حجَّم ارتفاع أسعار الفائدة توسعات شركات النقل الجماعى (المينى باص) العاملة فى محافظات القاهرة الكبرى، بالتزامن مع زيادة مصروفات التشغيل بشكل عام، وفقًا تصريحات لـ5 رؤساء شركات لـ”المال”.
وقررت لجنة السياسات النقدية فى البنك المركزى المصري، خلال اجتماعها الخامس هذه السنة الذى عقد يوم 18 يوليو الماضي، الإبقاء على أسعار الفائدة من دون تغيير، بما يتماشى مع توقعات السوق، ليبلغ عائد الإيداع والإقراض فى مصر لليلة واحدة وسعر العملية الرئيسية للبنك المركزى %27.25 و%28.25 و%27.75، على الترتيب.
كان البنك المركزى المصري، رفع فى اجتماع استثنائى أول مارس الماضي، أسعار الفائدة بواقع 600 نقطة أساس، وذلك لكبح جماح التضخم، لتزيد أسعار الفائدة بإجمالى 1900 نقطة منذ مارس 2022، سبق هذا القرار بساعات، تحرير سعر الصرف فى مارس بنحو %60، ليباع الدولار الواحد مقابل 49.37 جنيه مصري.
كشف أحد رؤساء شركات النقل الجماعى بالقاهرة، طلب عدم نشر اسمه، عن تراجع شركته عن توسعات كان مقرر أن تنفذها خلال النصف الثانى من العام الجاري، فى محافظات الوجه البحرى نتيجة ارتفاع أسعار الفائدة الحالية، وصعود أسعار المركبات، ليسجل سعر الأتوبيس المكيف نحو 3 ملايين جنيه، ونحو مليون و700 ألف للمينى باص العادي.
تابع قائلا: “لو ذهبت وأحذت قرضًا بمصروفاته ورسومه سيكون %30، بما يعنى أن الأتوبيس الذى سيصل ثمنه إلى 3 ملايين جنيه، ستكون قيمة الفائدة 900 ألف جنيه، وهذا غير الرسوم التى تدفع فى المرور وجهاز النقل، مما يعنى أنه من المستحيل أن يجازى ثمن التذكرة، وبحسبة بسيطة ستتكلف المصروفات النثرية مليون و100 ألف جنيه بقطع الغيار فقط”.
يبلغ عدد الشركات العاملة فى الوقت الحالى تحت مظلة مشروع النقل الجماعى داخل نطاق القاهرة الكبرى، أكثر من 25 كيانًا، بأسطول يتجاوز ألفى حافلة، تربط المدن الجديدة مثل الشيخ زايد، والعبور والشروق، بالعاصمة.
يشرف جهاز تنظيم النقل- التابع لوزارة النقل- على الشركات التى حصلت على تراخيص عمل بعد تأسيسه عام 2019، بينما تشرف الهيئة على الكيانات التى منحتها رخصة مزاولة النشاط بداية تطبيق مشروع النقل الجماعى فى القاهرة الكبرى عام 2008، الذى استهدف فتح باب مشاركة القطاع الخاص للحكومة فى توفير وسيلة نقل جيدة تساعد على حل أزمة المرور، وتخفيف الضغط على أسطول هيئة النقل العام، من خلال تشغيل وحدات مينى باص 26 راكبًا.
وقال رئيس شركة أخرى، إن كل الكيانات العاملة فى مجال النقل الجماعى استفادت من المبادرات التى أطلقت فى السنوات الماضية، ومنها مبادرة ذات الفائدة %5 تمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة، إلا أنه بعد وقفها أصبحت الشركات ليس لديها القدرة على تمويل توسعاتها سواء من إيراداتها الذاتية، أو البنوك بسبب ارتفاع أسعار الفائدة، وزيادة مصروفات التشغيل وقطع الغيار، بالتزامن مع انخفاض قيمة الجنيه أمام العملات الأجنبية.
فى سياق متصل، قال محمد عبدالمنعم، الخبير المصرفي، إن ارتفاع أسعار الفائدة يزيد من تكلفة الاقتراض للشركات؛ مما يجعلها تتردد فى الحصول على تمويلات جديدة أو إعادة تمويل القروض الحالية. هذا بدوره يؤثر سلبًا على استثماراتها فى تحديث أسطول النقل وتوسيع أعمالها.
سمحت محافظة القاهرة أواخر يوليو الماضي، تعديل تذكرة أتوبيسات النقل، بعد قرار رفع المشتقات البترولية، لتباع تذكرة المينى باص العادى بـ10 جنيهات بدلًا من 8 جنيهات، ومينى باص مكيف 12 جنيهًا، وأتوبيس مكيف 20 جنيهًا.
واقترح الخبير المصرفي، الاعتماد على نظام التأجير التشغيلى باعتباره خيارًا جذابًا للشركات التى ترغب فى تجنب أعباء التمويل الطويل الأجل، إذ يتم دفع أقساط شهرية مقابل استخدام الأصول، ومع ذلك، يجب التأكد من أن الأرباح التشغيلية للشركة كافية لتغطية هذه الأقساط.
وفى التأجير التشغيلى يستفيد المستأجر من الأصول وتشغيلها فى أعماله دون ملكيتها ولفترات زمنية قصيرة، ويتحمل المؤجر تبعات ملكية الأصل من خلال التأمين والتسجيل والصيانة مقابل قيام المستأجر بدفع الأقساط وتشغيل الأصل.
وأوضح أنه على الرغم من مرونته، فإن التأجير التشغيلى غالبًا ما يكون أكثر تكلفة من شراء الأصول بشكل مباشر على المدى الطويل.
وأشار إلى أن الشركات التى تلجأ إلى التأجير التشغيلى هى التى لا تمتلك الأصول، مما قد يحد من قدرتها على التصرف فيها فى المستقبل.
ولفت إلى إمكانية تقديم الحكومة حوافز للشركات لتشجيعها على تحديث أسطولها، مثل تخفيضات ضريبية أو دعم مالى مباشر، مشيرًا إلى أنه يمكن للبنوك تطوير أدوات تمويل جديدة تتناسب مع احتياجات شركات النقل الجماعي.
وأوضح أن إجراءات تشجيع الشركات العالمية على توطين صناعات وسائل النقل التى تتضمن حزمة جديدة من الحوافز الاستثمارية، من بينها إعفاءات ضريبية كبيرة لتشجيع المؤسسات على ضخ المزيد من الاستثمارات فى مصر.
وذكر “عبد المنعم” أنه يمكن للشركات الحكومية للنقل التعاون مع القطاع الخاص لتنفيذ مشاريع تحديث الأساطيل، وذلك من خلال آليات مثل الشراكة بين القطاعين العام والخاص.
واتفق معه وليد عادل، الخبير المصرفي، أن أسعار الفائدة لها تأثير مباشر على تكلفة التمويل للشركات ومنها النقل الجماعي.
وأفاد أن فائدة القروض وصلت 3 أضعاف من %10 إلى %29 بشكل سنوي، بالإضافة إلى تزايد تكلفة سعر المنتج، مما يشكل ضغطًا على شركات النقل الجماعي، ويقلل الطلب عليها.
وأكد أن ارتفاع أسعار الفائدة شكل تحديًا كبيرًا لشركات النقل الجماعى التى تحتاج إلى استثمارات مستمرة لتحديث لتوفير خدمات أفضل.
وأوضح ضرورة تدخل الحكومة لتوفير تمويلات بأسعار فائدة مخفضة كحد أقصى %10 لدعم قطاع النقل العام، وتحسين جودة الخدمات المقدمة للمواطنين.
وطالب الخبير أن يحدد بشكل أكثر دقة الفئات المستفيدة من هذه المبادرة، مثل شركات الأتوبيسات، شركات التاكسي، وشركات النقل العام الأخرى، بحيث لا تقتصر فقط على النقل الجماعي.
واقتراح آليات محددة لتنفيذ هذه المبادرة، مثل إنشاء صندوق لدعم مشاريع النقل أو تخصيص جزء من ميزانية الدولة لهذا الغرض.
