خبراء: التأمين الزراعى «مغناطيس» لشريحة مهمشة

Ad

يعد القطاع الزراعى أحد الركائز المهمة التى تعتمد عليها التنمية الاقتصادية بمصر، بينما تتعرض الزراعة كسائر قطاعات النشاط الاقتصادى للكثير من المخاطر التى قد تلحق بها الضرر، مثل البرد والحرارة الشديدة والجفاف والعواصف والحريق والإصابة بالآفات والحشرات وغيرها من الأخطار، ما يؤدى إلى انخفاض الإنتاجية والعائد المتوقع، وبالتالى ضعف الدور التنموى الذى يقوم به هذا القطاع الهام.

وشهدت الفترة الأخيرة الموافقة على قانون التأمين التأمين الموحد رقم 155 لسنة 2024، الذى سمح فى مادته 163 بتأسيس شركات متخصصة فى التأمين متناهى الصغر، بعد موافقة هيئة الرقابة المالية، بينما تعد تلك خطوة لإضفاء مزيد من الحماية على النشاطات متناهية الصغر، ومنها قطاع الزراعة.

ومن هنا يظهر دور التأمين الزراعى متناهى الصغر الذى يمنح الطبقات الهشة من المزارعين فرص تغطيات بأسعار مناسبة، ما يساهم فى دفع عجلة النمو للقطاع الزراعى.

وترى شركات التأمين التجارى بأن التأمين الزراعى متناهى الصغر وسيلة يمكنها من الوصول إلى الأسواق الكبيرة والمحرومة من خدمات التأمين، فى حين أن المؤسسات التنموية مثل البنك الدولى والأمم المتحدة تركز على قدرته على الحد من الفقر، كآلية لحماية محدودى الدخل ممن لا تشملهم مظلة التأمين التجارى أو الاجتماعى ضد مخاطر محددة فى مقابل أقساط زهيدة منتظمة تتناسب مع احتمالات وقوع الخطر وتكلفة خسائره.

وأكد عدد من خبراء التأمين لـ”المال” أن التأمين متناهى الصغر يستهدف فى المقام الأول ذوى الدخول المنخفضة كالموجودين فى الاقتصاد غير الرسمى والمحرومين من خطط التأمين التجارى والاجتماعى الرسمى، فهؤلاء العملاء لا يملكون تدفقات نقدية منتظمة بينما فرص حصولهم على التأمين الرسمى محدودة، فى حين لا تستهدفهم شركات التأمين التقليدية أساسا.

استقرار المجتمع الزراعى

وبينت الدكتورة باسمة مندور، نائب رئيس قطاع القنال بشركة ثروة للتأمين، أن قطاع الزراعة المصرى يواجه العديد من الأخطار رغم صغر المساحات الزراعية نسبة لحجم البلاد (%3.6) بينما هنالك فئات كثيرة تعمل فى قطاع الزراعة، فضلًا عن توفير القطاع الأمن الغذائى للسكان، ويمد القطاعات الاقتصادية الأخرى بما تحتاجه من المدخلات الإنتاجية، كما يستوعب القطاع الزراعى العمالة بشكل كبير عن طريق توظيف الأيدى العاملة، وتخفيف حدة البطالة.

وأشارت إلى وجود تأثير متبادل بين قطاعى الزراعة والاقتصاد، فكل منهما يعتمد على الآخر، فتنشيط حركة التجارة الزراعية يؤدى إلى تحسين الأنشطة الزراعية التى تنشط حركة الاقتصاد، إلا أن المزار ع البسيط يواجه صعوبات عديدة للوصول إلى المستوى المنشود، ما يستلزم البحث فى طرق واستراتيجيات لتقليل عبء هذه الأخطار من خلال سياسات التأمين الزراعى متناهى الصغر.

وتابعت أن ما يواجه الإنتاج الزراعى من تقلبات إنما يؤثر على باقى قطاعات الاقتصاد، ما يتطلب حماية المحاصيل المختلفة من الأضرار التى تسببها الأخطار الطبيعية التى تتعرض لها الزراعة فى مصر، فالحد من الخسائر التى تسببها الآفات الزراعية بأنواعها المختلفة يعد أحد العناصر المهمة فى مجال تحسين الإنتاجية الزراعية، بينما أصبح من غير المقبول تحمل أى خسارة للمحاصيل وأصبح من الواجب تلافى تلك الخسائر، وتقليل الفاقد من الناتج الزراعى وجعله فى أضيق الحدود.

ولفتت إلى أن التأمين الزراعى باهتمام واسع فى مختلف بلدان العالم، إذ ظهرت فى ثلاثينات القرن الماضى جمعيات تعاونية تزاول التأمينات الزراعية فى المناطق الريفية فى أنحاء عدة من أوروبا ضد أخطار البرد والرياح والحريق، بينما بدأ نظام التأمين الزراعى بالولايات المتحدة فى عام 1938 وزاولته شركة Cooperation Insurance Crop Fedral فى أعقاب إصابة المحاصيل بخطر الجفاف الكامل.

وأفادت بأن التأمين الزراعى متناهى الصغر، يسهم فى استقرار المجتمع الزراعى، عن طريق تقديم التغطيات للمحاصيل الزراعية، لتوفير الحماية الحقيقية لاستثمارات المزارعين، عبر الحد من آثار الخسائر المالية الناتجة عن الكوارث الطبيعية فى السنوات السيئة، وضمان حصول المزارع على دخل لسنوات عديدة، ما يسهم فى تحقيق الاستقرار فى القطاع الزراعى والاقتصاد القومى، فضلًا عن تدعيم موقف المزارعين بخصوص الائتمان الزراعى.

وكشفت أن ذلك النوع من التأمين يشجع البنوك الزراعية على التوسع فى إقراض المزارعين على اعتبار وثيقة التأمين ضمانًا كاملًا، بينما يمنح المزارعين الثقة فى استخدام الآلات والمعدات الحديثة والتوسع فى الاستثمارات الزراعية، بهدف زيادة وتحسين الإنتاج الزراعى، وتشجيع المساعدات المتبادلة والأنشطة الزراعية والتعاونية بين الفلاحين، ما يسهم فى تنمية المدخرات فى المجتمعات الزراعية.

لا بد من مناسبة «متناهى الصغر» لشرائحه

وأوضح هشام شقوير، خبير التأمين الاستشارى، أن الوصول إلى منتج ناجح فى التأمين الزراعى متناهى الصغر، يعتمد على الفهم الجيد للسوق، فالأسواق على اختلاف حجمها ومواقعها الجغرافية تختلف فى متطلباتها واحتياجاتها ومواردها وأنظمتها.

وأضاف أن الزراعة قد تُركت إلى عهد قريب دون تأمين، فيما عدا نقل المحاصيل من أماكن إنتاجها إلى الأسواق المحلية أو العالمية فيتم التأمين عليها ضد مخاطر النقل، ولذلك صُمم التأمين الزراعى متناهى الصغر بهدف تغطية المخاطر التى يواجهها صغار المزارعين، فتأمين المحاصيل يغطى الخسارة فى حالة تلف المحاصيل عن طريق الجفاف أو الكوارث الطبيعية، بينما يقوم المزارعون بدفع أقساط دورية مقابل تعهد شركات التأمين بالتعويض عند تحقق الخطر المؤمن ضده.

وأشار إلى أن منتجات التأمين متناهى الصغر تتطابق مع الاحتياجات الخاصة لذوى الدخول المنخفضة، ولكن لا بد من كتابة شروط الوثائق بلغة واضحة بما يتناسب مع المستوى الثقافى لجموع مستخدميه، مع ضرورة سرعة سداد التعويضات للمستحقين من المزارعين.

وأكد ضرورة استخدام قنوات توزيع تتناسب مع هذا النوع من التأمين، كأفراد متطوعين أو بمقابل بسيط مثل المعلمين وطلبة الجامعات، أو عبر مؤسسات التمويل متناهى الصغر والهيئات غير الحكومية والوكالات الأخرى مثل بائعى التجزئة أو منافذ بيع الموبايلات، إذ تلعب هذه القنوات دورًا مهمًا فى توعية السوق، وتأمين العملاء ذوى الدخول المنخفضة.

وألمح إلى أن التأمين الزراعى متناهى الصغر إنما يعوّض المزارع عن كل أو جزء من الخسائر التى يتعرض لها فى حال حدوثها بما يحقق استمرار المزرارع فى النشاط الاقتصادى، ويؤدى إلى تراكم خبرته وزيادة كفاءته، ومنع الهجرة من القطاع الزراعى إلى القطاعات الأخرى، وزيادة النشاط الاقتصادى الزراعى وتحسين مساهمته فى الناتج المحلى، وزيادة القيمة المضافة للمنتجات الزراعية، فضلًا القدرة على توفير السلع الغذائية الزراعية بأسعار معقولة وزيادة الصادرات، وتحسين دخول المزارعين.

وتابع أن ذلك النوع من التأمين يسهم فى توزيع المخاطر، ما يخلق نوعًا من الاستقرار فى الاقتصاد، كما يحسّن موقف صغار المزارعين فيما يتعلق بالديون الفردية التى تنوء بها كواهلهم من جراء المخاطر الطبيعية التى يتعرضون لها من حين لآخر، ومن ناحية أخرى تقليل الاعتمادات الحكومية المرصودة لدرء آثار الكوارث.

وكشف أن التأمين الزراعى متناهى الصغر يسهم فى الحفاظ على كرامة صغار المزارعين، فعند حدوث فاجعة يلجأ المزارع لأخذ حقه عبر طرق واضحة ولا يقع تحت رحمة الهبات والمعونات والمنح، كما يساعد، من خلال المتابعة اللصيقة لبعض البنود، على تقليل الخسائر وزيادة الإنتاج.

تحديات وحلول وتوصيات

وأشار حسن العمارى، العضو المنتدب لشركة جلوبال أدفايس لوساطة التأمين، أن نقص البيانات والإحصاءات بشأن إنتاج المحاصيل الزراعية والأخطار الطبيعية ومدى جسامتها ومعدلات تكرارها وأماكن وقوعها فى مختلف أقاليم مصر، وكذا حجم الخسائر المترتبة عليها يحول دون إجراء الترتيبات الفنية فى عملية الاكتتاب لهذا النوع من التأمين، إضافة إلى التباين الكبير فى الأساليب الزراعية المستخدمة ونوعية التربة وأحوال الجو، إذ تخلف الأدوات والوسائل المستخدمة فى الزراعة بالبيئة المصرية.

وتابع أن تفتيت الملكية الزراعية وضآلة الوحدات المعرضة للأخطار المشار إليها وانتشارها فى مساحات كبيرة وبُعدها عن الطرق المرصوفة وصعوبة الوصول إليها يؤدى إلى تزايد العوامل المادية والمعنوية المؤثرة فى شدة الخطر.

وأضاف أن الأمية المتفشية بين الفلاحين، وعدم انتشار الوعى التأمينى فى البيئة الزراعية المصرية يعد عائقًا فى فهم مصطلحات الوثائق، فضلًا عن الافتقار إلى الخبراء المدربين على ممارسة أعمال التأمين الزراعى متناهى الصغر.

وأوصى بضرورة تكوين حملات تنتشر بين المزارعين لتوعيتهم بفوائد التأمين الزراعى متناهى الصغر، كما يمكن الاستعانة بوسائل الإعلام، وعقد ندوات فى المجالس القروية والجمعيات الزراعية وفى مقار الأحزاب، للتوعية بفوائد التأمين الزراعى متناهى الصغر للمزارع وللمجتمع.

واقترح أن يتم تحفيز الوسطاء العاملين فى حقل التأمين الزراعى متناهى الصغر وتدريبهم ليقدموا المعلومات الكافية للمزارعين من أجل تمكينهم من اتخاذ قرار مبنى على العلم، مع إقامة حوار مجتمعى حول التأمين الزراعى متناهى الصغر بين صناع السياسة والعاملين فى مجال التأمين والوسطاء والمزارعين من ذوى الدخول المنخفضة.

وشدد وجوب أن يتم تحصيل الأقساط بكفاءة وبشروط سداد مرنة تتلاءم إلى حد بعيد مع مستويات الدخول لشريحة المزارعين محدودى الدخل، فالمزارع الصغير قد يفضل أن يدفع الأقساط أكثر من مرة خلال العام تزامنًا مع مواسم الحصاد.

وذهب إلى ضرورة تفعيل قنوات توزيع مكاتب البريد وخدمات “فورى” التى تصل إلى المزارعين ذوى الدخول المنخفضة، وتخفض تكاليف التسويق وتقليل الأعباء، مع استخدام إجراءات بسيطة وسريعة لتسوية المطالبات، عبر قاعدة بيانات مناسبة للتأمين الزراعى متناهى الصغر، كضرورة لتطوير المنتجات المناسبة للأعضاء وللحرص على حسن التسعير.

العمارى: تفعيل قنوات البريد و«فورى» تخفض تكاليف تسويقه

مندور: يشجع البنوك على إقراض الفلاحين بضمان الوثيقة

شقوير: يسهم فى توزيع المخاطر ويخلق استقراراً فى الاقتصاد