يعد التأمين أحد أهم الطرق التى تلجأ إليها المؤسسات فى التعامل مع المخاطر التى تواجهها، حيث تعد شركات التأمين المكلفة بتحمل المخاطر جهات متخصصة فى التعامل معها، بينما تظهر أهمية التأمين فى العديد من مجالات التنمية الاقتصادية والاجتماعية على نحو يؤدى إلى زيادة كفاءة الإنتاجية من خلال الأمن الذى يحققه فى نفوس المؤمن عليهم، كما يضمن استمرارية المشروعات الاقتصادية من خلال توفير الأموال لإصلاح الأضرار.
كما يمكّن التأمين المشروعات من معرفة الخسائر التى ستتحملها مسبقا، مما يعد مصدرا مهما لتمويل خطط التنمية الاقتصادية، لا سيما وأن المؤسسات الصناعية اليوم تعمل فى بيئة شديدة التقلب، مما يعرضها لمجموعة كبيرة من المخاطر الصناعية التى قد تؤدى إلى فشلها أو تترتب عليها عواقب لا يمكن السيطرة عليها، وهذا يستلزم من هذه المؤسسات التعرف على مصادر هذه المخاطر فى مواجهة الظروف المعقدة التى تهددها.
ويتأثر تأمين المخاطر الناشئة عن الذكاء الاصطناعى ببعض الآثار المتجسدة فى العوامل القانونية والتقنية، بالإضافة إلى عوامل أخرى، تؤثر بشكل كبير على قابلية التأمين لهذه المخاطر وقيم التأمين الخاصة بها، ولذلك، أصبح التأمين أحد الركائز الأساسية للمجتمعات الحديثة، لما له من فوائد ومزايا اجتماعية واقتصادية وقانونية كبيرة.
فالتأمين عامل مهم تعتمد عليه الدول الحديثة لمواجهة الفقر الناجم عن البطالة والعجز والشيخوخة والوفاة، كما أنه يسهم فى حماية المجتمع وغرس الراحة والاطمئنان من خلال حماية الأفراد من الخسائر وتحقيق الاستقرار والتوازن الاجتماعى، كما يساهم فى الجوانب الاقتصادية من خلال تمويل وإنشاء مشروعات جديدة عبر جمع الأقساط من المؤمن عليهم وإيداعها فى البنوك، وبدورها تمول المؤسسات الإنتاجية والمشروعات الاقتصادية، مما يؤدى إلى زيادة الإنتاجية، كما يسهم فى الحفاظ على الثروة المستغلة من خلال دفع التعويضات عن الخسائر التى يتكبدها العاملون فى مختلف فروع النشاط التجارى.
وعلق خبراء تأمينيون على أن البيانات المالية لأزمة “ كراود سترايك” الأخيرة -على سبيل المثال- أظهرت خسائر كبيرة بسبب زيادة تكاليف إعادة التأمين على الروبوتات والرقمنة والتكنولوجيا، وقد ارتفعت هذه التكاليف مع زيادة تغطية الشركة لتخفيف المخاطر المرتبطة بتوسيع عملياتها والاستثمار فى حلول الأمن السيبرانى المتقدمة، وفى الوقت نفسه، شهدت سوق إعادة التأمين تقلبات ملحوظة، وساهم ارتفاع أقساط التأمين وقلة السعة التأمينية بهذا القطاع فى زيادة تكاليف التشغيل للشركات.
جذب اهتمام شرائح مختلفة من المجتمع
وأشار وائل ثروت، الخبير التكنولوجى، إلى أن بعض الشركات دشنت منذ سنوات عدّة وثائق تأمين لمخاطر الأمن السيبرانى والروبوتات، مثلما أعدت شركة التأمين البريطانية (HSB Engineering Insurance) وثيقة تأمين ضد الهجمات الإلكترونية والمخاطر ذات الصلة، بما فى ذلك انقطاع الأعمال وتلف السمعة للشركات التى لا يتجاوز حجم مبيعاتها 15 مليون دولار، وكذلك المؤسسات المتوسطة التى لا يتجاوز حجم مبيعاتها 75 مليون دولار.
وتغطى تلك الوثيقة تكاليف الإصلاح التى تتحملها المؤسسة فى حالة حدوث خرق للبيانات، والاحتيال الإلكترونى، والمسئولية المدنية الناجمة عن خرق النظام الإلكترونى، وانقطاع الأعمال الناتج عن خرق البيانات، بما فى ذلك الضرر الذى يلحق بسمعة المؤسسة.
وهكذا، فقد كانت تلك بداية لجذب اهتمام شرائح مختلفة من المجتمع، فقد أصبح الجميع معتادا على التعامل مع الوسائل الرقمية التى تعتمد على المعلومات، لذلك أصبح أمن هذه المعلومات محل اهتمام الجميع، عبر سياسات وأدوات تواجه التهديدات التى تتعرض لها المعلومات الرقمية وغير الرقمية.
وأوضح “ثروت” أن شركات التأمين تجمع العديد من المخاطر، من أجل أن تكون قادرة على الوفاء بالتزاماتها عند حدوث الخطر المؤمن عليه من خلال إجمالى الأقساط المدفوعة، وبالتالى، لا يحدث التأمين إلا فى إطار مجموعة من المخاطر المتجانسة داخل مشروع منظم.
وأكد أن التأمين يستند إلى حساب الاحتمالات، بهدف تحديد فرص حدوث الخطر علميا خلال فترة زمنية محددة، وعلى الرغم من أن حدوث المخاطر يتم بالصدفة، إلا أنه من خلال إمكانية تحديد حدوث الخطر من خلال علم الإحصاء وقوانين الأعداد، فإن تقدير حدوث المخاطر يعطى، إلى حد ما، نتائج سليمة، بينما يمكن للمؤمن تحديد التزاماته والمخاطر التى يجب تغطيتها، وكذلك مبلغ القسط الذى يلتزم المؤمن بدفعه له بشكل دورى.
سوق إعادة التأمين تواجه عدم يقين كبير
وبينت أمانى الماحى، رئيس قطاع بشركة مصر للتأمين وعضو الاتحاد الأفروآسيوى للتحكيم الدولى، أن شركة “CrowdStrike Holdings“ المتخصصة فى الأمن السيبرانى، أعلنت مؤخرا عن خسائر كبيرة جذبت انتباها واسعا، ورغم حجم الخسائر، فإنها تعد “قابلة للإدارة” ضمن قطاع إعادة التأمين، إذ تسببت أعطال تقنية فى تعطل حركة الطيران العالمية والخدمات المصرفية وبورصة لندن الجمعة 19 من الشهر الماضى، وامتد الاضطراب من الولايات المتحدة إلى آسيا، لا سيما بعدما أعلنت “مايكروسوفت” عن انقطاع فى خدماتها عبر الإنترنت، بسبب تحديث برمجى قامت به “كراود سترايك هولدينج”.
وتابعت أن تحليل الأداء المالى على مدار سنوات مالية ضرورى لتقييم تأثير خسائر إعادة التأمين بشكل دقيق، نظرا للطبيعة الديناميكية لسوق إعادة التأمين، المتأثرة بالعوامل العالمية وتقلبات السوق، بينما يظل قطاع إعادة التأمين تحت ضغط كبير بسبب ارتفاع الأقساط وقلة السعة التأمينية، رغم أن بعض الشركات تتعامل بفعالية مع تلك التحديات، إلا أن القطاع يشهد تقلبات متزايدة، ومع أن الشركات الفردية قد تطبق إستراتيجيات تخفيف المخاطر، إلا أن سوق إعادة التأمين لا تزال غير آمنة وتواجه عدم اليقين.
وأوضحت أن سوق إعادة التأمين تواجه ضغوطا جراء الأحداث العالمية، بما فى ذلك الكوارث الطبيعية والتوترات الجيوسياسية، مما أدى إلى زيادة المطالبات وارتفاع أسعار إعادة التأمين، بينما أثرت تلك الظروف على بنية تكلفة الشركات التى تعتمد بشكل كبير على إعادة التأمين، خاصة تلك التى لديها مخاطر كبيرة واستثمارات ضخمة فى التقنيات الجديدة.
وذكرت أن “كراود سترايك” عدلت إستراتيجيات إدارة المخاطر استجابة لارتفاع تكاليف إعادة التأمين، عبر تحسين محفظة التأمين والتفاوض على شروط أفضل مع شركات إعادة التأمين لإدارة الأقساط والتغطيات المستقبلية، كما تستكشف الشركة حلول إدارة المخاطر البديلة والتغطيات المبتكرة لمواءمة نموها واحتياجاتها التشغيلية.
وأفادت بأن إدارة “كراود سترايك” متفائلة بشأن خطط الشركة على المدى الطويل، رغم التأثير المالى الذى كبدها خسائر جمة، وتعتقد أن الاستثمار فى البنية التحتية والتكنولوجيا الأمنية سيحقق عوائد ضخمة مع نمو الطلب على حلول الأمان القوية.
وأشارت إلى أن خسائر الأزمة المالية الأخيرة لشركة “كراود سترايك” سببها تكاليف إعادة التأمين الكبيرة، إلا أنها قابلة للإدارة فى سياق الأهداف الإستراتيجية للشركة، ومن المتوقع أن تساهم ممارسات إدارة المخاطر والتركيز على النمو على المدى الطويل فى استقرار أدائها المالى وتعزيز مكانتها فى قطاع الأمن السيبرانى.
هل يتأخير اعتماد ونشر الروبوتات؟
وأفاد إيهاب خضر، عضو مجلس الإدارة المعتمد وخبير الإدارة الإستراتيجية، بأن الدور المحورى الذى يلعبه التأمين فى تخفيف المخاطر المرتبطة بالذكاء الاصطناعى وتكنولوجيا المعلومات، إنما يتأتى من خلال توفير التغطية ضد الهجمات السيبرانية، إلا أن شركات التأمين تواجه تحديات كبيرة فى تقييم المخاطر المتعلقة بإنتاج واستخدام وانتشار الروبوتات بأنواعها المختلفة.
وأوضح أن هذه التغطيات تقدم الحماية للشركات والمؤسسات -وأى فرد يمارس نشاطا تجاريا عبر الإنترنت وكذلك الأفراد الذين يستخدمون الإنترنت- من المخاطر المرتبطة باستخدام الشبكات، وبشكل أوسع، إنما هى تأمين ضد المخاطر المتعلقة ببنية تكنولوجيا المعلومات وأنشطتها.
وأكد أن شركات التأمين تواجه تحديات شائكة للغاية فى تقييم المخاطر المرتبطة بإنتاج واستخدام وانتشار الروبوتات بأنواعها المختلفة، حسب التنوع والتعقيد الكبير للروبوتات الذى يجعل من الصعب تحديد وتوقع الخسائر التى قد تسببها، وبالتالى إدارتها، وفى بعض الحالات، يكون من غير الواضح أى طرف يتحمل المسئولية، وبالتالى من هو صاحب المصلحة فى المطالبة بالتغطيات، ونتيجة لذلك، قد يؤدى ذلك إلى رفض التأمين على بعض أنواع الروبوتات أو استخدام وثائق تأمين قياسية غير كافية لمعالجة المخاطر التى تشكلها هذه الروبوتات أو طرح أقساط تأمين مرتفعة للغاية من قبل شركات التأمين، مما يؤدى فى النهاية إلى تأخير انتشار الروبوتات.
وألمح إلى أن معالجة جميع هذه المشكلات لا يمكن أن يتم بنجاح من خلال فرض لوائح قانونية جديدة على المنتجين والمشترين فقط، كما حدث مع الطائرات بدون طيار فى إيطاليا، وقد يؤدى ذلك فى الواقع إلى تفاقم المشكلة بالإضافة إلى تأخير اعتماد ونشر الروبوتات.
وجدير بالذكر، أن شركة “سويس رى” العالمية لإعادة التأمين نشرت تقريرا جديدا أشارت فيه إلى أن تهديدات الإنترنت والمخاطر والهجمات السيبرانية تتطور بسرعة بسبب التحول الرقمى المتزايد، بينما تظهر الهجمات السيبرانية البارزة الأخيرة أن الخسائر المحتملة فى هذا المجال تتوسع أيضا، مع زيادة الأضرار المالية والمادية المرتبطة بانتهاكات خصوصية البيانات والأصول المادية وغير المادية للشركات، بما فى ذلك تكلفة تعطيل الأعمال.
ثروت: أمن المعلومات محل اهتمام الجميع
الماحى: من الضرورى تحليل الأداء المالى لتقييم تأثير خسائر الإعادة
خضر: حل المشكلات لا يكون بفرض قوانين على المنتجين والمشترين
