بدأت المسيرة التطبيقية للتأمين التكافلى من خلال إنشاء بنك فيصل السودانى أول شركة تأمين إسلامية فى العالم فى 1979 بالسودان، مرورا بإنشاء الشركة الإسلامية العربية للتأمين (إياك) فى 1980 وكان مقرها القانونى فى دبى والفعلى فى جدة، وتبعها فى 1982 إنشاء شركة التكافل الإسلامية )البحرين) التابعة لدار المال بالرياض، وفى 1984 إنشاء شركة التكافل الماليزية بكوالالمبور، و”بيت التأمين السعودى التونسى” بتونس، و”البركة للتأمين” بالخرطوم.
وكشف صندوق النقد العربى أن قطاع التأمين التكافلى لا يزال يشكل أصغر نسبة من بين جميع قطاعات صناعة التمويل الإسلامى، حيث لا تتجاوز حصته %2، ومع ذلك، تجاوز حجم سوق التكافلى العالمى 30 مليار دولار فى عام 2023، بينما توقع الصندوق فى تقريره لإجمالى أعمال 2023 أن يستمر القطاع فى تحقيق معدلات نمو تتراوح بين 5 و%8 سنويا فى السنوات المقبلة، وهو معدل نمو قوى بالنظر إلى طبيعة أسواق التأمين بشكل عام، وأرجع الصندوق توقعات النمو إلى زيادة الوعى بالتمويل الإسلامى بين المستهلكين واعتماد سياسات حكومية داعمة من قبل العديد من الدول والتقدم التكنولوجى المستمر.
وأشار صندوق النقد العربى إلى أن التأمين التكافلى يواجه تحديات، داخلية مثل صعوبة تسعير الأخطار ومخاطر الاختيار بسبب انعدام المعلومات والحاجة إلى أطر للحوكمة وإدارة المخاطر، وخارجية انخفاض النمو الاقتصادى تبعا لسياسات التشديد النقدى التى تخلف ضغوطا على قطاع التأمين بشكل عام والتأمين التكافلى خاصة، وسط زيادة المطالبات بسبب الخسائر الكبيرة التى تعرض لها قطاع الأعمال وانخفاض عوائد الاستثمار والحد من توافر أدواته التى يجب أن تتوافق مع الشريعة.
وأوضح الصندوق أن هذه التحديات تستلزم من السلطات الرقابية والإشرافية فى الدول العربية دعم قطاع التأمين التكافلى على جميع المستويات، والعمل على توفير بيئة مناسبة له من خلال الإشراف الفعال، وتحديد أهم التحديات القانونية والفنية التى يواجهها القطاع لتوفير بيئة أعمال مواتية.
وأكد عدد من خبراء التأمين لـ”المال” أن التوقعات تشير إلى أن التأمين التكافلى سيكون الاختيار الأول للبلدان الإسلامية فى المستقبل، مما يلقى بمزيد من المسئولية على تلك الصناعة للاهتمام بالكيف والكم، وهذا يتطلب مواجهة التحديات التى تواجه هذه الصناعة، من خلال وضع رؤية إستراتيجية تحقق لتلك الصناعة المصداقية الشرعية جنبا إلى جنب مع الكفاءة الاقتصادية والاجتماعية.
وأوضحوا أهمية بيان الأسس التى يستمد منها التأمين شرعيته، والضوابط الحاكمة له، التى تبرز أوجه الاختلاف الجوهرى بينه وبين التأمين التقليدى، وجعل هذا الأمر فى مقدمة أولويات شركات التأمين التكافلى لنشر الوعى به، مستخدمة فى ذلك وسائل الإعلام والنشر، وتقليل هوة الاختلافات الشرعية فى صناعة التأمين التكافلى، من خلال التركيز على الاجتهاد الجماعى فى المجامع الفقهية، كما ينبغى وضع ما انتهت إليه معايير المحاسبة والمراجعة موضع التنفيذ بصورة إلزامية.
وشددوا على ضرورة إنشاء وتطوير بنية تشريعية ملائمة للتأمين التكافلى وتكوين بنية تشريعية متكاملة تتيح الانطلاق، فيما يتعلق بالتشريع القانونى لنظام التأمين أو المالى أو القضائى وغيرها، مع تفعيل دور الرقابة الشرعية، إضافة إلى تدعيم الدور التنافسى لشركات التأمين التكافلى، من خلال زيادة رأسمال تلك الشركات وتشجيع الاندماج فيما بينها وحسن تسويق نفسها وتعيين كفاءات بشرية تجمع بين المعرفة والخبرة الفنية، وبذل المزيد من الجهد نحو إنشاء شركات إعادة تأمين تكافلى للخروج من نفق اللجوء لشركات إعادة تأمين تقليدى تحت ضغط الضرورة أو الحاجة.
تحقيق الأمان للمشتركين والإسهام فى التنمية
وأشارت الدكتورة باسمة مندور، نائب رئيس قطاع القناة بشركة ثروة للتأمين، إلى أن التأمين التكافلى نظام مؤداه التعاون بين مجموعة من الأشخاص فى تحمل الضرر الذى يصيب أحدهم أو أكثر، لتحقيق الأمان للمشتركين والإسهام فى عملية التنمية ودعم عمليات المصارف والمؤسسات المالية، بينما يحكم التأمين التكافلى أسس عامة تتمثل فى التعاون، وخاصة تتمثل فى الالتزام بالتبرع والوقف.
وأوضحت أن التأمين التكافلى يختلف عن التأمين التقليدى أو التجارى، بينما من أهم المقومات التى تفتح المجال أمام التأمين التكافلى للتطور والانتشار الحاجة الفعلية والحقيقية إليه عند أطياف من المسلمين الذين يشكون فى حلّ التقليدى من التأمين، ورغبة منهم وجود بديل شرعى، فضلا علن التوجه الملحوظ لعدد من شركات التأمين العالمية فى الدول الغربية نحو التأمين وإعادة التأمين التكافلى.
وأكدت أن التأمين التكافلى يواجه تحديات رئيسة تتمثل فى افتقاد وجود بنية تشريعية ملائمة للتأمين التكافلى وغياب أو ضعف أو صورية الرقابة الشرعية والمنافسة بين شركات التأمين التكافلى ونظيرتها التقليدية، فضلا عن انخفاض الوعى بالتأمين التكافلى لدى الجمهور من المتعاملين به أو المشجعين لاقتنائه.
وتوقعت أن التأمين التكافلى سيكون الاختيار الأول للبلدان فى المستقبل، بينما تتطلب مواجهة التحديات التى تواجه التأمين التكافلى حاليا ومستقبلا وضع رؤية إستراتيجية تحقق لتلك الصناعة المصداقية إلى جانب الكفاءة الاقتصادية والاجتماعية، وتقوم هذه الرؤية على إزالة اللبس عن شرعية التأمين التكافلى وتقليل هوة الاختلافات الشرعية فى صناعة التأمين التكافلى وإنشاء وتطوير بنية تشريعية ملائمة لصناعة التأمين التكافلى وتفعيل دور الرقابة الشرعية فى صناعة التأمين التكافلى وتدعيم الدور التنافسى لشركات التأمين التكافلى وبذل المزيد من الجهد نحو إنشاء شركات إعادة تأمين تكافلى وخروج صناعة التأمين التكافلى من ضيق التقليد للتأمين التقليدى إلى سعة الأسس الفنية للتأمين التكافلى.
التحديات تلقى بظلالها على التأمين التكافلى
وقال أحمد إبراهيم، خبير التأمين الاستشارى، إن المقومات المتاحة أمام التأمين التكافلى منذ قيام أول شركة تأمين إسلامية فى السودان فى 1979 لم تتح للقطاع التطور بالقدر الذى ميز البنوك الإسلامية التى بدأت عملها فى 1975، فأدوات وصيغ العمل فى البنوك قد تطورت على صعيد الاستثمار والتمويل وما يتبعهما من صيغ الاحتماء والتحوط، غير أن صيغ العمل فى شركات التأمين جمدت من حيث الشكل عند الصيغ والقوالب التقليدية لوثائق التأمين، بل إنها عجزت عن تقديم بعض الخدمات التأمينية التى تقدمها شركات التأمين التقليدية مثل التأمين الصحى أو حتى تقديم خدمة التأمين على السيارات والسلع وغيرها من الممتلكات بالجودة المطلوبة.
وأشار إلى أن أهم التحديات التى ما زالت تلقى بظلالها على التأمين التكافلى فى الوقت الحالى وتحتاج إلى رؤية إستراتيجية لمواجهتها مستقبلا، الجدل الدائر حول مشروعية التأمين من الأساس، فقد تجعل من هذا التأمين يدور فى دائرة مغلقة، واستغلال الاختلافات الشرعية فضلا عن الاختلافات فى التكييف الشرعى للتأمين التكافلى ذاته.
وتابع أن البنية التشريعية لنشأة وتطور شركات التأمين التكافلى تختلف اختلافا ملحوظا بين البلدان، فيوجد بلدان وضعت بنية تشريعية لانطلاق شركات التأمين التكافلى بينما بلدان أخرى لا تولى عناية كاملة لهذا الأمر فبنيتها التشريعية لا فرق فيها بين التأمين التكافلى والتقليدى كما فى مصر، فى حين أن هناك بلدانا قامت على وضع بنية تشريعية للتأمين التكافلى إضافة إلى التأمين التقليدى كما فى ماليزيا، التى كشفت تجربتها عن أهمية دور البنية التشريعية فى انطلاق التأمين التكافلى.
وأكد أن الرقابة الشرعية تعكس مصداقية العمل التأمينى وقبوله لدى جموع المسلمين، بينما هى فى صورتها الحالية تعد تحديا رئيسا للعديد من شركات التأمين التكافلى، فى ظل صوريتها فى كثير من الشركات.
قصور فى نشر ثقافة التأمين
وذكر العضو المنتدب لشركة وساطة تأمينية، رفض ذكر اسمه، أن المنافسة بين شركات التأمين التكافلى والتقليدى من أهم التحديات التى تواجه صناعة التأمين التكافلى، حيث توجد مواطن قوة عديدة لدى تلك الشركات التقليدية يأتى فى مقدمتها الخبرات التى تتسم بها نتيجة لقدمها فى ممارسة النشاط وما تملكه من قدرات بشرية وتسويقية وتكنولوجية فى هذا الشأن، فضلا عن قدراتها المالية المتراكمة، ومن ثم قدرتها على تقديم الخدمة التأمينية بصورة أفضل، سواء من حيث السعر أو جودة الخدمة.
وأضاف أن شركات التأمين التكافلى ما زالت حديثة النشأة، بينما جاءت قدراتها البشرية فى مجملها من شركات تأمين تقليدى يجهل عدد ليس هينا منها الفرق بين التأمين التكافلى والتقليدى، ومن ثم غلب على ذهنهم تطبيق نظام التأمين التقليدى فى شركات “التكافلى”، فضلا عن ضآلة رءوس أموال شركات التأمين التكافلى إذا ما قورنت بشركات التأمين التقليدى، وكذلك فيما يتعلق بحصتها من التأمين عالميا، إضافة إلى عدم وجود شركات إعادة تأمين تكافلى بالقدر الكافى فى الوقت الذى تنتشر فيه شركات إعادة التأمين التقليدى.
وأشار إلى أن التأمين التكافلى ما زال يعانى من انخفاض الوعى به لدى جمهور المسلمين، حتى صار الخلط بينه وبين التأمين التقليدى واقعا ملموسا عند عدد ليس بالقليل منهم، كنتيجة طبيعية لقصور واضح فى نشر ثقافة التأمين، حتى إن قطاعا ليس هينا يفضل الإحجام عن التأمين، سواء أكان تكافليا أو تقليديا، لضبابية الرؤية الشرعية وانعدام الثقة وسدا للذرائع.
مندور: سيكون الاختيار الأول لبعض الدول فى المستقبل
إبراهيم: البنية التشريعية لنشأته وتطوره وقوانينه تختلف من بلد لآخر
وسيط تأمينى: يعانى من الخلط بينه وبين «التقليدى»
