوية بأسعار مناسبة للمواطنين.
وأشار إلى أن السوق المصرية للأدوية شهدت بعض الصعوبات خلال عام 2023 بسبب نقص فى بعض الأصناف نتيجة مشاكل التسعير وتقلبات سعر الصرف، لكن الوضع بدأ فى التحسن تدريجيا خلال الربع الثالث من العام الحالي.
ويبدو أن السياسات الحكومية التى اتبعت لضبط أسعار الأدوية وإعادة تنظيم السوق ساعدت فى تقليل تأثيرات هذه التقلبات على السوق المحلي.
على صعيد متصل، تحدث الدكتور محمد عمرو، خبير صناعة الدواء، عن العوامل التى ساهمت فى النمو الكبير لسوق الأدوية فى مصر.
وأوضح عمرو فى تصريحات لـ”المال”، أن الزيادة السكانية فى مصر هى أحد العوامل الرئيسية التى أدت إلى زيادة الطلب على الأدوية والعلاجات.
وأضاف أن التحسن التدريجى فى الأوضاع الاقتصادية وزيادة الاستثمارات فى القطاع الصحى ساهمت بشكل كبير فى تحسين الرعاية الصحية وزيادة توافر الأدوية فى السوق المحلية.
وأكد عمرو أن زيادة الوعى الصحى لدى المواطنين دفعت الكثيرين إلى التركيز على الوقاية من الأمراض، مما ساهم فى زيادة الطلب على الأدوية، لافتا إلى أن التقدم التكنولوجى فى صناعة الأدوية والابتكارات الجديدة أدت إلى تحسين العلاجات المتاحة، مما ساعد فى رفع معدلات المبيعات لبعض الفئات العلاجية.
توقعات بتحسن استقرار السوق نهاية 2024
وتوقع عمرو أن يشهد السوق الدوائى فى مصر استقرارا نهاية أكتوبر المقبل، مؤكدا أن الإجراءات التى اتخذتها الحكومة لعبت دورا كبيرا فى حل أزمة الخامات الدوائية.
وأوضح أن التسهيلات المقدمة فى الموانئ لتسريع الإفراج عن المواد الخام ساعدت على تحسين الأوضاع فى السوق المحلي، كما أشار إلى أن الخطوة الأخيرة التى أعلنت عنها هيئتا الدواء والشراء الموحد، والتى تهدف إلى تجميع طلبات الشركات من المواد الخام غير الفعالة واستيرادها دفعة واحدة، تساهم فى خلق استقرار أكبر فى السوق وتقليص فاتورة الاستيراد والنفقات العامة للشركات.
وفى ختام تصريحاته، أشار عمرو إلى أن سوق الأدوية المصرى ما زال يعد واحدا من أكثر الأسواق جاذبية للاستثمارات الأجنبية والمحلية على حد سواء.
وأوضح أنه من المتوقع أن تتجاوز مبيعات السوق الدوائى فى مصر بحلول نهاية عام 2024 حاجز الـ 240 مليار جنيه، وهو ما يؤكد جاذبية السوق واستمرارية نموه.
وأضاف أن الحكومة المصرية تعمل بشكل جاد على تعزيز بيئة الاستثمار فى قطاع الأدوية، خاصة من خلال توفير تسهيلات للشركات المحلية والأجنبية، مما يسهم فى جذب المزيد من الاستثمارات وتعزيز قدرات مصر فى هذا المجال الحيوى.
